مجله البيان (صفحة 3070)

رسائل جامعية

الدور السياسي للمساجد [*]

إعداد الباحث: بشير سعيد أبو القرايا

عرض وتعليق / د. حامد عبد الماجد قويسي [**]

تأتي هذه الدراسة المهمة في إطار الدراسات التنظيرية التي تتناول مؤسسات

الدولة الإسلامية، مركزة على أدوارها وفعاليتها السياسية في الواقع العملي..

وتتناول هذه الدراسة الدور السياسي لأهم تلك المؤسسات وهو (المسجد) وهي

تدرس المسجد بصورة كلية ولا تشمل تطبيقاً على مسجد بعينه؛ وذلك على أساس

أن الدراسة التنظيرية لا تعني الالتزام بدراسة مسجد ما أو مجموعة مساجد خاصة

بإقليم معين، ولم تتقيد بفترة زمنية معينة كي تتوفر لها القدرة الكاملة على التنظير.

وهكذا جاءت هذه الدراسة مجردة عن عاملي الزمان والمكان.

ويركز الباحث على أهمية الدراسة كما يظهر من عنوانها، فأهميتها العلمية

ترجع إلى إسهامها في تطوير علم السياسة الإسلامي من خلال الاهتمام بمؤسسة قدر

لها أن تحمل كافة المقومات والعوامل التي أدت إلى بناء الدولة الإسلامية الأولى

وتشييد حضارة إنسانية امتدت قروناً طويلة. أما أهميتها العملية الواقعية فتكمن في

الدور الفاعل الذي يمكن أن يقوم به المسجد في العلاقة السياسية، ليس باعتباره

مؤسسة تتعلق بالأمور الدينية فحسب، وإنما باعتباره مؤسسة لها وظائف تتعلق

بالتعامل السياسي بمعناه الأرحب. منها على سبيل المثال: تصاعد دور الاتجاهات

الإسلامية التي تعد وليدة المسجد في تعاملها مع السلطة في المنطقة العربية.

وتهتم الدراسة بتحديد المفاهيم والعلاقات النظرية، فتؤصل مفهوم المسجد

باعتباره المفهوم المركزي لها كما سيتضح فيما بعد من التناول. أما مفهوم الدور

فإن الباحث استفاد به في حدود معينة، ورأى أن مفهوم الفعل يُعدّ بديلاً أكثر ملاءمة، وحدده على أساس الرؤية الإسلامية بأنه: (مجموعة الأعمال الصالحة التي يقوم

بها فرد أو جماعة، أو مؤسسة ما) . أما مفهوم السياسة فقد ربطه الباحث بالتوحيد

باعتباره مفهوماً مطلقاً وبالقيم، والأخلاق القرآنية.

تناول الباحث دراسة موضوعه في ستة فصول وخاتمة تتضمن نتائجه على

النحو الآتي:

ففي الفصل الأول (التمهيدي) : منهاجية بناء الدور السياسي للمسجد تناول

مبحثين: المبحث الأول: تأصيل مفهوم المسجد ودوره في الرؤية الإسلامية من

خلال ثلاثة موضوعات:

الأول: يتطرق إلى التأصيل اللغوي لكلمة مسجد وبحث دلالاتها السياسية

والإشارة إلى سعي بعض الباحثين إلى محاولة طمس الأصل اللغوي العربي للكلمة

ونسبها إلى أصول غير عربية، أو صرف النظر عن المسجد وجعله أقرب ما

يكون إلى دور المؤسسة الدينية في المجتمعات الأخرى من حيث اعتبارها مكاناً

لأداء الطقوس الدينية فقط.

ومن خلال بحث الجذر اللغوي (س ج د) ودراسة اشتقاقاته ومعانيه المختلفة

وتحليل دلالاته السياسية بما يجسده من مجمل القيم والمفاهيم والأخلاقيات الإسلامية، ومن خلال بحث التطور التاريخي والدلالي لكلمة مسجد، فإنه ميز بين ثلاث

مراحل هي: مرحلة العصر الجاهلي التي ارتبط السجود فيها بعبادة الأصنام

والشرك بالله، ومرحلة العصر الإسلامي التي ارتبط السجود فيها بالتوحيد،

والمرحلة الاستعمارية وما تبعها من حقب وضعية؛ حيث ارتبط السجود فيها بأداء

الطقوس، وقد استقر في يقين هذه الدراسة أن كلمة مسجد أصلها عربي وتحمل

دلالات ومعاني تعكس جوهر القيم السياسية الإسلامية.

