شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته
أدانت معظم دول العالم إسرائيل بعد عدوانها على الدول العربية عام 1967
وقطعت معظم هذه الدول علاقاتها مع إسرائيل، أو جمدتها، ومن هذه الدول الدول
الأفريقية - ماعدا جنوب أفريقيا العنصرية - وخسر اليهود مواقعهم التي أقاموها في
هذه القارة، ولكن ذلك لم يدفعهم إلى اليأس، وإنما إلى زيادة في بذل الجهد للعودة
ثانية إلى هذه القارة التي تتمتع بمميزات مهمة.
فهي - من جهة - قارة غنية بالموارد الطبيعية، كالمعادن، والغابات، وهي- من جهة ثانية - ذات موقع نموذجي بالنسبة لإسرائيل في قربها وسهولة الوصول
إليه، بحراً وجواً - بل وبراً الآن! .
وهي - من جهة ثالثة - سوق مفتوحة، لأنها بحاجة إلى كل شيء: للخبرات
الطبية، والزراعية، والبحوث العلمية، وقبل كل ذلك وبعده، فإن حكوماتها
الدكتاتورية القمعية التي قامت، وتقوم، على إنهاك شعوبها، بحاجة إلى من يقدم
لها المشورات الاستخبارية، والمعونات العسكرية، التي تستطيع - عن طريقها
وبواسطتها - تدجين شعوبها، وسوقها وتوجيهها الوجهة التي تريد، وكذلك فإن
الواقع الأفريقي وما يمتلئ به من مناحرات ومشاحنات بين دولها يشكل أفضل مناخ
بالنسبة لإسرائيل لتستفيد منه أعظم استفادة، فأي جو يناسب اليهود أفضل من هذا
الجو؟ ! .
ولاشك أن من أكبر العوامل المساعدة لإسرائيل على عودتها إلى أفريقيا كان
الظروف التي أعقبت حرب 1973.
فمع أن هذه الحرب قدمت للعالم الدليل على أسطورة (الجيش الإسرائيلي الذي
لا يقهر) الا أن ما أعقبها من تطورات جعل إسرائيل تستفيد منها فوائد عظيمة ومن
هذه الفوائد عودتها إلى أفريقيا.
فقد قدم تصالح بعض العرب مع اليهود، والتردد والفوضى والاضطراب
الذي ما زال مستمراً إلى الآن عند البعض الآخر، الحجة القوية للدول الأفريقية
التي أعادت علاقاتها مع إسرائيل، حتى إن اليهود وأصدقائهم من الأفارقة ليرفعون
أصواتهم في المحافل الدولية فيُسمَع لهم، بينما تذهب الاعتراضات والاستنكارات
التي لا تستند إلى شيء عملي أدراج الرياح، كصرخة في واد أو نفخةٍ في رماد.
عادت العلاقات أولاً مع ليبريا، وزائير، وساحل العاج، وأخيراً،
الكاميرون.
* ففي ليبريا، يبدو الاستغلال اليهودي واضحاً، فمثلاً: شركة (أيونا
الدولية) الإسرائيلية فازت بحق استغلال مساحات. شاسعة من غابات البلاد لفترة
37 سنة! ! وأسهمها الآن في بورصة نيويورك.
* وفي زائير، حيث (موبوتو) أشد المتحمسين لليهود، تقدم له إسرائيل
خدمات عسكرية متنوعة، بالإضافة إلى مشاريع خاصة له، حيث تولى اليهود
إنشاء مزرعة خاصة له في (نسيليه) ويتولون أيضاً مسؤولية مزرعة أخرى
(أغريدين) .
ومن جهة أخرى، التزم رجل أعمال يهودي (من أصل يمني) توظيف
(400) مليون دولار في مجال تربية المواشي والنقل، ولازالت هناك مشاريع
كثيرة ربما ستتم بعد زيارة الرئيس الزائيري (موبوتو) لإسرائيل.
* وفي ساحل العاج، حيث لا يخفي رئيسها عداءه للعرب، يعمل اليهود بجد
خصوصاً بعد عودة العلاقات مع إسرائيل قبل تسعة أشهر. فمثلاً: قام مشروع
لبناء مستشفى في قرية الرئيس كلف نصف موازنة وزارة الصحة في ساحل العاج، ونفذته شركة (سوليل نونيه) الإسرائيلية، وكذلك فندق (إيغوار) في العاصمة
أبيدجان.
* وفي الكاميرون، سبق إعادة العلاقات بينها وبين إسرائيل اتصالات بين
الجانبين، فبعد محاولة انقلاب ضد الرئيس (بول بيا) عام 1984، أقام غرفة
عمليات أمنية لحمايته، يقوم عليها خبراء من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية
(الموساد) .
