مجله البيان (صفحة 3331)

إشكالية التعامل مع الآخر في فكر ابن تيمية

متابعات

إشكالية التعامل مع الآخر

في فكر ابن تيمية

عبد الله محمد الأمين النعيم

من المصلحين من لا يستطيع الخروج عن إطار عصره، فيركن إلى التوافق

الاجتماعي بدل تغيير ما يمكن تغييره من الأفكار والعادات؛ لكن القليل من رجال

الإصلاح من تكون له الشجاعة على تحدي العقبات التي تعترضه، فيخرج عن

الإلف والعادة ومسايرة الرأي العام، فينتقد الأسس الفكرية الفاسدة والمسلَّمات

المتواضع عليها، ويكشف العيوب الكامنة في تاريخ الأمة، ويبين المنهج الصحيح

في الإصلاح، ولعل من هؤلاء القليل تقي الدين أحمد بن تيمية الذي عاش في

النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجري أي في

عصر ابتُلي فيه المسلمون بفتن من الداخل والخارج لم يسبق أن ابتلوا بمثلها [1] .

مدخل:

يأخذ الآخر وهو غير المسلم مساحة واسعة في القرآن والسنة النبوية والفكر

الإسلامي عموماً؛ وإذا كان الوحي بشقيه قرآناً وسنة قد حدد الأسس والمعايير

للتعامل مع الآخر إلا أن كثيراً من الدراسات الإسلامية قد انحرفت عن هذه الأصول

الفكرية، ولقد لعبت عوامل عديدة لا محل لذكرها هنا دورها في إحداث هذا

الانحراف الفكري نحو الضالين والمغضوب عليهم. وقد تنبأ رسول الله صلى الله

عليه وسلم بحدوث هذه الانحرافات في العلاقة بين المسلمين والآخرين؛ حيث

قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب

لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟) [2] . وقال في حديث آخر: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون شبراً بشبر

وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟ قال: ومَنِ الناس إلا

أولئك؟) [3] ، غير أن الأمة لا تتردى بمجموعها إلى هذه الهاوية؛ فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة [4] ، وأخبر كذلك أن هذه الأمة لا تجتمع على الضلالة [5] .

وابن تيمية الذي عاش في عصر شبيه بعصرنا الحالي حاول في كتابه:

(اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) تأصيل العلاقة مع الآخر مستنداً

إلى الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، وقد استطاع إخراج دراسة شرعية على

الرغم من أن العصر الذي عاش فيه كان عصر استضعاف للمسلمين؛ إذ كانت

الغلبة في الديار الإسلامية للصليبيين والتتار ومتى ما كان هناك استضعاف وذل

للمسلمين فثمة بدع وضلالات ومذاهب باطلة [6] .

فإذا كان ابن تيمية استطاع إخراج كتاب اقتضاء الصراط وكتابه الآخر:

(الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) في عصر هيمن فيه الآخر وعلا في أرض

المسلمين، وإذا كان ذلك العصر شبيه بعصرنا فإن هذا يدق إسفيناً في فكر

الاستتباع للآخر؛ حيث يجري تسويق الآخر في ديار المسلمين حتى يمكن التعايش

معه في ظل النظام العالمي الجديد.

في هذه الدراسة سأحاول تقديم خلاصة لأفكار ابن تيمية في التعامل مع الآخر

مع ملاحظة الآتي:

أولاً: إن عصر ابن تيمية وإن كان شبيهاً بالعصر الحالي إلا أن هناك

اعتبارات سياسية وعسكرية وغيرها من الاعتبارات يجب وضعها في الاعتبار؛

فلا يمكن معايرة ذلك العصر بعصرنا تمام المعايرة، وإن وجدت المشابهة في

الظروف العامة.

ثانياً: إن دراسة ابن تيمية وإن كانت دراسة أصولية استندت إلى الوحي

وفكر السلف الصالح إلا أنه استصحب معه في دراسته واقعة المعاش مما يجعل

السقف المعرفي لدراسته في بعض جوانبها محدوداً بظروف ذلك العصر وملابساته، ويتضح ذلك جلياً في اهتمام ابن تيمية بالآخر الموجود داخل ديار المسلمين؛ دون

أن يضع كثير اعتبار للآخر الموجود خارج ديار المسلمين وهو الأخطر على

المسلمين؛ لأن الجهل أو عدم الفهم وهو الذي يولد العداوة بين المسلمين تقل

خطورته إلى حد مَّا بحكم معايشته للمسلمين؛ وهذه المعايشة قد توجِد نوعاً من الألفة.

