حوار
أجرى الحوار:وائل عبد الغني
ضيفنا هو فضيلة الدكتور محمود علي عبد الرحمن حماية، وهو أحد الأساتذة
بجامعة الأزهر كلية (أصول الدين) ، نال الماجستير عام 1975م، والدكتوراه في
مقارنة الأديان عام 1985م، وكانت رسالته (تحقيق الفِصَل في الملل والنحل لابن
حزم الأندلسي) ، وله عديد من المؤلفات والدراسات المنشورة.
ويسرنا اللقاء مع فضيلته والحوار معه في عدد من المسائل العلمية والفكرية
والدعوية، راجين أن يستفيد الإخوة القراء مما يدور في هذه الجلسة المباركة
والحوار الممتع. ...
-البيان-
* القطيعة الحاصلة بين شباب الصحوة والعلماء في كثير من بلاد الإسلام..
ما أسبابها؟ ومن المسؤول عنها، وكيف يمكن إزالتها؟
* يؤسفنا أن تلك القطيعة لم تعد قاصرة على شباب الصحوة والعلماء فقط،
وان كان للعلماء نصيبهم من تلك القطيعة أو الجفوة، والذي أراه أن هذه المشكلة
تعود إلى أمور متعددة منها:
1- تهاون بعض العلماء بأخلاق الإسلام وعدم التزامهم في حياتهم العامة
والخاصة بهديه وتعاليمه، وهذا سبب جوهري نفر الشباب منهم، وجعلهم يفقدون
الثقة في فتاواهم وآرائهم. إن الشباب المسلم ينتظر من العالم أن يكون قدوة لغيره
في الخلق الرفيع، والشجاعة في الحق، والبعد عن مواطن الشبهات، وقد عاب
القرآن الكريم على أقوام أنهم يقولون ما لا يفعلون، وينهون الناس عن المنكر وهم
لا ينتهون فقال - تعالى -: [أَتَاًمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وأَنتُمْ تَتْلُونَ
الكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ] [البقرة: 44] وقال - تعالى -: [لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ
* كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ] [الصف: 2-3] .
فعدم التزام بعض العلماء بتعاليم الإسلام جعل الشباب ينفر منهم ولا يثق في
كلامهم.
فالشباب غالباً يلتفون حول صاحب السيرة العطرة، والتاريخ المشرق الذي لم
يسجل عليه موقف مشبوه أو نفاق أو تعاون مع ظلمة أو طغاة، خصوصاً أن
مواقف الضعف والتردي للدعاة تظل عالقة في أذهان الشباب ويصعب عليهم محوها.
كيف يثق الشباب في داعية لا يخجل من مدح الظلمة والتزلف إليهم، وتسويغ أخطائهم للرأي العام؟ والذي يطالع التاريخ يجد أن تمسك علماء السلف بأخلاق الإسلام وشجاعتهم في قول الحق، ووقوفهم أمام الظلم والظالمين من أهم العوامل التي جعلت الأمة تتعلق بهم، وتلتف حولهم في الحياة وبعد الممات والأمثلة على ذلك كثيرة!
ولعل من المناسب هنا أن أنبه إلى أن من العلماء من هو أكثر شجاعة وحباً
للإسلام من غيره، والذي يقرأ تاريخ شيوخ الأزهر يجد أن كثيراً منهم كانت لهم
مواقف مشهودة سجلها لهم التاريخ رغم أن الحكام والولاة كانوا يملكون قرارات
عزلهم وتنحيتهم من مناصبهم، وأذكر على سبيل المثال الشيخ المراغي، والشيخ
محمد الخضر حسين، والشيخ عبد المجيد سليم وهي مواقف مرصودة ومعروفة.
