مجله البيان (صفحة 3607)

من الظلمات إلى النور قصة إسلام قس نصراني

ملفات

التنصير.. هل أصاب الهدف؟

(2 - 2)

من الظلمات إلى النور

قصة إسلام قس نصراني

أعدها للنشر:

د. عبد الرحمن الجمهور [*]

(إيفور إليويس) شاب يافع ممتلئ حيوية ونشاطاً. تلقَّى الدراسات الدينية

النصرانية على أيدي قساوسة، فنشَّأه أبوه على حب الكنيسة والعمل لها. انخرط

في الجامعة وهو يحمل الفكر النصراني، وبدأ دراسة التجارة والاقتصاد. أخذ على

عاتقه التنصير وهو على مدرجات الجامعة، وتخصص في تنصير المسلمين، أو

إخراجهم من دينهم إلى الفراغ الروحي.

ولكن مع هذه الحيوية والنشاط في تنصير الناس لم يشعر بالراحة النفسية،

مع أنه بلغ منصباً عالياً؛ حيث أصبح كبير أساقفة الكنيسة التي يعمل فيها، ومع

ذلك لم تستقم نفسه على هذا الدين، وأحس بأنه لا يشبع الروح، فجرب الهندوسية

ولم تزده إلا نفوراً، فالأسرار والطقوس الهلامية التي تؤديها الطائفة الهندوسية لا

تستقيم مع صفاء النفس وتعلقها بالله. بل إن الأفراد الذين يشركون مع الله آلهة

أخرى لا تستقيم حالهم بل يزيد هذا الشرك من حيرة الإنسان، ويملأ قلبه حيرة

ووحشة. فأيقن (إيفور) أن الهندوسية لا تصلح أيديولوجية روحية؛ فهي لا تخدم

مصالح الإنسان وحاجاته؛ لأنها تمجد إنساناً وتصنع منه آلهة مع الله؛ فجرب

الشيوعية وقراءة كتبهم ومبادئهم ولكن لم تشفِ هذه المبادئ حاجته الروحية، فشعر

بشيء من الألم يعتصر قلبه. يقول (إيفور) : إن العقيدة النصرانية لا تصلح أن

تكون ديناً عالمياً؛ فهي لا تلبي حاجة النفس ولا توازن بين الفرد والمجتمع، بل لا

توازن بين الدنيا والآخرة؛ فغالبية النصارى في العالم يشعرون بخواء روحي

ونقص في الجانب العبادي، لا لشيء، ولكن لأنهم لا يوحدون الله بالعبادة. ففي

دينهم أسرار لا يسمح للفرد العادي أن يعرفها، وهناك طبقية؛ فالسدنة غير

القساوسة، والقساوسة غير الإنسان العادي، وأنت في خضم هذا المشروع الطبقي

تنسى ربك وتتعلق بالقسيس؛ لأنه هو الذي يصفح، وهو الذي يغفر، وهو الذي

يمتلك ناصيتك من دون الله.

إن الإنسان العاقل المنصف يشعر بالخيبة وهو يقرأ التناقضات في نسخ

الإنجيل، ويشعر بالرغبة في التقيؤ وهو يقرأ القصص التي لا تصح من عامة

الناس؛ فكيف من خير البشر: «الأنبياء وأبنائهم وبناتهم وزوجاتهم» .

ومما زاد في عجبه أن المسلمين في سيريلانكا حيث ولد وترعرع يختلفون

عن المسلمين في بلاد الحرمين من حيث التطبيق والعمل للإسلام. وما رآه من

تهاون في العبادات وعدم التفريق بين ما هو حلال وما هو حرام في بلده جعله يوقن

أن الإسلام هنا له معنى خاص، وهو الإسلام الذي يخوِّف سدنة الكنيسة ويقلق

مضجعهم. ويضيف إيفور قائلاً: «إن من الأمور التي زادت في حيرته وعدم

فهمه للإسلام دور الهلال في حياة المسلم، يقول:» كنت أسمع أن الهلال الذي يعد

رمزاً للمسلمين مهمٌّ في حياتهم، وكثير ممن يشرح دور الهلال في حياة المسلم

يشبهه بالصليب عند النصارى؛ فالمسلم يصوم إذا رأى الهلال، ويفطر إذا رآه مرة

أخرى، ويصوم إذا اكتمل البدر، ويحدد مواقيت الحج بالهلال، ويوضع على

المنابر في المساجد، مما جعلني أعتقد جهلاً أن الهلال هو المعبود وليس الله

تعالى «! !

