مجله البيان (صفحة 3168)

المسلمون والعالم

المجاعة الفكرية في إفريقيا

الحسن عمر الفاروق جارا

قد لا نحتاج إلاَّ إلى جهد قليل ليتبين لنا أن الدول المتنافسة على إفريقيا قد

وضعت القضاء على الوجود الثقافي على رأس القائمة التي تضم أهدافها

الاستراتيجية - عندما شرعت في احتلال المناطق الإسلامية - لأن ذلك الوجود

الثقافي هو الدرع الواقي للشعوب المسلمة.

وكانت الدول المتنافسة تعي وتدرك الدور الخطير والحيوي الذي يمكن أن

تلعبه قنوات التواصل الممتدة بين منطقة غربي القارة، ودول شمال إفريقيا التي

يُنظر إليها على أنها المعبر الذي بواسطته وصلت حركة المد الإسلامي منطقة

جنوب القارة.

وبناء على هذا التحليل كانت أولى الخطوات هي سد المنفذ الجنوبي الذي

يمثل بوابة ثقافية مهمة بالنسبة لغرب إفريقيا، وذلك إذا نظرنا إلى الموضوع في

ضوء العلاقات الثقافية النشطة التي كانت قائمة بين المنطقتين كما سبق ذكره وإلى

هذه الحقيقة أشار الدكتور عبد الله عبد الرزاق عندما قال: (كانت الموجة

الاستعمارية تتركز في المقام الأول على المسلمين في شمال القارة، باعتبارهم

الحصن الحصين، والدرع المتين الذي يدافع عن الإسلام وعن المسلمين ... ) [1] .

فالعنصر الثقافي في كل الأحوال يبقى عاملاً حاسماً؛ حيث لعب دوراً مزدوجاً

تَمَثَّلَ في كونه رأس الحربة التي وظَّفها الاستعمار بشكل كبير بغية إيجاد موطئ قدم

له في ربوع هذه البلاد، والتوغل في النسيج الاجتماعي لمسلمي غرب إفريقيا،

محطِّماً أسسهم الحضارية.

إن الأداة التي استخدمها الاستعمار لاختراق المنطقة كانت تتمثل في المحاور

الثلاثة:

- الكنيسة. - المدرسة. - الجيش.

وكانت المدرسة أكثر الثلاثة خطورة، باعتبارها الوسيلة التي أبقت على

الوجود الاستعماري حتى وقت رحيله؛ بينما كان دور الجيش ينحصر في التركيع

الآنيِّ [2] ، ثم كان العنصر الثقافي هو الأداة التي استُخدمت مرة أخرى عند

الرحيل للمحافظة على الولاء، ولرعاية المصالح عندما أصبح من المتعذر الإبقاء

على الوجود المادي المباشر؛ وفي الجانب المقابل وعى المسلمون في وقت مبكر

جداً خطورة الهجمة الثقافية التي كانت تستهدف في المقام الأول كيانهم الحضاري.

ووُلد ذلك الوعيُ الإيجابي الذي تزايد نضجاً مع مرور الزمن وشراسةِ الهجمة؛

ليكون رد فعلٍ عملي على تلك الهجمة.

وقبل تناوُل الأثر الثقافي لتنافُس الدول الكبرى في الحقبتين الأولى والثانية،

ينبغي أن نوضح أن هذا الأثر قد تتفاوت درجات عمقه من مجتمع لآخر؛ تبعاً

لظروف خاصة، ولعوامل معينة، مثل: درجة الوعي الشعبي، أو وجود زعامات

قومية ذات ولاء للوطن، ثم طبيعة القوة الأجنبية المسيطرة ... كما قد يكون هذا

التأثير في بعض جوانبه في حالة من التمدد مما يجعل عملية تتبعه مهمة لا تتسم

بالسهولة، وذلك تبعاً للنظرية القائلة بأن منطقة غرب إفريقيا مرشحة لمزيد من

التنافس، مما يعني صوراً أخرى من التأثير الخارجي، وتنبني هذه النظرية - التي

ترشح المنطقة لأن تشهد مزيداً من التنافس مما يستتبع مزيداً من التوتر، وصوراً

أخرى من الآثار السلبية - على مؤشرات كثيرة منها:

- أن المنطقة تختزن أرصدة جيدة من ثروات باطن الأرض.

