الورقة الأخيرة
أحمد العامر
مرت في الآونة الأخيرة انتخابات عدة، من أشهرها الانتخابات الجزائرية
والانتخابات التركية، وهي في كلا البلدين ترفع الشعار الديمقراطي ودعوى تداول
السلطة بعد تفصيلها الأحزاب على المقاس المطلوب ورفض ما لا يناسبها حتى ولو
كانت الاتجاهات المرفوضة هي الأغلبية المطلقة، لا سيما وقد عانى شعبا البلدين
الأمرين من تلك المهازل التي يتولى (العسكريون) فيها دور محرك الخيوط في
مسرح العرائس.
وفي الوقت الذي كانت استطلاعات الرأي ونتائج الحوارات المتلفزة تؤكد أن
نسبة الترشيح محسومة لأحزاب بعينها في ذانك البلدين وجدنا أن تلك الاستطلاعات
تتغير بقدرة قادر وتُوجَّه لأحزاب أخرى؛ وحينما وجد مندوبو الأحزاب الجزائرية
أن العملية الانتخابية لم تسلم من التلاعب بصناديق الاقتراع انسحبت الأغلبية،
وفيها من المرشحين من له تاريخه السياسي ووزنه الشعبي وطلبوا - فوراً - اللقاء
مع الرئيس زروال؛ لكنه رفض اللقاء بهم فانسحب المرشحون وبقي (الرقم الأخير)
المحسوب على التيار (البومديني) الذي لم تجد فيه الجزائر سوى النهج الاشتراكي
المفلس الذي جعل بلداً بترولياً مثل الجزائر من الدول الهامشية المثقلة بالديون فضلاً
عما أثارته الصحافة المعارضة من مآخذ وسلبيات على شخص ذلك الرجل، لكن
لما كان مقبولاً من مراكز القوى العسكرية فلا مانع من أن يكون هو الفائز بنسبة
(73%) ليكون رئيساً للبلاد، دون الالتفات إلى الاحتجاجات ومظاهرات الجماهير؛
بل مواجهة من تجرأ على ذلك بالقمع؛ لأن ذلك ينافي - في زعمهم - الرغبة
الشعبية المزعومة!
أما تركيا فإنها - كعادتها - لو تركت الأمور تأخذ مجراها لتحقق ما توقعته
مراصد الرأي من فوز (حزب الفضيلة) ذي الاتجاه الإسلامي ليسبق الحزب الحاكم
(اليسار الديمقراطي) بقيادة (بولنت أجاويد) الذي وصل الحكم بعملية قيصرية
معروفة، مما سيجعل الحكام الفعليين وراء الكواليس في مأزق حرج لو فاز حزب
الفضيلة. ويتجلى ذلك فيما يلي:
1- أن العسكر يرفضون رغبة الشعب في ترشيح من يراه.
2- الحيلولة دون تكليف (إسلامي) بالوزارة اضطراراً؛ وهذا ما يسبب لهم
قلقاً هم في غنى عنه.
3- الهلع من عودة التيار ذي الأغلبية العظمى؛ مما قد يؤدي إلى تغيير
الدستور؛ فينكشف المخَّبأ؛ مما قد ينهي الحقبة الأتاتوركية المشبوهة؛ لا سيما أن
المشرف على هذه الانتخابات هو الحزب الحاكم الذي يتطلع للأغلبية لضمان بقائه؛
متعللاً ببطولة القبض على أوجلان الذي أوقعهم في حرج لا يحسدون عليه.
وهذا يجعل المراقب لنتائج تلك الانتخابات يتداعى لذهنه وجود أزمة هوية
كبرى لدى قطاع كبير من الشعب التركي لا سيما المثقفون منه؛ مما أظهر
الانتخابات الأخيرة بمظهر جديد وغير متوقع.
وما يخرج به المرء من أنباء تلك الانتخابات الهزيلة ما يلي:
1- أن انتخابات عالمنا العربي والإسلامي هي شعارات ودعاوى لا تمت
للحقيقة بصلة، وما دام الأمر كذلك؛ فلماذا لا يكون الحكام الفعليون وصناع
الانتخابات أنفسهم الممسكين بأزمَّة الأمور؟
2- أن الحزب الحاكم بما يملكه من صلاحيات يستطيع إجراء الانتخابات
لصالحه ما دام هو صاحب السلطة المهيمنة.
3- أن الغرب والشرق سيبصمون على نزاهة تلك الانتخابات وأمثالها،
ويدعون أنها تعبِّر عن الرغبة الشعبية ما دامت أنها نحَّتْ التيارات الإسلامية التي
يكرهونها ويرفضونها حسبما يجعجع به منظِّروهم من دعاوى أن الأصولية
الإسلامية هي العدو الجديد.
وكم ذا (بدارٍ) من المضحكات ... ولكنه ضحك كالبكاء