2- ومن أسباب هذه الجفوة الجهل بفقه الدعوة الإسلامية لدى كثير من شباب
الصحوة الإسلامية الذين لا يعرفون إلا قشوراً من علوم الإسلام لا تمكنهم من الحكم
الصحيح على الأشياء ووضعها في إطارها الصحيح، بحيث إذا سمع هؤلاء الشباب
فتوى لأحد العلماء لا تتفق مع رأي شيخه أو اتجاه جماعته شنع على هذا الشيخ
وسلبه كل محمدة، ونسي جهاده، وقد يكون الرأي الذي أفتى به هذا الشيخ جائزاً
عند بعض الفقهاء، أو وردت به بعض النصوص، وأخذ فيه هذا الشيخ بالأيسر
للمسلمين لأدلة صحت عنده ولظروف وملابسات هو أعلم بها.
فالعلم الصحيح يقرب بين العلماء والشباب ويجعلهم يلتمسون عذراً لمن أفتى
بحكم ليس على نهجهم! وهذا التسامح من ثمار اعتبار تعدد المذاهب سعة ورحمة!
3- كذلك من الأمور التي تؤدي إلى اتساع الجفوة بين الشباب والعلماء ضعف
التربية لدى كثير من شباب الصحوة لندرة المربين في الساحة الإسلامية، فلا بد
للدعاة أن يركزوا في دعوتهم على جانب التربية وتهذيب النفس وإلزامها بأخلاق
الإسلام وآدابه، لأن الأخلاق في الإسلام لها منزلة رفيعة، ويكفي أن نعرف قول
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) [1] .
ولكن بعض شباب الصحوة إذا سمع رأياً لم يعجبه من عالم شنع عليه، ونقل
كلامه محرفاً حتى يصد الناس عنه، وقد رأيت بعض الشباب إذا خاصم فجر،
وصدر منه من الأقوال والتهم لبعض الشيوخ ما يعف عن ذكره عوام المسلمين الذين
ليس لهم حظ من العلم.
4- ومن الأسباب التي أدت للجفوة أيضاً أن بعض أدعياء العلم يحرص في
كل محاضرة أو ندوة أن يعبِّئ الشباب ويملأ صدورهم حقداً وكراهية للعلماء الذين
ليسوا على مذهبه بدافع الحقد والحسد حتى ينفض الشباب عنهم وتكون له الزعامة.
وقد سمعت أحدهم يتصيد لكل عالم هفوة، وهذا مسلك يشبه طريقة
المستشرقين في تتبع جوانب الضعف في تاريخ الإسلام وتضخيمها ناسين الجوانب
المشرقة حتى يفقد الناس الثقة في الإسلام وتاريخه وشريعته ما دام تاريخ الإسلام
هكذا كله: دم، واستبداد، وظلم، كما يصور المتحاملون من المستشرقين.
إنني أنصح للدعاة إلى الله أن يشغلوا أنفسهم بالبناء بدل الهدم، وبالتركيز
على عرض محاسن الإسلام وحضارته بدل الحديث عن عيوب الآخرين ومساوئ
العلماء، لأن من الخير أن يظل للشباب مُثُل عليا يقتدي بها ويقتفي أثرها.
ماذا كانت النتيجة عندما شوهنا الصورة المضيئة للعلماء في أذهان الشباب؟
لقد فقد الثقة بهم، ورفضوا الإصغاء إلى توجيهاتهم، وتلقفهم المتربصون فأضلوهم.
* منذ أعوام والأصوات تتعالى والتحذيرات تشتد بأن الأزهر ربما يمر بأزمة
كانت هي الأخطر في تاريخه.. فما حجم هذه الأزمة؟
* أدرك أعداء الإسلام خطورة الأزهر على مصالحهم ودوره المهم في الحفاظ
على الإسلام واللغة العربية، فخططوا منذ زمن بعيد لإضعافه والقضاء عليه إن
أمكن ذلك، وقد اشتدت هذه المؤامرة في الفترة الأخيرة، وظهر ذلك في قانون
التطوير رقم 103 لسنة 1961 م، ومنذ ذلك التاريخ والعلوم الشرعية واللغوية
تتراجع في المعاهد الأزهرية بسبب مزاحمة المواد الثقافية لها؛ فقد أصبح الطالب
الأزهري مكلفاً بدراسة منهجين في وقت واحد - أقصد العلوم الأزهرية، ومواد
وزارة التربية والتعليم كاملة التي أقحمت على الأزهر وكانت النتيجة أن الطالب
أخفق في الأمرين معاً، فلم يتقن العلوم الشرعية - كما كان الأزهري قديماً - ولم
يتقن العلوم الحديثة.
