تأملات دعوية
محمد بن عبد الله الدويش
إن لله عباداً اختصهم - تبارك وتعالى - بمنزلة وفضيلة ليست لغيرهم من
الناس، ومن هؤلاء من أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: «رُبَّ أشعثَ
مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره» [1] ، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره. ألا
أخبركم بأهل النار؟ كل جواظ زنيم متكبر» [2] .
وأعلى النبي صلى الله عليه وسلم منزلة الضعفاء وشأنهم، فقال لسعد بن أبي
وقاص - رضي الله عنه - حين رأى أن له فضلاً على من دونه: «هل
تُنصَرون وترزقون إلا بضعفائكم» [3] ، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث ...
آخر: «ابغوني ضعفاءكم؛ فإنما تُرزقون وتنصرون بضعفائكم» [4] ، وقال صلى الله عليه وسلم: «طوبى لعبد أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذَن له، وإن شَفَعَ لم يشفَّع» [5] .
وتفاضُلُ الناس إنما هو بمعيار واحد وميزان واحد هو التقوى، فأكرمهم عند
الله أتقاهم.
هذه الحقائق البدهية والمسلَّمات التي يعيها كل مسلم مهما كانت ثقافته وعلمه
قد تغيب عن بعضنا بفعل مؤثرات أخرى.
ومن ذلك: أن أرباب الأعمال، بل والدعاة إلى الله يعتنون بفئات معينة من
الناس؛ فصاحب الذكاء، والرجل القيادي، وصاحب الشخصية الجذابة ... يجدون
من التقدير والاعتبار لدى هؤلاء ما لا يجده غيرهم، ويبحثون عنهم ويعتنون بهم؛
لأنهم هم المؤهَّلون لتولي الأعمال والمسؤوليات، ويرى هؤلاء أن الرجل الصالح
مهما بلغ من التقى والزهد والعبادة ما لم يكن يحمل مواصفات القيادية فليس هو
المؤهل لتولي المسؤولية.
وهذا أمر لا نزاع فيه؛ فقد قال - تعالى - على لسان ابنة شعيب: [إن خير
من استأجرت القوي الأمين] [القصص: 26] .
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر - رضي الله عنه -: «يا أبا ذر! إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين على مال يتيم» ومع ذلك قال عنه صلى الله عليه وسلم: «ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من رجل أصدق لهجةً من أبي ذر» [6] .
وحين نفرق بين تأهيل شخص لتولي مسؤولية، أو الاعتناء بتربيته ورعايته
وإعداده، وبين المحبة والولاء واعتقاد الفضيلة، فإننا نقف موقف الاعتدال في
التعامل مع هذه القضية، ونضع النصوص الشرعية في موضعها.
كما لا يسوغ أن يدعونا شعورنا بكون فلان أوْلى بهذه المسؤولية إلى التقليل
من شأن الآخر، فضلاً عن أن ننظر بازدراء أو استخفاف لمن نعتقد أنَّا قد فُضِّلنا
عليه بالعقل والإدراك؛ فهذا مزلق خطير، وهو من باب غمط الناس وازدارئهم،
ولن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر.
بل والصحوة اليوم تحتاج لطائفة من الصالحين الصادقين الذين لا يأبه لهم
الناس، ولو لم يتولوا مسؤوليات وأعباء؛ فلعلها تُنصر وتُوفق بدعائهم وصدقهم مع
الله - تعالى -.
نسأل الله - تبارك وتعالى - أن يرزقنا البصيرة والفقه في الدين، وأن يجعلنا
من عباده المتقين، إنه سميع مجيب