المسلمون والعالم
حمَّى سنة 2000
ألِهذا يهيِّئون العالم؟ !
عبد العزيز كامل
بعد أن وصلت سلسلة مقالات (حمى سنة 2000) إلى هذه الحلقة. رأت أسرة
تحرير (البيان) أن يضيف الكاتب إليها ما لم يكن له متسع في الحلقات السابقة،
لتتحول السلسلة بعد ذلك إلى كتاب بالعنوان نفسه (حمى سنة 2000) ، يصدر قريباً
إن شاء الله.
(إنني مؤمن من كل قلبي أن الله يرعى أناساً مثلي ومثلكم لإعداد العالم لعودة
ملك الملوك وسيد الأسياد) .
بهذه العبارة اختصر الرئيس الأمريكي الأسبق (رونالد ريجان) الإطار العقدي
الذي يحكم تفكير كثير من قادة السياسة والفكر والدين في الغرب، وسواء كان
هؤلاء الزعماء من اليهود أو من النصارى؛ فإن القاسم المشترك بين اهتماماتهم هو
(التهيئة) ؛ نعم التهيئة والإعداد لقدوم المنتظَر الموعود!
ولو كانت هذه العبارة التي قالها ريجان [1] قد صدرت من واعظ في كنيسة
أو حاخام في كنيس لقلنا: إنها من العبارات التي تصوغها العواطف في لحظات
الانفعال الروحي، أو الافتعال الحماسي؛ ولكن العبارة صدرت من شخص كان هو
الرجل الأول في العالم منذ عقد واحد من الزمن. إن العالم يعيش منذ قرن كامل في
ظل سيطرة تلك القوى التي تؤمن كما يؤمن ريجان بأنها تُعِدُّ العالم لمقدم المسيح.
وإذا كان أمثال ريجان يُعِدُّون العالم كما يقولون لاستقبال المسيح الذي يؤمن
به النصارى، فإن القوى التي أوصلت ريجان وأشباهه إلى الحكم تعمل هي
الأخرى لإعداد العالم لمقدم مسيح آخر؛ فلليهود أيضاً مسيحهم المنتظر الذي
يجتهدون في هذا العصر لتجهيز الدنيا لاستقباله.
الألفية وعقيدة الإعداد:
وإيمان أهل الديانتين بأن هناك منتظراً وشيك القدوم وأنه لا بد من التهيئة لهذا
القدوم هذا الإيمان يرجع إلى عقيدة مشتركة بينهم تعرف بـ (العقيدة الألفية) وهي
ترجمة لكلمة (Millenarianist) ومعناها: محتوى الألف، وهي في الأصل عقيدة
يهودية يؤمن أصحابها بأنه على رأس كل ألف لا بد أن يشهد العالم أحداثاً كبرى،
وستظل تتتابع حتى تجيء الألف الأخيرة التي يأتي بصحبتها (الملك الألفي) الذي
يحكم العالم كله بعد فترة من الاضطرابات والحروب والفتن؛ فالمسيح سيعود حسب
معتقد اليهود قبل يوم السبت، أي: قبل اليوم السابع الذي يعني الألف السابعة من
عمر الدنيا، وجماعات اليهود تعتقد أننا نقترب منها وهذا يعني كما يقول (إيمانويل
هيمان) أننا دخلنا مرحلة الاضطرابات السابقة على عودة المسيح [2] .
وقد انتقلت تلك العقيدة إلى النصارى بحكم إيمانهم بالتوراة التي جاء الإنجيل
ليكملها فقط، ومما يدل على عمق إيمان النصارى بالعقيدة الألفية أنهم قد أصابتهم
الحمى الألفية على رأس الألف الأولى، وظهر أثر ذلك في الحملات الصليبية
الشرسة التي اندفعوا بها نحو الشرق للاستيلاء على القدس عاصمة المبعوث الألفي، ولما لم يظهر، ولم يَعُدْ استأنفوا الانتظار للألف التي تليها.
اليهود والملك المنتظر:
قد يظن ظان أن الكلام عن العقائد الألفية والدورات السبعة للدنيا يقتصر على
اهتمامات الشريحة الموغلة في التديُّن فقط من اليهود؛ وهذا الظن غير صحيح؛
بل الصحيح أن معظم ساسة اليهود يعتبرون دولة إسرائيل حجر الأساس في مملكة
الألف الأخيرة، هذا على المستوى الرسمي والدولي؛ ويدل على ذلك أبلغ دلالة أن
الشعار الرسمي لدولة اليهود منذ قامت هو (الشمعدان) ذو الفروع السبعة التي
يتوسطها الفرع السابع المنفرد الذي يرمز لـ (إسرائيل) في ألفيتها السابعة! أي:
إن دولة (إسرائيل) بمعنى آخر هي الدولة التي ستمتد لتتحول إلى المملكة التي
ستحكم العالم من القدس تحت قيادة ملك السلام المنحدر من نسل داود.
