مجله البيان (صفحة 3253)

حوار مع د. عبده زايد

البيان الأدبي

في حوار مع الدكتور عبده زايد:

الأدب الإسلامي كان موجودا منذ أن نزلت سورة الشعراء

حاوره: علي محمد الغريب

لا يعرف كم كان عمره ندما انطلقت حنجرته مع الحناجر الصغيرة في كتاب

القرية تردد آي اذكر الحكيم، لكنه يعي جيدا أن أول شيء طرق أذنيه الصغيرتين

وقتئذ كان كلام الله سبحانه وتعالى فارتبط به منذ ذلك التاريخ وما زال فهو النموذج

الأعلى أسلوبا ومضمونا، ثم عرف بع ذلك الحديث الشريف، والشعر الرفيع

العالي الذي يمثل قيمه.

وعندما التحق بالأزهر لم تكن النقلة بعيدة؛ لأنها كانت امتدادا لما تقدم؛

فدراسة الفقه، والتوحيد، والتفسير، والحديث الشريف، والنحو كلها مرتبطة

ارتباطا وثيقا بالقرآن الكريم.

ولما ظهرت فكرة الأدب الإسلامي، واطلع عليها فكرة مطروحة بين الفكر،

لم تكن غريبة عليه أيضا؛ لأنه يعيش في هذا المناخ منذ نعومة أظافره.

ذلكم الدكتور أحمد محمد علي، الشهير بعبده زايد. ولد الدكتور عبده زايد

بقرية القرنة إحدى أشهر القرى التابعة لمدينة الأقصر بصعيد مصر.

أتم دراسته الأولية بالأقصر، والثانوية بمدينة قنا التي تبعد عن الأقصر عدة

كيلو مترات.

تخرج في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر؛ حيث حصل على الليسانس،

ثم تابع دراسته العليا فحصل على درجة الدكتوراه من الجامعة نفسها، والتي يعمل

بها الآن أستاذا للبلاغة والنقد الأدبي.

حول الأدب الإسلامي وعلاقته بغيره من الآداب، ودور الشاعر في المجتمع

المعاصر، والعديد من قضايا الأدب كان لنا معه هذا الحوار.

- كان لظهور مصطلح الأدب الإسلامي ردة فعل أثارت عددا من الإشكالات

حول مفهوم المصطلح ودلالته، بل إن بعضهم دفعتهم الغيرة على الأدب العربي إلى

أن قالوا: إنه لا داعي لوجود ما يسمى بالأدب الإسلامي فالأدب العربي جله أدب

إسلامي، فما حقيقة الأدب الإسلامي وما مسوغات طرحه؟

هناك فرق بين أمرين - ابتداء -: بين المصطلح، ودلالة المصطلح. دلالة

المصطلح قد تكون موجودة بشكل طبيعي دون أن نضع لها مصطلحا معينا أو اسما

معينا إلى أن أتى الوقت الذين نظر فيه المشتغلون بالتقعيد والتقنين ووضع الضوابط

لهذه الظالهرة فوضعوا لها الاسم المناسب، وهذا موجود في كل شيء: في الأدب،

وفي شؤون الحياة المختلفة. فالناس مارسوا الحياة بشكل طبيعي منذ أن وجدوا على

ظهر الأرض؛ لكن ما كانوا يسمون هذا كذا وذا كذا إلى أن جاء وقت سميت هذه

الأشياء التي كانوا يمارسونها بأسمائها، والأدب الإسلامي كان موجودا من حيث هو

واقع أدبي، منذ أن نزلت آية الشعراء [والشعراء يتبعهم الغاوون. ألم تر أنهم في

كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات

وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب

ينقلبون] [الشعراء: 224-227] . الآية قبل الاستثناء تتحدث عن الشعراء من

حيث هم، والآية بعد الاستثناء تتحدث عن الفئة المستثناة، وهي التي لا تدخل في

سياق النوع الأول، هي مشتركة مع الفئة الأولى في صفة الشاعرية لكن غاية شعر

الفئة الأولى غير غاية الفئة الثانية، والتصور الذي تنطلق منه الفئة الأولى غير

التصور الذي تنطلق منه الفئة الثانية.