أما الموضوع الثاني: فيتطرق إلى النظرة القرآنية والنبوية لمفهوم المسجد

من خلال سبع نقاط:

1- اعتبار المسجد بمثابة المكان الذي يتم فيه غرس مفهوم العبودية لله

وتعظيمه، ومن ناحية أخرى اكتساب القيم السياسية الإسلامية ابتداءً من قيمة

التوحيد ومروراً بقيمة الحرية وقيمة المساواة وانتهاءً بقيمة العدالة باعتبارها جميعاً

ترجمة للمضمون السياسي لمعنى العبودية لله.

2- اعتبار المسجد أحد الأركان الأساسية التي ينبغي أن تقوم عليها الدولة

الإسلامية.

3- أهمية المسجد في بناء مقومات الحضارة الإنسانية القائمة على تحقيق

مهام الاستخلاف وتنفيذ السياسة الشرعية في الأرض.

4- المسجد قاعدة أساسية للممارسة السياسية؛ فهو مركز الحياة الاجتماعية

والسياسية للجميع، وحافظ التوازن بين أطراف العلاقة السياسية.

5- المسجد مكان التربية السياسية النفسية التي يتم فيها غرس القيم والمفاهيم

الإسلامية على مستوى أفراد الأمة، كما أنه مدرسة لتخريج القيادات السياسية

والفكرية والعسكرية على وجه الخصوص.

6- تحديد أسس التعامل مع المؤسسات التي من شأنها أن تؤثر سلباً وتعطل

عمل المساجد بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

7- مناقشة الدلالات السياسية لاعتياد المساجد وإعمارها وتعظيمها، وعلى

الوجه الآخر دلالات التخلف عنها وتعطيلها.

الثالث: يتطرق إلى نظرة الفكر الإسلامي إلى أداء المسجد لدوره السياسي،

من خلال تناول ثلاث نقاط:

1- بحث آراء بعض علماء الأخلاق أمثال ابن مسكويه، فيما قالوه عن البعد

الأخلاقي والاجتماعي والسياسي لرسالة المسجد.

2- بحث أقوال بعض علماء الاجتماع والشريعة فيما قالوه عن علاقة المسجد

بالسياسة وكيفية تنظيمها وضبطها كأقوال الماوردي وأبي يعلى الفراء وابن خلدون.

3- بحث آراء بعض الفلاسفة أمثال الكشاني والغزالي وغيرهم حول

المضمون الفلسفي لبعض المفاهيم المرتبطة بالمسجد.

وفي المبحث الثاني: تناول البحث (بناء الإطار الفكري لتحليل الفعل

السياسي للمسجد) مستعرضاً ثلاثة موضوعات:

الأول: عقد مقارنة بين مفهوم السياسة في إطاره الوضعي المعاصر، ومفهوم

السياسة في إطاره الإسلامي الشرعي، على أن يتم تحديد الخصائص المطلوبة

لمفهوم السياسة المستخدم في هذه الدراسة الذي يستند إلى مفهوم السياسة في إطاره

الإسلامي.

الثاني: تناول نظرية الدور واستخدامها في علم السياسة المعاصر مع

إخضاعها للرؤية الإسلامية وإعادة توظيفها في إطار مفهوم الفعل الذي يتناسب مع

مقومات التنظير السياسي الإسلامي.

الثالث: التعريف بالفعل السياسي للمسجد على أنه: (مجموعة الأعمال التي

يقوم بها المسجد، أثناء تفاعله مع أطراف العلاقة السياسية، باعتباره أحد القوى

الوسيطة القائمة بين الدولة والمواطنين، والتي يتم صناعتها، وفق قواعد الشرع،

بحيث تترجم مصلحة الأمة ومصلحة أهل المساجد، باعتبارهم الجهة المشكّلة للفعل، وتؤدي إلى حدوث تأثير في هذه الأطراف ينجم عن رد فعل ذي خصائص معينة) .

وفي الفصل الثاني: (الوظيفة التوحيدية للمسجد) تناول الباحث ثلاثة مباحث

على ثلاثة مستويات: (مستوى الفرد، مستوى الأمة، مستوى العالم) .

في المبحث الأول: (أثر المسجد في غرس عقيدة التوحيد لدى الفرد) ،

استعرض ثلاثة موضوعات:

الأول: أثر نشاطات المسجد في بناء الشخصية السياسية للفرد.

الثاني: أثر المسجد في بناء الإدراك السياسي للفرد.

الثالث: أثر الارتباط بالمسجد على السلوك السياسي للفرد. وفي هذا المبحث

تناول مجموعة من المفاهيم السياسية الإسلامية لرؤية أثر المسجد في تكوينها لدى

الفرد. ومثّل لذلك بمفاهيم منها: التوحيد، المساواة، الحرية، العدالة، الشورى،

الجهاد، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... إلخ.