وقد استمد اليهود معتقدهم في مجيء ملكهم المنتظر من النص الآتي من
التوراة التي في أيديهم: (ابتهجي جداً يا ابنة صهيون، اهتفي يا أورشليم، هو ذا
ملكك يأتي إليك، وهو عادل ومنصور، وديع وراكب حمار، وعلى جحش ابن
أتان!) [3] .
ويطلقون على هذا الملك: (الماشيِّح) وهو اسم عبري مشتق من (مشح) أي
مُسح بالزيت المقدس، وهم يعتقدون بمقتضى التوراة أيضاً أن ذلك الملك سوف
يجمع بقية اليهود المشتتين في أنحاء العالم بعد أن يهتف له اليهود الذين عادوا
بالفعل إلى القدس.
وهذا الترقب الحالم يفعل فعله في نفوس اليهود كلما تفاعل حدث أو جدَّ جديد
يشعرهم بقرب المجيء. ويذكر مؤلف كتاب (الأصولية اليهودية) : أنه قابل أحد
الحاخامات اليهود وتحادثا عن شأن المسيح المنتظر فقال له الحاخام: (نحن بالتأكيد
على مشارف عهد مجيء المسيح المنتظر، والتوراة تؤكد ذلك؛ ففي الإصحاح
الثلاثين من سفر التثنية نجد هذا النص: (فإن ردَّدت في قلبك بين جميع الأمم
الذين طردك الرب إلهُك إليهم ورجعت إلى الرب إلهِك وسمعت لصوته حسب كل ما
أنا أوصيك به اليوم أنت وبنوك، يرد الرب إلهك سبيلك ويرحمك ويعود فيجمعك
من جميع الشعوب الذين شردك إليهم الرب إلهك) . وهذه العودة للدين هي التي
يتوقع الحاخامات أنها ستتضاعف كلما اقتربت (الأيام الأخيرة) وسوف تكون سبباً
في مزيد من الفوضى في العالم) .
يقول الحاخام (موشى كوفمان) : (إن دولة (إسرائيل) ليست هي التي ستعلن
نهاية العالم، وإنما عودة قطاع عريض من الشباب اليهودي إلى الدين هي التي
ستؤدي إلى ذلك) [4] !
إن تلك الأجيال التي بدأت تأخذ مكانها بل تفرض نفسها في المجتمع اليهودي
هي كتائب من حَمَلَة التوراة ودارسي التلمود الذين يتقربون اليوم إلى الله بتقريب
يوم مجيء المسيح، وكيف لا يفعلون ذلك والتلمود الذي يؤمنون به يقول: (يجب
على كل يهودي أن يسعى لأن تظل السلطة في الأرض المقدسة لليهود دون سواهم، وقبل أن يحكم اليهود نهائياً باقي الأمم يجب لاحظ أن تقوم الحرب على قدم وساق، ويهلك ثلثا العالم، وسيأتي المسيح الحقيقي ويحقق النصر القريب) ؟ ! ويستحث
التلمود أتباعه على العمل لإخراج المسيح: (اطلبوا المسيح بإخلاص وهو
سيستجيب ويجيء) [5] .
والتلمود الذي يُعَدُّ شريعة شفوية عند اليهود في مقابل الشريعة المكتوبة التي
تمثلها التوراة يعج بالخرافات والأساطير التي تدور حول محور واحد وهو:
(المسيح المنتظر) .
يقول الدكتور جوزيف باركلي بعد دراسته لكتاب التلمود: (إن قضية المسيح
هي أهم قضايا اليهود فيه) [6] ومع ذلك فإن تلك الخرافات والأساطير هي الدين
الذي يدين به اليهود ويتفانون في خدمته في وقت لا يبذل المنتسبون للدين الحق
عُشر معشار ما يبذله اليهود.
خذ مثالاً على تلك الخرافات الدينية المنتظرة، والتي يتوق لها اليهود: يقول
التلمود: (حين يأتي المسيح تطرح الأرض فطيراً وملابس من الصوف وقمحاً حبه
بقدر كلاوي الثيران الكبيرة) (أرض إسرائيل ستنبت الخبز والأقمشة من أجود أنواع
الصوف، وستنبت القمح في لبنان عالياً مثل أشجار النخيل وَسَيَهُبُّ هواء يجعله
دقيقاً فاخراً) [7] !
