مجله البيان (صفحة 3196)

مخططات التقسيم في الشرق الأوسط

رؤية في مخططات التقسيم في الشرق الأوسط

العراق.. البداية

حسن الرشيدي

(المعارضة الشيعية في العراق ترفض التعاون مع أمريكا ظاهراً؛ وتتعاون

معها باطناً؛ أليس هذا هو التقية عينها.

(هكذا خطط الغرب لإسقاط صدام؛ ولكن هل ستنجح الخطة؟ !)

(خط وهمي في البداية، ثم يزداد الإلحاح ويسقط الخط الوهمي على

الأرض ويشتد الضغط؛ وإذا الخط الذي وقع على الأرض يتحول إلى رسم، ثم إذا

الرسم يتحول إلى شرخ يظهر في البداية مثل شعرة، ثم يجري تعميقه إلى فَلْق

وإلى كسر.)

هكذا وبهذا الأسلوب يراد تمرير مخططات الغرب في المنطقة، وإعادة رسم

خريطة جديدة للشرق الأوسط تثبت فيها (أمريكا) هيمنتها على العالم وتحقق من

خلالها مصالحها الاستراتيجية المعلنة.

ومن المعروف أن هذه المنطقة بشكلها الحالي قد رسمت في وقت سابق وفي

ظروف مغايرة؛ حيث كانت موازين القوى مختلفة والصراع الدولي له أطرافه

وأقطابه. وثمة مؤشرات تدل على أن هناك اتجاهاً لإحداث تغييرات استراتيجية في

هذه المنطقة.

والسؤال الآن: ما هي هذه المؤشرات؟ وما كنه هذه التغييرات التي تُراد

للمنطقة؟

أولاً: المؤشرات:

1- الزيارات المتكررة التي يقوم بها مارتن إنديك مساعد وزيرة الخارجية

الأمريكية وويليام كوهين وزير الدفاع الأمريكي إلى دول المنطقة، ورغم أن

الأهداف المعلنة لهذه الزيارات - إن أُعلن عنها - لا تعبر غالباً عن الحقيقية ولا

عن فحوى المحادثات التي تُجرى؛ ولكن يمكن استنتاج ما يدور خلال المباحثات

من خلال بعض التصريحات التي يحاول أصحابها التملص من المواقف الأمريكية

حتى ولو اقتصر الأمر على الأقوال وليس الأفعال.

وفي هذا السياق نجد أن تصريحات المسؤولين في بعض الدول التي سبق أن

هاجمت النظام العراقي عادت تعلن تمسكها بوحدة العراق كتصريحات محمد بن

راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، ووزير دفاع الإمارات الذي (خرج مباشرة بعد

اجتماعه مع المبعوث الأمريكي مارتن إنديك ليحذر من أن ما تخطط له أمريكا تحت

لافتة إسقاط النظام العراقي سيقود إلى تقسيم العراق وتفجير حرب أهلية [1] .

2- عدم رد (إسرائيل) على العمليات الأخيرة من حزب الله في الجنوب اللبناني ...

رغم أن الانتخابات الإسرائيلية كانت آنذاك على الأبواب، والفرصة كانت أمام

نتنياهو ليعزز من شعبيته أمام الناخب الإسرائيلي المتعطش لدماء العرب عبر عملية

أشبه بمذبحة قانا التي قام بها بيريز في الجنوب اللبناني قبل الانتخابات السابقة؛

ولكن نتنياهو لم يفعل، ولم يرد على الاستفزاز مما يعزز الأنباء التي تحدثت عن

ضغوط أمريكية مدروسة على نتنياهو انتظاراً لأهداف إسرائيلية ستتحقق بأيد

أمريكية وثمار سيجنيها الشعب اليهودي أكثر فائدةً من عمليات عسكرية في لبنان لا

يكاد يحصد اليهود منها نتائج ذات بال.

3- اعتقال أوجلان: تحدثت الأنباء عن مشاركة أمريكية يهودية في عملية

الاعتقال تلك عن طريق أجهزة المخابرات الأمريكية في كلتا الدولتين ويعزز من

هذه الفرضية أن اعتقاله تم في نيروبي وهي معقل المخابرات الأمريكية

والإسرائيلية في المنطقة ? ويمكن اعتبار أن أوروبا قد شاركت بدور في عملية

الاعتقال عبر رفضها الدؤوب استضافته على أراضيها مما يدفع المرء إلى التساؤل

عن هذا التوافق بين هذه الدول في خطفها لأوجلان رغم اختلافها في كثير من

السياسات؛ ولكن ماذا تجني أمريكا و (إسرائيل) من هذا الاعتقال.

