المنتدى
محمد بن عوض صالح
بعد أن صليت العشاء في أحد المساجد أمسك امام المسجد بكتاب رياض
الصالحين وبدأ يقرأ منه بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في باب
التوبة. ومع بداية قراءة الإمام بدأ عدد المصلين يتناقص تدريجيا، حتى بلغ عند
نهاية القراءة قرابة عشرة مصلين! !
لقد كان يقرأ بطريقة سردية مملة، يتجاوز كثيرا من الألفاظ غير المفهومة
دون أدنى شرح أو تعليق. وبعد أن انتهى الإمام من القراءة توجهت إليه واقترحت
عليه أن يغير طريقته في القراءة أو يغير الكتاب الذي يقرأ منه لكتاب يشرح على
الأقل معاني الألفاظ ومراميها، فأجابني بأنه يقرأ بهذه الطريقة منذ زمن، ولكن
الناس قد شغلتهم الملهيات عن سماع الذكر والعلم.. قلت في نفسي: سبحان الله
العظيم! ! أي علم يقصده ذلك الرجل؟ اإني لا أنكر أن أحاديث رسول الله صلى
الله عليه وسلم من أعظم وأنفع العلم، لكن ذلك يكون حين يعيها سامعها، وقارئها
قبله. حين تفهم وترسخ في النفوس والأذهان، أما أن تتلى هكذا سرداً - دون
شرح أو تعليق - على أسماع جماعة من الناس يغلب عليهم عدم التفقه في العلم
والشرع؛ فإنه يستدعي إعادة النظرة! إن التجديد والتنويع بل والتغيير في وسائل
الدعوة إلى الله - عز وجل - ونشر العلم بين الناس - وأخص قضية العلم بالذكر- أمر قد غاب عن أذهان كثير من الدعاة وطلبة العلم. وليس ما ذكر سوى مثال
بسيط على هذه القضية. وأظن - والعلم عند الله - أن من أهم أسباب غياب هذا
الأمر اختلاط معنى التجديد لدى بعض الدعاة أو طلبة العلم، فتجده لا يفرق بين
التجديد في الوسائل، والتجديد في المناهج والدعوات، بل يظن أي تجديد أو تغيير
في طريقة تبليغه دعوته للناس هو تغيير في صميم هذه الدعوة ومنهجها! وكأن هذه
الوسائل قد تم تأسيسها وإنشاؤها مع هذه الدعوة، فلا يمكن بحال من الأحوال أن
تتغير أو تتبدل! !
ومن الأسباب كذلك: الكسل والفتور وضعف الهمة الملازم لبعض الدعاة، فلا
يكلف ذهنه عناء التفكير في وسائل جديدة وطرق مبدعة تناسب من يتعامل معه من
الناس.
إن كوننا نطالب بالتجديد أو التنويع في وسائل الدعوة لا يعني أبداً أن ننبذ كل
ما هو قديم أو مجرب؛ ولكنه يعني أن نطور هذه الوسائل ونحسنها، بل ونبدع
وسائل جديدة حتى نستطيع أن نصل بهذه الدعوة إلى عقول الناس - الذين تعبدنا
الله بدعوتهم - ثم إلى قلوبهم. وما ذاك إلا لأن وسائل الدعوة غير توقيفية، بل هي
مفتوحة متجددة، كل زمان له ما يناسبه، كل هذا وذاك محدد بحدود الشرح.
والأمثلة على ذلك كثيرة ومتوافرة ولكني أكتفي بالتعليق على المثال السابق، فاقول: ما ضر ذلك الإمام لو أقام مسابقة شهرية لجماعة المسجد في الأحاديث والعلم الذي
يقرؤه عليهم؟ أو أنه علق على الأحاديث التي سيقرؤها في اليوم التالي لها فتشتاق
النفوس إلى سماعها؟ وهكذا، فالأمر ميسر بحمد الله، وما دام أن أي وسيلة توصل
إلى تبليغ دين الله ونشره بير الناس ولا تخالف شريعته، أو تتعارض مع مصلحة
أعلى منها، فلا غبار عليها، بل الغبار على تلك العقول التي صدئت والقلوب التي
شغفت بتقليد ما أخذته عن أشياخها فلا تكاد تتزحزح عنه حتى لكأنها عقول
مستنسخة عن عقل ذلك الشيخ.
إن طرح مثل هذا الموضوع يحتاج إلى تأصيل وبحث ومتابعة، وما هذه
الأسطر إلا إشارة وخاطرة لقضية شغلت جزءاً من الذهن والهم، فأحببت إثارتها
عسى الله أن يسخر لها كفؤا كريما يؤصلها ويجسدها مقالا يرى النور على،
صفحات مجلتنا الغراء.