وقد يتصور البعض أن هذا المعتقد قد نُسي وطمرته القرون منذ أن وُضِعَ
التلمود منذ آلاف السنين؛ ولكن مصادر اليهود المعاصرة تدل على أن ذلك المعتقد
لا يزال حياً، ويأتي على رأس تلك المصادر: (بروتوكولات حكماء صهيون) . فقد
تحدثت أيضاً عن المنتظر الموعود؛ ولكن على طريقتها التخطيطية التدبيرية
المبرمجة، ومما جاء فيها: (إن حكومتنا ستحيل مظهر الثقة الأبوية في شخص
مَلِكنا وستعتده أمتنا ورعايانا فوق الأب الذي يُعنى بسد كل حاجاتهم ويرعى أعمالهم
ويرتب جميع معاملات رعاياه بعضهم مع بعض، وبهذا سينفذ الإحساس بتوقير
الملك بعمق بالغ في الأمة، حتى لن تستطيع أن تقدم غير عنايته وتوجيهه. إنهم لا
يستطيعون أن يعيشوا في سلام إلا به، وسيعرفون في النهاية أنه حاكمهم
الأوتوقراطي المطلق) [8] ، (ويوم يضع ملك إسرائيل على رأسه المقدس التاج
الذي أهدته له كل أوروبا سيصير البطيرك لكل العالم) [9] ، (إن ملك إسرائيل
سيصير البابا الحق للعالم: بطريرك الكنيس الدولي) [10] ، (إن ملكنا سيكون
مختاراً من عند الله، ومُعَيَّناً من أعلى كي يدمر كل الأفكار التي تغري بها الغريزة
لا العقل، إن هذه الأفكار قد دمرت كل النظم الاجتماعية مؤدية بذلك إلى حكم ملك
إسرائيل، ولكن عملها سيكون قد انتهى حين يبدأ ملكنا، وحينئذ يجب علينا أن
نكنسها بعيداً حتى لا يبقى أي قذر في طريق ملكنا، وحينئذ سنكون قادرين على أن
نصرخ في الأمم: صلوا لله واركعوا أمام ذلك الملك الذي يحمل آية التقدير الأزلي
للعالم، والذي يقود الله ذاته نجمه، فلن يكون أحد آخر إلا هو نفسه قادراً على أن
يجعل الإنسانية حرة من كل خطيئة) [11] ، (وفي البروتوكول الرابع والعشرين
وهو الأخير من البروتوكولات المترجمة، يقول المتحدث فيه: (والآن سأعالج
الأسلوب الذي تُفدى به دولة الملك داود حتى تستمر إلى اليوم الآخر) ثم تختم
البروتوكولات حديثها بهذه العبارة:
(إن قطب العالم في شخص الحاكم العالمي الخارج من بذرة إسرائيل ليطرح
كل الأهواء الشخصية من أجل مصلحة شعبه، إن ملكنا يجب أن يكون مثال
الجبروت) . توقيع ممثلي صهيون من الدرجة الثالثة والثلاثين [12] .
والتهيئة لمجيء المسيح ليست مما يتعارض مع (العلمانية) الإسرائيلية التي
تحتفظ بطابع خاص يميزها عن كل العلمانيات، وخاصة العلمانيات العربية؛
فالعلمانيون اليهود كانوا دائماً خدماً لدولة (إسرائيل) الدينية، ولكن احترام
التخصص والكفاءة هو الذي دفع بالشخصيات (العلمانية) إلى مِقْوَد القيادة في عقود
التأسيس الأولى فيما عُرف باتفاق: (الوضع الراهن) [13] ؛ فهي مرحلة ستعود
بعدها القيادة للدينيين بعد أن يستكملوا تأهيلهم ويبنوا كوادرهم.
يقول الفيلسوف الأرثوذكسي اليهودي (آفراهام رافينسكي) من الجامعة العبرية
في القدس: (قبل 1967م كان الصهيونيون العلمانيون هم الذين في السلطة،
وكانت تتكون منهم الطبقة السياسية الحاكمة، وكانوا على رأس الجيش، أما
الأرثوذكس فكانوا حراس الشريعة والتوراة، ولكن الاستيلاء على حائط المبكى
جعل الدينيين هم حَمَلَة العَلَم لصهيونية تضمن استمرارها المستوطنات
الدينية) [14] .
والمتدينون الفعليون [15] هم الذين يأخذون الآن وضع الجاهزية الوجدانية
الروحية لتصديق أي تطور يبشر بقرب المجيء المترقب؛ بل لتصديق أية فكرة
(جريئة) بشأن المسيح، ولو كانت فكرة الادعاء بظهوره بالفعل؛ فمنذ سنوات قليلة
جداً، وبالتحديد في عام 1994م، توفي حاخام يهودي كان قد التف حوله الآلاف
من اليهود بعد أن ادعى أنه هو المسيح المنتظر! !
وملخص قصة هذا الرجل: أن جماعة دينية يهودية تطلق على نفسها اسم
حبد [16] دخلت الانتخابات الإسرائيلية عام 1988م، تأييداً لحركة (أجودات
إسرائيل) الدينية، وقد ارتفع عدد نوابها في البرلمان مما مكنها من تأسيس حزب
جديد هو: (هيجيل هاتوراة) ، ومع انخراطها في السياسة، أخذت حركة (حبد) أو
اللوبافيتس اتجاهاً يبشر بعودة المسيح القريبة، وأعطى حاخام الحركة نفسه الحق
في الاشتراك في كل الحملات الانتخابية الإسرائيلية للتركيز على القضية الأساسية
وهي قرب مجيء المسيح وضرورة تجهيز الأرض اليهودية لاستقباله.