وكانت الطامة هذا العام عندما وافق مجلس الشعب المصري على مشروع تقدم
به للحكومة شيخ الأزهر يطلب فيه إلغاء السنة الرابعة من المرحلة الثانوية
الأزهرية، لتصبح ثلاث سنوات مثل الثانوية العامة في وزارة التربية والتعليم،
وتعديل اسم الثانوية الأزهرية إلى ثانوية عامة، وهذا معناه تخريب التعليم
الأزهري، ولذلك تصديت وتصدى غيري لهذه الخطة المريبة، وحاولنا أن نوقف
هذا القانون قبل صدوره ولكن دون جدوى، ولن نيأس وسنظل نجاهد حتى يعود
الأزهر القديم الذي خرَّج للأمة الإسلامية آلاف العلماء الذين انتشروا في المعمورة
يعلمون الناس الإسلام ويدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وموقف الدولة المعلن حتى الآن يجعلنا لا نيأس من تصحيح هذا الوضع!
* هل يمكننا أن نسمع وجهة نظركم في الركائز العامة التي تعيد للأزهر
مكانته من جديد؟
* لن تعود للأزهر مكانته العلمية التي عرف بها في العالم الإسلامي إلا
بالعودة إلى الأمور الآتية:
- الاهتمام بالقرآن الكريم؛ بحيث لا يقبل الطالب في الأزهر إلا إذا كان
حافظاً للقرآن الكريم كله كما كان الأمر سابقاً لأن علوم القرآن تعتمد على حفظ
كتاب الله - تعالى.
- التركيز في المعاهد الأزهرية على العلوم الشرعية والدراسات اللغوية كما
كان الأزهر قبل قانون التطوير، بحيث تكون الدراسات الشرعية هي الأصل
والعلوم الثقافية هي الفرع.
- ضرورة مراجعة المناهج والكتب التي يدرسها طلاب الأزهر، لأن بعض
كتب التراث التي تدرس في المعاهد الأزهرية تحتاج إلى مراجعة وتحقيق وتعليق
حتى يكون ذلك عوناً للطلاب على الفهم والتحصيل.
- لا بد من عودة السنوات التي حذفت من الأزهر بمناهجها وعلومها، لأن
الدراسات الإسلامية لها خصوصيتها التي تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد، على
أن يعطى طلاب الأزهر من المزايا المادية والأدبية ما يقابل ذلك حتى نشجع شباب
الإسلام على دخول الأزهر ودراسة علوم الإسلام.
- استقلال الأزهر مادياً حتى يستطيع أن يؤدي رسالته في جو من الحرية
والاستقلال بعيداً عن التبعية للحكومات، ويكون ذلك بعودة الأوقاف الإسلامية التي
كان ينفق من ربحها على الأزهر وطلابه قبل عام 1915 م وهي كثيرة وكافية؛
لأن تبعية علماء الأزهر أخضعتهم لظروف يصعب على كثير منهم مقاومتها.
- ويُتوج هذا كله بإعادة هيئة كبار العلماء بشروطها، وانتخاب شيخ الأزهر
عن طريقها من أعضائها.
* هل لكم أن تحدثونا عن ندوة علماء الأزهر؟ وما الفرق بينها وبين الأزهر؟ وما سبب هجمات العلمانيين المتكررة عليها؟
نشأت (ندوة العلماء) عام 1992 م؛ وسبب نشأتها الحملات الضاربة على
الإسلام من العلمانيين وفي مقدمتهم الكاتب العلماني الهالك (فرج فودة) .
