مجله البيان (صفحة 3361)

المسلمون والعالم

الشيشان.. آلام، وآمال

د. سامي محمد صالح الدلال

إن ما يربطنا بالشيشان هو رابطة العقيدة التي لن تنفصل أو تهون بل هي

باقية إلى قيام الساعة، بماذا يقابل الله المسلمون الذين أيدوا الروس في حرب الشيشان

سواء بالقول أو الفعل أو السكوت؟

إن أحداث الشيشان واحدة من نوازل القدر يختبر الله بها عباده جميعاً،

فلينظر كل امرئ ما يتعلق به من هذا الاختبار: مساءلته نفسه، وعرض خوالجها

على ضوء الكشف القرآني والسنن النبوي. والقصد من كل ذلك أن يتوصل إلى

أفضل الأجوبة التي تضمن له اجتياز الاختبار بأحسن تقدير وأرفع درجة. ...

وعلى اعتبار أهمية بلوغ ذلك فإن المسلم جدير به أن يجتهد في استحضار ما

له علاقة بهذه القضية من أسئلة، من مثل:

1 - هل أنا مَعْنيٌّ بأحداث الشيشان؟

2 - ما هي الرابطة التي تربطني بمسلمي الشيشان؟

3 - هل يجب عليَّ شرعاً أن أقف معهم وأدعمهم؟

4 - كيف أستطيع القيام بواجبي إزاءهم؟

5 - ما هدف الروس من تأكيد احتلالهم للشيشان، وما هي دوافعهم؟

6 - ماذا تريد روسيا بعد الشيشان؟

7 - لماذا يقف العالم متفرجاً على ما يحدث في الشيشان؟

8 - هل سينتصر الشيشانيون؟ وهل لي دور في ذلك؟

9 - هل أنا مؤهل لاجتياز محطة المساءلة عن الشيشان في الآخرة؟

فلو أردنا تحري الصواب في الإجابة عن تلك الأسئلة فلعلنا نضعها بين

يدي القارئ على الوجه الآتي:

هل أنا مَعْنيٌّ بأحداث الشيشان؟

نعم بالتأكيد! إنني معْنيٌّ بأحداث الشيشان من زوايا عديدة لا تتعلق برابطة

العقيدة الإسلامية فحسب، بل لأن تلك الأحداث تأتي في سياقات دولية مفصلية لها

الأثر البالغ على الوجود الإسلامي برمته؛ إذ إن إتاحة الفرصة للروس للانفراد

بمسلمي الشيشان دون أن تحرك الدول الإسلامية ساكناً يعطي الضوء الأخضر لدول

الكفر من يهود ونصارى أن

تكشر عن أنيابها لتفترس الكيانات الإسلامية المبعثرة هنا وهناك على خارطة

العالم؛ إذ إن هذه الأحداث تثبت لتلك الدول الكافرة بأنها لن تجد معارضة حقيقية

وجادة ومؤثرة إزاء أي فعل تقوم به ضد الكيانات الإسلامية الضعيفة أو المستضعفة، خاصة أن مسألة الشيشان لم تكن مسألة منفردة بمعزل عما قبلها، بل جاءت في

إطار مسلسل البوسنة وكوسوفا وتيمور الشرقية؛ وهذا يعزز النظرية التي ذكرتها.

وأنا مَعْني بالشيشان باعتبارها دولة مسلمة من دول القوقاز وقع عليها

الاحتلال الروسي عبر طوفان من المآسي والمحن التي ولَّدها النظام الشيوعي أيام

ستالين وما كان قبله وما جاء بعده.

إن التوجه الاستقلالي للشيشان كان لا بد أن يفتح الباب على مصراعيه نحو

استقلال دول القوقاز لترى النور بعد الظلام الحالك الذي خيم على ربوعها منذ

عشرات السنين. فلو أن تلك الدول كتب لها أن تنضم فيما بعد في دولة قوقازية

إسلامية واحدة لأفضى ذلك إلى أن يشكل فتحاً وعضداً كبيراً للقوى الإسلامية في

القارة الآسيوية، كما أنه سيشكل رافداً قوياً للحركات الإسلامية في الجمهوريات

الإسلامية التي استقلت بعد سقوط الاتحاد السوفييتي؛ حيث ستكون تلك الحكومات

مدعومة من قِبَلِ أفغانستان وربما باكستان، ثم من دولة القوقاز الإسلامية مما

سيؤول في النهاية إلى تمكُّن تلك الحركات الإسلامية من السيطرة على مقاليد الحكم

في تلك الدول.

أضف إلى ذلك فإن للشيشان امتدادات عرقية وقبلية في كل من سوريا

والأردن، وهي دول في مواجهة (إسرائيل) ، ولا يخفى ما لذلك من دلالات تتعلق

بما سيكون لإقامة دولة إسلامية في القوقاز من أثر على الصراع مع (إسرائيل) .

فإن كان اليهود والنصارى معنيين بأحداث الشيشان فلا بد للمسلم من باب

أوْلى أن يكون معنياً بها وأشد تفاعلاً معها.

ماذا يربطني بمسلمي الشيشان؟ !