- الوضع الاستراتيجي الذي يزداد أهمية في ضوء المستجدات العالمية.

حركة الوعي الديني التي تستقطب قطاعاً عريضاً من الشباب المثقف عبر

المؤسسات الأكاديمية ذات الجذور الغربية بشكل خاص.

ونستطيع حصر برنامج التخريب الثقافي الذي تبنته الدول المستعمرة

والمهيمنة، في المحاور الرئيسة الآتية:

نسف أسس المؤسسات (المجالس العلمية والثقافية) التي كانت قائمة وتؤدي

دوراً فكرياً واجتماعياً متميزاً، وذلك باعتبارها مصدر الإشعاع الثقافي الوحيد الذي

كان في أيدي المجتمعات المسلمة بالمنطقة عن طريق تخريج الأئمة والقضاة

والمثقفين، وكان مشروع التخريب الذي تم إعداده يتكون من شقين:

الشق الأول: الحيلولة دون نمو وتطور هذه المؤسسات على المستويين:

الكمي، والكيفي، بمعنى الحد من انتشارها، وممارسة ضغط نفسي ومادي على

القائمين عليها من أجل جعل المستوى العلمي يتجه نحو الانحدار تمهيداً للقضاء

عليها عن طريق سد المنافذ العلمية والمصادر الثقافية كما سيتضح لاحقاً.

الشق الثاني: السعي الجادّ إلى جعل المدرسة الاستعمارية التي كانت ذات

مضمون تنصيري صِرف تحل محل المؤسسات الإسلامية الثقافية (المجالس) لأنهم

كانوا يشعرون تجاه هذه الأخيرة بقلق كبير من جراء نفوذها الاجتماعي، ودورها

في خلق الوعي الجماهيري، وصَقل الرؤية الوطنية التي تنادي بالمقاومة ورفض

الهيمنة الخارجية، وفي هذا الإطار جاءت فكرة تأسيس المدارس الثلاثة المعروفة:

تمبكتو (بمالي) ، وبُتَلْميت (بموريتانيا) ، وسان لويس (في السنغال) .

ولقد كان لهذه المدارس أثر سيئ على مستقبل الثقافة الإسلامية في المنطقة؛

يستنتج ذلك من الاستراتيجية التي تم رسمها، والأهداف التي سعت إلى تحقيقها:

عندما بدأت المدرسة الفرنسية تأخذ طابعها النهائي في إفريقيا الغربية كان في تلك

البلاد عدد كبير من المدارس العربية التي تأسست في الماضي، وبعضها كان له

شهرة كبيرة وقديمة مثل مدرستي: تمبكتو - وجنى، اللتين بلغتا مرتبة الجامعات

في أيام الأسكيين على الخصوص؛ ولم يكن من صالح الاستعمار الفرنسي إغلاق

تلك المدارس التي أُنشئ لها فروع في عديد من الجهات، كما لم يكن من صالحه

أبداً تركها تؤدي دورها كما كانت تعمل في الماضي [3] .

وأما المخطط الذي وضع لتسير عليه هذه المدارس لتصل إلى النتيجة التي

تخدم مصالح المستعمر فقد ارتكز على المحاور الثلاثة الآتية:

المحور الأول: تغيير برنامج هذه المدارس تغييراً نهائياً: فلا تصبح جامعات

إسلامية، وإنما مدارس فرنسية عربية، يغلب فيها اللسان الفرنسي والعلوم الفرنسية

أكثر فأكثر، وذلك على حساب اللغة العربية، والعلوم العربية (الثقافة الإسلامية) .