وحيث أعلنت تلك الحركة عن قرب مجيء المسيح فقد أصبح أتباعها ينظرون
إلى أنفسهم أنهم جنود جيش المسيح المنتظر في جميع أنحاء العالم، وأعلنوا أنهم
سيركزون جهودهم للإسراع بمجيء المسيح مخلِّص الإنسانية، وانطلق شباب منهم
لابسين السواد للانتشار بدعوتهم في نيويورك، ولندن، وباريس، وكذلك في مدريد
وجنيف، ويركزون خلال ذلك على غزو أحياء اليهود لدفعهم بقوة للعودة للدين
والتوبة التي ستسرِّع لحظة الرؤية السامية للجميع! ووسط أجواء محمومة بالتبشير
بالعودة إذا بشيطان إنسي منهم يظهر فيهم، ويطرح نفسه على أنه المسيح! إنه
الحاخام (مناحيم شنيرسون) ذلك الرجل المبهم الذي استطاع أن يسترعي أنظار
العميان، ويستجلب رضا المغضوب عليهم بثقافته التوراتية العميقة، وعبقريته
العلمية المتنوعة، ومنطقه المقنع، وحماسه المبهر، ومهارته في فك الألغاز
والأحاجي بين سطور الأساطير، إضافة إلى مركزه العلمي الأكاديمي المشيد فوق
هرم من شهادات الدكتوراه، مما صنع منه في نظر آلاف الأتباع (الرجل
الأسطورة) .
وبدأ رعاع اليهود ينسجون حول الرجل أقاصيص الكرامات وأساطير
المعجزات مما جعل مقره في مدينة بروكلين قبلة يؤمها المريدون اليهود من كل
أنحاء العالم! ومع بداية التسعينات كثر أتباعه المصدقون بأنه هو المسيح، ولم يشأ
الخبيث أن ينفي عن نفسه هذه الصفة؛ بل شجع من ينظرون إليه هذه النظرة، بل
حاول تأكيدها بنسبته إلى الجيل السابع (المقدس) من مؤسس حركة (حبد) والجيل
السابع مفضل دائماً عند اليهود، واستغل صفة أخرى وُجدت فيه ليزيد أتباعه فتنة،
وهي دعواه أنه من نسل داود!
ولكن الرجل الذي دعا نفسه ودعاه أتباعه بـ (المخلِّص) قد خلُص إليه الموت
قبل أن يخلِّص أحداً مما أذهل أتباعه المهووسين به، ودفع بعضهم إلى الاعتقاد أنه
هو المسيح القادر على أن يعود مرة أخرى ليظهر أمام العالم بملابسه البيضاء؛
ليكون ذلك أدعى للتصديق به! [17] .
إن العبرة المستمدة من هذه الأهزولة اليهودية الحادثة منذ سنوات قليلة هي أن
أتباع المسيح اليهودي المنتظر موجودون الآن قبل أن يخرج إليهم وهم على أتم
الاستعداد لتجييش الآلاف بل الملايين حوله إذا ما صرخ فيهم الشيطان بأنه قد خرج!
إن الجماعات الدينية التي تمتلئ بها الساحة الإسرائيلية اليوم [18] ، والتي
تحرص كل الحكومات على استرضائها وشراء أصواتها ليست فيما بينها على وفاق
أو اتفاق في مجمل قضايا الاهتمام الديني، ومن ضمنها مسألة انتظار
المسيح؛ فالأمر بينهم كما قال الله سبحانه: [تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى]
[الحشر: 14] ؛ فهم يختلفون في ترتيب العلامات التي ستسبق مجيء المسيح، ويختلفون في موعد عودته وفي مدة لبثه، ولكن الشيء المتفق عليه من الجميع هو تجاوز تلك الخلافات والقفز فوقها إلى صيغة موحدة تضمن الحد الأدنى من الوحدة في العمل لتهيئة الشعب اليهودي لمجيء المسيح [19] ، وليكن بعد ذلك ما يكون.
يقول إيمانويل هيمان: (كل التيارات الأرثوذكسية المختلفة، تتبع طريقا
سيؤدي بها في المستقبل إلى أرضية مشتركة، ألا وهي: اقتناعها جميعاًِ بقرب
مجيء المسيح المنتظر، فإذا كان المُخَلِّص على وشك الظهور؛ فإن كل التناقضات
الظاهرية تكون مُبَرَّرَةً؛ لأنها تهيئ العالم والأرض المقدسة لاستقبال مبعوث
الله) [20] .
القوى السرية ومساعي التهيئة:
إذا كانت تهيئة العالم لمجيء المسيح قضية محورية لدى الجماعات الدينية
العاملة في العلن داخل الأرض المقدسة فإن القوى اليهودية السرية التي تعتبر العالم
كله ساحة لنشاطاتها كانت تعمل بدأب ولا تزال للغاية نفسها؛ ولكن على طريقتها
هي: طريقة المؤامرات، والثورات، والمخططات الطويلة والقصيرة والمتوسطة
المدى، وقد مر ذكر بعض نصوص البروتوكولات الصريحة في ذلك؛ فطوال
القرن المنصرم وربما قبله لم تكف تلك القوى عن اختراقاتها للمعسكرات الدولية
والتغلغل فيها شرقاً وغرباً بغرض فرض السيطرة اليهودية على الاقتصاد العالمي
والإعلام العالمي والسياسة العالمية والمؤسسات الدولية، ويكابر الحقيقة ويعاندها من
ينكر النجاح الكبير الذي أحرزه اليهود في ذلك.