نعتقد أن هناك عدة أهداف من وراء هذا الاعتقال.

أولاً: تقديم خدمة لتركيا نظير ما تقوم به لصالح أمريكا، ولعل زيارة طارق

عزيز لتركيا ثم تصريحات أجاويد رئيس وزراء تركيا التي تشكك في جدوى

الهجمات الجوية الأمريكية ضد العراق خاصة أن الطائرات تطلع من قاعدة أنجرليك

التركية، ثم تراجع عن تصريحاته بعد اعتقال أوجلان الذي اعتبر فيها أن على

العراق الالتزام بالشرعية الدولية، والمقصود بها شرعية الهجمات الأمريكية.

هذا التراجع يقدم مؤشراً على موافقة تركيا على عملٍ مَّا في شمال العراق

تقوم به أمريكا؛ وقد تواردت أنباء في الفترة الأخيرة عن) موافقة تركيا على

عرض أمريكي يسمح بقيام دولة فيدرالية (كردية - تركمانية) في شمال العراق

توضع تحت وصاية تركيا) [2] . لقد نجحت أمريكا في تبديد الخوف التركي

التقليدي من تغيير الحدود في العراق المجاور.

ثانياً: تسببت عملية اعتقال أوجلان في قيام مظاهرات كبيرة للأكراد في

أوروبا ومصادمات مع الشرطة هناك، وتناقلت أجهزة الإعلام المرئية صور

الشباب الكردي الذي يتسابق على حرق نفسه احتجاجاً على الظلم الذي يحيط

بالأكراد مما جعل قضية الأكراد تقفز إلى الواجهة العالمية وينطبع في ذهن الرأي

العام العالمي وجود شعب وقضية يدافع عنها مما يمهد الأجواء لقبول وضعٍ مَّا جديد

للأكراد في المنطقة.

4- اغتيال الصدر: يأتي اغتيال محمد صادق الصدر ليشكل منعطفاً جديداً

في البلبلة داخل العراق، والصدر ينحدر من أسرة ذات مكانة دينية شيعية، ويحتل

مكاناً بارزاً في سلم المرجعيات الدينية، وله شبكة واسعة من المقلدين وبنية

مؤسساتية راسخة قوامها مئات من الجوامع وما يسمى الحسينيات وهي شبكة

تكتسب أهميتها من عوامل:

أولها: أنها تمثل هوية شيعية دفاعية في وجه سلطة عاتية.

والثاني: أنها تمثل أداة حماية وخدمات في ظروف الحصار المريعة [3] .

ومحمد الصدر هذا يعتبر مثالاً لعالم الشيعة الذي يجيد التقيَّة ويتلون حسب

الظروف خدمة لطائفته الضالة؛ ففي أثناء ثورة الشيعة على صدام بعد حرب

الخليج في مارس 1991م أصدر بياناً بارك فيه هذه الثورة وحض الثائرين على

مواصلة الجهاد - على حد زعمه - وبعد الانتفاضة اعتقله جهاز الأمن العراقي

وواجهه ببيانه فاعتذر وتذرع بأنه كتبه تحت تهديد السلاح، فقبلت السلطة اعتذاره

ظاهرياً على أن يظهر عبر التلفزيون وهو يدين الانتفاضة [4] ويبدو أن الصدر قد

خضع لاعتبارات تكتيكية؛ إذ كان ينوي من ورائها بناء قاعدته الجماهيرية لتحقيق

هدفه المتمثل في الإطاحة بالنظام، وإقامة جمهورية شيعية مكانها؛ لذلك ظل يحافظ

على روابط مع النظام في بغداد لتمرير بعض المعاملات الرسمية، ومنها: تمديد

إقامات الطلاب الأجانب في الحوزات الشيعية، إعفاء بعض العراقيين الطلاب في

الحوزة العلمية من الخدمة العسكرية، الحصول على إجازات طباعة الكتب الدينية،

وما إلى ذلك [5] .

