ملفات
القضية الفلسطينية.. مآس متجددة
عبد الملك محمود
لا شك في الدور الضخم للانتفاضة في فلسطين الذي أخاف أعداء الأمة من
يهود ونصارى، وقد خطط الأعداء طويلاً ومكروا مكر الليل والنهار، خصوصاً
عندما رأوا تأثير الانتفاضة حتى توصلوا إلى أفكار ومشاريع مختلفة. هؤلاء
الأعداء المتربصون كثر، وعلى رأسهم الحلف اليهودي النصراني الدنس. وكان
من أبرز ما تمخض عن مشروعات الأعداء للمنطقة (اتفاقية أوسلو للسلام) ، هذا
المشروع الذي أقيم أصلاً للمحافظة على مصالح دولة (إسرائيل) . وهي مصالح لا
تتحقق إلا بضرب كل ما يمت للإسلام بصلة وصد الناس عن دين الله، فالتقت
مصالح اليهود والعلمانيين من السلطة وغيرها، فتعاونوا على حرب تلك الانتفاضة. وقامت هذه الحرب على عدة محاور:
1- إنهاء الانتفاضة ورموزها.
2- القضاء على النشاط الإسلامي وتجفيف منابعه.
3- شن حرب شرسة على الأخلاق، ويرتبط بها سياسة التجويع والتجهيل.
4- إنهاء أي صورة من صور المعارضة لمشاريع السلام ومحاولة ضرب
الإسلاميين بشتى الوسائل.
ولعلنا نشير فيما يلي إلى بعض النقاط حول طبيعة المعركة الحالية، ثم بعد
ذلك نعرج على الموضوع الأهم وهو حديث في النقد الذاتي داخل البيت الواحد،
ونريد من إخواننا العاملين في فلسطين على كافة اتجاهاتهم أن تتسع صدورهم
للحديث؛ فهم منا ونحن منهم، ونحن نثق بإخواننا ونقول لهم: لسنا أوصياء عليكم
ولكنها النصيحة الواجبة علينا وما يهمكم يهمنا. لذا سنتحدث قليلاً عن بعض
المراجعات والدروس نظراً لعدم اتساع المقام - ثم نشير إلى بعض المسائل
الإيجابية التي يجب أن تُنمى ويركز عليها.
القضاء على الانتفاضة وبذورها:
كانت هناك محاولات ومخططات للقضاء على الانتفاضة، وأخيراً توقفت
الانتفاضة، ووقف شمعون بيريز بعد عام من اتفاق أوسلو في الكنيست يدافع عن
الاتهامات الموجهة له ولحزبه بالتسرع في الاتفاق مع السلطة الفلسطينية، فقال: ...
(إلى من يعترض على برنامج حكومتنا أقول شيئين: الأول: نحن إذا رجعنا
بالذاكرة إلى الوراء فسنرى أنه لم يكن أمامنا إلا خياران: إما أن نأتي بالمنظمة
الضعيفة ونسلب منها كل مقومات المقاومة ونتفاوض معها وهي ضعيفة بشروطنا،
أو أن نذهب إلى حماس ونتفاوض معها وهي قوية وتلقى قبولاً لدى الناس والشارع
الفلسطيني ونضطر إلى مفاوضتها بشروطها هي. الثاني: اذهبوا إلى غزة الآن
وانظروا إلى حال المرأة الفلسطينية في غزة وكيف حجابها؟ من يستطيع أن يقول
إن المرأة كانت تستطيع نزع الحجاب أيام الانتفاضة) ؟
لقد كانت حال المجتمع الفسلطيني خلال الانتفاضة تمثل نوعاً من التكافل
والترابط والعودة إلى الدين. كانت هناك صورٌ جيدة من التكافل والنظافة
الاجتماعية وربما كان ذلك بسبب التماسك في وجه العدو المشترك ومشاركة الذين
فقدوا أبناءهم أو أصيبوا بما أصيب به كل بيت. لم تكن تسمع عن حالات الفجور
التي نراها الآن. ولم تكن هناك قوات ردع أو شرطة تجبر الناس على الحجاب؛
فقد كانت الأخلاق بصورة عامة منضبطة نوعا ما.
