المسلمون والعالم
حول قضايا المرأة والأسرة
البشير العوني - محمد إكيج
يسود الساحة المغربية هذه الأيام نقاش بين المدافعين عن الهوية الإسلامية
وبين بعض الجمعيات اليسارية حول مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية الذي
أعدته كتابةُ الدولة للرعاية الاجتماعية والطفولة والأسرة في مارس 1999م.
ويحتدم النقاش المغربي على الخصوص حول الجانب المتعلق بمدونة الأحوال
الشخصية وهي القانون المغربي الأوحد المنبثق كليةً من الشريعة الإسلامية، وينظم
الأسرة في الزواج والطلاق والميراث.
ومن بين التعديلات المقترحة على المدونة:
1- منع تعدد الزوجات: يقول مشروع الخطة: (تشكل هذه المؤسسة تهديدا
للاستقرار الأسري، وقد تعرضت التجاوزات المتولدة عن هذه المؤسسة ومؤاخذة
عدة مفكرين وعدة منظمات نسائية، اعتباراً من جهة لروح النص القرآني الذي
يعلن ويقر بكل وضوح أنها مصدر لا عدالة بين النساء، لذلك يجب حذفها لا
تقييدها فقط، كما يجب إخضاع الحالات الاستثنائية لقبول الزوجة الأولى ولتقييم
القاضي) . (ص 129) .
2- جعل الطلاق بيد القاضي: يقول مشروع الخطة عن الطلاق: (يجب
على المشروع أن يخص أيضاً هذه المؤسسة التي تمثلهما {أي الرجل والمرأة}
بالنسبة للنظام العائلي وللنظام الاجتماعي على السواء إلى أن يقول:) وبإقرار
الطلاق القضائي وسيلةً وحيدة لفسخ عقد الزواج يساهم المشرع المغربي في تعزيز
مؤسسة الزواج) (ص 128 - 129) .
3 - رفع سن الزواج بالنسبة للفتاة إلى 18 سنة: يقول مشروع الخطة:
(الرفع من سن الزواج إلى 18 سنة، وذلك طبقاً للاتفاقية الدولية المتعلقة بحقوق
الطفل التي صادق عليها المغرب في يونيو 1993م بدون تحفظ) (ص 128) .
4 - إلغاء الولاية عند عقد الزواج: يقول مشروع الخطة: (يجب أن يكون
إلزام اللجوء إلى الولي أثناء عقد الزواج ثانوياً؛ بحيث يسمح للفتاة الرشيدة أن تعقد
زواجها دون سُلْطة الولي إذا رغبت في ذلك، ويستمد مبدأ الوصاية جذوره من
التقسيم الجنسي للمجال الذي عرفه المجتمع المغربي التقليدي، لذا فالطابع الإلزامي
للولاية لم يعد له مبرر بمرجع إلى الأدوار الجديدة للنساء في المجتمع من جهة،
وإلى تأخر سن الزواج من جهة أخرى) (ص 128) .
5 - توزيع الممتلكات مناصفة عند الطلاق: يقول مشروع الخطة: (احتراما
للعدالة باعتباره مبدأ مؤسساً للإسلام، واعترافاً بتضحيات المرأة طول الحياة
الزوجية على القاضي الذي يعلن الطلاق أن يفصل في توزيع الممتلكات المحصلة
خلال فترة الزواج، وأن يسمح للمرأة المطلقة بنصف هذه الممتلكات التي ساهمت
فيها سواء من خلال عملها داخل البيت أو عن طريق عمل مأجور) (ص 130) .
6 - عدم إسقاط الحضانة عن المطلقة بسبب بعدها، وإحداث محكمة خاصة
بمشاكل الأسرة.
ردود فعل الهيئات العلمية:
وقد جاء الرد الأول قوياً من قِبَل اللجنة العلمية التابعة لوزارة الأوقاف
والشؤون الإسلامية التي أوضحت أن مراجعة المدونة يجب أن تسند إلى العلماء
المختصين؛ حيث يوجد من بينهم الرجال والنساء، ثم توالت بعد ذلك البيانات من
هيئة العلماء ومنها:
- جمعية رابطة علماء المغرب، التي أصدرت بياناً جاء فيه: (إن علماء
المملكة المغربية ينددون بما تضمنته بنود الخطة المقترحة، وديباجتها من استخفاف
بالتشريع الإسلامي وتهديد استمرارية الإسلام الذي تضمنته تلك البنود المناهضة
لأصول الأحكام الإسلامية كتاباً وسنة) .