لقد جعل الإسلام الأمة الإسلامية كياناً واحداً ولُحمة متصلة، قال تعالى:

[إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ] [الحجرات: 10] ، وجعل لكل مسلم حقاً على أخيه المسلم

حيثما وجد، ف (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا

يحقره) [1] ، وفي الصحيحين: (المسلم أخو المسلم: لا يظلمه ولا يخذله، ولا

يسلمه) [2] . وفيهما أيضاً قال صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو

مظلوماً! قيل: يا رسول الله! أنصره مظلوماً؛ فكيف أنصره ظالماً؟ قال: تمنعه

من الظلم فذلك نصرك إياه) [3] .

وأخرج الإمام أحمد من حديث سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال: (من أُذِلَّ عنده مؤمن فلم ينصره، وهو يقدر على أن ينصره أذله الله على

رؤوس الأشهاد يوم القيامة) [4] وهو ضعيف لكن يشهد له حديث أنس رضي الله

عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نصر أخاه بظهر الغيب نصره

الله في الدنيا والآخرة) [5] وهو في صحيح الجامع الصغير.

إن ترابط المسلمين فيما بينهم كترابط أعضاء الجسد الواحد، ما أن يقع ضيم

أو تحل نازلة بأحدهم إلا كأنها أصابت جميع المسلمين، فيحنو بعضهم على بعض،

ويرحم بعضهم بعضاً، فيهبُّون هبة رجل واحد فزعةً [6] لبعضهم بعضاً ونصراً

لهم. وما لنا ألا يكون هذا حالنا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مثل المؤمنين

في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر

الجسد بالسهر والحمى) [7] ؟ وقال صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون كرجل وا حد: إن اشتكى رأسه اشتكى كله، وإن اشتكى عينه اشتكى كله) [8] .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه

بعضاً) [9] . ومن أجل هذا فقد ترتبت حقوق عظيمة لكل مسلم على إخوانه المسلمين أينما كانوا.

وها هم إخواننا في الشيشان قد داهمهم الروس وهم نصارى أرثوذكس من

البر والجو، مستخدمين جميع أنواع الأسلحة وأشدها تدميراً وأوسعها إهلاكاً،

فأحدثوا فيهم الفتك والقتل والهتك والتشريد.

إن ذلك كله يلهب شعور جميع المسلمين بقوة رابطتهم بمسلمي الشيشان

ويؤجج في نفوسهم ضرورة نصرتهم.

إن الرابطة التي تربط كل مسلم في أنحاء الأرض بمسلمي الشيشان هي

رابطة الدين، رابطة العقيدة، إنها رابطة الإسلام، تلك الرابطة لا تنفصم ولا

تنقطع ولا تهون، بل هي باقية إن شاء الله أبد الدهر إلى قيام الساعة.

نصرة الشيشان واجب شرعي:

قال تعالى: [وإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ

وبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ] [الأنفال: 72] . وقال تعالى: [والْمُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ

أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ] [التوبة: 71] ، وقال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ والْمُنَافِقِينَ

واغْلُظْ عَلَيْهِمْ] [الأنفال: 73] ، وقال تعالى: [الْمُنَافِقُونَ والْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ

بَعْضٍ] [التوبة: 67] .

إن هذه الآيات تبين طبيعة المعركة ومعالم حدودها ومساحة حركتها. إنها

تقول: إن الواجب الشرعي هو تناصر المسلمين في كل أنحاء الأرض، وأن يتولى

بعضهم بعضاً؛ كما أن الكافرين والمنافقين يتولى بعضهم بعضاً.

فعلى كل مسلم أن يلبي دعوة إخوانه في الشيشان بنصرتهم، كلٌّ بما يستطيع؛ فمن استطاع الوصول إليهم ليقاتل معهم فليفعل، ومن استطاع نصرهم بالكلمة

قولاً أو كتابة عبر الكاسيت أو الفيديو أو الرائي أو الصحيفة، أو أي واسطة أخرى

فليفعل، ومن استطاع تمويلهم بماله الخاص أو بجمعه وإرساله إليهم فليفعل، ومن استطاع الدفاع عنهم بنشر قضيتهم بين الأمم فليفعل. ولا أقل من أن يشترك جميع المسلمين في كل الأرض في دعاء الله لينصرهم على أعدائهم الروس، ويصبِّرهم ويثبتهم ويرفع المحنة والشدة عنهم، وأن يتقبل شهداءهم ويشفي جرحاهم

ومرضاهم، وأن يجعل الدائرة لهم ويخرجهم من هذه المعركة الضروس مرتفعة بالإسلام رؤوسهم، نابضة بالذكر لله والثناء عليه قلوبهم، حامدة له وشاكرة ألسنتهم، ساجدة لجلاله جباههم.

وقد وقفت على فتوى عظيمة للعالم الشيخ الجليل عبد الله بن عبد الرحمن بن

جبرين أصدرها بتاريخ 16/7/1420هـ ذكر فيها أهمية مناصرة مسلمي الشيشان، وقال حفظه الله: يجب على المسلمين:

أولاً: الدعاء لإخوانهم في تلك البلاد بالنصر والتمكين والتأييد ورد كيد

الكائدين.

ثانياً: إمدادهم بالأسلحة والقوة الحسية التي يكافحون بها ويقاتلون من قاتلهم.

