شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته
السلام في أفغانستان
خطط ومكائد
حينما حصل الانقلاب الشيوعي في أفغانستان على محمد داود لم يدر بخلد
الشيوعيين السوفييت، ولا عملائهم الشيوعيين الأفغان أن حرباً - كالحرب التي
حدثت في أفغانستان - ستحدث، ولم يقدروا أن الشيوعية، بما لها من جبروت،
سوف يهزمها شعب فقير وشبه منعزل.
ولذلك، وبعد أن تأكد للسوفييت عقم محاولاتهم في إخضاع هذا الشعب! وفي
تسليط شرذمة من عملائهم لإذلاله وكسر شوكته! لم يبق من الحكمة إلا أن يفكروا
بطريق غير الطريق العسكري يحققون به ما عجزت الآلة العسكرية عنه، وضمن
هذا الإطار ينبغي أن تفهم التحركات الأخيرة للحكومة السوفييتية، وتأتي الخطوة
الأخيرة للسوفييت في سياق إطار عام من الانفراج الدولي بين القوى الكبرى، ومن
محاولات ترميم النظام الشيوعي في داخل الدول التي تتبناه، بعد أن وصلت حالات
جموده ونفور الناس منه إلى منتهاها. وكانت مبادرة غورباتشيف التي اقترحها في
خطابه في الأمم المتحدة في 7/12/1988 تتضمن النقاط التالية:
وقف إطلاق النار ابتداءً من 1/1/1989م.
بقاء الأطراف المتحاربة في الأماكن التي تسيطر عليها.
وقف إمداد السلاح لأي من الأطراف منذ 1/1/1989م.
تأليف حكومة ذات قاعدة عريضة، حسب قرار الأمم المتحدة.
إرسال قوة من الأمم المتحدة إلى كابل وبعض المراكز الاستراتيجية.
عقد مؤتمر بواسطة الأمم المتحدة في فترة قريبة حول حياد أفغانستان ونزع
السلاح فيها.
تساهم روسيا في تضميد جراح الحرب مع الأمم المتحدة والدول الأخرى.
إنشاء قوة سلام دولية تكونها الأمم المتحدة من أجل إعادة بناء أفغانستان.
ومن محاولة البحث عن الأسباب والأهداف وراء هذه المبادرة، فإن الدارس
يخرج بالنتائج التالية:
1- حفظ ماء الوجه، والتغطية على الهزيمة الفعلية، حيث إن السوفييت
فشلوا في تحقيق ما يريدون، والآن يعرضون خطة انسحاب تحت مظلة الأمم
المتحدة.
2 -إن التركيز على حياد أفغانستان ونزع السلاح منها، يعني أن السوفييت
لا يطمئنون إلى الشعب الأفغاني وبخاصة بعد معرفتهم بمدى جنايتهم عليه.
3- محاولة تمرير العناصر الشيوعية خلال حكومة ذات قاعدة عريضة
تضمهم وتضم غيرهم، بعد فشلهم في إقامة حكومة شيوعية خالصة، وفى هذا
اعتراف بالفشل من جهة، ومحاولة التزام بأضعف الإيمان بعملائهم وعدم التخلي
عنهم.
نقاط الالتقاء والافتراق في الموقف السوفييتي والأمريكي:
إن الموقف الأمريكي يتلخص بأن يجلو السوفييت عن أفغانستان وأن تسقط
الحكومة الموالية للسوفييت، وأن تقوم حكومة لا أثر للنفوذ الشيوعي فيها، ولا
بأس أن تكون موالية لهم.
والأمريكان والروس متفقون على عدم تشجيع قيام حكومة إسلامية، فليس من
مصلحتهم جميعاً أن يكون وجه هذه الدولة إسلامياً واضحاً: تشريعاً، وتوجهاً، وإذا
كان بإمكان روسيا - باعتبارها قوة كبرى مجاورة لأفغانستان - أن تضغط من أجل
ذلك؛ فإن أمريكا لها وسائلها أيضاً حيث يمكنها أن تضغط إما بشكل مباشر عن
طريق قطع إمدادات الأسلحة، وإما بطريق غير مباشر عن طريق الطلب من إحدى
وكيلاتها في المنطقة للضغط على المجاهدين.
موقف باكستان وإيران:
لابد من الحديث عن موقف كل من باكستان وإيران باعتبارهما جارتين
لأفغانستان، وموقفهما يفهم على ضوء الانفراج بين السوفييت والأمريكان، ثم على
ضوء التغيرات الأخيرة في كل من الدولتين.
فباكستان بوتو غير باكستان ضياء الحق، وبوتو - التي لم تصل إلى ما
وصلت إليه إلا بعد اتفاقات وتطمينات، وتطابق في بعض وجهات النظر بينها
وبين أمريكا - لا تستطيع إلا أن تنفذ ما تتطابق فيه النظرتان، وأهمه كبح المطالبة
بحكم إسلامي صحيح في أفغانستان، وتلتقي في ذلك مع إيران، حيث إن وحدة
الأصل الذي ينحدر منه حكام طهران وحاكمة باكستان الآن يساعد على ذلك.