ومثالٌ على هذا: اتجه الناس أيام الانتفاضة إلى تبسيط الأعراس وعدم البذخ؛ فكان مبلغ 500 دينار كافياً لإقامة الزواج وحفلته. أما الآن فإن ظاهرة التنافس
في الأعراس في فلسطين أصبحت لا تطاق من مغالاة في المهور، فضلاً عن
مظاهر البذخ والانحلال والتقليعات الجديدة والفساد في الحفلات مثل استئجار عدد
كبير من السيارات والذهاب إلى البحر في غزة أو غيرها، أو موضة الذهاب إلى
مطار رفح والتقاط الصور في صالة المطار ... وعادات أخرى عجيبة بدائية،
وتضييع للأموال والأوقات والانشغال بأشياء تافهة؛ وبهذه الطريقة لا يفكر الناس
باليهود ولا بما يقومون به. بينما يقوم اليهود في بناء المستوطنات وتفريغ القدس
والاستيلاء على مزيد من الأراضي.
القضاء على النشاط الإسلامي، وسياسة تجفيف المنابع:
لقد نصت الملاحق السرية لاتفاقية أوسلو على محاربة الإسلام والنشاط
الإسلامي، وبذلت السلطة في ذلك جهوداً كبيرة شملت تصفية رموز الإسلاميين
ومطاردتهم خصوصاً أصحاب الجناح العسكري، كما شملت تشديد الخناق
والاعتقالات والتعذيب. ومن جهة أخرى عملت السلطة على إقفال الجمعيات
والمؤسسات الإسلامية على الساحة، وإبعاد الخطباء النشطين، حتى إن الخطيب لا
يسمح له بالقيام بخطبتي جمعة متتاليتين. لقد بدأت السلطة باكراً بهذه السياسة،
ومن المفارقات أن يكون من أولويات السلطة إنشاء المعتقلات والسجون والتشديد
الأمني قبل أن تبدأ بأي شيء من البنى التحتية التي يفتقدها الناس. إن سجلات
عرفات طوال أكثر من 5 سنوات كلها خزي؛ فمن حصيلة إنجازاته: إنشاء 30
مركز توقيف واعتقال، و17 سجناً و40 ألف شرطي! ! لقد بدأت المنظمة باكراً
بهذه العملية مع استلامها للسلطة فبادرت بعمليات الاعتقال وإغلاق الجمعيات
وتجفيف المنابع، وأخذت خلاصة خبرات الأنظمة القمعية في هذا المجال.
من المفارقات - وللحق - أن المسلمين في المناطق التي يحتلها اليهود
(مناطق عام 1948م) هم أفضل حالاً ممن يرزحون تحت سلطة عرفات. وخلال
الأشهر الأولى من عام 1996م تعرض الكيان اليهودي لموجة انفجارات عنيفة
هزت أركان المجتمع اليهودي وأثارت مخاوفه وقلقه، وكان عقب ذلك تشديد آخر
ضخم، وتعقُّب لعناصر حماس وتصفيات جسدية واعتقالات في مناطق ما يسمى
بالحكم الذاتي! كان لها تأثير بالغ.
- ولن نتحدث هنا عن مظاهر الفساد الإداري والاختلاسات والرشاوى التي
يقوم بها أباطرة السلطة ورجالاتها؛ فهذه القصص حديث الناس اليومي.
تحالف يهودي - أمريكي - عرفاتي - عالمي:
أما عن تعاون السلطة مع اليهود فهو واضح وأدلته كثيرة؛ فقد تكلم بيريز مع
نتنياهو عندما سأله: لماذا لا تترك الخليل؟ فقال نتنياهو: لماذا لم تنسحب أنت في
الفترة السابقة؟ قال: لم أنسحب؛ وذلك بناء على طلب عرفات. وهذه رواية ثابتة
عنه. بل إن الخلافات بين (إسرائيل) والمنظمة على مواضيع المفاوضات تبدو
وكأنها خلافات داخل الأسرة الواحدة، وكما صرح نتنياهو ذات مرة بأن (الأصدقاء
في الأسرة الواحدة يختلفون ثم يتصالحون!) .