ثالثاً: إن ابن تيمية وإن اهتم بالآخر في ديار المسلمين إلا أن دراسته جاءت

شاملة لجميع الضالين؛ فلم تقتصر على الكتابيين؛ بحيث تدرج دراسته ضمن

الدراسات المتعلقة بأهل الذمة وأحكامهم، وهو وإن تطرق في دراسته لهذه الجوانب

إلا أنه توسع؛ بحيث وضع الأسس والمعايير للتعامل مع الآخر، وأشار إلى أمور

أهل الكتاب والأعاجم التي ابتُليت بها الأمة وذلك ليجتنب المسلم الحنيف الانحراف

عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم على حد قوله. ويذكر بأنه عدد

أشياء من منكرات دينهم لما رأى طوائف من المسلمين قد ابتلي بها وجهل كثيراً

منهم دين النصارى المحرف [7] .

هذه الملاحظات لا بد منها لكي توضع في الحسبان؛ فلا شك أن هناك من يود

اقتفاء أثر ابن تيمية في معالجاته الفكرية، وهناك من يود الابتعاد عن معالجاته ومما

لا شك فيه أن هناك عوامل عديدة تؤثر سلباً أو إيجاباً على المفكر.

كيف عالج شيخ الإسلام ابن تيمية إشكالية التعامل مع الآخر؟

إن ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم عمل على تشخيص بعض

أنواع البدع والشركيات التي ابتليت بها الأمة، وأوضح أثر التشبه بالآخر على

الأمة، ووضع قواعد أساسية في التشبه، وأوضح فئات الناس التي نهينا عن

التشبه بها والنهي عن سماتهم وعن الأعياد والاحتفالات البدعية والرطانة ومفهوم

البدعة وزيارة القبور ونحو ذلك، ونبه المؤلف على أصلين هما:

الأصل الأول: إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم القاطع الأكيد بأن أمته

ستتبع سنن الأمم التي سبقتها من اليهود والنصارى وفارس والروم شبراً بشبر

وذراعاً بذراع.

الأصل الثاني: إخباره صلى الله عليه وسلم القاطع والأكيد أيضاً بأن الله

تعالى تكفل بحفظ الدين وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين حتى تقوم

الساعة، وأن الأمة لا تجتمع على ضلالة [8] .

في بيان أسباب مخالفة المغضوب عليهم:

إن ابن تيمية وهو بصدد بيان دواعي مخالفة المغضوب عليهم والضالين

يوضح بأن الانحراف نحو الكفار قد يكون كفراً، وقد يكون فسقاً، وقد يكون

معصية، وقد يكون خطأ [9] ، ويؤكد بأن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في

القلب من اعتقادات وإرادات وغير ذلك، وأمور ظاهرة من أقوال أو أفعال قد تكون

عبادات وقد تكون أيضاً عادات في الطعام واللباس والنكاح.. وهذه الأمور الباطنة

والظاهرة بينها ارتباط ومناسبة؛ فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب

أموراً ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً،

وقد شرع الله لنبينا من الأعمال والأحوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر؛ وإن لم تظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة

لأمور منها [10] :

1 - أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين،

يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا الأمر محسوس؛ فإن اللابس ثياب

أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم ... إلخ.

2 - أن المخالفة في الهدي الظاهر تؤدي إلى مباينة ومفارقة توجب الانقطاع

عن موجبات الغضب وأسباب الضلال والانعطاف على أهل الهدى والرضوان،

وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين. وكلما كان

القلب أتم حياة وأعرف بالإسلام كان إحساسه بمفارقة اليهود والنصارى باطناً

وظاهراً أتم، وكان بعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد.

3 - أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع

التميُّز ظاهراً بين المهديين المرضيين والمغضوب عليهم والضالين؛ إلى غير ذلك

من الأسباب الحكمية. هذا إذا لم يكن ذلك الهدي إلا مباحاً محضاً لو تجرد من

مشابهتهم. فأما إن كان من موجبات كفرهم كان شعبة من شعب الكفر؛ فموافقتهم

فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم؛ فهذا أصل ينبغي التفطن له.