فإيران التي تقدم نفسها للمسلمين - دون حق - كناطق رسمي باسمهم في
العالم تعلم جيداً أن قيام حكم إسلامي للمجاهدين في أفغانستان يخالف في أصوله
وفروعه أسلوبها؛ أمر لا يسرها، بل هو من قبيل المضاربة والمنافسة التي. لا
ترتضيها.
موقف المجاهدين:
إن موقف المجاهدين في هذه الفترة يتمتع ببعض النقاط القوية، ومن ذلك أن
السوفييت تجاوزوا الحكم الشيوعي في أفغانستان واتصلوا بهم مباشرة، وكذلك
اعتراف السوفييت بسيطرة المجاهدين على مواقعهم، وإظهارهم أنهم ماضون في
استكمال، انسحابهم.
كما أن إصرارهم - أي المجاهدين - على مخاطبة روسيا بصوت واحد له
دلالة طيبة، وقد لخص موقف المجاهدين قلب الدين حكمت يار في مؤتمر صحفي
عقده في بيشاور بتاريخ 10 /12/ 1988م نقتطف منه بعض الفقرات:
وقف إطلاق النار المقترح:
إن قضية وقف إطلاق النار في منظورنا قضية غير معقولة وغير عملية ما لم
يتم استئصال الأسباب التي كانت، وراء نشوب القتال في أفغانستان بادئ ذي بدء
والتي لا تزال قائمة، وفي مقدمتها عدم انسحاب القوات الروسية التام من أفغانستان، وعدم سقوط النظام الشيوعي الألعوبة، الملطخة يداه بدماء مئات الألوف من
الأبرياء من أبناء الشعب، وإن أي اتفاق على غير هذا الأساس سيكون خداعاً
للشعب.
نزع السلاح:
لن نرضى بتاتاً باقتراح نزع السلاح في أفغانستان تحت أي ظرف من
الظروف، حتى في المرحلة التي ستعقب النصر. إن دولة كأفغانستان مجاورة
لدولة توسعية كروسيا لا يمكن لها المحافظة على استقلالها السياسي عن طريق
الاحتفاظ بجيش محدود الحجم، أو بشعب منزوع السلاح.
قوات حفظ السلام:
إننا نعتبر إرسال أي قوات أجنبية إلى أفغانستان تحت أي اسم كان أو أية
ذريعة كانت اعتداء خارجياً، وإننا سنجابه هذا الأمر بكل ما أوتينا من قوة. كما أنه
سيكون بمقدور أمتنا في مرحلة ما بعد الانسحاب الروسي وضع حلول كفيلة لتسوية
مشاكلها وبدون الحاجة إلى عون من أي قوى خارجية.
وبالجملة فإننا نكرر مرة أترى أن الحل الوحيد للمشكلة الأفغانية هو الانسحاب
غير المشروط للقوات الروسية، وسقوط نظام نجيب الله، وضمان حق تقرير
المصير للشعب الأفغاني.
ومن جهة أخرى نقلت وكالة أنباء البنيان التابعة للمجاهدين في 7/12/1988م
رفض الشيخ سياف وعدم اعتقاده بجدوى التفاوض مع الروس قبل إتمام انسحاب
قواتهم بالكامل من أفغانستان.
المحاذير:
إن ما يجب أن يتنبه إليه المجاهدون هو أن روسيا التي فشلت في إملاء
رغباتها عن طريق القتال قد تنجح عن طريق التفاوض والمناورات، وروسيا
ماضية في خططها الخبيثة فهي تحرص على شق المجاهدين، وعلى مخاطبة كل
فريق على حدة، فقد اتصلت بالملك السابق وله أنصاره وعملاؤه، وكذلك حرصت
ش أن تتصل بإيران ومن يلوذ بها من أنصارها وعملائها، قبل أن تلتقي مع قيادة
المجاهدين في باكستان.
وروسيا تحرص كل الحرص على اللعب على التناقضات، وتكبير الصغير
من الخلافات الفرعية، كما أنها تحرص على أن ينضم إليها في عدائها وخصومتها
للمجاهدين وما يمثلون؛ لا أمريكا وممثلوها، وإيران وبطائنها؛ بل أناس وفرقاء
من المجاهدين أنفسهم، فهل يمكنها قادة المجاهدين من ذلك؛ نسأل الله أن يدفع
البلاء.
بعد فراغنا من كتابة التعليق السابق عن آخر أخبار القضية الأفغانية! وصلنا
هذا التقرير الذي نضعه بنصه ولا يختلف في فحواه عما أشرنا إليه.