ثالثاً: تقويتهم بالأموال، فهم بأمسِّ الحاجة إلى القوت والغذاء والكسوة، وكل

ما يتقوُّون به ... إلخ الفتوى.

هل أستطيع القيام بواجبي نحو الشيشان؟

نعم! أستطيع القيام بواجبي إزاء المسلمين في الشيشان؛ وذلك في إطار

مفهوم قوله تعالى: [أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ] [البقرة: 286] ،

وفي إطار قوله تعالى: [وإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ]

[الأنفال: 72] .

وسأذكر هنا ما يمكن أن يقدمه المسلمون لمسلمي الشيشان؛ وكلٌّ يغرف من

ذلك بقدر مِغرفته:

1- الدعاء لهم في صلاة الفريضة. والقنوت مشروع في الفرائض عند

حدوث النوازل. وكذلك الدعاء لهم في صلاة قيام الليل وصلوات السنن والنوافل

وخاصة في الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء.

2 - تعريف المسلمين بقضيتهم من خلال خطب الجمعة والمنتديات ومجالس

البيوت، وعن طريق تداول أخبارهم في محيط الأسرة، وجعل ذلك مادة اهتمام

الأمهات والأبناء الأقارب.

3 - استغلال الوسائل الإعلامية المتاحة لتعريف العالم بما يقع على مسلمي

الشيشان من ظلم وقهر واضطهاد وتقتيل وتشريد وتهجير وبطش من قِبَلِ الجحافل

الروسية الهمجية.

ومن أهم تلك الوسائل الإعلامية:

الصحافة، والإذاعة، والتلفزيون (سواء عبر القنوات العادية أو المحطات

الفضائية) والإنترنت. ومن خلال أشرطة الكاسيت والفيديو.

4- طباعة كتيبات صغيرة تشرح مأساة إخواننا مسلمي الشيشان وتسلط

الأضواء على أبعادها الدينية والإنسانية والسياسية. ثم توزع هذه الكتيبات مجاناً في

أوسع نطاق بكافة اللغات العالمية المشهورة.

5- الدعوة إلى التبرع لصالح مسلمي الشيشان بقصد تغطية احتياجاتهم

الجهادية والمدنية.

6- إن الجهاد بالنفس في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام؛ فمن استطاع

الجهاد بنفسه في أراضي الشيشان فليفعل، ومن لم يستطع فليجهز من يستطيع ولا

يجد ما يعينه على ذلك؛ فإنه (مَنْ جَهَّزَ غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف

غازياً في سبيل الله في أهله بخير فقد غزا) [10] ، وفي رواية عنه أخرجها ابن

ماجه بسند صحيح: (من جهَّز غازياً في سبيل الله كان له مثل أجره من غير أن

ينقص من أجر الغازي شيئاً) [11] .

7- إمدادهم بالسلاح بكافة أنواعه المتاحة، وهذا الأمر وإن كان متعذراً على

الأفراد القيام به، فإن الحكومات في البلاد الإسلامية قادرة عليه لو أرادت.

8 - الضغط على الحكومة الروسية بكافة الوسائل لحملها على إيقاف حربها

الهمجية إزاء الشيشان وعلى الانسحاب من الأراضي الشيشانية والاعتراف

بالشيشان دولة مستقلة وتعويضها عما ألحقته بها من خسائر فادحة في الأنفس

والأموال والممتلكات. ومن وسائل الضغط على الحكومة الروسية ما يلي:

1- إرسال رسائل الشجب والاستنكار لأفعالها الشنيعة في الشيشان، ويتم ذلك

شعبياً من خلال إيصال تلك الرسائل إلى جميع السفارات الروسية في جميع أنحاء

العالم. على ما يقوم به الروس من ممارسات وحشية في الأراضي الشيشانية.

2- الضغط على كافة دول العالم ومختلف المحافل الدولية لتقوم بواجبها في

الوقوف مع الشعب الشيشاني الذي يتعرض للإبادة الشاملة، ذلك بالضغط على

الحكومة الروسية بكافة السبل، والتأكيد على أن فارق القوة المادية بين الطرفين

يجعل أداة القمع والبطش من طرف واحد دون أن يكون للطرف الثاني إمكانية

المقاومة الفاعلة.

3 - لا بد لدول العالم أن تقف موقفاً مع العدالة التي تقتضي الضغط على

الحكومة الروسية لمنح الشيشان استقلالها، هذا إن كان للعدالة معنى لدى تلك الدول!

4 - إن من أمضى ما يمكن أن يحمل الروس على إعادة تقييم حملتهم الظالمة

على الشيشان هو استخدام أسلوب الضغط الاقتصادي وذلك بوقف المساعدات

الاقتصادية الدولية عنهم، وتجميد أرصدتهم في الخارج أو حجزها لإيفاء ما عليها

من ديون مستحقة، وبإيقاف استيراد الأسلحة منهم. وأما الضغط السياسي فبالتهديد

بتعليق العلاقات الدبلوماسية

معها أو بتخفيض درجتها أو بتقليل عدد العاملين في السفارات الروسية. إنني

أعلم تماماً أن هذه الدعوة قد لا تجد أي أذن صاغية، وذلك لخضوع العلاقات

الدولية عموماً إلى معادلة (الغاية تسوِّغ الواسطة) ، وأن المصالح الدولية مقدمة على

المصالح الإنسانية والمفاهيم

القيمية؛ إلا أنه لا بد من تسجيل هذه الدعوة لإقامة الحجة على جميع الذين

خذلوا مسلمي الشيشان وناصروا عدوهم الذي يفتك بهم.