أما الأنظمة الأخرى، فلا شك أن السباق بينها الآن محموم لإقامة علاقات مع
(إسرائيل) وإنهاء الحالة السابقة، والمنطقة كلها تهرول نحو السلام. ...
وعلى سبيل المثال فإنه عقب فوز باراك في الانتخابات بدأت سوريا تتخلى
عن الفصائل المعارضة التي كانت تستخدمها ورقة ضغط، وأرسلت إليها إشارات
واضحة بضرورة التفاهم مع السلطة والتخلي عن خيار هذه الورقة - حتى لو كان
ذلك عبارة عن مجرد تصريحات على الورق - كما أن هناك مساعيَ لإكمال سلسلة
العلاقات المغاربية الإسرائيلية بإيجاد علاقات مع الجزائر؛ وقد بدرت لذلك عدة
بوادر منها: مصافحة الرئيس الجزائري لباراك، ومقابلة صحيفة إسرائيلية مع
بوتفليقة، وإشارات متفرقة أخرى. وما لا يتم في هذه السنة فسوف يتم في التي
بعدها، وما لا يمكن إحرازه على هذه الجبهة يمكن أن يحرز في جبهة أخرى، لكنْ
هناك اتفاق على قضايا ومحاور أساسية من أبرزها محاربة (التطرف) الإسلامي،
كما حدث في اتفاق شرم الشيخ الذي أطلق عليه: (مؤتمر مكافحة الإرهاب) .
نظرة إلى مسيرة المفاوضات:
بمجرد فوز باراك في الانتخابات أطلق لاءاته الأربعة الشهيرة: لا للانسحاب
من القدس، لا للدولة الفلسطينية، لا لعودة اللاجئين، لا لإزالة المستوطنات. ومع
هذا فلا زالت السلطة ومن حولها تلهث خلف المفاوضات، وهي مفاوضات تسير
على وتيرة واحدة. فهناك سلسلة صعبة مما تم تأجيله في المفاوضات كقضية القدس
والمعتقلين واللاجئين. ولو سلمنا جدلاً بأن المفاوضات عبارة عن حل وسط فما هو
الحل الوسط المطروح في قضية القدس؟ وما هو الحل الوسط في قضية اللاجئين؟
في كل جولة تثار قضايا جانبية ثم تؤجل المفاوضات لفترات ربما تمتد لشهور
طويلة ثم تعود ثانية وهكذا. ولننظر على سبيل المثال إلى نموذج من فنون
المماطلة اليهودية في قضية النازحين إذا ما تمت الموافقة على بدء الحوار فيها،
ولا ندري متى يتم ذلك؛ فإن هناك بعض الطروحات الإسرائيلية ومنها:
1 - تعريف من هو النازح.
2 - كم عدد النازحين.
3 - تشكيل لجنة دولية لإجراء إحصاء لمعرفتهم.
4 - النازحون هم الذين نزحوا عام 1967م من الضفة وغزة وليس أبناءهم
أو ذويهم.
شكلت لجنة فنية لتعريف من هو النازح أولاً، وانشغلت اللجنة بستة
اجتماعات ثم توقفت بموت رابين، وجاء اقتراح بيريز بأن تتم عودة النازحين -
في حال الموافقة - بصورة مبرمجة لكيلا يحدث انفجار سكاني في منطقة السلطة [1] ، والطريف في الأمر أن هذا البرنامج المقترح يعني أن النازحين ستتم عودتهم
في مدة وجيزة لا تتجاوز 300 سنة فقط (! !) .