كنت أثرت موضوعاً في الكنيسة سبب لي جدلاً كبيراً، وصممت على تنفيذ

ذلك الأمر مهما كانت العواقب ومهما بلغ الثمن. طرحت فكرة الدعوة إلى

النصرانية في بلاد المسلمين وبالتحديد في بلاد الحرمين، إلا أن القساوسة ومَنْ

حولي عارضوا الأمر بشدة، وحاولوا تخويفي؛ فعقوبة مرتكب هذا الأمر الموت؛

حيث يقطع رأسه أمام الناس. أردت أن أكتشف هذا العالم المجهول، وأرى علاقة

الهلال بالمسلمين، وأرى مدى تقبلهم لعقيدة التثليث. فكرت في الأمر ملياً ورأيت

أن أقتحم هذه التجربة.

ذهبت إلى مكاتب التوظيف ووجدت وظيفة مأمور مستودع في شركة عربية

في بلاد الحرمين، لم أتردد بالقبول، وفي فترة وجيزة أنهيت وثائق السفر،

وركبت الطيارة أوائل عام 1983م وكلي أمل في أن أمارس نشاط التنصير لأُرضي

الكنيسة، وأُثبت لهم صحة فرضيتي، ولأشعر بالرضى والزهو والفخر بقدراتي

على الإقناع. كنت أتصور أن المسلمين في هذا البلد مثل المسلمين في بلادي، لكن

الفرق شاسع والمهمة لم تكن سهلة.

لقد تغيرت نظرتي لديني ودين قومي عندما رأيت مظاهر الالتزام بهذا الدين،

فلم أعد أجد في نفسي الرغبة الجامحة للتنصير، بل أصبحت أنظر للمسلمين نظرة

إعجاب وتقدير يشوبها شيء من الاحتقار لذاتي ومعتقدي، لقد تحركت في داخلي

موجة كره لديني، وبدأ الشك يساورني مرة أخرى، وأحسست أنني لست على

الطريق المستقيم.

ومما لفت نظري تعظيم المسلمين للقرآن الكريم؛ فهم لا يلمسونه إلا إذا كانوا

متطهرين، ولا يسمحون لغير المسلم بلمسه فضلاً عن قراءته، ويطبقون بعض

الأحكام عند قراءته ويتغير صوتهم (الترتيل) عندما يقرؤونه، ويشعرون أنهم

يعظمون الله تعالى ويتعبدونه بتلاوته. مع أننا عندما نتعامل مع الإنجيل لا نقيم لهذه

الأحكام وزناً، بل لا يهمنا من يقرأ الإنجيل، وعلى أي حالة كان، بل إننا لا نقيم

له قداسة ولا تعظيماً؛ فنأخذه إلى بيت الخلاء، ونهجره، ولا نؤمن بكثير مما فيه.

فأحدث هذا الأمر شيئاً في نفسي وهزني أمر تعظيم القرآن وأوجد في نفسي رغبة

شديدة لقراءته والبحث فيه لعلِّي أجد بعضاً من المتناقضات كما هو الحال في كتابنا

المقدس. ولكن لم أعثر على نسخة مترجمة، بل لم أجد من يعيرني نسخته؛ فأنا

في نظرهم كافر لا يجوز أن ألمس القرآن. ومضت الأيام وهذه الرغبة تراودني

وفضولي يقودني للسؤال عن النسخة المترجمة معانيها من القرآن كلما سنحت

الفرصة، إلا أن الجهد ذهب سدى والأمر لم يتيسر لي بسهولة.

وذات ليلة دعاني مهندس باكستاني لتناول طعام العشاء في منزله؛ فهذه آخر

ليلة له في مدينة المجمعة؛ حيث نعمل؛ فهو سيسافر من الغد إلى أهله سفراً نهائياً

وأثناء تناول العشاء لمحت نسخة مترجمة لمعاني القرآن إلى الإنجليزية فطلبت

من المهندس الباكستاني أن يعيرني إياها، ففعل، فطرت فرحاً ولم تسعني الدنيا من

الغبطة والسرور، بل لم تعد لي شهية في الأكل أو الشرب، فقط أريد أن أتصفح

القرآن، وأعرف ماذا فيه. وبدأت فكرة البحث عن المتناقضات تتسلل إلى رأسي،

وبدأ الشيطان يسوِّل لي ويعدني ويمنيني.