ما هي أهداف احتلال الروس للشيشان ودوافعه؟

إن دوافع احتلال الروس لأراضي الشيشان متعددة الاتجاهات، ونجملها فيما

يلي:

1 - لقد تعرض الروس إلى هزيمة قاسية على يد مسلمي الشيشان عام

1996م عندما قام الروس باجتياح أراضي الشيشان في ذلك العام واحتلوا العاصمة

غروزني ثم لم يُبقوا فيها حجراً على حجر. ولكن الله تعالى نصر مسلمي الشيشان

عليهم رغم فارق القوة الهائل عدداً وعدة. لقد مرَّغ المقاتلون الشيشان أنوف

العسكريين وسياسيي الكرملين في أوحال الذلة والصغار، وألحقوا بهم هزيمة

تاريخية وقف لها جميع العالم مدهوشاً. وإن من أهم أهداف هذه الحملة الروسية

الحالية على الشيشان هو رد اعتبار الكرملين على المستوى السياسي والعسكري،

والثأر من الهزيمة السابقة.

2 - إن الحملة الروسية الحالية تشكل غطاءاً للتنافس السياسي بين مختلف

الفرقاء والفصائل والأحزاب الروسية للانتخابات القادمة للبرلمان ولرئاسة الدولة.

إن إصرار رئيس الوزراء الحالي بوتين ورئيس الدولة بالنيابة على متابعة حملة

الإبادة في الشيشان ما هو إلا ورقة قوية يمسك بها في يده لأجل انتخابه خلفاً ليلتسين. وكل فريق له حساباته؛ فالسياسيون لهم حساباتهم والعسكريون لهم حساباتهم،

والجميع يعتقد أن تحقيق حساباته بشكل إيجابي يمر عبر أراضي الشيشان تدميراً

وتقتيلاً وتهجيراً.

3 - إن روسيا تريد إبقاء خضوع مناطق القوقاز لها وتحت سيادتها كيما

تتمكن من مواصلة سرقة خيراتها الوفيرة. سواء منها البترولية أو الزراعية الكثيرة

والمنوعة التي تشتهر بها حقول (غروزني) العاصمة [12] . إن إصرار روسيا

على خوض هذه الحرب الشيشانية يعكس مدى التدهور الاقتصادي الذي حل بها

والذي تريد تعويض بعضه من ثروات تلك البلاد الغنية.

4 - إن الحكومة الروسية تريد من خلال حربها الشرسة في الشيشان إيصال

رسالة لكافة المناطق التي غالبيتها من المسلمين والتي تخضع للاستعمار الروسي

مفادها: أن الحكومة الروسية جادة في استخدام الحديد والنار لإبقاء تلك المناطق

الإسلامية تحت سطوتها واستعمارها.

5 - إن روسيا من منظار صليبي أرثوذكسي بحت تعتقد أن المنظور البعيد

إذا كان يحمل في طياته قيام دولة إسلامية تجمع شتات المسلمين في تلك المناطق

الآسيوية، فإنه من الواجب إيقاف ذلك الاحتمال ابتداءاً من بواكيره وعدم الانتظار

إلى مستقبل الأيام؛ فلربما لا يمكن عندها فعل شيء ذي قيمة يوقف إمكانية ذلك

التوحيد؛ حيث إن روسيا ترى أن قيام مثل تلك الدولة يشكل خطراً بالغاً عليها. إن ذلك ربما كان صحيحاً إلا أن روسيا تريد أن تستعمل هذه الورقة وتسويقها داخلياً وخارجياً على أمل إقناع العالم بمسوغات الفظائع التي تقوم بها الآن.

6 - إن للأعمال الحربية التي تقوم بها القوات الروسية حالياً في الشيشان

أهدافاً أخرى تتعلق بتجديد حيوية ذلك الجيش وتجريب أسلحته الجديدة السرية للتأكد

من كفاءتها؛ إضافة إلى اعتبار تلك الحرب نوعاً من التدريبات الحية والقاسية التي

يختبر القادة الروس من خلالها قدراتهم العسكرية والفنية وكفاءة خططهم الحربية.

7 - لقد استطاع الغرب أن يحيِّد روسيا في حرب كوسوفا ولم تتمكن الحكومة

الروسية من نجدة حليفتها يوغسلافيا مما أفقد حلفاء روسيا الثقة بقدرتها على الوقوف

معهم حال الأزمات. إن الموقف الروسي الضعيف في حرب كوسوفا ترك انطباعاً

دولياً يوحي بالعجز الروسي عن التحرك في حال حدوث أزمات دولية. وتعتبر

الحكومة الروسية أنه قد

حان الوقت لتبديد هذه التصورات التي خلَّفتها حرب كوسوفا وذلك من خلال

إثبات قدراتها على التحرك العسكري على نطاق واسع. وكان غزوها الثاني

للشيشان تعبيراً عن هذه الفكرة إضافة إلى أنها قد ضمنت عدم تدخل حلف الأطلسي

في هذه الحرب، مثلما لم تتدخل روسيا عسكرياً في حرب البلقان، ولكن علينا أن

نلاحظ الفرق بين الحالتين.