وأحياناً تدور المفاوضات حول قضايا معينة مثل مسألة ميناء غزة ومسألة فتح
شارع الشهداء في الخليل وربما تكون على مستوى آخر كمسألة الممرات الآمنة،
وهكذا تؤجل القضايا الأساسية الضخمة؛ فهناك حرب إسرائيلية شاملة شرسة
لتفريغ القدس من أهلها المسلمين، والمستوطنات تزداد رسوخاً (ربما يسمح بإزالة
بعض بيوت الصفيح المتنقلة) وعدد اليهود القادمين إلى فلسطين يزداد (تقرير في
مجلة المجتمع العدد الأخير أوائل نوفمبر 1999م تحدث عن قرب هجرة 240 ألف
من اليهود الروس خصوصاً عقب الحرب في الشيشان) وهكذا فالعدو الإسرائيلي
الماكر يبرمج الحلول كما يشتهي، والسلطة تقابل ذلك بمسيرة تنازلات والرضى
بأي شيء: ممر آمن، أو غيره [2] . وما لقاء أوسلو الجديد في أوائل نوفمبر
1999م سوى استمرار للمسيرة نفسها، ولا ينسى عرفات في التوقيت نفسه (ذكرى
مقتل رابين) أن ينحني ليقبل يد زوجة رابين كأنها إشارة إلى مسلسل الانحناء والذل
لليهود.
مثال: قضية المعتقلين:
يقدر عدد المعتقلين بنحو 7000 معتقل، وقد أطلق سراح بعض المتهمين في
قضايا جنائية، وفي العام الماضي طالبت المنظمة بإطلاق سراح 750 من أعضاء
فتح والجبهات العلمانية فأطلق سراح 250 منهم: 150 جنائي، و100 سياسي،
ومنذ نحو شهر ونصف أطلق سراح 200 والباقي نحو 300 من فتح والعلمانيين
من المتهمين بقتل يهود أو المساهمة في العمليات، أما الإسلاميون فيقدر عددهم
بنحو 3000 مَن أُخرج منهم حديثاً بعضهم اقتربت نهاية محكوميته، ومن الطريف
أن هناك شخصاً بقي له أسبوع فقال: اتركوني حتى ينتهي الأسبوع وخذوا مكاني
آخر.
(إسرائيل) غير مستعدة لمناقشة موضوع الإسلاميين في السجون، بل
وغير الإسلاميين ممن ثبت أنه سفك الدم اليهودي (المقدس) . والحقيقة أن المنظمة
ليس لديها القوة للمطالبة بهؤلاء، بل لا بد من موافقة مكتب الـ (سي آي إيه) في
غزة بناءاً على اتفاقات أوسلو، وهو مكتب قوي له إمكانات واتصالات وحسابات،
وهو موجود لحل بعض المعادلات والوصول إلى الأسماء والمعلومات المطلوبة.
ومن الجدير بالذكر أن عبد العزيز الرنتيسي المعتقل لدى السلطة وهو من قادة
حماس ممنوع إطلاق سراحه بناء على طلب (إسرائيل) وأمريكا على خلفية أنه
رجل قوي الشخصية وإداري، ووجوده خارج السجن يعني قوة لحماس وكلامه
مقبول، وهناك اتفاق مسبق بين المنظمة و (إسرائيل) بعدم إطلاق سراح هؤلاء،
فالمعادلة إذن محسومة.
حرب على الأخلاق:
من أبرز أهداف المشروع اليهودي الغربي للمنطقة محاربة الأخلاق؛ فهو
يحرض على نشر الفساد والرذيلة، وقد ركز الأعداء على هذا الأمر؛ لأن الانهيار
الأخلاقي مفتاح استسلام الشعوب وقبولها للذل والتبعية والتغريب.
وبمجرد استلام رجال المنظمة للسلطة تم استيراد بعض فرق الباليه من روسيا
ومن مصر، فضلاً عن استقدام الفنانات؛ بينما أهملت البنية التحتية: الكهرباء،
والماء.