وقد شكلت كارثة (نيوس) ، التي نتج عنها ضحايا بالمئات من جراء الغازات
السامة المنبعثة من بحيرة (نيوس) البركانية، فرصة ذهبية أخرى لإسرائيل، ففي
أثناء ذلك توجه رئيس وزراء العدو إلى (ياوندي) عاصمة الكاميرون مصطحباً معه
فريقاً طبياً لمعالجة المصابين، وقد أعد الرئيس الكاميروني استقبالاً حافلاً لبيريز.
هذا على رغم ما كان يعلنه وزير خارجية الكاميرون (وليم ايتيكي مبومرا) من
أن: (لا بحث في إعادة العلاقات مع إسرائيل، طالما أن علاقات إسرائيل مع
بريتوريا على ما هي عليه) ! .
وانفرطت المسبحة..
لا يقتصر الأمر على الدول المذكورة، وانما هناك دول تتهيأ لإعادة العلاقات
مع اليهود رسمياً، وإن كانت علاقة إسرائيل! مع هذه الدول على المستوى
الاقتصادي لم تنقطع.
ومن هذه الدول:
* نيجيريا، ففي هذه الدولة - ذات الأغلبية المسلمة - تقوم مؤسسات
اقتصادية إسرائيلية عديدة، فهذه مجموعة (أليسون) تفوز بعقود عديدة مع نيجيريا
قبل الانقلاب الأخير، وشركة أخرى لليهودي (غاوون) تفوز بعقد آخر في
(لاغوس) بمبلغ (60) مليون دولار، ومؤسسات أخرى تعمل هناك مثل مؤسسة
(عايدا) للتجارة الدولية، و (ديزنغوف) للنقل البحري، و (فيريد) لتمديدات المياه.
وتعامل وتعاون إسرائيل مع الحبشة (أثيوبيا) يعرفه القاصي والداني، فقد
أقامت هناك مزارع لتربية المواشي، وتستطيع توفير كميات ضخمة من اللحوم
المذبوحة على الطريقة اليهودية (كوشر) ، وهي أيضاً تبيع البن الأثيوبي والأخشاب
الاستوائية والعديد من المواد الأولية، والمنتجات الزراعية.
وقصة يهود (الفلاشا) وحدها تضع أثيوبيا في رأس قائمة الدول التي عرفت
بالعداء للعرب والحق على المسلمين.
وهناك أربع دول أخرى يتوقع أن تنضم إلى ركب الدول التي أعادت علاقاتها
مع إسرائيل، وهي: توغو والغابون، وغينيا، وأفريقيا الوسطى، وكينيا.
وفي الوقت الذي تفك إسرائيل فيه عزلتها عن طريق عودتها إلى أفريقيا،
تعمل على محور آخر فتعيد علاقاتها مع أصدقاء العرب الخلَّص! ! دول المعسكر
الشرقي فهاهي بولندة تعيد علاقاتها معها، وهناك اتصالات سرية وعلنية مع الاتحاد
السوفييتي من أجل ذلك أيضاً، وإذا ما عادت العلاقة مع السوفيت - وهي عائدة
حتماً، رغم تعثر المحادثات نتيجة للشروط الفوقية التي تمليها إسرائيل وليس
الاتحاد السوفييتي - نقول: إذا ما عادت العلاقات مع السوفييت، فما الذي يمنع
دول (المنظومة الاشتراكية الصديقة!) من الاقتداء برئيستهم روسيا؟ ! .
نكتب هذا الكلام لا لبثّ اليأس في النفوس، وليس لإظهار مميزات من
يسمون أنفسهم - كذباً وزوراً - بشعب الله المختار؛ وإنما رجاء أن نتعلم من
الزمان، ونعتبر بأحداثه، ولا مانع أن يتعلم الإنسان من عدوه، واليهود هم اليهود، [ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وبَاءُوا
بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ] [آل عمران 112] .
وحالنا معهم في استضعافنا، والاستهانة بنا، ودوس حقوقنا، والتنكيل
المتواصل بنا على كل صعيد، - عسكرياً واقتصادياً وإعلامياً - وتشويه صورتنا
على مرأى منا، ومرأى من العالم ومسمع - لم تصل إلى ما وصلت إليه إلا
بتخبطنا وفرقتنا، وبأسنا الشديد بيننا، ومحاولة الأقوياء الذين سُلِّطوا علينا -
بظلمنا ومعاصينا - طمسَ ذاتنا وعنوانِ وجودنا الحسي والمعنوي.
فهل نعي نحن - عرباً ومسلمين - الدرس من ذلك، وهل نلتقي على الحد
الأدنى من حقنا ونعي دورنا في العالم، ورسالتنا فيه مقابل التقاء أعدائنا بشتى
ألوانهم وأشكالهم على الباطل؟ .