تلك هي بعض أهم أهداف الغزو الروسي للشيشان، إلا أن المراقب المحايد

يستطيع القول بثقة: إن روسيا لن تُفلح في تحقيق أي من تلك الأهداف؛ حيث إن

معطيات الواقع تؤكد ذلك.

لماذا يقف العالم متفرجاً على أحداث الشيشان؟

لقد بات من نافلة القول أن جميع دول العالم تقيس كافة الأمور من منظور

مصالحها الخاصة، سواء كانت مصالح عقدية أو اقتصادية أو سياسية أو غير ذلك، أما القضايا الإنسانية فهي لا تعدو أن تتخذ أحياناً واجهات يُتترس بها للوصول إلى

تلك المصالح. ومن هذا المنطلق نفهم لماذا تكيل الدول والتحالفات مواقفها بمكاييل

متعددة قد يغلب عليها التناقض. وهاك هذه الأمثلة:

كوسوفا إقليم مسلم تحتله يوغسلافيا، وعندما تشكل فيه جيش تحرير كوسوفا

وبدأت فيه بوادر نزعة الاستقلال عن يوغسلافيا تدخل الغرب (أمريكا وحلفاؤها

الأوروبيون) لإجهاض هذه النزعة من خلال السيناريو الذي تم في ذلك الإقليم،

والذي انتهى ببقاء إقليم كوسوفا تابعاً ليوغسلافيا ضمن إطار الحكم الذاتي لكن تحت

مظلة استعمار دولي متعدد الجنسيات، بما فيها روسيا، ثم تم حلُّ جيش تحرير

كوسوفا، وهكذا بات من الصعب أو من المستحيل أن يفكر مسلمو ذلك الإقليم في

الاستقلال في ظل المعطيات القائمة.

تيمور الشرقية جزء لا يتجزأ من إندونيسيا، ومعظم سكانه من النصارى

الذين طالبوا بالاستقلال، فتدخلت الأمم المتحدة وأجرت استفتاءاً في الإقليم،

فصوَّتت الغالبية على الاستقلال. اجتمع مجلس الأمن وأعطى إنذاراً للقوات

الإندونيسية بالانسحاب من الإقليم خلال 48 ساعة، وهكذا حصل. وجاءت القوات

الدولية وتسلمت الإقليم وبقيت فيه لحمايته من أي احتمال للتدخل العسكري الإندونيسي في المستقبل.

ولتفويت هذا الاحتمال صوَّت البرلمان الإندونيسي على استقلال تيمور

الشرقية، لكن القوات الدولية ستبقى مرابطة فيه. فما مسوِّغ بقائها؟ !

والسؤال هو: لماذا لم يَدْعُ مجلس الأمن للاستفتاء على استقلال كوسوفا؟ ولو

تم ذلك وكانت النتيجة بالإيجاب فهل يفرض مجلس الأمن بالقوة ذلك الاستقلال؛

خاصة وقد أصبح ذلك الإقليم تحت احتلال القوات الدولية بعد انسحاب القوات

اليوغسلافية تماماً منه؟ السبب واضح؛ فانسحاب القوات الإندونيسية من تيمور

الشرقية يؤدي إلى قيام دولة نصرانية في ذلك الموقع المهم من العالم وهو مطلب

الغرب ومبتغاه، وأما انسحاب القوات اليوغسلافية من كوسوفا دون أن تحتله

القوات الدولية فسوف يؤدي إلى قيام دولة مسلمة في قلب أوروبا وهذا مرفوض

عندهم تماماً.

إذاً المصالح العقدية هي التي دعت الأمم المتحدة الخاضعة لليهود والنصارى

إلى مواقفها المتناقضة.

الشيشان جمهورية إسلامية فرضت استقلالها عن روسيا بعد أن هزمت

الجيش الروسي عام 1996م، ورغم ذلك رفض العالم الاعتراف بها، ولم يتعامل

معها؛ لأنها من وجهة نظره تابعة لروسيا. الآن تدخلت روسيا عسكرياً في هذه

الجمهورية المسلمة؛ فلماذا لا يتدخل مجلس الأمن كما تدخل في موضوع تيمور

الشرقية ويطلب إجراء استفتاء على الاستقلال، ثم يفرض ما تتضمنه نتيجة

الاستفتاء بالقوة من خلال قوات دولية؟ !

نعم! كان من الممكن أن يتم هذا فيما لو كان سكان جمهورية الشيشان

نصارى أو يهود. وقد فعلها الغرب عندما دعم استقلال أستونيا ولاتفيا وليتوانيا عن

الاتحاد السوفييتي؛ حيث إن سكانها نصارى.

وقد أشرت بالتفصيل لهذا الموضوع في كتابي: (انهيار الشيوعية) .