كما قامت السلطة بعمل ترميم وبناء لدور السينما التي دمرت خلال الانتفاضة
وكانت هدفاً للإسلاميين [3] ، فبدأت سينما النصر في غزة تعمل بعد ترميمها،
ولكن الله قدر أن تخرب مرة أخرى أثناء أحداث 18 نوفمبر الماضي، كما تستعد
السلطة لافتتاح سينما الجلاء في غزة. وفي إطار إنجازاتها قامت السلطة بتشييد
الكازينوهات مثل: كازينو زهرة المدائن، وكازينو النورس وعددها في ازدياد،
وقد كان لسهى الطويل زوجة عرفات دور أساس في إنشاء هذه الكازينوهات
ورعايتها، كما تقوم قوات الشرطة الفلسطينية بحراسة هذه الكازينوهات؛ لأنهم
خائفون على هذه الإنجازات من العبث أو الغضب الشعبي. ويكفي أن نذكِّر بأحد
منجزات السلطة وهو مشروع الكازينو الضخم في أريحا ويحوي صالة من أكبر
صالات القمار في العالم، وعُملت له دعاية ضخمة، واستُقدمت إحدى الممثلات
الأمريكيات لافتتاحه، وهكذا وكأن الشعب الفلسطيني لا ينقصه إلا مشاهدة الأفلام
والكازينوهات؛ وهذا شيء بسيط من إفرازات أوسلو أو الاتفاقات اليهودية
الفلسطينية. والذي عايش الأوضاع في فلسطين قبل خمس سنوات يرى الآن
صوراً كثيرة من الفجور والسرقات وغيرها من الأخلاق السيئة.
العمل الإسلامي آمال وآلام:
لا شك أن النشاط الإسلامي المعاصر في فلسطين له تاريخ عريق بدأ منذ
أوائل القرن، وما ثورة القسام إلا صورة من صورها المشرقة، ورغم المؤامرات
الضخمة وتكالب الشرق والغرب إلا أن النشاط الإسلامي انتعش وقوي بحمد الله -
تعالى - وكان أوج نشاطه أيام الانتفاضة. وبعد الانتفاضة كان حقاً علينا أن ندرس
واقعنا بصورة أكثر عمقاً وبعداً عن السطحية، دراسة لنقاط القوة والضعف،
وللإمكانات والفرص الضائعة والمتاحة. لذا كانت هذه بعض الإشارات التي ينبغي
علينا الانتباه إلى واقعنا من خلالها، مثل:
- الأزمة الأخلاقية التي تحدثنا عنها قبل قليل.
- الجهل والغفلة والبدع.
حدثني أحد الإخوة من شخصيات حماس عن بعض الأمور العجيبة من انتشار
الدجل والشعوذة والسحر، ومن يذهب إلى هناك لفترة قصيرة فسيسمع عشرات
القصص المضحكة المبكية عن صور من الدجل الذي يتم. وذكر لي هذا الأخ قصة
أناس مرض أحد أبنائهم فذُكر لهم أن فلاناً يمكن أن يكون عنده العلاج، فشدوا
الرحال إلى خان يونس وقال لهم المشعوذ: دوروا حول هذا الشيء الذي جعله لهم
في وسط المجلس، فأخذوا يدورون وهو يقول لهم: أخرجوا كل شيء من جيوبكم
وضعوه على الأرض فيقوم هو بأخذ ما يحتاجه فقط وهو الأموال (!) وبعد اللفات
العلاجية يطلب منهم أن يأخذوا هوياتهم وأوراقهم الهامة التي رموها على الأرض
حتى لا يواجهوا صعوبة من اليهود أثناء عودتهم، ويسألونه إن كان يريد مالاً
فيعتذر الرجل؛ لأن عمله لله! ولا أحد يستطيع سؤاله عن الأموال التي سرقها وهم
يدورون كحمار الرحى! !
كما حدثني هذا الأخ عن انتشار البدع الصوفية والأفكار المنحرفة بتشجيع
ودعم من السلطة وحمايتها، مثلاً: إذا وُلِدَ لإنسان ولد فإنهم يذهبون به إلى ما
يسمى مقام الخضر في (دير البلح) ويذبحون عند الخضر ويلطخون رأس الولد
بالدم! فهل هذا إلا صورة من الجاهلية الأولى؟ !
ضعف في العلوم الشرعية وسياسة التجهيل:
الشعب الفلسطيني عموماً بقدر تقدمه في العلوم المادية وحيازته أعلى
الشهادات فإنه يعتبر فقيراً جداً في العلوم الشرعية؛ ولذلك فلا بد من إيجاد مشاريع
لإنشاء معاهد ومدارس للتربية وتعليم العلوم الشرعية وإنشاء مكتبات: مكتبات عامة، ... مكتبات في المساجد، وحلقات علمية؛ وتزويدها بما تحتاجه من الكتب والمراجع.