ويؤكد ابن تيمية بأن الأمر بموافقة قوم أو مخالفتهم قد يكون لأن موافقتهم

مصلحة، وكذلك قصد مخالفتهم أو مخالفتهم نفسها مصلحة بمعنى أن ذلك الفعل

يتضمن مصلحة أصولية للعبد أو مفسدة، وإن كان ذلك الفعل الذي حصلت به

الموافقة أو المخالفة لو تجرد عن الموافقة أو المخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو

المفسدة، ولهذا نحن ننتفع بمتابعتنا نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم والسابقين

في أعمال لولا أنهم فعلوها لربما قد كان لا يكون لنا مصلحة؛ لما يورث من محبتهم

وائتلاف قلوبنا بقلوبهم، ويدعونا إلى موافقتهم في أمور أخرى؛ إلى غير ذلك من

الفوائد. كذلك قد نتضرر بمتابعتنا الكافرين في أعمال لولا أنهم يفعلونها لم نتضرر

بفعلها، وقد يكون الأمر بالموافقة والمخالفة؛ لأن ذلك الفعل الذي يوافق فيه أو

يخالف متضمن للمصلحة أو المفسدة ولو لم يفعلوه. لكن عبر عن ذلك بالموافقة

والمخالفة؛ على سبيل الدلالة والتعريف، فتكون موافقتهم دليلاً على

المصلحة [11] ومن تابع غيره في بعض أموره فهو منه في ذلك الأمر؛ لأن قول القائل: أنا من هذا، وهذا مني؛ أي: أنا من نوعه وهو من نوعي؛ لأن الشخصين لا يتَّحِدان إلا بالنوع [12] .

ويذهب ابن تيمية إلى القول بأن مشاركة الكفار في الظاهر ذريعة إلى الموالاة

إليهم وليست فيها مصلحة كما في المباينة والمقاطعة؛ حيث يقول: (والموالاة وإن

كانت متعلقة بالقلب لكن المخالفة في الظاهر أعون على مقاطعة الكافرين ومباينتهم.

ومشاركتهم في الظاهر إن لم تكن ذريعة أو سبباً قريباً أو بعيداً إلى نوع من الموالاة

والموادة فليس فيها مصلحة المقاطعة والمباينة مع أنها تدعو إلى نوعٍ ما من

المواصلة كما توجبه الطبيعة وتدل عليه العادة ولهذا السبب كان السلف يستدلون

بهذه الآيات (المائدة 51، 55، 56. المجادلة: 14، 22. الأنفال: 72، 75)

على ترك الاستعانة بهم في الولايات [13] .

وإذا كانت مخالفة المغضوب عليهم والضالين أمر مقصود للشرع فذلك لا ينفي

أن يكون الفعل نفسه الذي خولفوا فيه ينطوي على مصلحة مقصودة مع قطع النظر

عن مخالفتهم؛ فإن هنا شيئين [14] :

أحدهما: أن المخالفة ذاتها لهم في الهدي مصلحة ومنفعة لعباد الله المؤمنين؛

لما في مخالفتهم من المجانبة والمباينة التي توجب المباعدة عن أعمال أهل الجحيم.

وإنما يظهر بعض المصلحة في ذلك لمن تنور قلبه حتى رأى ما اتصف به

المغضوب عليهم والضالون من المرض الذي ضرره أشد من ضرر أمراض

الأبدان.

والثاني: أن ما هم عليه نفسه من الهدى والخلق قد يكون مضراً أو منقصاً،

فيُنهى عنه ويؤمر بضده لما فيه من المنفعة والكمال، وليس شيء من أمورهم إلا

وهو: إما مضر أو ناقص؛ لأن ما بأيديهم من الأعمال المبتدعة والمنسوخة

ونحوها مضرة وما بأيديهم مما لم ينسخ أصله؛ فهو يقبل الزيادة والنقص؛

فمخالفتهم فيه بأن يشرع ما يحصله على وجه الكمال ولا يتصور أن يكون شيء من

أمورهم كاملاً قط، فإن المخالفة لهم تنطوي على منفعة وصلاح لنا في كل أمورنا،

حتى فيما هم عليه من إتقان بعض أمور دنياهم؛ إذ قد يكون مضراً بأمر الآخرة أو

بما هو أهم منه من أمر الدنيا؛ فالمخالفة فيه صلاح لنا.

وبالجملة: فالكفر بمنزلة مرض القلب، ومتى كان القلب مريضاً لم يصح

شيء من الأعضاء صحة مطلقة؛ وإنما الصلاح أن لا تشبه مريض القلب في شيء

من أموره؛ وفساد الأصل لا بد أن يؤثر في القلب، وإن جميع أعمال الكافر فيها

خلل يمنعها أن تتم بها منفعة، ولو فرض صلاح شيء من أموره صلاحاً تاماً

لاستحق بذلك ثواب الآخرة، ولكن أموره إما فاسدة وإما ناقصة.. فالحمد لله على

نعمة الإسلام؛ فقد تبين أن مخالفتهم نفسها أمر مقصود للشارع في الجملة.