المحور الثاني: فرض حصار ثقافي شامل على المنطقة: وسارت هذه الخطة

في خط موازٍ لخطة تخريب المؤسسات الثقافية الإسلامية؛ لأنها هي المكملة لها؛

وتمثل الحصار في سدِّ تلك القنوات التي كانت بمنزلة روافد ثقافية تمد الحركة

الثقافية في المنطقة بما تحتاج إليه من مصادر؛ وكان من بين الوسائل العلمية التي

استخدمت: فتح مكاتب للمراقبة بحيث يجب أن تمر من خلالها كل المطبوعات

التي يتم إدخالها إلى المنطقة، وكان الذين يشرفون على جهاز المراقبة غالباً ما

يكونون من اليهود؛ وفي خطوة مرادفة تم السماح بدخول نوعٍ معين من الكتب

لاستغلال ما تحمله من أفكار وآراء تتعارض مع الخط الإسلامي الأصيل الذي

يرفض الخضوع للهيمنة الخارجية التي تحمل في نظر مسلمي المنطقة - وفي

الحقيقة كذلك - طابع الكفر وتريد فرضه عليهم بالقوة [4] .

ويلخص أحد أقطاب الاستعمار الفرنسي موقفهم بشكل لا لبس فيه عندما

يصرح بقوله: (نحن لا نعترف في غرب إفريقيا إلا بثقافة واحدة، وهي

ثقافتنا) [5] .

المحور الثالث: يتمثل في ضرب اللغة العربية باعتبارها وسيلة فعالة في

المعركة الثقافية الدائرة بين الجانبين: (فلقد بدأ الصراع بين الثقافتين: العربية

(الإسلامية) ، والأوروبية (الاستعمارية) في القارة الإفريقية غير العربية (غرب

إفريقيا خصوصاً) ، وكان محل التنازع (اللغة) التي هي وسيلة نقل الثقافة؛ فلقد أثر

الاستعمار تأثيراً كبيراً على ثقافات الشعوب التي يحتل أراضيها قبل أن تنال هذه

الشعوب استقلالها، ولجأ إلى نوعية من الأساليب الثقافية لفرض نفوذه على

المناطق التي يتحكم في مصيرها، ثم اتبعت فرنسا سياسات الدمج والاستيعاب على

المستويين اللغوي والثقافي) [6] .

ولقد لخص الحاكم الفرنسي لمنطقة غرب إفريقيا سياسته تجاه اللغة العربية

عندما قال بالحرف الواحد: (نحن نريد أن نبعد التشجيع على استخدام اللغة

العربية) [7] ويجدر هنا تسجيل الملاحظات الآتية عن وضعية اللغة العربية:

1 - إن اللغة العربية كانت اللغة الحية المكتوبة الوحيدة التي كانت تعرفها

المنطقة يوم حل بها الاستعمار، وبذلك كانت إلى جانب كونها الأداة الثقافية الوحيدة

لغة الإدارة والوسيلة الوحيدة في مجال التبادل الاقتصادي حتى لغير المسلمين.

2 - بحكم المركز المتميز الذي كانت تحتله اللغة العربية اضطر الاستعمار

إلى استعمالها من خلال استراتيجية ذكية استهدفت الاستفادة منها لتثبيت أركان

وجوده مع وضع خطة للقضاء عليها تدريجياً.

3 - تحمل اللغة العربية بالنسبة لسكان المنطقة بما فيهم غير المسلمين سجلاً

تاريخياً ضافياً، يتصف بالحيوية ويشمل الفترتين: ما قبل الاستعمار وما بعده،

ويمثل مصدراً تاريخياً فريداً [8] .

لهذا كله كان من الأمور الجوهرية أن يتم توجيه ضربة قاضية للغة العربية،

وزحزحتها عن مكانتها العالية في النفوس، وفي الواقع العملي؛ لكن ذلك لا يكون

ارتجالاً، إنما يتم وفق خطوات محسوبة بدقة كما يقول جورج هاردي J.