قد يقال: إن الغرب لا يستطيع التعامل مع روسيا وهي ثاني أعظم دولة

نووية في العالم كما يتعامل مع إندونيسيا أو يوغسلافيا؛ حيث إن موازين القوى لها

أثر في المواقف الدولية والعالمية! أقول: نعم! ولكن بإمكان أمريكا وحلفائها أن

يتخذوا إجراءات مؤثرة تؤدي إلى وقف الحملة الروسية على الشيشان، ولكن الواقع

أن تلك الدول تؤيد في الباطن تلك الحملة؛ إذ هي أيضاً تتخوف من استقلال

الشيشان تحت المظلة الإسلامية مع ما يعنيه ذلك من أثر هذا الاستقلال على باقي

الجمهوريات الإسلامية الأخرى الخاضعة للحكم الروسي، وقد فصلت ذلك سابقاً.

فلو كانت الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا جادة في وقف الحملة الروسية المدمرة

على أرض الشيشان وشعبها المسلم لكان بإمكانها أن تقوم بالإجراءات التالية:

1 - وقف دعم صندوق النقد الدولي لروسيا والبالغ 4. 5 مليار دولار.

2 - تطبيق عقوبات اقتصادية بحق روسيا.

2 - تبني قرار في مجلس الأمن يدعو إلى وقف التدخل الروسي في الشيشان

وسحب قواتها منها.

4 - تقليص التبادل الدبلوماسي مع روسيا وتخفيضه.

5 - شن حملة دولية لفضح الممارسات الروسية البشعة في الشيشان.

6 - إيقاف تبادل الزيارات الثقافية والفنية والرياضية مع روسيا.

وهناك إجراءات أخرى قد تكون أكثر صرامة، ولكنها يمكن أن تؤدي إلى

توتر الموقف الدولي أو خروجه عن السيطرة.

إننا إلى الآن لم نرَ أي إجراء فعال قام به الغرب ضد روسيا بشأن تدخلها

السافر في الشيشان سوى بعض الاحتجاجات غير المؤثرة والتي تطلق عادة

للاستهلاك المحلي أو الدولي.

لكننا إن نكن نعجب فإننا نعجب من مواقف بعض الدول الإسلامية التي أيدت

التدخل الروسي في الشيشان إما بالقول والدعم الإعلامي، وإما بالسكوت عما

يحصل في تلك البلاد الإسلامية الشيشانية المغلوبة على أمرها. لقد كان بالإمكان

تقديم الدعم لدولة الشيشان المستقلة منذ عام 1996م بالاعتراف باستقلالها، ولكن

للأسف لم يتم شيء من ذلك،

فكأن شأن الشيشان مع الدول الإسلامية كشأن الطائر الذي يغرد في غير

سربه! !

وقبل أن أغادر هذه المحطة فإنني أتساءل: أين منظومة الأطباء بلا حدود

التي حصلت على جائزة نوبل؟ وأين الهلال الأحمر والصليب الأحمر وجمعيات

حقوق الإنسان؟ أقول: أين هؤلاء وأمثالهم مما يحدث في الشيشان؟ لماذا يقف

الجميع متفرجاً، بل بعضهم قد يكون مصفقاً؟ !

إن هذه المواقف السلبية تجاه مسلمي الشيشان تبين حقيقة الدوافع والمنطلقات

التي تنطلق منها تلك المنظمات، فهي إما نصرانية غربية، فموقفها معروف، وإما

منظمات إسلامية لكنها تدور في الفلك السياسي للأنظمة الساكتة. ونقول لهؤلاء:

إن لم تحرككم الدوافع الدينية الإسلامية فلا أقل من أن تحرككم الدوافع الإنسانية، أم

ترانا كما قال

القائل:

لقد أسمعتَ لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي!

هل سينتصر الشيشانيون؟ !

إن قضية انتصار الشيشان تخضع إلى عوامل عدة، يمكن إجمالها في ثلاثة

هي:

1 - العامل الذاتي.

2 - العامل الروسي.

3 - العامل الدولي.

فأما العامل الذاتي: فأساسه العقدي يعتمد على قدر الباعث الإسلامي في هذه

المواجهة. ولا شك أن الشيشانيين يعلمون أن المحور الحقيقي لهذه الحرب هو

المحور العقدي. فإذا أخلص الشيشانيون جهادهم لله تعالى وجعلوا قتالهم في سبيله

ولإعلاء كلمته وإعزاز دينه وتنفيذ شريعته فإن الله تعالى ناصرهم لا محالة؛ فهو

سبحانه القائل:

[إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] [محمد: 7] . والقائل: [وَكَانَ

حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ] [الروم: 47] . وكي يتحقق النصر لا بد من إخلاص

نية الجهاد لله تعالى والأخذ بالأسباب المادية المقدور عليها والاعتصام بالصبر مع

الثبات عند اللقاء.

قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصَابِرُوا ورَابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ

لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] . [آل عمران: 200] .

ولذلك نوصي بشدة أن تأتلف كلمة المقاتلين جميعاً من المنضوين تحت سلطة

الدولة الشيشانية أو الآخرين الذين مع شامل باسييف وخطَّاب، ولا بد أن تكون

قيادتهم موحدة وجهودهم متحدة.

ومن أهم ما نحث عليه بشدة هو أن تتوجه قلوب الشيشانيين إلى الله تعالى

وحده، فيبتهلون إليه ويكثرون من الدعاء مع الإلحاح على ربهم أن يتولى أمرهم

وأن يظهرهم على عدوهم اقتداءاً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لربه

جل وعلا يوم بدر.