يقول (وليام كار) في مؤلفه الشهير: (أحجار على رقعة الشطرنج) : (إن
اليهود اختاروا فلسطين لتكون المركز الجغرافي المناسب لخطتهم العامة في السيطرة
على العالم وتنصيب أميرهم أمير السلام ملكاً على العالم) ويقول: (إن هذه القوى
تستعمل الأموال الكثيرة التي في حوزتها لشراء المراكز الحساسة بهدف خلق
النزاعات بين الأمم من أجل الوصول إلى خطتهم بعيدة المدى والتي تهدف إلى
الإعداد لمجيء مسيح اليهود) [21] هذا في العقود الماضية من القرن المنصرم،
أما في القرن الحادي والعشرين، فإن الهدف هو (إنجاز) المزيد من النبوءات
وتحقيق المزيد من الأساطير، ما دامت الساحة خالية. يقول إيمانويل هيمان: (إن
الهدف الكبير ليهودية القرن الواحد والعشرين سيكون محاولة اختراع المستقبل مع
استمرار الإخلاص للماضي) [22] .
هذا عن الهدف الكبير لليهود، فماذا عن الهدف الكبير للنصارى، وما
المستقبل الذي يُعِدُّون له؟ !
النصارى والمسيح المنتظر!
إذا كان عهد اليهود بانتظار مسيحهم قد طال بطول زمن التوراة، فإن انتظار
النصارى لمسيحهم ظل مستمراً منذ زمن الإنجيل.
يقول وول ديورانت في كتابه المشهور: (قصة الحضارة) : (كان ثمة عقيدة
مشتركة وحدت الجماعات المسيحية المنتشرة في أنحاء العالم، وهي: أن المسيح
ابن الله، وأنه سيعود لإقامة مملكته على الأرض وأن كل من يؤمن به سينال النعيم
المقيم في الدار الآخرة) [23] .
والجماعات النصرانية التي وحدت بينها تلك العقيدة كما قال ديورانت لم تكتف
بالاعتقاد، بل لم تقف عند حد الانتظار، وإنما تفاعلت مع ذلك المعتقد مُحاوِلةً
تحقيق علاماته واستدعاء مقدماته؛ فالطوائف الرئيسة من أصحاب تلك الديانة وهم
الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت جميعهم يؤمنون بعودة المسيح ثانية، ويتوقع
الكثيرون منهم منذ قرن كامل مجيئه على رأس الألفية التي نحن مقدمون عليها، بعد
أن خابت آمالهم في مجيئه على رأس الألفية الأولى.
ولقد تواطأت التوراة والإنجيل معاً ليكوِّنا عند النصارى خاصة البروتستانت
عقيدة لا تتزحزح عن عودة المسيح ابن مريم إلى الأرض في آخر الزمان، وعلى
رأس ألفية، وزاد النصارى على ذلك في معتقدهم أن اليهود الذين سيكونون قد
تجمعوا في القدس قبل عودة عيسى عليه السلام سيتنصَّرون فور عودته. تقول
الكاتبة الأمريكية (لي أوبرين) : (إن المذاهب اللاهوتية لكثرة من البروتستانت
تصف إنشاء دولة إسرائيل بأنه تحقيق لنبوءة توراتية، وهي تذهب أيضاً إلى أن
تجمع اليهود هو مجرد تمهيد لتنصيرهم قبل المجيء الثاني للمسيح) [24] .
وعندما انعقد المجمع العالمي للكنائس النصرانية في (أفناتون) عام 1954م،
قدمت له اللجنة المختصة ببحث علاقة اليهود بالكنيسة تقريراً جاء فيه: (إن
الرجاء المسيحي بالمجيء الثاني للمسيح لا يمكن بحثه عبر فصله عن رجاء شعب
إسرائيل الذي لا نراه بوضوح فقط في كتاب العهد القديم؛ بل فيما نراه من عون
إلهي دائم لهذا الشعب، ولا نرتاح قبل أن يقبل شعب الله المختار المسيح بصفة ملك)
وأصدر الأساقفة المجتمعون في ذلك المؤتمر البيان الآتي: (إننا نؤمن أن الله اختار إسرائيل الشعب المختار لكي يتابع الخلاص للبشرية، ومهما كان موقفنا فلا نتمكن من نكران أننا أغصان قد تطعمت على الشجرة القديمة (إسرائيل) ؛ ولذلك فإن شعب العهد الجديد لا يمكن أن ينفصل عن شعب العهد القديم.. إن انتظارنا لمجيء المسيح الثاني يعني أملنا القريب في اعتناق الشعب اليهودي للمسيحية، وفي محبتنا الكاملة لهذا الشعب المختار) [25] .
ماذا تخفي هذه المحبة؟ !