ويضيف البيان: (إن مشروع الخطة المقترح - حسب ما تبين فيه - يؤدي
إلى المزيد من دفع الشباب للعزوف عن الزواج، ويفتح الباب في وجه الانحلال
الخلقي والتفسخ العائلي، ويشيع الفساد والفجور في المجتمع، ويؤدي أيضاً إلى
القضاء على الغيرة والشرف؛ هذان العنصران الهامان اللذان قال عنهما أمير
المؤمنين - يقصدون الملك الحسن الثاني - في كتابه: (ذاكرة ملك) : (أما عندنا -
نحن المسلمين - فإن الحفاظ على شرفنا يمتزج مع الحفاظ على عقيدتنا، وإن
الإنسان بدون شرف هو مخلوق منعدم الكرامة يفتقد العناصر المكونة للشخصية،
ويصبح مرتزقاً ينعدم فيه أدنى حس أخلاقي، ويمكن التشكك في جميع تصرفاته)
(ص 147) .
- ثم جمعية العلماء خريجي دار الحديث الحسنية التي أهابت في بيانها
بالضمير الإسلامي أن يستيقظ من سباته، ويتحرك في اتجاه تصحيح ما أفسدته
الأمية والجهل من جمال الشريعة الإسلامية، والعمل على حماية المرأة من الانزلاق
إلى الهاوية التي وضعها على حافتها من أخذوا على أنفسهم إغواءها وإغراءها
ليصنعوا منها عدواً، لدينها وتاريخها وحضارتها.
وقد اندهش البيان من قول المشروع في إحدى فقراته: (إذا أردنا اتخاذ
التشريعات الإسلامية مرجعاً ينبغي أن تأخذ هذه الشريعة بعين الاعتبار التحولات
الاجتماعية ... قائلاً: (إن من يقرأ هذه الصيغة لا يمكنه إلا أن يعبر عن استغرابه
لهذه الجرأة على الله وعلى الاستخفاف بمقدسات الأمة ومشاعرها، إضافة إلى ما
تشعر به من إنذار بالإعراض عنها وتهديد بالمقاطعة والبحث عن البديل المناسب
إن لم تبادر هذه الشريعة إلى تغيير ملامحها) .
كما ركز البيان على تغييب العلماء كلياً عن هيئة إعداد المشروع، وتجاهلهم
إمعاناً في التنكر لدورهم في إصلاح أحوال المجتمع، وحتى عندما اقتضى السياق
في إحدى فقرات المشروع الإشارة إليهم، تعمد واضعوه تجريدهم من وصفهم
الشرعي والتاريخي الذي هو (علماء الشريعة) وذكروهم بوصف (اختصاصيين
في الشريعة) ؛ في حين لم يبخلوا على فئات ذات تخصصات أخرى بوصف ...
العلم: (علماء الاجتماع وعلماء النفس) كما جاء في البيان.
ثم تعرض البيان للمحتوى الفقهي للخطة وما تضمنته من دعوة صريحة
لتغيير أحكام الشريعة، رغم أنف النصوص القطعية، والاستعداء عليها بالمنظمات
النسائية والهيئات الدولية، والدعوة إلى اتخاذ القوانين العلمانية شرعة ومنهاجاً.
ثم خلص البيان إلى أن العلماء يتحفظون إزاء ما ورد في الخطة لمنافاته
القواعد الشرعية، ولصدوره من جهات غير مختصة في الشريعة ولا هي من أهلها.
- أما الهيئة الوطنية لعدول المغرب (العدول هم محررو وثائق الزواج
والطلاق والإرث) فقد أصدرت بدورها بياناً اعتبرت فيه نفسها معنية أكثر من
غيرها بما تضمنه هذا المخطط العلماني الصرف، بحكم احتكاكها اليومي مع قضايا
المواطنين في الأسرة وغيرها، واطلاعها عن كثب على كبريات المشاكل الأسرية
دقها وجلها، وتعيش مع هموم المرأة والرجل والطفل صباح مساء وفي كل لحظة
من لحظات حياتهم.