خرجت من منزل المهندس وذهبت إلى بيتي، وبدأت أقرأ في النسخة

المترجمة، وأول ما قرأت: (بسم الله الرحمن الرحيم) شعرت بقشعريرة في

جسمي، لقد قرأت كل الكتب المقدسة من الإنجيل إلى التوراة إلى كتب الأديان

الأخرى ولكني لم أجد أي كتاب يبدأ باسم الله. إن للبسملة معنى استقر في قلبي؛

فأول مرة في حياتي أقرأ البسملة، اسم الله تعالى، بعده صفة يغفل عنها الكثير

(الرحمن) لقد تركت هذه الجملة في نفسي أثراً عجيباً، ودفعتني لأقرأ بتمعن وبقلب

مفتوح.

ثم دلفت إلى سورة الفاتحة، إنها ترسم ما قاله عيسى عليه السلام لأصحابه

عندما أرادوا أن يعرفوا كيف يحيُّون الإله، فقال لهم أن يحمدوه ويمجدوه ويدعوه؛

وهذا ما وجدته في سورة الفاتحة التي فتحت قلبي على مصراعيه، وانهال النور

المضيء إلى قلبي، فأضاء أركان جسمي وجوانبه ... لكم أشعر بطعم السعادة،

والإيمان يملأ قلبي وأنا أقرأ كلام الله تعالى.

بعد ذلك قرأت سورة البقرة، هذه السورة العظيمة والقرآن كله عظيم: [الم

* ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ] (البقرة: 1-2) يا للعجب هذه الآية أو

معناها أجده في الكتب المقدسة التي قرأتها، ولكن في ختام الكتاب بعد أن تنتهي

المقاطع والتعاليم الدينية والقصص والمواعظ تأتي هذه الآية أو معناها لكن في هذا

الكتاب أتت هذه الآية في أوله شامخة تعلن أن هذا الكتاب كامل وشامل لا ينقصه

شيء. يا للعجب! ! من يملك مثل هذه القدرة؟ إنه الله الواحد الأحد، أكملت

القراءة إلى أن وصلت إلى الآية الرابعة: [وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ

مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ] (البقرة: 4) ، لقد زلزلت هذه الآية ما بقي في

قلبي من ريب، وأزالت ما فيه من تساؤلات لا معنى لها. لقد جعلت قلبي ينفتح

على مصراعيه، وأعلنت بين جوانب نفسي أن هذا الدين حق، وأن الذي أنزل

القرآن هو المعبود المستحق للعبادة وحده ... لم أعد قادراً على التحمل؛ فأنا أريد

أن أمارس العبادة الصحيحة ... لقد تذكرت قول المسيح عليه السلام إنه سيأتي

بعدي من يقودكم إلى الحق والهدى، فهذا هو الحق والهدى الذي بشر به عيسى

عليه السلام.

إنني الآن مسلم، ولكن لا أحد يعرف أنني مسلم، وعليَّ أن أصلي وأمارس

الإسلام، وقبل الصلاة يجب أن أتطهر، ولكن كيف يتطهر المسلمون؟ لا أعلم.

ودخل وقت الصلاة وسمعت المؤذن ينادي للصلاة، قمت وخلعت ملابسي كلها

وغسلت جسمي، ثم دلفت نحو المسجد لأول مرة، ووقفت في الصف أقلد مَنْ على

يميني وشمالي إلى أن فرغت من الصلاة وعدت إلى بيتي وأنا أشعر بنور في قلبي،

ولأول مرة أشعر بالراحة، أول مرة أشعر بقيمة العبادة، أول مرة أشعر بطعم

الإيمان، وأخذت أكتب ما أسمع من الإمام وأحاول أن أقول مثل ما يقول، وبقيت

على هذه الحالة لمدة يومين وأنا أغتسل غسلاً كاملاً خمس مرات في اليوم الواحد،

وفي اليوم الثالث إذا بالإمام يمسكني من يدي ويبدأ يعاتبني بصوت مرتفع، فهمت

منه أنه عاتب عليَّ؛ لأنني لا أصلي في المسجد وأنا جار المسجد؛ فقد كان

مظهري وأنا ملتحٍ يوحي بأني مسلم. فأخبرته أنني مسلم جديد وأنني اعتنقت

الإسلام حديثاً ففرح بي وفرح بي الآخرون.