يعجب الإنسان عندما يكتشف أن تلك المشاعر الدينية الحميمة من النصارى
تجاه اليهود، هي مشاعر في حقيقتها مزيفة أو مصلحية على أقل تقدير فيبدو أن
نصارى الغرب قد درجوا على تقديم المصلحة في كل شيء حتى في الدين؛ فاليهود
عندهم هم القنطرة التي سيعبرون فوقها نحو أمجاد الأيام الأخيرة، فلن يأتي المسيح
ولن يقيم مملكة الرب (النصرانية) إلا بعد أن يُعاد اليهود إلى فلسطين ويسكنوا
القدس ويبنوا الهيكل. ثم ماذا.. ثم يخرج مسيحهم المنتظر (أي مسيح اليهود)
ليعيث في الأرض فساداً ويملأها كفراً وإجراماً، ثم يأتي عيسى عليه السلام ليذبحه
ويقتل ثلثي اليهود ويبقى ثلث يتوجب تنصيرهم! !
فهل يؤمن النصارى بمسيح آخر سيأتي في وقت مجيء المسيح ابن مريم؟
نعم! إنهم يؤمنون بذلك.. ويسمون ذلك المسيح (صلى الله عليه وسلمnti - chrest) أي ضد
المسيح، أو (المسيح الدجال) ! !
النصارى والمسيح الدجال:
يعتقد النصارى خاصة البروتستانت أن هناك عدواً كافراً طاغياً قاسياً سيخرج
قبيل عودة عيسى عليه السلام، وأنه سوف يكون من اليهود؛ فأمه أمرأة يهودية
وستلتهم جيوشه العالم بعد أن يخرج من شمال إسرائيل، أو بالتحديد من سوريا من
قبيلة (دان) . ويؤمنون أيضاً أنه سيبدأ بدعوى الصلاح وينتحل شخصية المسيح
المخلِّص، ثم لا يلبث أن يتحول إلى دعوى الربوبية التي سيتبعه عليها أكثر الناس
نظراً للخوارق التي ستُجرى على يديه، والتي سيقلد بها أفعال الإله في الإحياء
والإماتة وإنزال المطر وإنبات الزرع.. إلخ، ويؤمنون أيضاً، بأنه سيعتلي منبر
الهيكل بعد إعادة بنائه، وسيهدم مقر البابوية في روما، وسيضطهد (المؤمنين)
ويضيق عليهم حتى يبلغ البؤس مداه، وعند ذلك يتدخل الإله، وينزل المسيح ابن
مريم لينقذ بقايا المؤمنين بعد أن يقتل المسيح الدجال، ويقاتل أتباعه من اليهود وقوم
(يأجوج ومأجوج) ، ويتفرغ بعد ذلك لإقامة مملكة الرب التي سيسودها السلام.
فاليهود على هذا شر لا بد منه، والدجال قدر لا بد من مواجهته، وهذا
الدجال الذي تؤمن النصارى بحتمية خروجه، قد وردت بشأنه الأخبار في
مصادرهم؛ ففي الإنجيل - في رسالة بولس إلى أهل تسالونيكي - هذا النص: ... (لا يخدعنكم أحد على طريقة ما؛ لأنه لا بد أن يسبق الارتداد أولاً، ويظهر إنسان
الخطيئة ابن الهلاك؛ حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله مظهراً نفسه أنه إله) [26]
والنص هنا يذكر الارتداد، فلا بد إذن أن تكون ردة، ولكن ردة مَنْ؟ وعن ماذا؟ !
إن النصارى أنفسهم يتقاذفون اليوم التهم بهذه الردة التي يقول الإنجيل إنها لا
بد أن تسبق أولاً، ولهذا فهم يتبادلون التكفير بين طوائفهم بحيث إن كل طائفة تتهم
الأخرى بأنها ستكون من أنصار الـ (إنتي كريست) أو الدجال عدو المسيح؛
فالنصارى الشرقيون العرب مثلاً وأكثرهم من الأرثوذكس يعتقدون أن طوائف
الكاثوليك الغربيين هم نصارى بالاسم فقط، وأنهم سيكونون مع الدجال ومع أعداء
المسيح. يقول القس (هنري ايرنسايد) في تفسيره لسفر دانيال: (مما لا شك فيه
أن المسيحية المرتدة سيعاد توحيدها، ولكن هذا الاتحاد سيكون خالياً من تعاليم
المسيح، ستتحد جميع الأنظمة المرتدة [27] ، ستستعيد الكنيسة البابوية نفوذها
وسلطانها، وستشكل جميع كنائسها هيئة عظيمة واحدة تضم جميع أجزاء
النصرانية.. هذه الكنائس ستكون مستمدة قوتها من البابوية، وستكون خادمة للوحش أي المسيح الدجال) .
والغريب أن البروتستانت ينظرون أيضاً إلى كاثوليك أوروبا هذه النظرة، فهم
يؤمنون أن (الوحش) الذي ورد ذكره في سفر الرؤيا يعني أنه سيكون هناك اتحاد
قوي من عشر دول أوروبية سوف تنهض في الأيام الأخيرة، وأن قيام المجموعة
الأوروبية المكونة من عشر دول هي تحقيق لهذه النبوءة، وهذا في نظرهم دليل
على أننا نعيش فعلاً الأيام الأخيرة؛ لأن هذه القوى الأوروبية العشرة قائمة الآن
وستكون معادية للمسيح؛ لأنها ستكون مرتدة عن المسيحية التي بشر بها! ! [28] .