الدعوة إلى ترك إكرامهم:

بعد أن أكد ابن تيمية على عدم التشبه بهم دعا إلى عدم إكرام أصحاب الجحيم

وإلى إلزامهم الصَّغار الذي شرعه الله تعالى (فاتفق عمر رضي الله عنه والمسلمون

معه وسائر العلماء بعدهم ومن وفقه الله من ولاة الأمور على منعهم من أن يُظهروا

في دار الإسلام شيئاً مما يختصون به مبالغة في أن لا يُظهروا في دار الإسلام

خصائص المشركين؛ فكيف إذا عملها المسلمون وأظهروها؟ ومن المعلوم أن

تعظيم أعيادهم ونحوها بالموافقة فيها نوع من إكرامهم؛ فإنهم يفرحون بذلك

ويسرون به، كما يغتمون بإهمال أمر دينهم الباطل) [15] . ولقد منع عمر رضي

الله عنه استعمال كافر أو ائتمانه على أمر الأمة وإعزازه بعد أن أذله الله [16] .

النهي عن الرطانة:

ومن القضايا التي نعايشها إشكالية اللغة، وموقف ابن تيمية هو أن اعتياد

اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً؛ فإن اللغة العربية نفسها من

الدين، ومعرفتها فرض واجب؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم

اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب [17] .

واستدل ابن تيمية بأحاديث عمر رضي الله عنه إذ نهى عن رطانة الأعاجم

وقال: إنها خب، أي أنها لغة خديعة ونفاق أو أن اعتيادها يورث النفاق، وحديثه

الآخر: (لا تَعَلَّموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم كنائسهم؛ فإن السخط ينزل

عليهم) [18] . ولهذا النهي شواهد من السنة النبوية: (من يحسن أن يتكلم

بالعربية فلا يتكلم بالعجمية؛ فإنه يورث النفاق) [19] . لهذا كانت الكراهية

للحديث بغير العربية.

المخالفة في الأعياد:

في مسألة الأعياد يذكر ابن تيمية الآتي:

أولاً: (إن الأعياد من جملة الشرائع والمناهج والمناسك [لكل أمة جعلنا

منسكا هم ناسكوه] [الحج: 67] فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم

في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في

بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به

الشرائع ومن أظهر ما لها من الشرائع؛ فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع

الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تُنهي إلى الكفر في الجملة

بشروطه. أما العيد وتوابعه فإنه من الدين المحرَّف؛ فالموافقة فيه موافقة فيما

يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.

ثانياً: إن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله؛ لأنه: إما محدَث مبتدَع، وإما

منسوخ، وأحسن أحواله ولا حسن فيه أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت

المقدس، هذا إذا كان المفعول مما يتدين به.

ثالثاً: إنه إذا سوّغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر

الشيء دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس بل عيداً حتى

يضاهى بعيد الله بل قد يزاد عليه حتى يكاد يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر

كما قد سوله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام مثل عيد القيامة (شم النسيم) .

رابعاً: إن الأعياد والمواسم في الجملة لها منفعة عظيمة في دين الخلق

ودنياهم؛ ولهذا جاءت بها كل شريعة.

خامساً: إن مشابهتهم في بعض أعيادهم يوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من

الباطل خصوصاً إذا كانوا مقهورين تحت ذل الجزية والصَّغار فرأوا المسلمين قد

صاروا فرعاً لهم في خصائص دينهم؛ فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح

صدورهم واستذلال الضعفاء.

سادساً: إن ما يفعلونه في عيدهم منه ما هو كفر، وما هو حرام، وما هو

مباح لو تجرد عن مفسدة المشابهة وجنس الموافقة وهنا يلبس على العامة دينهم حتى

لا يميزوا بين المعروف والمنكر.

سابعاً: إن الله تعالى جبل بني آدم وسائر المخلوقات على التفاعل بين الشيئين

المتشابهين؛ وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم حتى

يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط. فالمشابهة والمشاكلة

في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة

والتدريج الخفي؛ فمشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل هو سبب لنوع مَّا من اكتساب

أخلاقهم التي هي ملعونة؛ وكل ما كان سبباً لهذا الفساد فإن الشارع يحرمه.