مراجعات:
ونحن نقصد بهذه المراجعات ضرورة النقد الذاتي ومحاسبة أنفسنا؛ فهو نقد
داخل البيت الواحد، ونحن ننتقد أنفسنا، وهذا العمل منا ونحن منه، والأخطاء
أخطاؤنا قبل أن تكون أخطاء غيرنا. ومن جهة أخرى فمما لا شك فيه أن الذي
يعمل ويتحرى الحق خير من القاعد، ونحن أمة واحدة كالجسد الواحد، كما أن
المسلمين ينصح بعضهم بعضاً ويسعون إلى الاستفادة من الدروس، والمؤمن لا
يلدغ من جحر واحد مرتين.
لقد تضخم العمل الإسلامي في فلسطين - وفي أماكن كثيرة أخرى في بلادنا- وكثيراً ما كان التضخم والتوسع بدون دراسة - ونحن لا نقصد الجانب القدري
الكوني في المسألة - نقول هذا للإشارة إلى مشكلة الترهل التي تصاحب كثيراً من
الجماعات الإسلامية التي تسلك السبيل نفسه، وهي تذكرة لنا ولإخواننا؛ والحر
تكفيه الإشارة. ولعل هذا يدفعنا إلى دراسة كيفية الانتشار ووسائله، والتوسع
والتوثيق بين العاملين، ومعرفة حقيقة حجمنا حتى تبنى الأمور على قواعد
معلومات دقيقة.
والشيء بالشيء يذكر؛ فإنه رغم الدور الضخم للإسلاميين في تفعيل
الانتفاضة إلا أنه للإنصاف لا بد من تقدير حجم ودور التيارات الأخرى الموجودة
والظروف التي رافقت عملية الانتفاضة. فهل بالغنا في تقدير قوة حماس وقيمتها
أيام الانتفاضة؟ هل كانت حماس هي صاحبة الانتفاضة أم أنها كانت رقماً كبيراً؟
ألم يكن ثمة دور لأبي جهاد وفتح في العملية؟
القيادة والمسؤولية:
ربما يكون هناك أناس طيبون فيهم صلاح أو إخلاص ولكن صلاحهم هذا لا
يعني أن يتولوا دفة القيادة أو أن يكونوا ناطقين باسم المجموع، وكم جرَّت مثل هذه
الأخطاء أو المجاملات على العمل الإسلامي من ويلات. إنك ترى أحياناً بعض من
يشار إلى أنهم قادة يصرحون تصريحات أو تُجرى معهم مقابلات غير موفقة
ومحرجة؛ ولقد شاهدنا في أكثر من بلد أناساً كانوا في السجون وخرجوا منها، كأن
أحدهم خرج من القبر وبعث بعد سنين فهو لا يدري كيف تسير الأمور ثم يتحدث
بالأعاجيب، وهناك يبدأ الأصحاب والأتباع في البحث عن التسويغات والمعاذير
التي لا تجدي شيئاً للخروج من الإحراج.
فهم الواقع بصورة أكثر دقة:
وقد أشير فيما سبق إلى شيء من ذلك، ونود هنا الإشارة إلى أهمية معرفة
دور عرفات ورجاله وخططه، إن زعيم السلطة يقدم مصلحته فوق كل مصلحة،
وإذا رأى أن هناك إمكانية للصلح بسجن أعضاء حماس والجهاد الإسلامي فإنه لن
يتردد في سجنهم كلهم. وكمثل كثير من تجاربنا الإسلامية قطف عرفات وجماعته
من العلمانيين والنفعيين ثمرة الانتفاضة.