أمام هذا الهجوم والاستفزاز كان لا بد أن نفعل شيئاً لديننا وعقيدتنا، وألهمني
الله - سبحانه - فكرة تكوين هيئة علمية من علماء الأزهر تقوم بالتصدي لهجمات
العلمانيين والدفاع عن الإسلام وتوضيح مبادئه السامية، وفعلاً دعوت مجموعة
كبيرة من العلماء وشرحت لهم الفكرة، فمنهم من أيدها، ومنهم من تحفظ عليها،
فاستبعدت المترددين وعقدت اجتماعاً في منزلي بمن لمست فيهم غيرة على الحق
واستعداداً للدفاع عن الإسلام وكان في مقدمتهم فضيلة الدكتور عبد الغفار عزيز
رحمه الله عميد كلية الدعوة الإسلامية الأسبق بجامعة الأزهر، والدكتور محمد
البري، والدكتور حلمي صابر، واتفق الحاضرون على أن نسمي هذه الهيئة
العلمية (ندوة العلماء) وأن يكون رئيسها الدكتور عبد الغفار عزيز وأمينها العام
ضيفكم اليوم واستطاعت (الندوة) - بفضل الله سبحانه - أن تتصدى بقوة لرؤوس
العلمانيين، وأن تقوم بدور فعال في الدفاع عن الإسلام والذود عن حياضه، وبعد
قيام (الندوة) بقليل طلب وزير الداخلية لقاءنا، وكان في هذا الوقت هو اللواء محمد
عبد الحليم موسى، فذهبت إليه ومعي أخي الدكتور عبد الغفار عزيز والدكتور
محمد البري، واستقبلنا بمكتبه استقبالاً كريماً يليق بالعلماء، واستمر اللقاء أكثر من
ساعة حضره بعض كبار رجال الداخلية، وسألنا الوزير عن أهدافنا؟ وماذا نريد؟
فقلنا: نريد أن تتركونا لنقول كلمة الحق، حتى يثق بنا الشباب، لأنهم لا يحبون
الشيخ المنافق، فإذا وثق فينا الشباب استجابوا لتوجيهاتنا ونصحنا، وأذكر للتاريخ
أن الوزير قال: قولوا ما تؤمنون به، وأنا لو أخطأت فهاجموني، فقلنا له: نحن
لا نهاجم أحداً، ولكن ننصح بالحسنى، فاتصل بمساعده وقال له: اترك مشايخنا
يذهبون إلى أي مكان، ويقولون ما يريدون! وقد كان لقاء الوزير فرصة وضحنا
له فيها موقف (فرج فودة) من الإسلام، فقلت له: إن فرج فودة لا يحارب التطرف
ولكنه يحارب الإسلام ويسخر من تعاليمه! فسكت ولم يرد! .
بعد لقائنا بوزير الداخلية طلبنا لقاء الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد
الحق وكان رحمه الله رغم اختلافنا معه في بعض التوجهات إلا أنه كان رجلاً عف
اللسان قوياً في الحق يعرف مسؤولية المنصب ويحافظ على هيبته، فذهب إليه
زملائي ولم أكن معهم بسبب سفري إلى الجامعة بأسيوط في هذا اليوم، فأفهمهم أنه
راض عن (ندوة العلماء) وأنه يتابع ما تكتبه دفاعاً عن الإسلام، وطلب أن نسأل
عن جمعية مسجلة في وزارة الشؤون الاجتماعية منذ عام 1946 م تحت مسمى
(جبهة علماء الأزهر) وفعلاً عندما سألنا وجدنا هذه الجمعية كما ذكر الشيخ فقام
إخواننا بإحيائها من جديد لتؤدي رسالتها السامية التي قامت من أجلها! ثم كان أن
طالب شيخ الأزهر الحالي بحلها.. وحلت للأسف.
أما الفارق بينها وبين الأزهر فالندوة تمثل الرأي الحر لعلماء الأزهر بعيداً
عن الرأي الرسمي لمؤسسة الأزهر.
والسبب في هجمات العلمانيين المتكررة عليها أن (ندوة العلماء) أو (جبهة
العلماء) تقف للعلمانيين بالمرصاد لتفضح أمرهم وتكشف خداعهم، فهي صوت
الحق الذي يعبر عن آمال الأمة؛ والعلمانيون دعاة الباطل، والحق والباطل
يتصارعان إلى يوم القيامة!