- فما جاء بعد الاستثناء يمثل مرحلة النجاة، والشعراء من الصحابة خافوا

من الآية حينما نزلت، وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون له: لقد

أنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنا شعراء، فقال: اقرؤوا ما بعدها [إلا الذين آمنوا] قال أنتم [وعملوا الصالحات] قال أنتم [وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد

ما ظلموا] قال أنتم. فهذه الفئة المستثناة لم تتحدث عن الشعر والشاعرية وإنما

تحدثت عن التصور الذي ينطلق منه الشاعر وهو قضية الإيمان؛ فهم ينطلقون من

منطلق غير الذي كان ينطلق منه الذين هم قبل الاستثناء الذين هم في كل واد

يهيمون ويقولون ما لا يفعلون. الكلام هنا لا يتحدث عن الشعر، وإنما يتحدث عن

التصور، وهؤلاء ما سموا شعراء إسلاميين، ولا سميي شعرهم شعرا إسلاميا؛

لأنه لم تكن هناك ضرورة لوضع الأسماء في ذلك الوقت واستمر الحال على ذلك لا

توضع له أسماء، لماذا؟ لأن قضية الأمة كانت كلها قضية الإسلام.

الذي يكتب شعرا والذي يكتب علما، والذي يكتب فقها، والذي يكتب أدبا.

كل نواحي الحياة كانت تسير في هذا السياق. لكن عندما جئنا في العصر الحديث،

ودخل الاستعمار أدخل معه تصورات جديدة، بعضها يتفق مع التصور الإسلامي

ولكن بعضها يتضاد ويصطدم مباشرة مع التصور الإسلامي، هنا بدأ الشعراء

والأدباء المسلمون يفزعون؛ لأن القضية أصبحت تأخذ مسارا آخر.

قديما كان الخروج هينا.. واحد يكتب غزلا فاحشا، واحد يهجو الآخر ويمدح

بالكذب، هذا أمر أخف، إنما في العصر الحديث بدأ الأمر يصل إلى صلب العقيدة

والشريعة، وبدؤوا يخوضون في الثوابت؛ هنا بدأ الخطر، فبدأ الأدباء المسلمون

يدعون إلى أن ينطلق المسلم من تصوره، لا ينجرف الأديب المسلم إلى تصورات

الآخرين؛ لأن له تصوراته، وما دامت له تصوراته فلينطلق منها، وهذا هو بداية

الحديث عن مصطلح الأدب الإسلامي.

وحكاية التسمية نحن مسبوقون فيها؛ لأنه وجد مصطلح الأدب المسيحي قبل

أن يوجد أو يطرح بيننا الأدب الإسلامي، ووجد مصطلح الأدب اليهودي، ووجد

أيضا مصطلح الأدب العلماني، كل هذه المصطلحات وجدت وطرحت في الغرب

وتعامل معها الناس.

أكثر من هذا مصطلح أدب إسلامي ظهر في الغرب وطرح ف الغرب،

والذين أرخوا للأدب العربي ظهر عندهم مصطلح أدب إسلامي، واستخدموه لكن

استخدموه بغير الدلالة التي نعرفها الآن، إلا عند قلة استخدموه بمعنى الأدب الذي

ينطلق أو يعبر عن الحضارة الإسلامية وبروكلمان استخدم هذا المصطلح وأسماه

أدب عربي إسلامي في كتابه تاريخ الأدب العربي والمستشرق الأمريكي جرونبارم

استخدم مصطلح أدب إسلامي في دراسة اسمها: روح الإسلام كما تبدو في الأدب

العربي وأنا كتبت دراسة في هذا، وهي مفهوم الأدب الإسلامي عند المستشرق

الأمريكي جرونباوم، ونشرت في مجلة المشكاة المغربية، وهذا الرجل استخدم

مصطلح الأدب الإسلامي وبدلالة قريبة من الدلالة التي تستخدمها الآن.

فالأدب الإسلامي هو الأدب الذي ينطلق من التصور الإسلامي للإله والكون

الإنسان والحياة. الكون كلها في نظر الإسلام مسبح بحمد الله تعالى وكل المخلوقات

تنسجم في هذه الخاصية [وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون

تسبيحهم] [الإسراء: 44] .

- ما معيار نسبة أي عمل أدبي إلى الإسلام؟ وهل الأدب الصادر عن مسلم

أيا كان هذا المسلم يعد أدبا إسلاميا؟

- هذه القضية مطروحة منذ وقت طويل؛ لأن الذين عرفوا الأدب الإسلامي

قالوا: هو الأدب الموافق للتصور الإسلامي، فبقض الناس قالوا: ما دام موافقا

للتصور الإسلامي فهو أدب إسلامي أيا كان صاحبه.