وأما العامل الروسي فيتشكل من عدة عناصر:

الصراع السياسي داخل الكرملين والبرلمان (الدوما) :

إن هذا الصراع لا يزال يزداد تأججاً يوماً بعد يوم؛ حيث إن يلتسين قد فقد

كثيراً من قدرته القيادية قبل تقديمه استقالته، وزمام الأمور ليس متركزاً في

شخصية بعينها، رغم أن فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الحالي ورئيس الدولة

بالنيابة هو الشخصية الطافية على السطح، إلا أن تحت الأكمة كثيراً من الخلافات

والاضطرابات. ولذلك فإن عدم وجود القيادة السياسية الحاسمة سينعكس سلباً على

توجيه دفة الحرب الشيشانية مما يعزز قدرات المجاهدين الشيشان على الصمود

والتحوُّل إلى الهجوم.

الصراع داخل المؤسسة العسكرية:

إن هذا الصراع محتدم بين مختلف القيادات المشاركة في الحرب الشيشانية؛

حيث إن المخططين العسكريين للعملية الشيشانية واقعون في ارتباك شديد بسبب

عدم قدرة القوات في الجبهات الأمامية على تنفيذ المهام الموكولة إليهم، مما أحدث

أزمة ثقة بين القيادات المخططة والقيادات المنفذة.

وستُظهر الأيام القادمة هذه الخلافات على السطح، وسيتبلور ذلك من خلال ما

سنراه من إحالة عدد كبير من كبار الجنرالات إلى التقاعد، أو ربما إحالتهم إلى

المحاكمة بسبب التقاعس أو الإهمال أو الهروب من ساحات المعارك.

ولا شك أن الخلافات داخل المؤسسة العسكرية الروسية يصب في النهاية في

صالح المجاهدين الشيشان.

الصراع بين المؤسستين السياسية والعسكرية:

إن هذا الصراع بدأ يحتدم منذ الآن؛ حيث إن المؤسسة السياسية قد لاحظت

أن الحسم في الشيشان لصالح روسيا ليس مؤكداً، إضافة إلى ظهور بوادر التراجع

في القرار السياسي، في حين أن المؤسسة العسكرية تصر على المضي قدماً في

حرب الشيشان إلى النهاية. والنهاية عندهم هي إعادة احتلال الشيشان والقضاء

على قياداتها السياسية والعسكرية، والإبادة الجماعية لشعبها المسلم.

وقد هدد كبار القادة العسكريين بما فيهم وزير الدفاع بالاستقالة إن تدخلت

القيادة السياسية لوقف القتال أو الحد من اندفاعه.

الجانب النفسي:

إن معنويات العسكريين الروس بدأت في التداعي بسبب شراسة المواجهة التي

يلاقونها من المجاهدين الشيشان، مما عرقل تماماً الخطط الموضوعة

لاحتلال تلك البلاد، خاصة أن الشتاء على الأبواب وأن بعض تشكيلات

الجيش الروسي من المتطوعين المرتزقة غير القادرين على الصمود والقتال لفترة

طويلة.

لقد اعتقدت القيادة الروسية بمؤسستيها السياسية والعسكرية أن حسم موضوع

الشيشان سيتم سريعاً جداً ولن يستغرق إلا بضعة أسابيع في أبعد التقديرات، ولكن

جاءت الوقائع على خلاف ذلك، وهذا الذي حدا بالقيادة العسكرية إلى تكثيف قصفها

بالطائرات وراجمات الصواريخ وقذائف المدفعية واستخدام أشد الأسلحة فتكاً، مع

توجيه كل ذلك إلى البنية التحتية الشيشانية وإلى جميع المدنيين العزل من السلاح

بغية ممارسة أشد أنواع الضغط على المجاهدين الشيشان كيما يلقوا سلاحهم حفاظاً

على استبقاء أهلهم وممتلكاتهم. إلا أن جميع هذه التقديرات الروسية ذهبت أدراج

الرياح، وأطاح بها صمود المجاهدين الشيشان وبسالتهم في القتال.

الجانب الاقتصادي:

إن روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وهي تعاني من أزمات اقتصادية

شديدة، مما أدى إلى إيقاف العمل في عدد من المشاريع الإنمائية وتأخر الحكومة عن دفع الرواتب سواءاً للموظفين المدنيين أو المجندين العسكريين.

إن الحرب الشيشانية لن تستطيع الحكومة الروسية الاستمرار في تمويل

تكاليفها، وستضطر إلى إيقاف الرواتب وكثير من مشاريعها الاقتصادية؛ فهي بين

فكي كماشة، فإما أن توقف هجومها على الشيشان، وإما أن تنزلق اقتصادياً إلى

قعر الهاوية، مما سيعزز دور المافيا وأعوانها، أو تعوِّم نفسها من خلال حصولها

على تمويلات سرية من الدول التي تهاجمها في العلن، وأقصد بها الدول الغربية

وأمريكا، أو تمويلات أخرى من (إسرائيل) .