ونود التذكير بأهمية المنطلقات والتركيز على كونها شرعية تماماً؛ فلقد لمسنا
في لهجة بعضهم الكلام عن أرض فلسطين وتراب فلسطين، والوطنية، وهذا لا
يتناسب مع إسلامية القضية، كما رأينا من بعضٍ آخر عدم الانتباه إلى خطورة
الرافضة والحرص على بناء علاقات متينة معهم. ومن فهم الواقع حقيقة أن ننطلق
فيه من خلال مبادئ ثابتة. ونعيد هنا التركيز على أهمية المنطلقات، وضرورة أن
تكون سليمة هي ووسائلها حتى لا يكون هناك غبش في الرؤية. ولنأخذ على ذلك
مسألتين:
1 - علاقة الإسلاميين بإيران: نحن نعلم أن الكثير من الإسلاميين في
فلسطين لا يكنون الود للرافضة، لكن حدثت بعض الأمور والعلاقات التي أزعجت
عامة التيار الإسلامي، ومنهم كثير من الإسلاميين في فلسطين، وقد كان واضحاً
أن مسألة تبني منهج أهل السنة والموقف الشرعي من الرافضة لم تأخذ بعداً منهجياً
واضحاً عند قيادة حماس؛ رغم أن عامة شعبنا في فلسطين يذكر تماماً ما فعله
رافضة لبنان في المخيمات.
2 - العلاقة مع السلطة: لقد كانت العلاقة مع السلطة مذبذبة وغير واضحة،
رغم أن السلطة كانت ظالمة للإسلاميين منذ البداية، ونحن نقدر تماماً التوازنات
التي يحاول الإسلاميون تقديرها هناك، ولكن هذا لا يعني بأي صورة أن يكون
هناك مداهنة أو موالاة. وللأسف فإن بعض التصريحات والمقابلات التلفزيونية
والصحفية مع بعضهم أعطت إشارات سلبية في هذه القضية، ولذا فإننا نحذر
إخواننا من محاولة جر السلطة لهم لحقل الألاعيب السياسية، ومحاولات تفريغ
العمل من حقيقته.
ونرجو ألا يكون هناك مستقبلاً أي استغلال من السلطة للإسلاميين؛ فلقد
قطفت السلطة ثمرة الانتفاضة، ولا نريد أن يكون هناك مزيد من الخسائر أو أن
نفاجأ بجر الإسلاميين بالألاعيب السياسية ودهاليز الوزارات، ومن الضرورة فهم
من هم أعداؤنا، ومعرفة حجمهم وأدوارهم وفضح المنافقين.
إن التحالف القائم، وإن لم يكن قد تم بصورة رسمية مع الأمريكان واليهود
والعلمانيين إلا أننا نعلم ذلك يقيناً، ولسان الحال ينطق بذلك؛ فهو حلف تشترك فيه
كل التيارات العلمانية، ومن رموزه: الجبهة الشعبية (جورج حبش) ، ...
والديمقراطية (نايف حواتمة) وقد رأينا اتصالات المنظمة للحوار مع هذه التيارات ...
والوعود بإعطائها بعض المناصب، وهذه الجبهات متعدة الوجوه؛ حيث تقوم
بأدوار تمثيلية عدة، فتلبس لكل حالة لبوسها، ومثل هذه الجبهات المتعددة؛ الأقنعة
التي تلبس لكل سياسة قناعاً لا يمكن إقامة أي نوع من التحالف أو التعاون معها.
الأمل والمستقبل:
هناك صراع طويل وكبير بين الإسلام واليهود، والنصوص الشرعية تشير
إلى هذا. نعم! ربما ليست لدينا القوة على التغيير حالياً، ولكن لدينا القدرة بإذن
الله على الإعداد لهذا التغيير. وهذا الصراع والهجمة العالمية دخل فيها أطراف
وتحالفات من النصارى الأمريكان - على وجه الخصوص - وأنظمة مرتدة ودول
تحمي وتدعم بطرق مختلفة؛ صراع تنوعت فيه الأدوات والوسائل، وجند فيه
نظام العولمة والإنترنت، وسخرت الإمكانات الضخمة لخدمة اليهود. وبرغم هذا
فإن المسلمين ما خرجوا إلا من منطلق: لا يزيدهم هذا الأمر إلا إيماناً وتسليماً
بموعود الله كما في سورة الأحزاب: [وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا] [الأحزاب: 10] ألا ما أشبه الليلة بالبارحة! الإسلاميون يقولون: هذا [ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله] [الأحزاب: 22] إنه وعد لا يشك فيه أحد.