ولكن في الآونة الأخيرة - ولسبب لا يبدو مفهوماً لأول وهلة - بدأ الصدر

ينتقد النظام انتقاداً لاذعاً وخاصة في خطب الجمعة التي هي معطلة - حسب ما

يعتقدونه في مذهبهم [*]- ثم بدأ المسؤولون العراقيون يُملون عليه شروطهم

الخاصة بالدعاء لصدام حسين؛ لكن الصدر رفض ذلك. وفي شهر صفر الماضي

أفتى الصدر بوجوب الذهاب مشياً إلى كربلاء وهو الأمر الذي تقمعه السلطة [6]

لقد قام الرجل بجهد دؤوب في الاستغاثة والتحريض في خطب الجمعة التي كان

يحضرها أكثر من مائة ألف شيعي في بعض التقديرات، ويبدو أن جهة استخباريةً

مَّا قد شجعته على هذا العمل ترقباً لعملية كبرى قريبة يخطط لها أن تجري في

العراق، ولكن صدام - وفقاً لسياسة الوتر المشدود الذي يتبعها - استبق الأحداث؛

ولعل استعراض علماء الشيعة الذين يبدو أن صدام قد قتلهم في الثمانية أشهر

الأخيرة: مرتضى البرجردي، وعلي الغروي، ومحمد أمين زين الدين [7] يظهر

لنا أن هؤلاء لم يتحركوا لإثارة الشيعة وقيادتهم ضد صدام فجأة؛ ولكنهم تورطوا

في ذلك عندما شعروا أو أشعرهم طرفٌ مَّا أن الأوان قد حان لتمزيق العراق.

5- الدور الشيعي المشبوه الذي يقوم به باقر الحكيم زعيم ما يسمى بالمجلس

الأعلى للثورة؛ فقد أعلن رفضه قبول مساعدات أمريكية؛ ولكن مصادر صحفية

أفادت (أنه تلقى مساعدات من الولايات المتحدة، واستُقبل في الكويت أثر عملية

ثعلب الصحراء وتلقى مساعدة قدرها (125) مليون دولار، ثم قابل كبار المسؤولين

الكويتيين للتنسيق، ثم حملته طائرة أمريكية خاصة إلى إيران) .

(الخليج 23/1/ 1999م)

(وقد اعترف مسؤول أمريكي مؤخراً بوجود اتصالات مع المعارضةالشيعية في جنوب العراق) [8] .

6- تواصل الهجمات الجوية الأمريكية: فمنذ عملية ثعلب الصحراء (نفذت

أمريكا 3224 غارة على العراق حتى نهاية فبراير 1999م [9] .

7- تهميش دور مجلس الأمن: تعمدت أمريكا أثناء عملية ثعلب الصحراء

تسريب أنباء تجسس المفتشين على المقرات الأمنية العراقية عبر الصحف

والمجلات ذات الصلة الوثيقة بالمخابرات الأمريكية؛ مما جعل رجوعهم مرة أخرى

أشبه بالمستحيل، ولقد تعمدت أمريكا هذا الموقف لإثبات الهيمنة وإفهتام العالم أجمع

أن الشرق الأوسط بصفة خاصة قد أصبح محمية أمريكية تتصرف فيه كيفما تشاء

دون الرجوع إلى أحد حتى ولو كانت شرعية دولية مزيفة.

8- صفقة السلاح الأمريكية لمصر: فبعد انتهاء زيارة كوهين الأخيرة لمصر

(أعلن عن موافقة بلاده على صفقة عسكرية ضخمة لمصر بقيمة 3. 2 مليار

دولار لتزويدها بنحو 24 طائرة مقاتلة من طراز إف 16 ودبابات حديثة) [10]

ولم تظهر تفاصيل المقابل الذي تريده أمريكا لقاء هذه الصفقة، والمرجَّح أن يكون

أحد جوانبه السكوت عن الترتيب الذي تنويه أمريكا في العراق.