وأعلنت رفضها القاطع لهذا المشروع شكلاً ومضموناً؛ فمن حيث الشكل لعدم
دستوريته (إذ خرق قاعدتين كبيرتين من القواعد الدستورية المغربية الكبرى،
أولها: قاعدة إسلامية الدولة المغربية المنصوص عليها في الفصل السادس من ... الدستور المغربي. وثانيها: قاعدة عدم مرجعية النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي ولو في شكل استفتاءات شعبية، وتلك منصوص عليها في الفصل 106 من الدستور المغربي) . أما من حيث المضمون: (فلأن المشروع بصفة عامة من حيث آثاره المرتقبة - لا قدر الله - يمس بقوة عمق الفطرة التي فطر الناس عليها، ويزلزل كيان الإنسان المغربي واستقراره النفسي، ويؤدي إلى شيوع الرذيلة والفساد، ويعرض مؤسسة الزواج الشرعي إلى الزوال والاندثار، ويفتح الباب على مصراعيه للإباحية لاتخاذ الخليلات وسوق الدعارة) .
وهنا نسجل باعتزاز كبير، وافتخار شديد هذا الدور الريادي الذي قام به
العلماء في توعية الناس بمخاطر هذا المشروع، وإسهامهم الإيجابي في الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر.
ردود فعل الحركة الإسلامية:
تجدر الإشارة إلى أنه بالإضافة إلى جمعيات العلماء، فإن عدداً غير يسير من
الجمعيات ذات التوجه الإسلامي تصدت كذلك للمشروع، وفي مقدمتها حركة
التوحيد والإصلاح التي أصدرت بياناً مشتركاً مع حزب العدالة والتنمية - ذي
التوجه الإسلامي - أكدت فيه على أن الخطة تميزت بأحادية التناول والمعالجة،
والاعتماد الأساس على المرجعية الغربية، ودعت إلى ضرورة اعتماد المرجعية
الإسلامية والتقيد بها إطاراً وموجهاً لأي خطة ولأي إصلاح في هذا المجال، وفي
غيره من المجالات، ثم دعت كل المعنيين بالدفاع عن الشريعة الإسلامية أفراداً
ومؤسسات وهيئات إلى القيام بواجبهم في صيانة الأسرة المغربية المسلمة.
وقد لاحظت الجمعيات والهيئات التي تعارض مشروع الخطة، أن المشروع
يتسم بما يلي:
1- الإقصاء الممنهج لعدد من الفعاليات أثناء إعداد الخطة: وعلى رأس الذين
تم إقصاؤهم: جمعيات العلماء، الحركات الإسلامية، وعدد من الجمعيات النسائية
وهيئات من المجتمع المدني.
2 - الطابع العام للخطة تغريبي: ولا يشير إلى المرجعية الإسلامية التي
تشكل أساس عقيدة الشعب المغربي برمته منذ أن دخله الإسلام، ويكرس هذا
الطابع التغريبي اعتراف الخطة بكونها ممولة من قبل منظمات دولية غربية، فقد
ورد في ديباجة المشروع ما يلي: (تم إعداد مشروع خطة العمل الوطنية لإدماج
المرأة في التنمية تحت إشراف كتابة الدولة المكلفة بالرعاية الاجتماعية والأسرة
والطفولة، بمساهمة من البنك الدولي) .
3 - كثير من المقترحات الواردة في مشروع الخطة تتعارض مع الشريعة
الإسلامية: وتعتبر الجهات التي تتصدى لمشروع الخطة أن ما تطرحه من قضايا:
محاربة الأمية والتشغيل والمدرس وإشراك المرأة في التنمية، هي قضايا مشروعة
وتعاني فيها المرأة المغربية الكثير من الحيف والظلم وتستدعي إجراءات مستعجلة
لحلها ومعالجتها؛ لأنها ترفض المساس بثوابت الدين المنصوص عليها في أحكام
الشريعة الإسلامية الغراء.
ردود فعل الهيئات السياسية:
أما على الصعيد السياسي فإن مسؤولين بارزين من حزب العدالة والتنمية
بزعامة أحد رموز الحركة الوطنية المغربية - منهم الدكتور عبد الكريم الخطيب -
أشاروا إلى أنهم سوف يتصدون لهذا المشروع بكل الوسائل المتاحة.
وفي بلاغ لمنظمة المرأة الاستقلالية التابعة لحزب الاستقلال المعروف بالتوجه
السلفي لمؤسسة الأستاذ علال الفاسي أنه لا يمكن حل مشاكل المرأة إلا إذا احترمت
المقومات الأساسية المغربية وتوسعت دائرة المشاركين في اتخاذ القرارات. ومن
المعلوم أن حزب الاستقلال يعتبر أحد عناصر التحالف الحكومي الحالي.