وسواء توقفت العمليات الجهادية ضد اليهود حالياً أو لم تتوقف فإن مشروع
الجهاد لا تملكه السلطة بل ولا حماس ولا غيرها، إنه وسيلة الأمة كلها، لدفع
العدوان ودحره والله - سبحانه - هو الذي يختار ويصطفي وهو الذي وعد بأن
يبعث على اليهود إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب من المسلمين أو من
الألمان أو من غيرهم، ونحن نوقن أيضاً بأن سنة التدافع خير للأمة وفيها مفاتيح
الفرج للمسلمين إن شاء الله.
نعم! إن الوضع العام الغالب يدل على الضعف، وهذا صحيح؛ حيث رمانا
الأعداء عن قوس واحدة، وهناك من توجد عنده سلبية أو ينظر بتشاؤم، ولا زلنا
حتى اللحظة نعاني صوراً من القصور والضعف والتشتت؛ ولكتن أغلب
الإسلاميين يقولون: وصدق الله ورسوله، ويوقنون بأنه لا بد من الابتلاء
والتمحيص والفتنة، ويشعر الكثيرون أننا نحن لضعفنا لا زلنا في مرحلة لم نتأهل
بعدُ لنصر الله، وسلعة الله غالية، ولو انتصر المسلمون الآن على ما فيهم من
ضعف وقصور ربما كان الأمر أشد فتنة.
- لا بد من تنمية الخير الموجود في النفوس. ولا بد للطاقات من أن تُنمَّى
وتوجَّه بصورة سليمة حسب الظروف التي يراها العاملون هناك بالحكمة.
- لا بد من التركيز على إنشاء المراكز والمعاهد الشرعية ومدارس تحفيظ
القرآن، ونحن نعلم أن هناك بوادر جيدة في هذا الإطار للأعمال الإغاثية وطلاب
العلم ورعاية الأيتام والأرامل، ولكنها مشاريع بحاجة إلى تركيز ودعم ودراسة أكثر. وهذه مناسبة نطلقها إلى الجميع لتبني قضايا المسلمين في فلسطين، وهي دعوة
للمحسنين في بلاد المسلمين للإنفاق ولدعم إخوانهم المحاصَرين من كل جهة لدعم
مراكزهم ومساجدهم وطلاب العلم لديهم، ومن العجب أن السلطة المفلسة لما رأت
هذا النوع من النشاط بدأ ينتشر صارت تنافس الجمعيات الخيرية في انتشار حلقات
التحفيظ في المساجد [4] ، والأوقاف أنشأت بعض مشروعات تحفيظ القرآن الكريم، وما ذلك إلا لأنهم شعروا بأن الجمعيات الخيرية تنشط في الحلقات وتحاول سحب
البساط. ولعل هذا مصداق سنة التدافع التي جعلها الله - سبحانه - لصالح عباده
وعمارة الأرض.
- ونعيد التأكيد هنا على مسألة بث العلم الشرعي وتصحيح مفاهيم الناس من
خلال الخطب والمحاضرات والحلقات القرآنية والندوات والمراكز الصيفية.
- توحيد الصفوف والبعد عن الحزبية الضيقة وعدم إثارة الخلافات، وهي
وإن كانت قليلة - بحمد الله - مقارنة بما في غيرها من البلاد، إلا أنه لا بد من
السعي للتنسيق على الأقل بين جميع العاملين المخلصين.
- فهم الواقع بصورة أكثر دقة وشمولية، وقد سبقت الإشارة قبل قليل إلى
شيء من هذا.
- التركيز على مسألة التربية ثم التربية، وهي تشمل التربية الجهادية
وغيرها.
دور المسلمين:
إن شعبنا في فلسطين تحيط به (إسرائيل) من جميع الجهات، وله حق كبير
في النصرة والدعم والتأييد خصوصاً في ظل أجواء التجويع والبطالة الموجودة.
الدعم المعنوي مطلوب من دعاءٍ ونصيحةٍ وتواصلٍ وكذلك الدعم المادي للمشاريع
الخيرية التي قامت وتقوم - بحمد الله وفضله - من بناء المساجد والمراكز الصيفية
والحلقات القرآنية والمدارس ونشر الكتاب والشريط الإسلامي.