بأقلامهن
نجوى الدمياطي
ليس من شك أن كثيراً من مظاهر الاختلاف والفرقة في واقعنا الإسلامي
المعاصر إنما مردها إلى القول على الله بلا علم، وأن أحد أهم الأسباب التي يرجع
إليها التفرق (هو الجهل بمقاصد الشريعة والتخرُّص على معانيها بالظن من غير
تثبت، أو الأخذ فيها بالنظر الأول) [1] . ذلك أنه عندما يضعف العلم يصبح الأمر
فوضى، وعندما يغيب تتسع دائرة الشقاق والفرقة..
ومعظم البلاء في واقعنا الإسلامي إنما يأتي من أنصاف العلماء، وأنصاف
الفقهاء، الذين يتعجل الواحد منهم ممارسة ما لا يصلح له من العلوم دون تأهل،
ويخوض الواحد منهم فيما لم يحصل رتبته ولم يبلغ درجته! ! ويفتي الواحد منهم
في دين الله بغير علم، فتعظم في فتاويه الصغائر، وتصغر العظائم كمن تنازعوا
قديماً في دم البعوضة، واستباحوا دم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن من تمام فقه الفقيه أن يعرف قدر نفسه فلا يتعداه، وأن يعرف مجاله
العلمي فلا يخرج عنه، ولا يتصدى لما ليس له بأهل، فإذا (سئل عن مسألة
فينبغي له قبل أن يجيب عنها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون
خلاصه في الآخرة، ثم يجيب) [2] كما قال مالك - رحمه الله -: (أمّا أن يكره
أن يُسأل عما لا يعرف فيقول: لا أدري، فهذا من الخطأ والجهل.. ولهذا صح عن
ابن مسعود وابن عباس: من أفتى الناس في كل ما يسألونه فهو مجنون) .. وقال
ابن مسعود: من كان عنده علم فليقل به، ومن لم يكن عنده علم فليقل: الله أعلم؛
فإن الله قال لنبيه: [قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين] ...
[ص: 86] .
إن المسلم الصادق مع ربه قبل أن يُقْدِم على أي قول أو فعل ينظر في مبلغ
علمه الذي يؤهله أن يتخذ قراراً ينبني عليه اعتقاد أو عمل سيوضع في ميزانه أمام
الله يوم القيامة، وسيحمل حسنات أو سيئات من اتبعه على هذا القرار.. فإذا لم
يكن أهلاً للحكم فيه رجع إلى أهل الذكر والاختصاص فشاورهم ولم يستقل بالجواب
ذهاباً بنفسه وارتفاعاً بها أن يستعين على الفتاوى بغيره من أهل العلم؛ فهذا من
الجهل! !
إن المسلم لا يمكنه الخروج عن الظلم والجهل إلا بالرؤية العلمية السليمة التي
تميز بين الأفكار؛ وتتعرف على مميزاتها وعيوبها، فتستفيد من جزئياتها
الصحيحة وتترك ما فيها من الانحراف. ولا يمكن أن تتوفر هذه الرؤية إلا
لصاحب العلم المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والذي يمد
صاحبه بالبصيرة فيعلم ماذا يأخذ؟ وماذا يدع؟ ويدرك أنه لا بد له من أن يعلم،
ولا بد مع العلم من معرفة: متى وأين وكيف يقول بالعلم؟ !
إن على المسلم ألاَّ يتعجل في قول أو عمل قبل أن يثبت له أنه الحق؛ فإذا
تيقن منه أقدم على القول به والعمل بمقتضاه، وإلا توقف عن القول على الله بلا
علم، وبدأ في طلب العلم.. العلم النظري وتراث السابقين من أهل الذكر وخبراتهم.. والعلم بالواقع والفحص الدقيق لجزئياته..