وفي المبحث الثاني: أثر المسجد في توحيد الأمة: يتعرض لأربعة

موضوعات:

الأول: مجموعة العوامل والأحداث التي ساهمت وبرهنت على زيادة فاعلية

المسجد في توحيد الأمة، وتشتمل على نقاط منها:

1- أداء صلاة الجماعة باعتبارها المظهر الأول لوحدة الأمة.

2- جهاد المشركين ونشر الفتوحات الإسلامية.

3- مقاومة الهجمات الاستعمارية.

4- معالجة وقوع حدث طارئ تتعرض له الأمة أو أحد أقاليمها.

5- التعدي على حرية المساجد وأثره في تفكك الأمة.

6- المساهمة في بناء المساجد وأثره في توحيد الأمة.

الثاني: (طبيعة ردود الفعل الصادرة عن الأمة ومظاهر التوحيد الناجمة

بسبب هذه العوامل والأحداث) ، وهناك ثلاثة مستويات من ردود الفعل هي:

1- مستوى ردود الفعل الاتصالية ذات الطابع الإعدادي التحضيري: وتشمل

خطب الجمعة، ودروس الوعظ والندوات، والمؤتمرات والمحاضرات اللازمة

لتشكيل الوعي السياسي بطبيعة الحدث الذي تتعرض له الأمة.

2- مستوى ردود الفعل المحدودة: وتشمل المظاهرات والاحتجاجات الشعبية

والإضرابات المصحوبة بسخط وغضب وضغط شعبي كبير.

3- مستوى ردود الفعل واسعة النطاق: وتشمل تصاعد الردود إلى حد إعلان

نشوب حرب تبدأ بإعلان الجهاد، والتعبئة العامة وخوض حرب نظامية، أو

بإعلان الجهاد المرتبط بالمقاومة الشعبية.

الثالث: مكانة المسجد وموقعه من الأحداث وردود فعلها، وطبيعة أثره في

توحيد الأمة، ويتحدد ذلك من خلال النظر إلى المسجد من خمس زوايا:

1- المسجد قاعدة التوحيد الثقافي المنظم لأفراد الأمة، وفيما يتم عرض نسق

الوحدة الناظمة، والذي اقترحه الباحث كي يستخدم أداة تحليل علمية لدراسة مدى

تأثير مجموعة من المساجد في فترة زمنية معينة في توحيد الأمة.

2- المسجد قاعدة للإعداد والانطلاق الفكري.

3- المسجد قاعدة لإيجاد الحافز والانطلاق الفعّال.

4- المسجد أداة تستخدمها القوى السياسية في تحقيق المصلحة العامة

والخيرات المشتركة للأمة وفي تحقيق مصلحة الشرع.

5- المسجد وسيلة لغرس الهيبة الإسلامية في النظام الدولي، وخلق الوعي

بالأمة باعتباره كياناً حركياً له تأثيره في العلاقات الدولية.

الرابع: أوجه المقارنة الرئيسة بين فعل المسجد لتوحيد الأمة في الخبرة

الإسلامية وفعله في الواقع المعاصر؛ مع تحديد مقومات توحيد الأمة وتحقيق عزتها

ووعيها بعد الوهن الذي أصابها، مع بحث أثر المسجد في إحيائها والمشاركة في

نهضتها.

وفي المبحث الثالث: (الوظيفة العالمية والحضارية للمسجد) يستعرض

الباحث موضوعين:

الأول: ماهية الوظيفة العالمية والحضارية للمسجد.

الثاني: المهام الرئيسة المطلوبة من المسجد لأداء رسالته العالمية، ثم يختم

المبحث بتوضيح عوامل زيادة فعالية المسجد لوظيفته هذه، وهي ثلاثة:

1- إطلاق الدعوة الإسلامية في كل مكان.

2- إعلان الجهاد.

3- بناء المساجد في العالم وتطويرها.

وفي الفصل الثالث: (وظيفة التنشئة السياسية) يتناول الباحث ذلك في

مبحثين، ففي المبحث الأول: (العناصر الرئيسة لعملية التنشئة في المسجد) ،

يستعرض خمسة موضوعات:

الأول: القائم بالتنشئة السياسية في المسجد: ويعني به: خطيب الجمعة،

الواعظ، إمام صلاة الجماعة، مدرس القرآن، مدرس العلوم الشرعية والمدنية،

المفتي، القاضي ... إلخ، يتطرق فيه الباحث إلى ثلاث نقاط:

1- أهمية وقيمة القائم بالتنشئة المسجدية في العالم الإسلامي.

2- إعداده.

3- المهام السياسية المطلوبة منه وطبيعة أفعاله.

الثاني: مادة التنشئة، ويعني بها: القرآن الكريم وعلومه، السنة النبوية

سيرةً وأحاديثَ، والفقه الإسلامي، الخبرة، التراث الفكري والعلمي، القضايا

والمشكلات المعاشة من وجهة النظر الإسلامية، ويتم فيه التطرق إلى موضوعين:

1- الدلالات السياسية لمواد التنشئة المسجدية.