* يضيق الأمر ببعضهم حتى يرى ألاَّ أمل، ويدِّعي أن الحل الإسلامي القادم
سيأتي من بلاد الغرب.. فهل توافقون على ذلك؟
إن الله - سبحانه - قد أوجب علينا العمل لديننا، ولم يحاسبنا على النتائج،
أمرنا بالغرس ولم نكلف بإنبات الزرع ولا إنضاج الثمر، فأمر المسلم كله له خير،
والله كلفه بمهمة ووعده بالثواب عليها حتى ولو لم يتحقق النصر المنشود على يديه، بل حتى لو حيل بينه وبين إنجاز ما نوى عليه ما دام قد صدق الله النية.
ثم إن أمر نهضة الإسلام كثيراً ما يسيء الدعاة فهمه، إذ إن الجروح غائرة
وتحتاج إلى علاج طويل، فعلى الداعية أن يعمل ويترك إحراز النصر للغالب على
أمره، القاهر فوق عباده.
إن الذي ينتظر أن ينهض المسلمون من كبوتهم في سنوات قليلة لم يحسن فهم
الواقع، ولا إدراك سنن الله في الكون، لأن الانحدار استغرق أجيالاً، والنهوض لا
يكون إلا كذلك، وصدق رسولنا الكريم: (ولكنكم تستعجلون) [2] .
والقرآن قد بين حال المسلمين والأنبياء السالفين فقال: [مَّسَّتْهُمُ البَاًسَاءُ
والضَّرَّاءُ وزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ]
[البقرة: 214] ، فالذين يقصرون في أداء واجبهم في خدمة دينهم ويكتفون بالأماني دون العمل انتظاراً لنصر يأتي من الشرق أو من الغرب لا عذر لهم عند الله، ونخشى أن تكون مثل هذه الأماني بمثابة مخدر لإرادة الأمة.
* كان لكم مع العلمانيين صولات وجولات على صفحات الصحف.. ما
أبرزها؟ وهل انتهت؟ ولماذا؟
* إن السجال بين الإسلام والعلمانية وغيرها من النظريات والمذاهب
المشبوهة التي تناقضه سجال مستمر، كان ولا يزال ولن يتوقف، فتلك سنة الله في
خلقه، فهي معركة الحق والباطل الأبدية.. وفي كل جيل يرفع راية الإسلام جنود
يتسلمها من بعدهم خلف صالح لسلف صالح.
وأحمد الله أن جعلني من هؤلاء المدافعين عن حمى الإسلام.
* لعل من أهم المصائب التي حلت بالأمة مؤخراً ظهور ما يعرف بالدعوة
إلى وحدة الأديان.. فما موقف الأزهر الرسمي وغير الرسمي منها؟
* لم يُعرض على الأزهر قديماً ولا حديثاً ما يسمى بوحدة الأديان؛ فهذا أمر
غير معقول وغير مقبول عند أحد من العلماء، إنما الذي نسمعه غالباً (الحوار بين
الأديان) . ومهما تكن المسميات فإن هذه دعوة مشبوهة لا تخدم الإسلام في شيء،
وقد دعا إليها قبل ذلك (الأب جورج قنواتي) وأقام في مصر جمعية الإخاء الإسلامي
المسيحي، وقد دعاني للاشتراك في هذه الجمعية سنة 1977 م تقريباً، ولكني
اعتذرت؛ لأن أستاذي الدكتور محمد البهي وزير الأوقاف الأسبق كان يحذرني من
خطورة هذه الدعوات الماكرة، وكان - رحمه الله - ينبهني للدور الخطير الذي
يقوم به ذلك الرجل في القاهرة.
وكان التوجه العام من جموع الأزهريين رفض هذه المحاولة على المستويين
الرسمي وغير الرسمي اللهم إلا نفراً لا يَخفَوْن على أحد.