Hardie: (وبكلمة واحدة: فإن اللغة العربية لم يصبح لها من ذلك التاريخ في

برنامج المدارس الفرنسية العربية (صلى الله عليه وسلم. F. صلى الله عليه وسلم) أكثر من الدور والمكانة التي

تحتلها اللغات الأجنبية في الثانويات الفرنسية) [9] .

ولتكون سياسة ضرب اللغة العربية في المنطقة نافذة تم العمل على ناحيتين

أساسيتين:

أولاً: تهميش أصحاب الثقافة الإسلامية ذات الجذور العربية (اللغة) ووضعهم

في حالة مادية متدنية ومزرية داخل مجتمعهم حتى يردع ذلك من تسول له نفسه تعلم

اللغة العربية [10] . وتكاملت هذه السياسة مع غيرها من الخطط التي تهدف كلها

في النهاية إلى نسف دعائم الثقافة الإسلامية في المنطقة مستهدفة الوجود الإسلامي

بشكل عام على المدى البعيد.

وكما كان متوقعاً فإن الاستعمار اكتشف حقيقة مهمة، وهي مدى شدة ارتباط

الثقافة الإسلامية، وتعلق مسلمي غرب إفريقيا برافدها الأصلي (اللغة العربية)

فكان لا مفر من اللجوء إلى القوة والقانون معاً، فبدأت حملة سن التشريعات التي

تسعى إلى جعل سياسة الحصار الثقافي أمراً واقعاً، فإن تغلب المسلمون على

الألاعيب الاستعمارية أرغموا على الرضوخ لقوة القانون أو لقانون القوة.

يقول فروليش FROLصلى الله عليه وسلمCH: (الرخصة التي كان يخضع لها أولئك الذين

يرشحون لفتح مدرسة عربية مرفوضة أحياناً ... ) [11] .

ثانياً: محاولة تحديد حركة الابتعاث تمهيداً لإيقافها نهائياً؛ ففي العقود الثلاثة

الأخيرة من الوجود الاستعماري في المنطقة نشطت حركة الابتعاث إلى البلدان

الإسلامية لطلب العلم بعد أن كان هذا النوع من الرحلات الثقافية ينحصر في دائرة

المنطقة المحيطة بموريتانيا والسنغال ومالي، وكان الشباب يسعى إلى الوصول إلى

التعليم النظامي الذي يقتصر داخل المنطقة على المؤسسات التعليمية الغربية.

ويضاف إلى ذلك أن وطأة التضييق على المؤسسات التقليدية بدأت تشتد؛

فكان لا بد من البحث عن مُتنفس جديد، وهنا سارع الاستعمار مرة أخرى إلى

محاولة سد هذه القناة التي كان يرى فيها الخطر الداهم، وخاصة في ضوء تلك

الحركة الثقافية التي كانت تزداد قوة وتقوم على دعامتين:

- الدعامة الأولى: عودة إلى أصول الإسلام وتبنيه باعتباره مشروعاً

حضارياً في كلٍ من المشرق العربي والشمال الإفريقي.

- الدعامة الثانية: تزعم الاتجاه الذي يرى في الاستعمار والدول الغربية

عموماً مصدر الشرور التي كان يُعاني منها العالم الإسلامي، وخاصة مسلمي منطقة

غرب إفريقيا، ومن ثَمَّ انطلق في تعامله معه من مبدأ الرفض الصارخ، وما يتبع

ذلك من صور المقاومة.

وفي الحقيقة فإن طبيعة المشكلة كانت تقتضي التركيز على التخريب الثقافي

الذي مارسته الدول الأوروبية بشكل عام دون مراعاة للفواصل والخصوصيات التي

تتميز بها كل من الحقبتين: الأولى: الاستعمار المباشر. والأخرى: ما يطلق عليه

بعض الكتاب الذين عالجوا المسألة: حقبة التنافس؛ وذلك نظراً لأن بعض شركاء

الاستعمار لا يزالون أطرافاً في اللعبة وبشكل أخص (فرنسا) .