ثانياً: التغيرات المحتملة:

من الملاحظ أنه يوجد شبه تعتيم إعلامي غربي وسياج لحجب جزء كبير من

المعلومات والحقائق الخاصة بالعالم الإسلامي وما يتعلق به من أسرار وقضايا،

ولعل المقصود من هذا عبر أجهزة الإعلام التي يسيطر عليها اليهود منع المسلمين

من الوصول إلى الحقائق واستشراف المستقبل والاطلاع على المخططات التي تُكاد

لهم، وأمر آخر أن الغرب منذ القدم قد اعتاد على إطلاق مسميات لأفعاله غير

مسماها الحقيقي وذلك للتمويه والتغطية ظناً منه أن العرب والمسلمين اعتادوا على

السطحية والخداع؛ لذلك يجب في البداية رصد الأهداف الأمريكية بالنسبة لمنطقتنا

حتى يتسنَّى تحديد آليات تنفيذ هذه الأهداف.

أهدافهم في الشرق الأوسط:

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور أمريكا قوةً عالمية على الساحة بدأت

الأطماع الأمريكية تظهر في منطقة الشرق الأوسط، وتبلورت أهداف أمريكا في

هذه المنطقة في عدة أهداف رئيسة:

الأول: تأييد (إسرائيل) ودعم أهدافها في المنطقة لتحقيق غايات الحلم

اليهودي في المنطقة. والحديث عن التحيز الأمريكي لـ (إسرائيل) بات حديثاً

مكرراً ومعروفاً خاصة عند فهمه في ضوء النشاط البروتستانتي المحموم لتهيئة

الظروف المناسبة لعودة المسيح وإقامة الهيكل في مكان المسجد الأقصى نفسه؛

حتى إنه من الثابت تاريخياً أن هؤلاء البروتستانت كانوا يدعون إلى إنشاء وطن

لليهود على أرض فلسطين في القرن الثامن عشر في حين أن اليهود أنفسهم كانوا

يرفضون هذه الفكرة حينها [11] .

ثانيا: ضمان استمرار تدفق منابع النفط? يمثل النفط العربي نقطتين حيويتين

بالنسبة لأمريكا من زاويتين:

الأولى: أنه يشكل أكبر احتياطي من النفط في العالم فإن (أكبر مخزون للنفط

في العالم هو منطقة الخليج عامة والمملكة العربية السعودية خاصة؛ حيث لا يقل

هذا الاحتياطي عن 60% من الاحتياطي العالمي كله، وإذا استمر الإنتاج في معدله

الحالي فإن المخزون السعودي من المتوقع أن يستمر 125 سنة، والكويت 144

سنة، والعراق 98 سنة، والإمارات 120 سنة) في الوقت الذي بدأت فيه

الاحتياطات العالمية في النفاد.

الثانية: أنه يُستخدم ورقة في يد أمريكا لإخضاع الدول الصناعية الكبرى التي

تعتمد في اقتصادياتها على النفط العربي للدخول في حظيرة السياسات الأمريكية،

ومن هذه الدول: اليابان، والصين، وغيرهما.

ثالثاً: إثبات الهيمنة والزعامة الأمريكية: لا شك أن منطقة الشرق الأوسط

ذات موقع استراتيجي مؤثر في العالم كله، كما أنها مهد الديانات السماوية، وتعج

بمختلف القوميات والأديان والأعراق؛ فضلاً على أنها محط أطماع الإمبراطوريات

والممالك منذ القدم، والسيطرة عليها تتطلب قوة غير عادية؛ ولذلك فإن الذي يحقق

الهيمنة عليها فكأنه قد سيطر على العالم كله.

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة ظهرت أمريكا قوةً وحيدة

مهيمنة؛ ولكن هذه الزعامة كانت تبدو غير مكتملة، ويتخللها الكثير من نقاط

الضعف، وتعرضت الهيبة الأمريكية لبعض الهزات والسقوط في العديد من الأماكن

كان آخرها في أزمة الحصار الأمريكي على العراق في يناير عام 1998م، بعدها

سارع خبراء السياسة الأمريكيون بصفة خاصة ومن يدور في فلكهم من البريطانيين

ومراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية في العكوف على وضع الحلول والخطط

الاستراتيجية التي تمكن الغرب بزعامة أمريكا من تثبيت هيمنتها، ووضعت عدة

سيناريوهات لتنفيذها في المنطقة.

إن أمريكا يهمها هذه الفرضيات:

الأولى: إعادة ترتيب هيكل النظام الدولي بحيث تثبت نفسها على قمة هذا

النظام.

والثانية: التحكم في إدارة الصراع والتفاعل وضبط الأزمات الناشئة بين

وحدات هذا النظام.