- حتى إن لم يكن مسلما؟

- بعضهم قال هذا؛ لكن هذا التصور لو رددناه إلى الأصول التي نعرفها في

الإسلام، وهي أنه حتى يكون العمل صحيحا ومقبولا لا بد أن يكون مقرونا بنية

صحيحة، فإذا جاءني إنسان غير مسلم وكتب شعرا فيه معاني الإسلام، وأعماقه

غير هذا، فكيف أقول عنه إنه أدب إسلامي أو شعر إسلامي؟ لا يصح؛ لأنه حتى

يتسم الفعل بأنه إسلامي لابد أن بكون صاحبه مسلما، حينها نقول: نعم هو مسلم

وصدر عن تصور إسلامي، أما إذا كان غير مسلم فنقول عن شعره أو أدبه: إنه

أدب موافق للأدب الإسلامي.

والمشكلة أن الناس خلطت بين أمرين: بين قبول الأدب وبين كون الأدب

إسلاميا أو غير إسلامي. الأدب يقبل حتى ولو صدر من غير مسلم، إذا كان يعلي

من قيمة إنسانية رفيعة، وفيه إبداع حقيقي. من الممكن أن نتعامل معه، وممكن أن

نتعلم ونستفيد منه، وهذا لا يجبرنا أن نسميه بالأدب الإسلامي؛ بل هو أدب مقبول

ونمدحه أيضا، لصنعته وللقيمة الموجودة فيه لكن لا نسميه أدبا إسلاميا.

- يرجع بعض المحللين ضعف حركة الإبداع إلى تخلف النقد عن مواكبة

الإبداع، فيما يؤكد النقاد أنهم لا يجدون في كثير مما يسمى إبداعا أي مقومات للعمل

الأدبي فأين الخلل؟

- أولا أريد أن أقول لك شيئا: كلا التصورين محتاج إلى مراجعة؛ لماذا؟

لأن الزهرة حينما تعطي أريجها لا تحتاج إلى مهندس، ولا إلى خبير زراعي حتى

يعطيها الإذن لتعطي الأريج؛ هي تعطي الأريج لأنها بخلقتها يصدر عنها ذلك،

هناك أناس يقدرون قيمة الأريج فأهلا وسهلا، وأناس يستفيدون من هذا أريج،

وأناس لا يقدرون. هي تعطي أريجها لأنها مهيأة لهذا الأمر.

والشاعر صاحب الموهبة الحقيقية مثل الزهرة في عطائها، سوف يصدر

عنها الشعر بشكل طبيعي وبشكل تلقائي، صحيح أن الثقافة تزيده والتشجيع يزيده،

لكن حتى لو لم يوجد هذا التشجيع، وما دامت الشاعرية موجودة في داخله تؤرقه

وتقلقه فسوف يعطي وسيستمر. أما الشاعر الضعيف المحتاج إلى وخز بالإبرة

ومحتاج إلى تشجيع، هو الذين نقول عنه: إن النقد يوجهه، هذه هو فقط. أما

الشاعر الشاعر فيعطي ويتفوق وجد النقد أم لم يوجد. والناقد يختلف عن الشاعر؛

لأنه لا بد أن يكون هناك أدب حتى ينقد، إنما إذا لم يكن هناك أدب فماذا ينقد؟ ‍ لا

ينقد شيئا. الشاعر والأديب لا يحتاجان إلى وجود الناقد، أما الناقد فمحتاج إليهما.

- عرفنا الرمز في الأدب وسيلة لتجنب المباشرة والإيحاء بأكثر من مدلول

للنص الواحد، فما الذي حوله لدى بعض المبدعين إلى نوع من الطلاسم؟

- بعض الناس خرج عن طبيعة الأدب، ووظيفته ورسالته، والأصل في

الأدب أنه تعبير ذاتي الهدف منه أن يقوم بدور التواصل مع الآخرين، فليس هناك

إنسان يكتب لنفسه أو يكتب لجماعة محدودة مغلقة، هو يكتب للآخرين سواء وجدوا

أو لم يوجدوا.

والرمز كما فهمه القدماء هو الارتفاع بمستوى الأداء الأدبي عن المباشرة حتى

لا يكون شيئا مبتذلا بين الناس ويحتاج من الآخر أن يبذل جهدا حتى يفهم، لكن

هذا الجهد المبذول له ضوابط، لا يكون جهدا ضخما مع حصيلة تافهة، لا بد أن

يكون العمل نفسه له قيمة كبيرة تستحق الجهد المبذول في تحصيلها.