وأما إذا حصرنا الحديث في إطار الحقبة الثانية (التنافس) فيمكننا أن نجد

صورة الموقف على النحو الآتي:

- رأينا فيما سبق أن التغير الجذري في الإشكالية هو نزول قوى جديدة لتحتل

الساحة وتكاد تهيمن عليها في بعض أجزاء المنطقة، مما يجعل البعض يتصور أن

التنافس قد انحصر داخل قطب ثنائي هو الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي،

ويمكن اعتبار الولايات المتحدة إلى حد ما امتداداً للثقافة الإنجليزية التي كانت

بريطانيا تمثلها، ثم بدأ ظلها ينحسر رويداً رويداً، بينما مثَّل الاتحاد السوفييتي -

آنئذٍ - ثقلاً جديداً وخطاً منفصلاً، وعاملَ تنافسٍ خطير في مواجهة المعسكر الغربي

عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً.

وبالرجوع مرة أخرى إلى مرحلة التكالب ابتداء من مؤتمر برلين (رضي الله عنه.

CONصلى الله عليه وسلمRصلى الله عليه وسلمNCصلى الله عليه وسلم) بغية فهم التركيبة الجديدة التي ولدت في حقبة التنافس التي

ليست في الواقع إلا نتيجة مباشرة لحقبة الاستعمار المباشر بمراحله المختلفة، نجد

النتيجة المحزنة بالنسبة لإفريقيا عموماً وجزئها الغربي خصوصاً، والتي تمخض

عنها المؤتمر عندما تم تقاسم المنطقة على طريقة توزيع التركة، بعد جرد

الموجودات. ويتضح أن الجغرافية السياسية للمنطقة تشكلت من جديد بصورة

تجعل ثلاث لغات عالمية: (الفرنسية - الإنجليزية - البرتغالية) تحمل ثقافات

مختلفة وتنطلق من أسس فكرية متباينة بالرغم من القاسم الديني المشترك، وتتحرك

داخل منطقة لا يتجاوز قطرها بضعة آلاف من الكيلومترات المربعة، وكان مستوى

التواصل بين شعوبها يكاد يصل إلى درجة الشعب الواحد، كما نرى الوضع في

مثلث: (غينيا بيساو - وجامبيا - والسنغال) .

لكن مأساة مسلمي المنطقة لم تكن لتنتهي عند هذا الحد، وإنما جاءت

الشيوعية لتحل محل الثقافة البرتغالية والفرنسية في كل من غينيا بيساو، وغينيا

كوناكري، وإلى درجة ما في جمهورية مالي عقائدياً واستراتيجياً مع بقاء اللغتين

البرتغالية والفرنسية محلهما، مما ولَّد مزيداً من التنافس والتمزق الثقافييْن في

صفوف المسلمين بشكل أخص.

وفي حقبة التنافس عملت الدول المشتركة في اللعبة في اتجاهات رئيسة أربعة

يمكن توضيحها في الآتي:

1 - ما يمكن أن يوصف بـ (التصدير الثقافي) ، وهو ما يعني إغراق

المنطقة بصور مختلفة من الدعاية الثقافية القائمة على الترويج، ويكاد الاتجاه

الأمريكي يهيمن على الموقف في هذا الجانب، ويمكن إعطاء المثال على ذلك:

التعدد الكبير في الأفلام الأمريكية التي تقدمها التلفزيونات في المنطقة في بلد

فرنكوفوني مثل: غينيا وغيرها، وهكذا أصبحت دعاية (السوبرمان) الأمريكي

تلقى صدى واسعاً في أوساط الشباب المسلم، وتؤثر في سلوكه بشكل ظاهر،

ويضاف إلى ذلك الموسيقى الأمريكية (أنغام الديسكو) إلى جانب تداول بعض

المصطلحات الأمريكية ذات الدلالات الخطيرة بين الشباب والتي خلطوها باللغة

التي يتحدثون بها سواء كانت فرنسية أو محلية [12] .