وبقيت على حالي أياماً عدة وأنا أغتسل قبل كل صلاة إلى أن قدم إلى مكان

عملي اثنان من خارج المدينة وكان الوقت وقت صلاة فطلبا مني أن آذن لهما

بالدخول إلى المرحاض للوضوء استعداداً للصلاة، فقلت لهما:» لا «وأرشدتهما

إلى مكان مفتوح يصلح للوضوء. وغضبا عليَّ غضباً شديداً، وإنما أردت أن تتاح

لي الفرصة لتعلُّم الوضوء بالمشاهدة، وبعد أن أتما وضوءهما، قمت وتوضأت

مثلهما، وهما في دهشة وحيرة من أمر هذا النصراني الذي يتوضأ مثلهما تماماً!

بدأت تعلُّم الواجبات وأركان الدين والعبادات، وكلما قرأت زادت محبتي لهذا

الدين، وتعلمت الكثير، ولعل أهم ما لفت نظري وجذبني لهذا الدين أنه دين شامل

وكامل يعالج جوانب كثيرة في حياة الفرد والمجتمع، ويوازن بين الدنيا والآخرة،

ويقدم للبشرية مشاريع إصلاح اقتصادية واجتماعية ونفسية.

وفي يوم من الأيام أخذني الإمام إلى مدير المعهد العلمي في مدينة المجمعة

الذي أهداني عدداً كبيراً من الكتب المترجمة باللغة الإنجليزية، وأخبرني أن لديه

مستودعاً للكتب باللغات الأجنبية، كالألمانية والفرنسية، وغيرها فأخذت هذه الكتب

وبدأت مشروع الدعوة إلى الإسلام من خلالها؛ وعلى أثر ذلك شرعت في إعداد

فريق للعمل في الدعوة إلى الله، ونجحنا ولله الحمد والمنة والفضل في هداية كثير

من الناس في منطقتنا والمناطق المجاورة، وصار شغلنا الشاغل هو الدعوة إلى الله

تعالى وسط غير المسلمين.

ومن خلال تجربتي في الدعوة للنصرانية عرفت أن المسلم المتمكن من

عقيدته العارف بالواجبات يتعذر علينا إقناعه أو خلخلة عقيدته، ذلك أن الحجج التي

نحاجُّ بها تعد من البديهيات عنده، بل أحياناً يحرجنا بإثارة نقاط مثل التثليث

وألوهية عيسى، والغفران، وأصل الخطيئة، وغيرها كثير، ولا يدخل في معتقد

النصارى إلا القليل، وهم من أولئك الذين ليس لهم حظ من العلم بالدين.

إن الدعاة إلى النصرانية في الآونة الأخيرة سلكوا مسلكاً خطيراً يتمثل في

قبولهم المسلم ليعيش بينهم، بل ويقدمون له المغريات مثل المرتب العالي والمسكن

المؤثث، بل ويسمحون للمسلمين ببناء المساجد وإقامة الشعائر الدينية، ولا

يمنعونهم من مزاولة ما يريدون تحت شعار الحرية الدينية، وهم في الحقيقة

يخططون لتنصير الجيل القادم.

فعندما يدخل المسلم في عالمهم محافظاً على دينه حريصاً على أداء ما افترضه

الله عليه فإنهم يعمدون إلى تثقيف أبنائه وبناته بالثقافة الغربية، ولا تخلو من بعض

المعتقدات النصرانية، فينشأ بين أحضانهم يراهم في الليل والنهار، ويسمع منهم،

ويقتدي بهم حتى إذا أدرك وبلغ سن الرشد سهل عليهم قيادته إلى معتقدهم، وهذا ما

تحاول الكنيسة العالمية بثه بين المنصرين وأتباعهم، وهذا ما ينطوي عليه مبدأ

النظام العالمي الجديد.

فهل نعي خطر ما يخططونه لهدم الإسلام؟ والله نسأل أن يثبتنا بالقول الثابت

في الحياة الدنيا والآخرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015