أم عبد الله - الرياض
عندما تسمو الأهداف يسري في الجسد حماس لا ينطفئ ونشاط لا يخبو؛ لأن
الأهداف السامية ترقى بك في درجات الهمة العالية والرفعة درجةً درجة تجعلك
دائماً تتطلع إلى الأعلى؛ فحينما يضطلع الداعية همَّ الدعوة ويكون هدفه الأسمى
رضى الله فإن نشاطه وحماسه لا يخبو، وسيجد في نفسه شعوراً بالتقصير تجاه
الدعوة يدفعه إلى استنفار كل طاقاته وإمكاناته المادية والمعنوية، فتجده يجود بماله
وبدمه وبوقته في سبيل الدعوة إلى الله متدرعاً بالصبر مبتغياً ما عند الله غير آبه
ولا مُكترث لما قد يحدث له أو ما قد يفوته من حظوظ الدنيا، تجده في عمله في
غاية السعادة بالرغم من الصعاب أو العوائق أو المثبطات التي تواجهه في ليله
ونهاره، والتي قد تجعله أحياناً حبيساً، أو أن تكبل دعوته وتقطع وسائلها؛ بل
تكون هذه الصعاب شاحذة لهمته، لا يعرف الملل ولا الإدلال بالعمل إليه طريقاً،
ويظل نور ذلك الهدف السامي يبعث في جوانحه أملاً ببلوغ الخير للناس وإن طال
الزمن محسناً الظن بالله: [ «ولا تيأسوا من روح الله] [يوسف: 87] . أمَّا ذلك
الصنف من الذين أحبوا الدعوة ومنحوها كثيراً من إمكاناتهم ثم بعد فترة بدأ الفتور
يدب في أوصالهم، وضعفت الهمة وفقد الحماس للدعوة؛ فهل كانت أهدافهم سامية
أم أن سلوك طريق الدعوة كان يحقق لهم بعض الشعور بالرضى، أي إنهم يبحثون
عن أنفسهم من خلال العمل للدعوة؛ فهذا الصنف يدب الملل في أوصاله إن لم يجد
ما كان يحلم به، أو ما كان ينتظره من الناس، أو إن عرضت له بعض المثبطات، أو شعر بما يهدد أسباب معيشته أو راحته، أو إذا تعرض للنقد؛ لأنه باحث عن
نفسه في كل حركاته بالرغم من أنه يشعر في نفسه أنه يخدم الدعوة في سبيل الله،
لكن إحساسه بمصلحته أعظم من شعوره تجاه الدعوة، فتضيع جهوده التي يعتقدها
في الدعوة في ثنايا البحث عن مصلحته الشخصية، فلا غرابة أن يرى التخاذل بعد
الجهد والعمل؛ لأن الهدف هو وقود الحركة، فكلما كان الهدف سامياً كلما كان وقود
العمل يتجدد ولا ينضب، وكذلك كلما كان الهدف دنيوياً فإن الوقود سوف يكون
زائفاً، فلا يستمر الحماس ويذبل العمل ويقف السائر على درب الدعوة في الطريق. هذا إن لم تصحح الأهداف والنوايا: [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم] [الرعد: 11] .