د. شاكر عبد الرحمن السروي
إنّ مما نعانيه على نطاق واسع في عالمنا الإسلامي اليوم هو ظاهرة لوم
الآخر وتحميله المسؤولية تجاه ما يصيبنا وما يحدث من حولنا في محاولة يائسة
للهرب من مواجهة الحقائق، فلا تحلُّ بنا مصيبة أو تنزل بنا كارثة حتى نسارع
إلى كيل السباب والشتائم لأعدائنا، رافعين أكف الضراعة مستجيرين بربنا أن
يمحق عدونا، وأن يرفع رايتنا، وأن يعز ديننا.
وإلى هنا تقف بنا ردة الفعل لنبقى في عالم التيه، ندور في حلقة مفرغة،
ننتظر قارعة أخرى لنعيد الكرّة تلو الكرّة، كرّات تُورث الحسرة وتسكب العبرة من
كل قلبٍ فَقِهٍ فَطِنٍ.
ومما لا شك فيه أن حتمية الصراع بين دين الحق (دين الإسلام) وبين غيره
من الأديان والمشارب والأفكار قائم، وأن كيدهم لهذا الدين وأهله واقع مُشاهَد.
إلا أن الغرابة تكمن في نسياننا أو تناسينا دورنا السلبي وخللنا الذاتي في
حدوث تلك المصائب والأخطاء، ومن ثَمَّ تعميقها والعمل - بقصد أو بدون قصد -
على استفحال أمرها.
إنّ مبدأ لوم النفس والسعي للتعرف على أخطائها - في محاولة لتجاوز
العوامل الداخلية لأسباب النكسات - هو أمر قد قررته الشريعة الإسلامية منذ أوائل
العهد الإسلامي، وذلك يوم أن نزل القرآن مخاطباً جيل الصحابة بعد أن أصيبوا في
أحد: [أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ
إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] [آل عمران: 165] .
لقد صارت ظاهرة الهروب من مواجهة الواقع ومحاولة التملص من تبعاته من
الانتشار والتنوع بحيث صار من اللازمة على العلماء والدعاة وقادة الأمة أن يسعوا
في علاجها، ويعملوا على إزالة موجباتها من عقول أفراد الأمة على اختلاف
مستوياتهم.
إن الاستمرار في هذه السلبية - المغلّفة - هي غاية ما يتمناه أعداؤنا؛ بل وما
يسعون لتأصيله في واقعنا؛ لنبقى أسراء القولة المشهورة: (ليس في الإمكان أحسن
مما كان) .
إن مشروع إحياء موات الأمة وإيقاظها من سباتها يستلزم بعث روح الشجاعة
في أفرادها على مواجهة ذواتهم وتقويم أحوالهم لتشخيص أدوائهم حتى يتسنى لهم
بعد ذلك التداوي والعلاج، قال الله تعالى: [إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا
مَا بِأَنفُسِهِمْ] [الرعد: 11] .
إن الأمة إن فعلت ذلك فإنها ستكون أقدر على الانتصاب من ضجعتها،
والانطلاق بسرعة هاربةً من وهدتها؛ ولكنْ - هذه المرة - قُدماً إلى الأمام.