الجانب الاجتماعي:

إن الجانب الاجتماعي سيتأثر بمجموعة عوامل من أهمها عاملان:

الأول: الأزمة الاقتصادية التي ذكرتها وهذه ستؤدي إلى حرب أهلية أو

اجتياح جماهيري لمؤسسات الدولة ودخول روسيا في فوضى عارمة لا يضبطها

ضابط.

الثاني: أن أسراب التوابيت للقتلى الروس في الجبهات القتالية ستنساح إلى

جميع المدن الروسية بدون استثناء، وسيكون همّ الجموع الجماهيرية في صبيحة

كل يوم هو استقبال توابييت جديدة والتي تحوي داخلها أشلاءاً ممزقة ستمزق

نفوسهم ثم تمزق دولتهم إن شاء الله تعالى.

إن هذه الحال ستؤدي إلى فقدان الآباء والأبناء والإخوة، مما سيفكك الأسر

الروسية ويبعثر اجتماعها ويرمي كل يوم إلى قارعة الطريق بأعداد غفيرة من

الأطفال الذين لا عائل لهم يكونون فيما بعد قنبلة اجتماعية موقوتة ستأتي لدى

انفجارها والذي سيكون قريباً جداً

إن شاء الله على الأخضر واليابس.

فخلاصة القول أن العامل الروسي يدفع روسيا إلى خسارة هذه الحرب ويقوي

من عوامل انتصار المجاهدين الشيشان. وهذا ما ستثبته الأيام بإذن الله، وإن كان

الثمن صعباً جداً.

وأما العامل الدولي: فإنه لا يصب الآن من الناحية الظاهرية في صالح

روسيا؛ حيث إن أنباء المذابح التي يقترفها الروس ضد الشيشان جماعياً قد ملأت

الآفاق وهذا قد دفع دول العالم أجمعين نحو زاوية حرجة، ومع تتالي الأيام

والأسابيع أصبح من المؤكد أن يقول العالم شيئاً مَّا بشأن تلك المذابح الهمجية.

واشرأبت أعناق دول العالم الثالث نحو أمريكا وأوروبا تنتظر منهم موقفاً كي يقوموا هم بدورهم بصياغة مواقفهم على أساس ذلك الموقف الغربي. ومن المفارقة أن يجتمع مجلس الأمن بأعضائه جميعاً ويطالب الطالْبان بتسليم رجل واحد هو (أسامة بن لادن) ولا يجتمع ليطالب روسيا برفع يدها عن قتل شعب بأكمله.

إننا لا نتوقع موقفاً حاسماً في إطار العامل الدولي، ولكن الدفة في هذا العامل

من حيث العموم تميل شيئاً ما لصالح الشيشان لا من حيث الحصول على الاستقلال، ولكن من حيث إيقاف المجازر البشعة التي تقترفها الجيوش الروسية الجرارة، أو

ربما مجرد الحد من تلك المجازر فقط لا غير.

الشيشان ومساءلة الآخرة:

(المسلمون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم) [13] . إن الدفاع عن

حرمات المسلمين والوقوف معهم في المحن واجب شرعي. ولا يجوز للمسلم أن

يسلم أخاه المسلم لأعدائه من الكفار والمنافقين. ونحن في موقف المساءلة يوم

القيامة سنُسأل: ماذا فعلنا لنصرة إخواننا مسلمي الشيشان عندما أهريقت دماؤهم

واستبيحت أعراضهم وأتلفت ممتلكاتهم وشردوا في

كل صقع ومزقوا شذر مذر؟

ماذا فعلنا لنصرتهم عندما أرهقهم الخوف وغطتهم الثلوج وأفناهم الجوع؟

ماذا فعلنا لنصرتهم وقد لفتهم الأحزان وتعالت منهم الآهات وتألمت لأجلهم

الآلام! !

ماذا فعلنا لنصرتهم وقد خرجوا من ديارهم هائمين على وجوههم لا يلوون

على شيء، يتساقطون على الطرقات موتى لا يجدون من يدفنهم؟ ! هل نصرناهم

بالأنفس؟ !

هل نصرناهم بالمال؟ ! هل نصرناهم بالدعاء؟ !

هل نصرناهم بالدفاع عنهم في المحافل داخلياً وخارجياً؟ !

هل حاولنا أن نستشعر في نفوسنا ما يشعرون هم به حقيقة وواقعاً؟ !

أين علماء أمة المليار مما يجري في بلاد الشيشان؟ !

صرخة مدوية أصرخ بها في آفاق كل العالم، لعل المسلمين يسمعونها: أن

هلموا لنجدة إخوانكم في الشيشان، وامتطوا صهوات التضحية والفداء.

إن هذه الأمة لا تحيا إلا بالجهاد، فعندما تركته ماتت أو أوشكت. إن المجد

لا يرتقيه الخائرون والمتقاعسون، بل يرتقيه المجاهدون والمضحون.

إن المسلم الحق له في قلبه عينان: عين على الدنيا، وعين على الآخرة؛

فكأنما يبصرهما جميعاً في آن واحد، فيجعل دنياه حرث آخرته.

فهل نجعل من نصرنا لإخواننا المسلمين في الشيشان وفي كل مكان زاداً لنا

عند لقاء ربنا؟ !

طور بواسطة نورين ميديا © 2015