المنتدى
إبراهيم بن علي العريني
كم من المقالات سُطِّرت، وكم من العبرات سُكِبَت، وكم من القوافي نُظمت
حين فقدت الأمة كوكبة مضيئة من علمائها في أيام قلائل، ومع ذلك لم تفِ الكلمات
ولا الشعر بحق تلك الثلة من بقية السلف وحملة العلم وهداة الأمة، بل وعجزت
الدموع أن تعبّر عن مقدار الحزن الذي خيّم على القلوب والألم الذي حاصر النفوس
بفقد أولئك الجهابذة، ويا سبحان الله! لكأنما هو عقْدٌ انفرط نظامه فتساقطت درره
واحدة بعد أخرى، وهذه هي سنة الله في خلقه: [إنك ميت وإنهم ميتون]
[الزمر: 30] .
وبقدر الألم والحزن اللذين شَعَر بهما مُحِبّو أولئك العلماء، بقدر ما عمتهم
الفرحة والاستبشار عند رؤية الألوف المؤلفة تتبع جنائز أولئك العلماء، بل من
الناس من تكبّد المصاعب وتحمل المشاق والعناء ليشارك في جنازة أحدهم، والآن، وقد برد الحزن، وخف الألم وتسللت الدنيا إلى قلوبنا مرة أخرى لتحتل المكانة
التي ألفتها، يأتي السؤال الكبير: هل نسينا علماءنا؟ أهذا ما يريده العلماء
الراحلون منا؟
إن أجر اتباع الجنازة قد وعد به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم،
واتباع جنازة عالم ليس كاتباع جنازة غيره؛ لأن فيه إظهاراً لقيمة العلم ورفعاً
لمنزلة العلماء، وهو اللائق بهم، ولكن: كم من تلك الجموع التي سارت خلف
جنائز علمائها واصلت السير بعد فراق العالم على منهجه وطريقته في طلب العلم
ونشره، وفي الدعوة إلى دين الله، وفي الصبر والمثابرة، وفي الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وفي العبادة والزهد؟ أهي ردود أفعال، أم تعزية نفس، أم
تبرئة ذمة؟ ماذا يا تُرى سيكون حال الأمة لو قام من تلك الحشود مكان كل عالم
يُوَدَّع رجلٌ واحد فقط يسُدُّ مكانه فيعوِّض الله به الأمة ما فقدت؟ أم كيف يكون حال
الأمة إذا قام مكانَ كل عالمٍ رجال يسعون في الخير والعلم والدعوة والجهاد كما سعى
عالمهم؟
إن فرحة المسلم بتلك الجموع التي شيعت علماءها لم تلبث أن تلاشت حين
رأت أكثر المشيّعين ما إن نفضوا أيديهم عن تراب علمائهم حتى عادوا إلى ما كانوا
عليه من كسل لا يليق بمسلم، وهدر للوقت لا يرتضيه عامل، وصدود عن العلم
والدعوة والجهاد ليس له مثيل، وأكثر تلك الجموع غرّها التزامها الظاهر بهدي
الإسلام حتى صَنّفُوا أنفسهم طلاب علم ودعاة وهم عن هذين الوصفين أبعد ما يكون.
فيا شباب المسلمين وشيبهم، ويا رجالهم ونساءهم (إن الله لا يقبض العلم
انتزاعاً ينتزعه من صدور العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يُبْقِ
عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) [1] .
فهلاَّ منكم مشمِّر عن ساعد الجد طلباً للعلم ودعوة للحق وجهاداً في سبيل الله
حتى يعوض الله به الأمة ما فقدت ويحميها من الضلال؟