وهذا بالضبط كالإنسان الذي يفتش ف الأرض عن شيء ضاع منه، ويأتي

بالغربال ويغربل التراب ويقلب ويستمر على هذا ساعات طويلة جدا جدا فإذا ما

وصل إلى الشيء ونظر إليه وجده قطعة من الماس أو الذهب، إذا هذا الشيء

يستحق الجهد. لكن كان الذي وصل إليه بعد كل هذا الجهد عبارة عن خرزة مما

يباع في السوق بثمن بخس، فسوف يضرب كفا بكف ويتهم الرجل بأنه غير عاقل؛ لأن المجهود الذي بذله لا يتناسب مع الحصيلة التي حصلها.

والرمز ليس مطلوبا دائما؛ فالتعبير غير المباشر قد نحتاج إليه وربما لا

نحتاج إليه، والقدرة الفنية تتجلى في أن يكون ما تكتبه داني القطوف بالنسبة

للقارئ غير المتخصص، وفي الوقت نفسه يكون عميقا جدا جدا بالنسبة للقارئ

المتعمق، والمثل الأعلى في هذا هو القرآن الكريم وفي شأن القرآن قال الله عز

وجل [ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر] [القمر: 32] ، والأديب الإسلامي

مطلوب منه أن يكتب كلاما عميقا، لكن ليس ملغزا ولا غريبا.

- بعض النقاد دعا إلى ضرورة وجود نظرية ترصد جماليات القبح فما قولك

في هذه الدعوة؟

- جماليات القبح! ! القبح الأصل فيه أن يتعلم الناس كيفية تجنبه وابتعادهم

عنه وهذا شيء جميل في حد ذاته.

كالذي يعبر تعبيرا أدبيا ليحذر الناس من القبح ويبعدهم عنه، وهذا جمال

أيضا، بالضبط كما يأتي الطبيب الوقائي ليحذر الناس بالوقاية وليس بالعلاج. لكن

هل معنى هذا أن المرض المحذر منه أصبح جميلا؟ لا؛ فالذين يحذرون الناس من

القبح ويصونون أذواقهم، ويحجبون عيونهم عن أن تقع على قبيح هذا شيء حسن

وجميل.

لكن الذين يشيعون القبح ويمدحونه ويقلبون المقاييس، فهذا تأباه الفطرة؛ لأن

ذلك ليس جمالا وليس مصدرا للجمال أبدا، صحيح هناك أناس انتكست فطرتهم،

فيذمون الشيء الحسن ويمدحون الشيء القبيح لكن هذا يسمى شذوذا، والشذوذ لا

يقاس عليه، ولن يكون منهجا مطلقا.

- لماذا تراجع دور الشاعر في المجتمع العربي، إذ كان قديما قائدا للرأي

ومعبرا عن آمال أمته وآلامها، بل وعن روحها الساخرة، وهل يوجد من الشعراء

من يستطيع أن يضطلع بهذا الدور أم أن ذلك وزع على مؤسسات حديثة؟

- الشاعر العربي في العصر الجاهلي كان صاحب مكانة؛ لأنه كان وحيدا،

هو الوحيد الذي كان يعطي الفن الرائع، وكان يقوم بدور المدافع عن القبيلة،

المدافع عن الأخلاق والقيم التي تواضعت عليها القبيلة، وما كان أحد يخرج عن

القبيلة، وإذا خرج طردته القبيلة، ومن هنا نشأت جماعة الصعاليك.

والصعاليك هم الذين طردوا من قبائلهم؛ لأنهم لم يلتزموا بضوابط القبيلة

ومعايير القبيلة، وما كانوا موضع مدح من القبيلة وإنما كانوا منبوذين.

في العصور الحديثة لم يعد الشاعر هو المعبر الوحيد؛ فوسائل التعبير تعددت: وجدت القصة ووجدت المسرحية، وجدت وسائل كثيرة جدا جدا، ولذلك كان

هناك فرق بين أن تكون أنت الوحيد وبين أن يكون لك شركاء. حينما يكون لك

شركاء يصبح دورك أقل؛ لأن الأمر توزع، كان على كاهلك وحدك فأصبح لك

شركاء عديدون.

اليوم البرنامج التلفزيون يشاهده عشرات الملايين ومئات الملايين بسبب

القنوات الفضائية التي انتشرت ف كل البلاد، لكن الشاعر كم واحد يستمع إليه؟

قلة قليلة جدا؛ لكن دوره لم يسقط، وما زال موجودا؛ لأن ملايين الأطفال في

المدارس يقرؤون شعر الشاعر ويحفظونه، ويتأثرون به ويستقر في وجدانهم،

وبعض الشعر يبقى في عمق الذاكرة. الشعر موجود يتعلمه الأطفال، والأناشيد

الموجودة على شرائط الكاسيت في كثير منها شعر موزون مقفى. فالشاعر لم يغب، ولكنه وجد من يشاركه دوره.