وقد عمل الشيخ عبد الحليم محمود أثناء توليه مشيخة الأزهر على التصدي
لقضية الحوار بين الأديان على سنة سلفه من شيوخ الأزهر السابقين ولذلك جاء
رفضه - رحمه الله - للمؤتمرات التي تعقد بدعوى التفاهم الإسلامي النصراني؛
حيث بنى رفضه على الاعتبارات الآتية:
1- أعلن الإسلام مباشرة تقديره واحترامه لعيسى - عليه السلام - وأمه مريم، مقابل ذلك كان الهجوم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومبادئ الإسلام.
2- لا بد من الاعتراف بالدين الإسلامي وبرسوله حتى ينال المسلمون في
أوروبا ما يناله اليهود من الاعتراف بأعيادهم وبشعائرهم، وإنه لا يتأتى التفاهم بين
أتباع رسول يحترمه المسلمون وهو عيسى - عليه السلام - وأتباع رسول لا
يعترف به النصارى وهو محمد -صلى الله عليه وسلم-.
3- إن القائمين على النصرانية في الغرب بدل أن يعملوا مع المسلمين على
مقاومة الانحراف والمادية والإلحاد أخذوا في تنصير المسلمين بقوة، فهم يعملون
ليل نهار على تنصير المسلمين في كل مكان في العالم بأسلوب مكشوف واضح أو
بأسلوب خفي مستور.
4- المسلمون أقليات في بعض الأقطار - مثل الفلبين - وهذه الأقليات
المسلمة ينكل بها باسم النصرانية: تؤخذ أرضها، وييتم أطفالها، ويرمل نساؤها،
ولا تجد ارتياحاً في نفوس الأغلبية النصرانية.
5- في المؤتمرات التي تعقد للتفاهم بين الملتين نجد بعض النصارى لا يبالي
فيتحدث عن رسول الإسلام - عليه الصلاة والسلام - بما يضيق به المسلمون، فلا
تكون هذه المؤتمرات وسيلة تفاهم، وإنما تكون وسيلة تنافر.
وخلاصة الأمر: لو كان الحوار جاداً لبدأ باعتراف صريح بالإسلام.
* في الآونة الأخيرة بدأنا نسمع عن بعض الفتاوى التي تحل الربا وتهوِّن من
شأن كثير من الأحكام الشرعية.. فما مدى الخطر المتحقق من مثل هذه الفتاوى،
وما مدى تأثيرها؟
* لا يملك مسلم أن يقول: إن الربا حلال، لأن (تحريم الربا) من المعلوم من
الدين بالضرورة يعلمه العامة والخاصة، ومن يقول إن الربا حلال فهو كافر.
ولكن لعل الذي تقصده القول بحل فوائد البنوك، والذي أراه أن معاملات
البنوك من الأمور الخطيرة التي لا يجوز أن ينفرد بالفتوى فيها واحد من العلماء
مهما كان قدره، بل لا بد أن يعقد مؤتمر يضم فقهاء العالم الإسلامي حتى تتضح
الحقيقة ويصل الجميع إلى الصواب.
ومن المحزن حقاً أن بعض أهل العلم لا يتحرون الدقة في فتاواهم، فتأتي
أحكامهم بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه السمحة، وتترك من الآثار ما يغضب
العلماء ويثير العامة وهم مجمعون على حرمة فوائد البنوك وأنها ربا باتفاق المجامع
الفقهية في العالم الإسلامي بما فيها مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف.
وخطورة هذه الفتاوى أنها تخلخل ثقة الناس في مصادر الفتوى، وتحرض
الآخرين على الاقتراب من حرام كانوا يتحرجون من الاقتراب منه، فجاءتهم فتوى
ترفع عنهم ذلك الحرج، وليس كل المتدينين على مستوى الورع الذي يتقي
الشبهات.
* كيف ترون دور المسلم المغترب في خدمة دينه؟ وما هي الأدوار التي
يمكنه القيام بها؟
* أعظم دور يقوم به المسلم لخدمة دينه في تلك الديار أن يكون صورة حسنة
للإسلام، وقدوة طيبة للآخرين، بحيث يدعو إلى الإسلام على بصيرة بأفعاله
وسلوكه. كما أنصح للشباب المسلم في بلاد الغرب أن يترك الخلافات التي تفرق
الصف وتسيء إلى الإسلام.