ومع اتهام طوائف النصارى بعضهم بعضاً بأنهم أتباع الدجال عندما يخرج
فإنهم يُجمعون على أن اليهود هم طليعة أنصاره، ورأس حربته، وهم الذين
سيقودون معسكر أعداء المسيح.
يقول مفسر سفر دانيال: (سينصِّب المسيح الدجال نفسه الإله الوحيد الجدير
بالعبادة، وله سيبدي المسيحيون المرتدون ولاءًا مطلقاً، وسينتحل لنفسه أمام اليهود
صفة مسيحهم الموعود به منذ عهد بعيد على ألسنة الأنبياء، ويقبل اليهود ادعاءاته
ويقولون: هذا هو حقاً المسيح الذي طالما انتظرناه، وهذا هو الذي يتكلم كتابنا
المقدس عنه) [29] .
إن المرء ليعجب أن يكون هذا حديث نصارى عن نصارى، أو حديث
نصارى عن يهود، ولكن العجب يزول عندما نتذكر قول الله - تعالى-: [ومن
الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة
والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون] [المائدة: 14] ،
وقال - تعالى -: [وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى
ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب] [ {البقرة: 113} ] .
إن من حقنا أن نعجب، ومن حقنا أن نتساءل: إذا كانت كل طائفة تدعي أن
المخلِّص منها وأنهم أتباعه وأنصاره، وتدعي في مبغضيها أنهم أتباع الدجال
وأنصاره، فمن إذن هم الأتباع الحقيقيون للدجال الذي يتبرأ منه الجميع الآن، فإذا
جاء كانوا أول المسارعين لنصرته والإيمان به؟ !
لمن سيخرج الدجال؟
نحن لا نشك أن اليهود بمجموعهم سيكونون طليعة أنصار الدجال؛ فهو منهم
وإليهم، وخاصة يهود الشرق الذين سيخرج فيهم [30] .
أما النصارى، فعلى رغم أنهم يزعمون أنهم سيكونون في جيوش المسيح
الحق ضد المسيح الدجال؛ فالله يعلم أنهم بجميع طوائفهم هم الذين هيؤوا أنفسهم
بأنفسهم لكي يكونوا أول المصدقين بِدَعِيٍّ من البشر يدَّعي الألوهية. أليسوا هم
الذين اعتنقوا عقيدة (المسيح الإله القادر على كل شيء) ؟ ! والمسيح الدجال سيقول: أنا المسيح الإله القادر على كل شيء!
فما الذي سيكون مستغرباً في دعوة الدجال على مسامع النصارى الذين لا
يستهجنون ولا يستبعدون أن يتجسد الإله في صورة إنسان! وخاصة أنه يمنعهم
ومعهم اليهود من مشاركته في فرض السيطرة النهائية على العالم باعتبارهم أتباعه.
إن النصارى اليوم على اختلاف طوائفهم يشكلون ما يقرب من ثلث سكان
العالم، ويعلم الله كم سيبلغون إذا خرج فيهم من يهيئون الدنيا لمقدمه ظناً منهم أنهم
يهيئونها للمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، إن هؤلاء مع مسيحيتهم كفار بنبوءة
عيسى وعبوديته، ولهذا سيسارعون بتصديق من يقول إنه هو المسيح الإله!
ولهذا فإن الله تعالى سوف يزيل هذه الغمة بإنزال عيسى نفسه، لإقامة الحجة
على الناس وعندها سيسقط في أيدي من ضلوا وأضلوا كثيراً من البشر عبر القرون
مدعين أنه إله أو ابن إله، وسيدفعون دفعاً إلى الإيمان بأن عيسى نبي الله وكلمته
ألقاها إلى مريم وروح منه، ليس بإله ولا ابن إله، إنما هو كما قال الله عنه: ... [إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل] [الزخرف: 59] ، وعند
نزوله سيرون ذلك رأي العين، ويسمعون منه كلامه الفصل كما قال سبحانه: ... [وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا]
[النساء: 159] .
أما بقية القطعان البشرية الوثنية من ملايين البوذيين والهندوس والملحدين
واللادينيين ونحوهم، فإنه لا حجاب بينهم وبين الإيمان بالدجال إذا خرج وقال لهم: إني أنا الإله؛ فهؤلاء وهؤلاء لن تزيدهم عقائدهم الوثنية التي تؤله الأحجار
والأشجار والأنهار والأبقار إلا فتنة بالبشر المخلوق للفتنة إذا جاء وقال لهم: إني
أنا الإله، وشرع يجذب أبصارهم بالخوارق، وأسماعهم بالشبهات، وبطونهم
وفروجهم بالشهوات!
