البيان الأدبي
قصة قصيرة
عبد الجواد محمد الحمزاوي
بين الحقول الممتدة الخضراء والسماء العالية الزرقاء، والأشجار الباسقة
النضرة كان وائل وابن عمه ياسر يمتطيان حمارين قويين.
نسمات رطبة من نسمات الصبح الباردة هبت، تحركت أغصان الأشجار
وتصافحت أوراقها وعيدانها، ثم التفت على الجذع لتنفض عنه ما علق به من غبار
الطريق، حفيف الأشجار وزقزقات العصافير كان شيئا جميلا رائعا.
أطبق وائل عينيه في نشوة وترك الهواء ليدخل إلى رئتيه في شهيق، أما
ياسر فإنه جمع ملابسه على جسده ليخفي عنقه بملابسه، ووجهه بيديه ويقول:
آه هذه نسمة باردة، أخاف أن أصاب بالبر، تعال نرجع يا وائل.
ضحك وائل في سعادة وقال:
أنت لم تتعود هذا الهواء النظيف المنعش في المدينة يا ياسر، دع الهواء
الطازج يدخل إلى رئتيك لتنتعش، ولا تخش شيئا.
شيئا فشيئا، ابتدأ الحديث بين ابني العم يأخذ طابع التحدي، ياسر يصر على
أن المدينة خير من القرية، ووائل يصر على أن القرية خير من المدينة، ياسر
يقسم ويرفع صوته صارخا ليسمع العصافير والأشجار وكل شيء بأن الناس في
المدينة خير من القرية؛ فهم متفتحون أذكياء، ووائل هو الآخر يقسم ويرفع صوته
حتى يكاد صوته يبلغ أباه وأمه في المنزل بأن ناس القرية خير من ناس المدينة؛
فهم طيبون أوفياء لا يجدون في أنفسهم حسدا ولا حقدا لأحد.
أخذ الصوت يرتفع ويرتفع والانفعال يزداد ويزداد، ففسد هدوء المكان وذهب
جماله ... لم تستطع زقزقات العصافير ولا هديل الحمام أن يغطي أصوات الشجار، وكاد الأمر يتحول إلى عراك.
فجأة صاح الحماران.. هاء.. هاء.. هاء.
استطع النهيق أن يغطي أصوات الشجار، على الناحية الأخرى من الحقل،
سمع النهيق فلاح كان يروي أرضه فصاح: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم.
لم يستطع ياسر أن يصبر على نهيق الحمارين فصاح:
أسكت يا وائل هذين الحمارين الغبيين.. بعد قليل سكت الحماران وعاد ابنا
العم إلى المنزل ساكتين..
في الطريق نظر الحماران إلى بعضهما البعض وقالا:
عجيب أمر ابن آدم يغضب من صوتنا العالي ولا يدرك هو أن صوته كان
عليا مثلنا؟ لم نكن نتشاجر، بل كنا نحذره من الشيطان الذي كان يحوم حول
المكان ويغريهما بمزيد من الشجار والعراك ليستعيذا بالله منه، وبدلا من أن يشكرانا
فإنهما يشتماننا ويضرباننا.