ويضاف إلى ذلك موجات القنوات التلفزيونية التي بدأت تغزو الفضاء

الإعلامي في المنطقة والتي للجانب الفرنسي منها نصيب الأسد منها (قناة أوريزون

Canal Horizon: قناة بليس (أي +) Canal Plus t.f.5.

2 - تشكيل منابر ثقافية (روابط) ذات مضمون حضاري، وأهداف سياسية

وعلى الأخص: رابطة الدول الناطقة باللغة الإنجليزية (الكومنولث) [13] ثم جاءت: مجموعة الدول الناطقة باللغة الفرنسية (الفرنكوفونية Francophone) [14]

رداً على هذا التحدي، ورأت الولايات المتحدة بدورها في هذه الخطوة خطراً يجب

احتواؤه، فتبنت أسلوباً مماثلاً تمثَّل في اللقاء الذي جمع عدداً كبيراً من الدول

الإفريقية والأفارقة الأمريكيين، وتم عقد اللقاء الأول بساحل العاج عام 1992م.

ثم نُظِّم الملتقى الثاني بجمهورية الجابون في صيف 1993م، ولوحظ

الاهتمام الكبير والدعاية الواسعة اللذين حظي بهما الملتقى سواء من جانب الإدارة

الأمريكية وهو ما بينه مستوى الوفد الممثل لها، أو من قِبَلِ الصحافة العالمية التي

غطت فعاليات الملتقى، وفي ذلك الملتقى حُدّد موعد اللقاء الثالث الذي قُرِّر أن يتم

في لاغوس بنجيريا عام 1995م [15] .

ونشير هنا إلى الدور الخطير الذي تلعبه: صلى الله عليه وسلمssociation

collaboration cltrlle et Tصلى الله عليه وسلمCHNIQUصلى الله عليه وسلم (صلى الله عليه وسلم. C. C. T) وكالة

التعاون الثقافي والفني التابعة للفرنكوفونية [16] .

3 - الابتعاث: ولقد استفاد الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشرقي عموماً يومئذٍ

من هذه السياسة التي نشطت بشكل ملفت للنظر خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات، وكذلك تميز الخط اليساري بالتغلغل إلى حد ما داخل الوسط الشعبي عن طريق:

- استغلال الطبقة المتوسطة التي تضم المدرسين وصغار الموظفين التي

كانت على اتصال مباشر بالجماهير نتيجة وجودها في الأرياف والقرى.

- توظيف الفنون الشعبية، كالأغاني الفولكلورية، والمسرحيات، وكان لهذه

الوسيلة أثر كبير في جعل الشباب ينتقد بعض المعتقدات الدينية باسم الثقافة -

كوضع المرأة والمساواة والحرية.

4 - ربط الدعم الاقتصادي والتنموي بالمصالح الثقافية، ويشتد التنافس في

هذا المجال بشكل فريد بين الولايات المتحدة وفرنسا، حتى إن الأمريكيين

ليضطرون - نتيجة الثقل الذي تمثله (الفرنكوفونية) في غرب إفريقيا [17] أن

يلجؤوا إلى اللغات واللهجات المحلية ويتبنوا البرامج لدعمها للحد من النفوذ الفرنسي؛ ثم لتحقيق هدف تنصيري في الوقت ذاته. وتجدر الإشارة إلى الدور الذي تلعبه

كل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (U. S. صلى الله عليه وسلم. I. عز وجل) International. عز وجلevelopment؛ وفيالق السلام الأمريكية (CORPS عز وجلصلى الله عليه وسلم Pصلى الله عليه وسلمIX) في

