د. عبد الله مبارك الخاطر
عشت في لندن حوالي ثلاث سنين، كنت خلالها أتابع دراستي في الطب
النفسي وكان لي نشاط إسلامي في مسجد من مساجدها، مسجد (بيكام
Peckham) وكان هذا المسجد يضم نخبة خيرة من الشباب من مختلف البلدان
العربية. وقد شاهدت في العاصمة البريطانية أموراً تستحق أن يكتب عنها.
وسوف أعرض ما شاهدته على شكل حلقات متوخياً في عرضي البساطة
والعبرة.. والله الموفق.
خريج كامبردج
كنت مضطراً في البداية إلى دراسة اللغة الإنجليزية - رغم أني كنت قد
درست الطب باللغة الإنجليزية - من أجل اختبار (الزمالة) ذلك لأن الإنجليز
يريدون من الجميع أن يكتبوا ويقرأوا كما يكتب المواطن الإنجليزي ويقرأ، ولما
كنت أعمل في المستشفى في الصباح، فليس أمامي إلا أن أطلب مدرساً يعلمني فن
كتابة المقالات، والعادة المتبعة عندهم أنك إذا أردت شيئاً ما فما عليك إلا أن تعلن
إعلاناً صغيراً على واجهة محل تجاري أو على لوحة إعلانات لإحدى الكليات،
ويأتيك الجواب سريعاً عن طريق الهاتف.
جاءني مدرس إنجليزي متخرج من جامعة كامبردج في الأدب الإنجليزي
وأخذ يدرس لي مرتين في الأسبوع.. وبعد أن تردد على بيتي خمس مرات سألني
على استحياء فقال:
إن زميلاتي يسألنني كيف ترددت على بيت صاحبك خمس مرات ولم يقدم
إليك زوجته لتتعرف عليها.
وكان سؤاله نقطة بداية في الحديث عن أمور أخرى غير الدراسة وكنت
أنتظر مثل هذه الفرصة لأنني أعرف بأن الإنجليز لا يحبون أن تبادرهم بالحديث
عن أمور لم يسألوا عنها وعليك أن تنتهز الفرصة فتجيبهم على تساؤلاتهم إذا سألوا.
قلت له ما موجزه: إن ديننا يأمرنا بحفظ المرأة وسترها، ولا يجوز أن
تخالط أو تجالس غير محارمها ... ثم سألته عن الاختلاط والخلوة ولو كانت بين
رجال ونساء متزوجين ألا يكون هناك مجال للخيانة الزوجية ولو بنسبة 5%؟ ! .
فأجاب: نعم بل وأكثر من هذه النسبة فسألته مرة أخرى:
أليست هذه العلاقات غير المشروعة من أهم أسباب الفساد وتفكك المجتمع؟ ! .
قال: بلى.
قلت ما خلاصته: هذه حكمة واحدة من أحكام ديننا الذي يأمرنا بحرمة
الاختلاط.. ومن ثم فالمرأة مكرمة عندنا ولها حقوق كثيرة سواء كانت بنتاً أو
زوجة أو أماً، فولي أمرها ينفق عليها ويعمل من أجل سعادتها، وبين الأسرة في
ديننا من المحبة والتعاون والتكافل مالا يتصوره مجتمعكم.
قال: هذا جميل ومنطقي ... وقد لمست الصدق فيما يقول.
وعدت أسأله: ماذا تعرف عن الإسلام؟ !
فأجاب: خميني وقذافي! ! .
فظننته يمزح ولكن تبين لى أن هذا كل ما يعرفه عن الإسلام، ولا يعرف
خريجٍ جامعة كامبردج [! !] أن هناك كتاباً اسمه القرآن الكريم، ولا نبياً اسمه
محمد - صلى الله عليه وسلم-.. كان الرجل يتحدث أمامي وكأنه طفل صغير،
ومعذرة منه الأطفال في بلادنا فهم أكثر منه علماً بدين الله.
قلت: لا أدري من المسؤول عن كونك لا تعرف عن الإسلام شيئاً؟ ! . هل
هي جامعاتكم ومناهجكم، أم أنت الذي ارتضيت لنفسك هذا الحال.. كيف لا
يدرسون لكم ديناً يدين به ألف مليون من البشر في مختلف بلدان العالم، ولبلدكم
علاقات تاريخية ومصالح مع بلدان العالم الإسلامي.
وقبل أن يغادر الأستاذ [! !] منزلي قدمت له مجموعة من الكتب عن الإسلام.. ثم اتصل بي فيما بعد وأخبرني بأنه قد قرأ هذه الكتب وسوف يقرأ كتباً أخرى عن الإسلام.
قارئي الكريم: كم تمنيت أن يكون عندي متسع من الوقت لأتابع مثل هذا
الرجل، ولكن ماذا أفعل وأنا مرتبط بعمل شاق يستغرق معظم وقتي، ونشاطي في
الدعوة الإسلامية أقدم فيه الأهم على المهم. ولكن هل يعرف (الببغاوات) في دول
العالم الثالث حقيقة الغربيين؟ !
لو كان خريج جامعة كمبردج مهندساً أو طبيباً لالتمسنا العذر له، ولكنه تخرج
من كلية تدرس علوم اللغة الإنجليزية وآدابها، ويفترض أن يدرس شيئاً يسيراً عن
الإسلام..
أما الذين يكثرون في مؤلفاتهم الأدبية والتاريخية من الاستدلال بأقوال
المستشرقين فلينظروا ماذا يدرس المستشرقون مثل هذا الخريج عن الإسلام.
اللهم إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.