- تميزت فترة الازدهار الأدبي في مصر خلال النصف الأول من القرن

العشرين بظاهرة تعدد الرابطات الأدبية، مثل أبولو والديوان ... الخ. فهل

تطمحون إلى تمثل رابطتكم استمرارا لذلك التفكير بأثره الإيجابي على حركة

الإبداع؟

- إن كان المقصود الاستمرار والتأثير وإقامة روابط، نعم نطمح إلى أن تقوم

رابطة الأدب الإسلامي بأدوار كهذه وأعظم؛ لأن هذه الروابط كانت محلية في ذاتها

ومحدودة التأثير، نحن نطمح إلى ما هو أوسع؛ فرابطة الأدب الإسلامي موجودة

الآن وجودا فعليا على مستوى العالم سواء في الكليات الأكاديمية، أو بأعضائها؛

فالمكاتب الآن منتشرة على مستوى الوطن العربي والوطن الإسلامي، فهناك مكاتب

للرابطة خارج الوطن العربي، كتركيا وإندونيسيا وماليزيا وباكستان والهند،

وللرابطة الكثير من المجلات العربية وغيرها من اللغات، ولها الكثير من الندوات

والمؤتمرات الكثيرة جدا.

ولعلك تتعجب أن هذه الظاهرة وصلت إلى الجامعات الأوروبية، وبعض

الباحثين هناك جاء إلى هنا ليبحث عن هذا الشيء الذي يقال له: الأدب الإسلامي،

وفتش عن أهل الاختصاص، وسألهم وأخذ منهم بعض الكتب والمجلات ليعرف ما

هذه الظاهرة.

هذه الظاهرة جديدة؛ لأن الذي كان قبل ذلك كان تقليدا للأدب الغربي وأوروبا

وكان الشاعر يفخر بأنه امتداد لفلان وعلان من أدباء الغرب، إنما هذه الظاهرة

تنبع من البيئة الإسلامية وليست تقليدا لاتجاهات شرقية واتجاهات غربية، وعندهم

رسائل مسجلة حول هذا الموضوع، فنحن نطمح إلى ما هو أبعد مما حققته الروابط

التي ظهرت في بداية القرن العشرين.

- بالنسبة لإصدارات الرابطة سواء على مستوى الكتب أو المجلات نلحظ أن

عدد الكتب الصادرة قليل جدا والمطبوعة التي تصدر عن الرابطة تصدر بشكل

فصلي، وما يطبع منا لا يكفي القراء. ألا يوجد لديكم اتجاه لإصدار المجلة شهريا

وبأعداد أكثر مما تطبع الآن؟

- نحن نتمنى ما تتمناه ونرجو ما ترجو، ولكن المشكلة ليست فيما ترغب،

المشكلة في أمرين: في جانب الإعداد وجانب التمويل، ولعلك ولعل إخواننا لا

يعرفون أن هذه الرابطة التي شرق اسمها وغرب وشرق أتباعها وغربوا ووجدوا

في أماكن كثيرة من العالم، لعلك تعلم أو لا تعلم أنه لا يوجد شخص متفرغ لهذه

الرابطة؛ لأن جميع الجهود المبذولة تطوعية من أناس لهم أعمال ولهم أشغال

تشغلهم في البحث عن الرزق، ويعطون هذه الرابطة جزءا من وقتهم، يقتطعونه

احتسابا لوجه الله.

ومعنى أن يتفرغ شخص لها، فمن أين يأكل؟ ومن أين يعيش؟ فالرابطة لا

تعطي أحدا شيئا إلا مجموعة قليلة جدا من الموظفين والإداريين هي التي تعطيهم

أجرا.

ويوم أن يكون لهذه الرابطة دخل ذاتي يكفيها ساعتها ننظر في أن نفرغ لها

من يقوم على أمرها، أما الآن فمن الصعب جدا أن يتفرغ لها أحد، ولذا فنحن

نفعل ما نستطيع ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

وأقول لك شيئا: إن الله يبارك في المجهود فيتحقق به النتائج ما لا نحلم به؛

لأن الجهد المبذول لا يتناسب مع النتائج، ولذلك النتيجة فيها توفيق من الله سبحانه

والله يعلم أن جهودنا لا نستطيع أن نفعل بها أكثر من هذا، فأعطانا التوفيق،

وأعطانا من عنده ما يسدد به عجز جهودنا. وكما يقول سبحانه [أفرأيتم ما

تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون] [الواقعة: 63-64] . فنحن نحرث؛ أما النتائج والحصاد فبيد الله وحده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015