نحن نؤمن أيضاً أن المسيح ابن مريم سيعود، ونؤمن معهم أن الدجال
سيخرج [31] ، ولكن شتان بين إيمان وإيمان [32] وبين عودة وعودة؛ فإيماننا:
أن عودة عيسى عليه السلام هي القدر الإلهي الحكيم الذي سيضع النهاية للاختلاف
الذي عم الأمم حوله، ولا يمكن أن ينتهي ذلك الاختلاف في شأنه إلا بعودته. يقول
ابن كثير رحمه الله: (إن عيسى عليه السلام سينزل إلى الأرض، ويؤمن به أهل
الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافاً بيناً، فمن مدعٍ إلهيته كالنصارى، ومن قال فيه
قولاً عظيماً أنه ولد ريبة وهم اليهود، فإذا أنزل قبل يوم القيامة تحقق كل من
الفريقين كذب نفسه فيما يدعيه من الافتراء) [33] .
أما الدجال، فلا نشك في خروجه، وإن كنا لا نعلم موعده، ولكن مقصودنا
هنا التنبيه على أن اليهود والنصارى يستعدون لخروجه، ومع ذلك فهو مسيح
الضلالة الذي تُعَاقَبُ به أمَّتا الضلالة الذين تكبروا عن الإيمان بمحمد سيد الرسل
عليه صلوات الله وسلامه وفضلوا أن يبقوا على ديانات منسوخة لم تلبث أن تحولت
إلى ديانات ممسوخة بالافتراء على الله والكذب على أنبياء الله، يقول ابن تيمية
رحمه الله: (اليهود يتأولون البشارة بالمسيح على أنه ليس هو عيسى بن مريم،
بل هو آخر ينتظرونه، وهم في الحقيقة إنما ينتظرون المسيح الدجال؛ فإنه الذي
يتبعه اليهود ويخرج معه سبعون ألف مطيلس [34] من يهود أصبهان) [35] .
ويقول ابن القيم رحمه الله: (فالمسلمون يؤمنون بالمسيح الصادق الذي جاء
من عند الله بالهدى ودين الحق الذي هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم
العذراء البتول، والنصارى إنما يؤمنون بمسيح دعا إلى عبادة نفسه وأمه، وأنه
ثالث ثلاثة، وأنه الله أو ابن الله، وهذا هو أخو المسيح الكذاب لو كان له
وجود [36] فإن المسيح الكذاب (الذي ينتظره النصارى) يزعم أنه الله، والنصارى في الحقيقة أتباع هذا المسيح، كما أن اليهود إنما ينتظرون خروج مسيح، وهم يزعمون أنهم ينتظرون النبي الذي بشروا به، فعوضهم الشيطان من الإيمان به بعد مجيئه انتظاراً للمسيح الدجال.. وهكذا كل من أعرض عن الحق يعوض عنه بالباطل) [37] .
الانتظار الانتظار إذن.. هو الموقف الراهن، ومع ازدياد الهوس الألفي
باقتراب المسيح المخلِّص، تتكثف الدعوات من خلال نشرات دورية تنقل عبر
شبكات الإنترنت، فتبث الأحاديث المثيرة عن أحداث آخر الزمان.
ومن أغرب المواقع المصابة بـ (الفيروس الألفي) موقع بعنوان: (كاميرا
المسيح) وهو موقع مسلط من خلال كاميرا فيديو تبث صورة حية على مدار الساعة
على البوابة الشرقية في القدس القديمة (الباب الذهبي) حيث يؤمن الإنجيليون بأنها
ستكون موقع ظهور المسيح عند عودته الثانية إلى الأرض، وقد وضعت تلك
الكاميرا إحدى الجمعيات الدينية البريطانية وأخفوها في مكان سري قريب من
البوابة، والغريب أن الجمعية وضعت الكاميرا بإذن خاص من بلدية القدس،
وباتفاق مع اللجنة المسؤولة عن احتفالات بيت لحم 2000! إن وضع الكاميرا الآن، يدل حسب قول المشرفة على مشروع الكاميرا (كريستين دارج) أن المسيح قد
اقتربت عودته، سواء هذا العام، أو الذي بعده) ! ! (الشرق الأوسط -6-1999م) .
إن اليهود والنصارى يتعجلون اليوم أَمْر الساعة أكثر من أي يوم مضى، ولا
ندري ما هي الخطط المخبأة وراء تلك العجلة، ولا ندري أيضاً الأقدار وراء تلك
الخطط. إن أهل الإيمان الحق ليسوا على عجلة من أمرهم في شيء؛ وهم يعلمون
أن الله لا يعجل بعجلة الناس، ويعلمون أن أمر الساعة شيء عظيم، ولهذا فهم لا
يتعجلونها ولا يتعجلون أماراتها؛ لأنهم يخشون الابتلاء والفتنة ولا يعرف أحدهم
هل ينجو في أيام (الفتن والملاحم) فيكون من المهتدين، أم يسقط في الفتنة إذا
اشرأبت له فيكون من الهالكين؟ وما نحن وأهل الكتاب والساعة إلا كما قال الله عز
وجل: [يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها
الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد] [الشورى: 18] .
فاللهم اهدنا إلى سواء الصراط ونجنا من سبل الهلاك.
[اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم
ولا الضالين] [الفاتحة: 6 - 7] .