ثامناً: إن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن كما

أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر؛ وهذا أمر يشهد به الحس

والتجربة؛ والمحبة والموالاة لهم تنافيان الإيمان.

الخاتمة:

لقد جرى ويجري تسويق الآخر حتى أمكن تقبله والتعايش معه بدون حرج

مما شكل خطورة على الدين الإسلامي ذاته، ومما يؤسف له أن يشارك علماء

السوء في تحسين الوجه القبيح للآخر لا سيما اليهود والنصارى مستدلين بآيات

منسوخة أو أحاديث ضعيفة لإضفاء الشرعية الدينية على آرائهم وفتاويهم، ولقد

تخوَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته من هؤلاء الأئمة المضلين [20] .

إن المسلمين وهم يعايشون مرحلة تداعت فيها الأمم عليهم تداعي الأكلة على

قصعتها لا سبيل أمامهم للخروج من هذه الحالة إلا من خلال:

1 - التمسك بالهوية الإسلامية وعدم الذوبان في الآخر؛ مع ملاحظة أن

التمسك بالهوية لا يعني الانكماش والانغلاق على الذات؛ لأننا أمة الدعوة الخاتمة

ومطالبون بالتعامل مع الآخر لا من أجل أن نكون جزءاً منه؛ وإنما من أجل

استنقاذه وإخراجه من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام. وإن ثمة ممارسات خاطئة

أدت إلى تعويق الدعوة الإسلامية كانت وليدة تدين سلبي؛ إذ آثر بعض المتدينين

الابتعاد عن الاختلاط بالضالين بحجة أن الاختلاط بهم سيؤثر سلباً على تدينهم،

وتناسى هؤلاء الناس أنهم سيخالطون هؤلاء الضالين وهم مستعلون بالإيمان الذي

يقي صاحبه من العودة إلى الكفر بعد أن استنقذه الله منه.

2 - التمسك بالمصطلحات الشرعية في التمييز بين الناس حسب عقيدتهم؛

فهناك المؤمن، والكافر، والمنافق، والفاسق.. إلخ فهذه المصطلحات من شأنها

ترسيخ الأسس والمعايير الإسلامية في العقل المسلم، فلا يتعامل مع الآخر إلا من

خلال التمايز العقدي. ولقد كان من شأن تجاهل هذه المصطلحات الشرعية حدوث

اضطراب في التعامل مع الآخر. وهنا يجدر التنبيه إلى أن العالم الغربي الصليبي

يستعمل مصطلح (المسلمين) في أي صراع يخوضه ضد أي دولة إسلامية، وبدا

هذا واضحاً في حرب البوسنة والهرسك والشيشان وغيرها مما أدى إلى تكاتف

الضالين والمغضوب عليهم. هذا في الوقت الذي يستخدمون ونحن من ورائهم

المصطلحات القومية لمناصريهم حتى يوهموا الناس بأن هذه الصراعات ليست

دينية؛ فالعداء إذن في البلقان بين الصرب والمسلمين وفي الشيشان بين الروس

والمسلمين وهلم جرّاً؛ فلنتفكر.

3 - الاهتمام باللغات الأجنبية ومقارنة الأديان في كليات الدعوة وأصول

الدين؛ فلا يمكن أن نخاطب الآخر بلغة لا يفهمها مع الجهل بعقيدته. فإذا كان

النهي قد ورد بعدم استعمال اللغة الأجنبية فإن النهي المقصود به التحدث بهذه

اللغات لغير ما ضرورة؛ لكن متى ما كانت هناك ضرورة فإن المحظور ينتفي.

وإن عالمية الدعوة الإسلامية تستدعي فهم اللغات الأجنبية.

4 - الحذر من الأئمة المضلين الذين يدعون للحوار بين الأديان متناسين أن

الدين عند الله هو الإسلام.

5 - الاستفادة من الاختلافات في صفوف الآخر؛ إذ إنهم شيع وأحزاب؛

فهذا قد يحقق الكثير للمسلمين.

6 - عدم الترويج في وسائل الإعلام لعقائدهم الباطلة وأعيادهم الفاسدة أو

التعطل عن العمل فيها ومشاركتهم طقوسها؛ إذ إن هذا من المفاسد التي نهت عنها

الشريعة.

[قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا

نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا

بأنا مسلمون] [آل عمران: 64] .

ندعو الله سبحانه أن يحقق للأمة خيريتها وشهادتها على الناس؛ إنه نعم

المولى ونعم النصير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015