يحول حكام إيران اهتمامهم من حرب الخليج، إلى مرحلة حاسمة من صراع
القوى في أفغانستان، ومن المرجح أن يشاركوا في مباحثات الصفقة الأخيرة التي
سيتمخض عنها نشوء حكومة ائتلافية يستبعد الشيوعيون منها، وقد يشكل ائتلاف
كهذا أفضل حل للسوفييت -الذين باتوا على استعداد للتخلص من نظام نجيب الله -
يحفظ لهم ماء الوجه، ويرضي باكستان، حسب معلومات نشرة (Foreign
Report) [1] بهذه التحركات السرية الأخيرة.
ولكل من إيران وباكستان -كما للاتحاد السوفييتي - مصلحة قوية في إقامة
حكومة مستقرة، وغير معادية في أفغانستان. وتشترك إيران مع أفغانستان في
حدود دولية مفتوحة، وزعماء إيران الدينيون تواقون لرؤية رفاقهم الشيعة - الذين
لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من الشعب الأفغاني السني - يظفرون بنصيب اكبر
من صفقة قادمة.
وتتخذ ثمانية أحزاب شيعية أفغانية من إيران قاعدة لها، وتعد (حركة إسلامي)
التي يقودها شيخ محسني - من قندهار - أكبر تلك الأحزاب، وتريد إيران أن
يلعب محسني دوراً رئيسياً في أي تسوية في أفغانستان.
وقد يكون لأربعة أحزاب صغيرة أخرى تحظى بدعم إيران وتنشط في الأماكن
النائية دوراً في تسوية مقبلة، وعلى أية حال فإن تلك الأحزاب تبدي منذ وقت
طويل رغبتها في إنشاء قاعدة سياسية بدلاً من مقاتلة الروس، كما أن إيران تتودد
منذ مدة إلى البروفسور برهان الدين رباني أهم زعماء الأفغان الذين يتخذون من
بيشاور في باكستان قاعدة لهم، وكان رباني قد مكث في زيارته الأخيرة لطهران
أطول من الفترة المقررة للزيارة، كما أنه استقبل من قبل الرئيس على خامنئي
استقبال رؤساء الدول، ويتزعم رباني حزب (الجمعية الإسلامية) وهى أكبر
الجماعات في إقليم هرات والإقليم الشمالي، كما أن لديها أكبر عدد من المقاتلين في
ساحات القتال، وسيكون رباني في أي ائتلاف يخلف نجيب الله.
وقالت مصادرنا إن رباني - خلال زيارته لطهران - وعد الشيعة الأفغان
باحترام مطالبهم الهادفة إلى الحصول على تمثيل عادل ومشاركة في السلطة في
ائتلاف مقبل [2] ، كما علمت مصادرنا أن (فورنتسوف) نائب وزير الخارجية
السوفييتي وسفير بلاده لدى أفغانستان يشدد على ائتلاف بين الأحزاب السنية
والشيعة، ويريد الروس ضم الحزب الشيوعي إلى هذا الائتلاف، ولكنهم يعلمون
جيدا برفض المجاهدين لذلك، ولذلك فإن فورنتسوف ينأى بنفسه عن نجيب الله.
وإن رئيسة وزراء باكستان الجديدة والضعيفة يهمها التوصل إلى حل يشجع
عودة ملايين اللاجئين الأفغان إلى بلادهم في أسرع وقت، الأمر الذي لن يكون إلا
بوجود حكومة ائتلافية مستقرة وغير شيوعية في كابل.
ولكن يا ترى من سيكون في ذلك الائتلاف؟ والجواب: يبدو أن أغلب
الجماعات السنية والشيعية ستدعى إلى ذلك باستثناء الحزب الإسلامي الذي يرأسه
قلب الدين حكمت يار - والذي يعد من قبل منتقديه متطرفاً وقاسياً ومتعطشاً إلى
السلطة (! !) [3]-.
والقادة العسكريون الذين يدعمون المجاهدين يرون في وجوده حجر عثرة
يمكن أن يخرب هذه الفرصة السانحة لالتقاء هذه الجماعات مع بعضها.
وقد التقى المبعوث الروسي فورنتسوف وآخرون بالملك المخلوع ظاهر شاه
الذي يعيش في روما منذ خلعه عام 1973م والذي يمكن أن يلعب دوراً من حيث
إمكانية اجتماع هذه الجماعات عليه باعتباره شخصية غير سياسية [4] ، ولكنه من
الضعف والجبن بحيث لا يمكنه اقتناص الفرصة.
إن ائتلافاً يستبعد الشيوعية وحكمت يار، ويضم غالبية الأطراف السنية
والشيعية، قد يكون أفضل فرصة لأفغانستان لتجنب ما هو أسوأ، المتمثل بتقسيم
البلاد - بمزيد من سفك الدماء - إلى إقطاعيات متناحرة.