وجاء في بيان منظمة تجديد الوعي النسائي: (نرفض أي تدخل أجنبي في
شؤون بلادنا سواءاً منها السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ونرفض أن تزاوَل
المخططات الدولية في بلادنا دون أي اعتبار لهويتنا الدينية والثقافية) ، وأهابت في
آخر بيانها بكل الهيئات والشخصيات الغيورة على حدود الله والتي تؤمن أن للمرأة
قضية يجب أن تؤازر فيها وتناصر دون نكث لعهود الله، أهابت بها أن تضم
أصواتها إلينا في إطار الحوار الشامل الذي ننادي به) .
وقالت الأستاذة (ندية ياسين) من جماعة العدل والإحسان: (نحن متفقون
جميعاً على تشخيص الداء: مظلومية المرأة، لكننا نختلف تماماً مع اليساريات
المطالبات بتغيير المدونة بخصوص الدواء؛ لأننا نريد الإصلاح، والآخر يبحث
عن التقليد الأعمى لأنماط الحياة الغربية) .
والجدير بالذكر أن تحركاً مشابهاً من قِبَل جمعيات نسائية يسارية كان قد
حصل في بداية التسعينات، وقد تم التصدي له من قِبَل قوى المجتمع المدني
المدافعة عن هوية الشعب المغربي المسلم، وكوَّن الملك الراحل الحسن الثاني آنذاك
لجنة من العلماء والمختصين للنظر في الموضوع؛ حيث أفضت أشغال هذه اللجنة
إلى بعض التغييرات في المدونة دون المساس بالثوابت الشرعية.
ويأمل الشعب المغربي المسلم من حزب العدالة والتنمية التصدي لهذه الخطة
كما كان الشأن بالنسبة لقانون السُّلفات الصغرى الذي صادق عليه البرلمان المغربي، فقد نشط الحزب في كل ربوع البلاد لشرح موقفه من هذا القانون الذي يبيح الربا
ولا يعترف بالصيغ الشرعية لتمويل المشاريع الصغرى.
وفي إطار تحركات حزب العدالة والتنمية من أجل بيان خطورة هذا المشروع
نظم يوماً دراسياً حول الموضوع في 17-4-1420هـ - 31-7-1999م،
استدعى له عدداً من المختصين في مجالات: الشريعة والقانون والاقتصاد
والاجتماع والطب لتحليل ومناقشة مضامين الخطة.
وقد أجمع كل المشاركين على ضرورة رفض المشروع لاستناده إلى المرجعية
الغربية في تصوراته وتقريراته ووسائله الإجرائية، وإهمال المرجعية الإسلامية في
حل مشاكل المرأة والأسرة المغربية.
ففي مجال الصحة الإنجابية - مثلاً - وترسيخاً للزنا في المجتمع حدد مشروع
الخطة للوقاية من الأمراض المتنقلة جنسياً الوسائل الإجرائية التالية:
- توزيع العازل الطبي بالمخادع الهاتفية ونقط بيع الجرائد والصحف.
- تعميم الموزع الأوتوماتيكي للعازل الطبي.
- القيام بالإظهار الصريح والمباشر للعازل الطبي عبر وسائل الإعلام.
مما جعل الدكتور سعد الدين العثماني يقول: (إن الغاية والقصد من كل هذه
الدعاية المفرطة للعازل الطبي ليس هو المحافظة على صحة المواطن ووقايته من
الأمراض كما يُدَّعى ظاهراً، ولكن استدرار أموال الجهات الأجنبية والدوائر
المخططة من الخارج لجهات التنفيذ والتنزيل في بلادنا) .
وأعلن المدافعون عن الهوية الإسلامية للمغرب استعدادهم لكل حوار هادئ
حول كل القضايا المصيرية للأمة بما فيها قضايا المرأة والأسرة، إلا أنهم في الوقت
نفسه مستعدون لكل الاحتمالات إذا ما تم تجاوز وتجاهل نداءاتهم ومطالبتهم بعدم
إقرار المشروع.
ويبقى السؤال المطروح: ما هو مصير المشروع؟ وهل سيستطيع الحكماء
من الطبقة السياسية المغربية تجاوز هذه الأزمة؟ ذلك ما ستبينه الأيام القادمة.