الافتتاحية
بصدور هذا العدد: الثامن عشر؛ تكون مجلة البيان قد أكملت ثلاث سنوات
من عمرها. ومع ما وجدناه من التشجيع والشد على الأيدي، وما لمسناه من مظاهر
الاستحسان والاحتفال؛ فإننا نتطلع إلى التشجيع والاستحسان العملي، لاعتقادنا أن
مجلة (البيان) ليست منبراً تعليمياً، ولا صوتاً توجيهياً، بل انعكاس لصورة فكر
موجود في الواقع، وصدى لحقيقة لا يمكن تجاهلها أو طمسها رغم القيود
والتشويهات.
إن إصدار مطبوعة إسلامية، والمحافظة على استمرار صدورها، من أشد
التحديات التي تواجه المسلم في هذا العصر صعوبة؛ فما بالك إذا أريد لهذه
المطبوعة من المواصفات ما يضيق عليها دائرة الاختيار؟ ! .
ولكن كل الصعوبات الموجودة والمرتقبة لا ينبغى أن تثنى العزائم عن
التصميم والتفكير في الطرق التي تساعد على إيصال الفكر السليم إلى الناشئة
الإسلامية المتعطشة إلى المعرفة.
وإذا كنا قد التزمنا - خلال السنوات الثلاث الماضية - بما رسمناه لأنفسنا من
منهج فإننا نتطلع - فوق ذلك الالتزام - إلى أن نرفع من مستوى (البيان) كمًّا
ونوعًا، فمن حيث الكم سوف تتحول المجلة إلى شهرية، ومن حيث النوع؛ سوف
نحاول أن نتلافي ما يشكو منه القراء من طول المقالات وسنحرص على التنوع ما
أمكننا ذلك.
وهناك مسألة نحب توضيحها فيما يتعلق بشكل المجلة، فقد يعمد بعض
القراء -عن حسن نية- إلى مقارنة شكلها بمطبوعات أخرى تعتمد الألوان والصور
والأشكال والرسوم، وهذه المقارنة قد لا تتناسب مع واقع كل مجلة، فلكل وجهة
هو موليها، ومنذ البداية أردنا للبيان أن تنصرف انصرافاً كليًّا إلى الفكر، وتبتعد
عن التسلية والترويح لاعتقادنا أن أبواب التسلية والترويح ومجالات الترفيه عن
القارئ مخدومة بشتى أنواع الخدمة، والقارئ الذي لا تستثار شهية القراءة عنده إلا
بالحيل والبهارج والمشهيات التي لا تجدي، بل تضر أحياناً؛ ليس عندنا القدرة
على إرضاء تطلعاته، ولم ننشئ البيان - يوم أنشأناها - إلا لتخاطب العقول الجادة، والنفوس المتطلعة إلى الفكر الإسلامي الأصيل، هذا فضلاً عن موقفنا المبدئي من
الصور وتزيين الصفحات بها.
إن أي مجلة لا يمكن أن ترضى جميع الأذواق، وإن المجلات التي تحرص
على إرضاء أكبر مساحة من الناس غالباً ما تكون أهدافها تجارية خالصة تهدف
بالدرجة الأولى إلى زيادة التوزيع.
ومع أن مجلة البيان تحب وتحرص على زيادة التوزيع، ليعم نفعها، ويتعمق
طريقها؛ لكنها لا تجعل من زيادة التوزيع هدفاً يتحكم بمادتها فتنصرف من العمق
إلى السطحية، ومن المحافظة على الشخصية إلى اللهاث وراء التقليد.
وإن ما وعدنا به وطبقناه أننا سوف لن نضيق ذرعاً عن قبول أي مشاركة
جادة، دون اعتبار للأشخاص، بشرط أن يكون المحتوى متفقاً مع المنهج العام
للمجلة، والمبين في افتتاحية العدد الأول، وننبه أيضاً إلى أن ما لم ننشره مما
أرسل إلينا لا ينبغي أن يصرف عن متابعة المشاركة، فقد يكون ما أرسل صحيحاً
في ذاته، ولكن عناصر الصلاحية التي لابد من توفرها فيما ينشر ليست مكتملة،
فقد يكون الموضوع عولج بطريقة تصلح أن تكون موعظة لا مقالة في مجلة، وقد
يحتوي موضوع على عبارات يكون فيها نظر، ولا نستطيع حذفها أو الإبقاء عليها
لاعتبارات متنوعة، وقد يكون الموضوع مكرراً ومطروقاً بكثرة ...
لقد سعينا منذ البداية أن لا نضمن البيان إلا السليم من الأدلة:
قرآنا يتلى، أو سنة صحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تروى، فلئن
حدث مرة أن اختل هذا الشرط فهو من الخطأ غير المقصود، وخاصة بالنسبة إلى
توثيق الأحاديث، فالأصل أن لا نستشهد بحديث إلا إذا توفرت فيه شروط
الاستشهاد سواء ذكرنا تخريجه في الهامش أم لا، فمن وجد حديثاً غير مخرج
فالأصل أن يكون صحيحاً، فمن وجد من خلال البحث أن هذه القاعدة قد اختلت فله
أن ينبهنا إلى ذلك مشكوراً، ورحم الله امرئ أهدى إلينا عيوبنا.
وأخيراً فإننا نرجو أن نكون عند ظن الإخوة القراء بنا، ولا يسعنا إلا أن
نزجي الشكر إلى كل من شاركنا ويشاركنا سواء بالمقالات أو بالاقتراحات، قياماً
بواجب الدعوة الإسلامية وإيصال الكلمة الطيبة إلى طالبيها - والله الموفق، وهو
الهادي إلى سواء السبيل.