دول غرب إفريقيا، وقد تم إنشاؤها أساساً عام 1961م للعمل في مجال التعليم

والتدريب في دول ما وراء البحار؛ وفي هذا المجال أيضاً لم يتخلف الاتحاد

السوفييتي عن منافستها، وقد أراد أن يستغل بيعه صفقة الأسلحة لنيجيريا، فأرسل

آلاف الطرود الملأى بالكتب العربية التي تم توزيعها بواسطة (جمعية الصداقة

الروسية - النيجيرية) ومن بينها كتاب بعنوان: (الإسلام، نشوءه ومستقبله) الذي

ألفه الملحق الروسي (ي. كليموتنش) وطبع في موسكو عام 1968م، وفيه شتم

وإنكار لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد لاقى استنكاراً واسعاً من رجال العلم

والثقافة في نيجيريا، لما تضمنه من أفكار هدامة [18] .

ويمكننا رسم صورة للنتائج المباشرة التي تمخض عنها هذا التنافس على

الوضعية الثقافية لمسلمي منطقة غرب إفريقيا:

- الحصار الفكري والمصادرة الثقافية اللذيْن أديا إلى ضياع قطاع عريض من

الشباب المسلم الذي تغربت أخلاقه، وسلوكياته ونظرته إلى المجتمع من حوله؛ ثم

لما تسلم السلطة قاد سفينة المجتمع بعيداً عن المحيط الإسلامي الذي يمثل إطاره

الصحيح.

- التبعية الثقافية التي أصبحت واقعاً لا مفر منه؛ فالشاب المسلم في المنطقة

يخرج من عداد المثقفين ما لم يتحدث بإحدى اللغات الأجنبية.

- نشوء ما يمكن أن نسميه بثقافة (الدجل) التي انتشرت بفعل الحصار

الفكري الذي استمر لفترة طويلة، تم فيها نشر عدد كبير من الكتب التي تعتبر ذات

مفعول ثقافي مخدر؛ من ذلك: كتب الشعوذة، والطلاسم، والفكر الصوفي

المتطرف.

- تواري اللغة العربية عن الساحة الثقافية، لصالح اللغات الأخرى مما أدى

إلى خلل ثقافي كبير في أوساط المسلمين، باعتبارهم الضحايا المستهدفين من

المؤامرة؛ وذلك لأن اللغة العربية أصبحت في ذيل القائمة التي تضم اللغات

الأجنبية، كما أشار إلى ذلك جورج هاردي.

- تفشي الأمية، وانتشارها بمعدلات وبائية بين صفوف المسلمين، مقارنة

مع الأقليات المسيحية التي فتحت لها المدارس التنصيرية أبوابها، في حين تم

تدمير المؤسسات التعليمية الإسلامية، أو تفريغها من محتواها.

ويمكن هنا إعطاء هذا النموذج الذي له دلالة كبرى:

- في سنة 1960م تم القيام باستفتاء في المناطق الريفية بالمنطقة، فوجد أن

نسبة 25% من السكان يعرفون القراءة والكتابة بالعربية، ولكن ما إن جاءت سنة

1968م، حتى انقلب الوضع نتيجة أن المتعلم باللغة العربية لم يعد يعتبر مثقفاً.

ولقد استفاد أعداء المسلمين من رفض المدارس التنصيرية والعلمانية لمن

يعرفون اللغة العربية لفترة طويلة، وامتدت هذه النظرة الرافضة حتى نهاية

الستينات، وبداية السبعينات في مناطق كثيرة.

وما كان ذلك إلا لقطع الروابط الثقافية والروحية التي كانت تربط المسلمين

في المنطقة بإخوانهم خارجها. وكان ذلك هدفاً رئيساً لاستراتيجية الحصار الثقافي،

وتشجيع دائرة الانحرافات العقائدية وتوسعتها على المستوى الشعبي، وقد أدى ذلك

إلى انتشار موجة من الإلحاد بين الشباب المسلم الذي دخل الجامعات والمعاهد العليا

التي كان للفكر الماركسي في فترة الستينات والسبعينات شبه الهيمنة المطلقة عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015