أما الثالثة: فهي تحطيم أي قوة تقف في وجه هذه الهيمنة؛ ففي عدد مجلة

التايم الأمريكية (فبراير 1999م) (أطلقت تسمية: صبيان العالم المشاكسين أو

أوغاد العالم الذين يهددون مصالح الغرب وقيمه وطريقته في الحياة الذين يجب

إخضاعهم لتهديد حقيقي لإيقافهم عند حدهم) [12] .

ويعتبر الشرق الأوسط مكاناً مناسباً لضبط هذه الأمور، ثم تجيء منطقة

البلقان في المرتبة الثانية باعتبارها منطقة تظهر فيها أمريكا وتثبت هذه الفرضيات.

ورأى أغلب المحللين ضرورة تفتيت العالم العربي وإعادة رسم خرائط جديدة

له؛ ليسهل السيطرة عليه وتحقيق الأهداف الغربية، وتلاقت هذه الأهداف مع

الرغبات الإسرائيلية، وكان العراق هو البداية.

في التاسع عشر من ديسمبر الماضي نشرت صحيفة الصانداي تليجراف أي

قبل أن يتوقف العدوان البريطاني الأمريكي الأخير على العراق مقالاً مهماً:

يقول كاتبا المقال وهما آلان كلارك ? وزير الدفاع البريطاني في الفترة

1989-1992م - وديفيد ديفيس - وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية من

1995-1997م إن كل سبل واستراتيجيات التعامل مع العراق أخفقت سواء تلك

التي تمَّتْ في إطار الأمم المتحدة أو التي اتبعتها أمريكا وبريطانيا، وهذا كله لا

جدوى منه، ولن يحقق هدف الإطاحة بالنظام العراقي؛ فما العمل إذن؟

يطرح المقال تصوراً محدداً وواضحاً غاية الوضوح يعبر عنه عنوانه: (الآن

استولوا على الجنوب) .

إن أفضل خيار أمامنا هو ما وصفه شارل ديجول ذات مرة بقطع الذراع،

ويعني هذا: اقتطاع جزء من أراضي العراق، وإقامة دولة خليجية تكون تحت

حماية الولايات المتحدة في البداية، ثم على المدى البعيد تحت حماية الأمم المتحدة

والدول العربية، ويجب أن تشمل هذه الأراضي المقتطعة من العراق (البصرة)

التي هي المدينة الثانية في العراق بمواردها الغنية من النفط والبتروكيماويات

والصناعات الغذائية والإنشائية وميناء (أم قصر) الميناء المجاور لها، ويجب كذلك

أن تشمل الجزء العراقي من شط العرب الاستراتيجي كما يجب أن تشمل الأراضي

الزراعية الخصبة في محافظة البصرة.

بالنسبة لصدام سيكون مثل هذا الحل قاتلاً له؛ حيث سيمثل ضربة قاصمة

لمركز قوته؛ وذلك بفقدانه شريانه البحري الحيوي الوحيد؛ مما سيجعله معتمداً

بشكل كلي على الأردن، وعلى هذه الدولة الجديدة في تجارته، وليس هناك من

جدوى لفكرة أن وحدة أراضي العراق وسلامتها مهمة جداً ليكون ثقلاً موازياً لإيران؛ فالدولتان ضالعتان في مؤامرة لإحباط محاولات الغرب منع أسلحة الدمار

الشامل) [13] .

في 16سبتمبر الماضي، استدعت لجنة الأمن القومي في مجلس النواب

الأمريكي خبيراً مهمّاً في شؤون المنطقة ليدلي بشهادته حول الموقف من العراق

والسياسة التي يجب أن تتبعها أمريكا. الخبير هو بول ولفرتيز عميد كلية بول نتيز

للدراسات الدولية في جامعة جون هوبكنز. قال الرجل: إن أساس استراتيجيتنا هو

إقامة منطقة محررة في جنوب العراق شبيهة بما فعلته أمريكا في الشمال. إن إقامة

هذه المنطقة المحررة سوف يحقق ما يلي:

- سوف يتيح المجال لتشكيل حكومة مؤقتة للعراق الحر ?المعارضة? تبدأ في

تنظيم صفوفها وتروِّج لبرنامجها السياسي حول مستقبل العراق، وتسعى لكسب

اعتراف دولي.

