صوّت الشعب الجزائرى يوم 23/2/1989 على دستور جديد للبلاد، وكان
أهم ما في هذا الدستور إسقاط لفظة " الاشتراكية " التي كانت مفروضة فرضاً، كما
كفل الدستور الجديد -في ما كفل - حرية الرأي وحرية المراسلات والاتصالات
الخاصة بكل أشكالها، وكذلك كفل حرمة المساكن وعدم انتهاكها أو تفتيشها إلا بأمر
قضائي مكتوب.
ولاشك أن ذلك مما يفرح به المسلمون في كل مكان، ولكن العبرة ليست في
النصوص المكتوبة؛ وإنما العبرة في التطبيق العملي لهذه النصوص، فكم من
الدساتير من يشيد بالحرية ويعتبرها أساس حق المواطن، ولكن ذلك لا يعدو أن
يكون حبراً على ورق.
ومن أجل انتهاك الحريات، والتسلط على رقاب الناس لا يعدم المتسلطون
وسيلة ينفذون بها ذلك تحت أنواع كثرة من التسويفات والذرائع، ويضربون
بالدساتير وموادها عرض الحائط.
والمشكلة مشكلة أخلاقية في الأساس، بل مشكلة خراب عقائدي وفراغ مبدئي
. وما لم يصلح هذا الخراب، ويسد هذا الفراغ بعقيدة صالحة فإنه لا الدساتير
المكتوبة ولا الإجماع عليها يحل المشكلة.
فمن الذي يضمن أن لا يتحول الفساد الذي كان يقترف في ظل النظام
الاشتراكي إلى فساد يمارس في ظل نظام يتجه إلى الرأسمالية؟ فالفساد هو الفساد
مهما تستر، وبأي لون ظهر، ومشكلة المفسدين أنهم أينما تميلهم الريح يميلوا،
وبما أن هذه الفترة فترة إفلاس للاشتراكية: الحقيقة والمستوردة المزورة؛ فإنه من
المرجح أن ينقلب هؤلاء الذين كانوا بالأمس يسبحون بها بكرة وعشياً إلى لعانين لها
كاشفين لسوءاتها. وإذا أردنا دليلاً على ذلك فما حدث في مصر في عهديها
الاشتراكي والانفتاحي يشكل النموذج.
إن المخرج الحقيقي من هذا العناء المتعدد الجوانب الذي تعانيه هذه الشعوب
هو أن تستمد حكوماتها شرعيتها من عقيدتها ودينها، وتقتبس ضمانات العدالة فيها
من مبادئها وتراثها، فإن المنطق الصحيح، والتجربة العملية أثبتت أن هذه
الشعوب لن تحترم شيئاً يأتيها من شرق أو غرب، ولن تدين بالولاء لأساليب
مستوردة يفرضها عليها أذناب الاستعمار وخدم أعداء الإسلام. والولاء الذي نقصد
ليس الخضوع الذليل لجبروت التسلط، فهذا ولاء كاذب غير مضمون العواقب،
ولكن الولاء النابع من القلب الذي ينتج عنه التوافق المنتج، والتطور المبدع بين
الشعب والسلطة.