وقفات
أحمد بن عبد الرحمن الصويان
المرأة المسلمة قلعة من قلاع الإسلام، وحصن من حصونه المنيعة، لها دور
عظيم في صيانة الأمة وتربيتها وحمايتها من كل ألوان الفساد والرذيلة. استقامتها
على الحق صيانة للمجتمع كله، وصلاحها وعفتها رعاية للأمة من الانحدار
والتردي في دروب الهوى.
لذا حرص أعداء الله - تعالى - من المستغربين والعلمانيين على انتهاك هذا
الحمى الكريم، واستباحة هذه البيضة العفيفة، وأجلبوا بخيلهم ورجلهم لانتزاع
البقية الباقية من ديانة المرأة وتقواها، وسعوا إلى اختراق إعلامي واسع النطاق
يقوم على تزيين الفواحش، ونشر ثقافة الرذيلة، والمتاجرة بالأعراض، ويهدف
إلى تغيير البنية الاجتماعية والفكرية للأمة المسلمة.
وذلك كله ليس بغريب على الإطلاق؛ فذلك ديدنهم وهجِّيراهم [1] ، ولكن:
ألا يحق لنا أن نتساءل بكل صدق: أين دعاتنا من هذا الحِمَى الكريم؟ ! وأخص
بالذكر هاهنا نساءنا الصالحات؛ فهن أوْلى بذلك من غيرهن.
إنَّ علينا أن نعترف بأن واقعنا الاجتماعي والدعوي أدى إلى إهمال جلي
واضح للدعوة في أوساط النساء، فغلب على صالحاتنا - فضلاً عن عامة نسائنا-
العجز والقعود، وأصبحن يتعذرن بمعاذير واهية يُسوِّغن بها قصورهن وتفريطهن.
نعم.. أُدرك أن العوائق الدعوية التي تواجه المرأة أضخم من تلك التي تواجه
أخاها الرجل، ولكن أيصح أن يكون ذلك حابساً للمرأة عن الإقدام والنهوض؟ !
أيصح أن تغفل المرأة الداعية وتصاب بالوهن والفتور..؟ !
دعينا نتأمل خبر أبي هريرة حينما يحدثنا: (أن امرأة سوداء كانت تقمُّ (وفي
رواية: تلتقط الخرق والعيدان) من المسجد، ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم
فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنها ماتت. فقال: هلاَّ كنتم آذنتموني؟ قالوا:
ماتت من الليل ودفنت، وكرهنا أن نوقظك - قال: فكأنهم صغروا أمرها - فقال:
دلّوني على قبرها، فدلوه، فأتى قبرها فصلى عليها) [2] .
سبحان الله.. امرأة ربما كان بعض الناس يزدريها وينظر إليها نظرة لا مبالاة
.. ولكنها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عزيزة كريمة يسأل عنها ويصلي
عليها.
قامت هذه المرأة بعمل - قد نظنه يسيراً - ولكنه عند الله - تعالى - عمل
عظيم يستحق تقدير النبي صلى الله عليه وسلم واهتمامه.
إنها الفاعلية التي دفعت هذه المرأة لخدمة المسلمين والسعي في حاجتهم..
صورة عظيمة تتجلى فيها صورة المرأة المستضعَفة عند الناس، لكن قلبها عامر
بالطاعة، حفَّزها على البذل والعطاء دون أن تهن أو تضعف.
إنها الفاعلية التي اطمأنت بها ذوات القلوب المرهفة الحية، فقدَّمْنَ ما يَقْوَيْنَ
عليه ابتغاء وجه الله - تعالى - دون أن يشعرن بالاتكالية والاعتماد على الآخرين.
وكم يحز في النفس أن يرى المرء ذلك التمرد الأخلاقي الذي يعصف بنا من
كل صوب، ثم يجد من بعض صالحاتنا عزوفاً أو انشغالاً عن تلك المسؤولية
العظيمة؟ !
فيا - سبحان الله - لمن تتركن الميدان؟ ! ومن تنتظرن أن يقوم بهذا
الدور..؟ !
ألا يكتوي قلبك حين ترين تلك الوحوش الكاسرة التي كشرت عن أنيابها
الفضائية ومخالبها الصحفية، وراحت تعبث في أخواتك، وتنتهك عفتهن
وكرامتهن؟ !
ألا يتفطر فؤادك وأنت ترين التفسخ والانحلال يستشري في نسائنا، وينتشر
في بيوتنا انتشار النار في الهشيم؟ !
أيطيب لك طعام أو شراب وأنت ترين الفتاة تلو الفتاة وقد رمت بحجابها
وراحت تركض هنا وهناك ملبية نداء تلك الأبواق الخاسئة التي ملئت بكل ألوان
الدهاء والفتنة ... ؟ !
يا الله ... ! ! كيف تقوى نفسك على القعود وأنت تملكين - بفضل الله -
القدرة على تحصين أخواتك من حبائل المفسدين ومكائد العابثين ... ؟ !
أيرقأ لك دمع؟ أم هل يسكن لك قلب؟ آلله - تعالى - يرضى لك بذلك..؟ !
أخيتي في الله:
إما أن تتقدمي أنت.. وإلا فإن أولئك القوم لنا بالمرصاد، وبقدر تقصيرك
يكون إقدامهم، ومن أيقنتْ بعظيم مسؤولياتها هانت عليها كل العقبات التي تواجهها
.. ومن صدق الله صدقه.
ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ... ونام عنها تولى رَعْيَها الأسَدُ