- سوف يتيح لهذه الحكومة السيطرة على أكبر حقل نفطي في العراق

واستغلاله مما سيوفر لها موارد مالية ضخمة لتمويل العمليات العسكرية والسياسية.

- سيتيح إقامة منطقة آمنة تشجع وحدات من الجيش العراقي على أن تنضم

إلى قوات المعارضة مما سيجعل من الممكن تحرير مزيد من الأراضي تدريجياً.

في عدد شهر فبراير من مجلة فورين أفيرز أو الشؤون الخارجية نشر ثلاثة

من الخبراء الأمريكيين دراسة تناقش ? هل يمكن إسقاط صدام حسين؟ وكيف؟

ناقش الخبراء التفاصيل الآتية:

- الدعوة إلى اقتطاع المناطق الجنوبية في العراق الواقعة غرب الفرات

وإعلانها عراقاً محرراً.

- إقامة حكومة في الشمال وفي الجنوب والاعتراف بها حكومةً شرعية

للعراق.

- رفع العقوبات الاقتصادية عن مناطق الشمال والجنوب، ومنح هذه

الحكومة الشرعية الأرصدة العراقية المجمدة في الخارج.

- مساعدة المعارضة العراقية على تجنيد وتسليح ما بين 10-20 ألف فرد،

وإقامة منطقة آمنة لهذا الغرض في الدول المجاورة للعراق في البداية إن أمكن،

وفي داخل العراق بعد ذلك.

- تحت حماية القوة الجوية الأمريكية المباشرة يمكن تشجيع قوات المعارضة

هذه على شن حرب على غرار ما فعله المجاهدون الأفغان أو الكونترا في نيكاراجوا، وتشجيعها على القيام بعمليات تخريب للمواقع والمنشآت العامة [14] .

(ويبقى السؤال: ما دامت الأساطيل الأطلسية موجودة في مياه الخليج

تفرض الحصار على العراق؛ وما دامت (إسرائيل) تحتفظ بتفوقها العسكري

والتقني والسياسي فلماذا الترتيبات الجديدة في المنطقة؟ وما حاجة التحالف

البروتستانتي اليهودي لإعادة تقسيم المنطقة وتغيير الحدود؟

الجواب: أن أمريكا لا تأمن أي تغيُّرات فجائية يمكن أن تحدث في المنطقة،

وأن يستيقظ المارد النائم وأن يصحو من سباته، ونعني به الجهاد في نفوس شعوب

المنطقة والمرجح أنه سيظهر؛ بل كل العلامات والإرهاصات تؤيد ذلك؛ ولهذا لا

بد من تفتيت هذه الكيانات إلى مناطق أصغر وحيز أضيق (كونتونات) حتى عندما

تستيقظ الشعوب على صيحات الجهاد ونداء الإسلام تجد من الصعب عليها القيام من

جديد، ويسهل ضربها؛ بل تظل تحيا في نزاعات وصراعات فيما بينها، كما أن

القطاع الضعيف هذا لا يستطيع أن يقوى على امتلاك سلاح بيولوجي أو كيميائي

فضلاً عن تطويره، وبذلك يكون التحالف البروتستانتي اليهودي قد نجح في كسر

شوكة أي مقاومة محتملة، ومهَّد الأجواء لهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل.

لا شك أنه يمكن اعتبار تقسيم المنطقة وتفتيتها أحد الخيارات المطروحة؛ ولا

يقتصر الأمر على العراق وحده، ولكن السودان بات على وشك الاعتراف بفصل

الجنوب عنه؛ نتيجة للضغوط الدولية وبخاصة الأمريكية، وكذلك مصر؛ فالكيان

القبطي هناك أضحى له حزب - وإن لم يعلن - له مخططاته وبرامجه لإقامة دولة

قبطية نصرانية، وبقية دول المنطقة تعج بالأقليات والطوائف التي ستنتهز الفرصة

المناسبة لتعلن عن نفسها كيانات مستقلة.

إنه التقسيم ... الحلم اليهودي منذ فترة طويلة؛ ولطالما صُنعت خرائط

وجُهزت الرسوم وحُضِّرت الأذهان لتقبُّله؛ ولم يبق غير التنفيذ، والأيام المقبلة

تحمل في طياتها الكثير? والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015