2- بحث أثر مادة التنشئة المسجدية في تحديد الاتجاه السياسي لبعض القضايا

السياسية الهامة في الواقع المعاصر، ويتم فيها استعراض ثلاث قضايا هي: مشكلة

السلطة والخلاف الحاد حول مفهومها وتحديد النظرة المسجدية إزاءها، أزمة الهوية

والولاء والانتماء وزيادة انتشارها، مشكلة فلسطين.

الثالث: الجمهور المستقبل للتنشئة المسجدية: ويعني به كافة أفراد الأمة على

وجه العموم، ومن يعتاده منهم على وجه الخصوص، ويتم فيه التطرق إلى أربع

نقاط:

1- العوامل الرئيسة التي أدت إلى اعتياد معظم أفراد الأمة للمساجد في

الخبرة الإسلامية.

2- العوامل الرئيسة التي أدت إلى انقطاع معظم الناس عن المساجد في

الواقع المعاصر، وفيها يتم استعراض الأفعال المضادة للمساجد كتضييق الخناق

عليها وإنشاء مؤسسات اجتماعية مضادة.

3- استعراض قضية التخلف والتبعية وعدم القدرة على مواكبة التقدم العلمي

والتكنولوجي، ومشكلة انتشار الأفكار السياسية والفلسفات الاجتماعية التي تتعارض

تعارضاً واضحاً مع أحكام الشريعة.

4- المقترحات الإجرائية لإعادة ربط الناس بالمساجد والدلالات السياسية

الناجمة عنها.

الرابع: بيئة التنشئة المسجدية، وهي: إما بيئة مواتية للفعل الحضاري

تسعى إلى إمكانية تقويم المجتمع، وإما بيئة معاكسة تسعى إلى إقصاء هذا الفعل.

وتنقسم البيئة هذه إلى قسمين: البيئة الداخلية وتشمل حياة المسجد والنظام المسجدي، والبيئة الخارجية عنه وهي قسمان: بيئة إسلامية وبيئة عالمية، وتتطرق الباحث

فيها إلى ثلاث نقاط هي:

1- مفهوم روح المسجد.

2- البيئة الصالحة المواتية للتنشئة السياسية وأثر روح المسجد على صلات

المؤسسات في الخبرة الإسلامية.

3- البيئة المعاكسة للتنشئة وأثر المسجد على إصلاح المؤسسات السياسية في

الواقع المعاصر.

الخامس: أثر المسجد في تنشئة القيادات والصفوات السياسية والفكرية

والعسكرية باعتباره مدرسة تسهم في تخريج هذه القطاعات التي بنت الحضارة في

السابق.

وفي المبحث الثاني: (أثر المسجد في بناء الثقافة السياسية لدى الفرد)

يستعرض الباحث: التحديد بمفهوم الثقافة السياسية الإسلامية، ثم معرفة أثر

المسجد في بناء الوعي السياسي واكتساب القيم والمفاهيم الإسلامية، ثم يتناول أثره

في تحديد النظرة المتميزة لثلاثة مفاهيم جوهرية تشكل الإطار العام للثقافة السياسية

هي: مفهوم السلطة، مفهوم الشرعية، مفهوم المشاركة، ثم بعد ذلك يتناول

الباحث أثر المسجد على عملية التجنيد السياسي وعملية الاستقرار السياسي، ثم في

الختام يتناول مهمته في الحفاظ على الثقافة السياسية الإسلامية وحفظها من الزوال.

وفي المبحث الثالث: (أنماط المقترحات النظرية للباحث) وتشمل نسقين:

أحدهما: لضبط علاقة المسجد بالسلطة ويسمى: (نسق العلاقة بين المسجد

والسلطة الحاكمة) ، والآخر لضبط مواجهة المسجد لمؤسسات الضرار ومعرفة كيفية

إيقاف أفعالها المضادة ويسمى: (نسق العلاقة بين مسجد التقوى ومؤسسات

الضرار) .

الثاني: تحديد المهام المطلوبة من أطراف العلاقة وطرق ضبطها على

مستوى الممارسة السياسية. وقد تبين في هذا الفصل من خلال المقارنة بين الخبرة

والواقع على مستوى المراحل الثلاث المذكورة آنفاً حرص الأنظمة الحاكمة في

المرحلة الأولى على إعمار المساجد وحفظ استقلاليتها الكاملة لممارسة نشاطاتها

وحقوقها السياسية وغير السياسية، وتبين على مستوى المرحلة القومية المعاصرة

حرص الأنظمة الحاكمة على تحجيم المساجد أو تطويعها وفق سياستها وتوجهاتها

كي تتوافق ومشاريعها التنموية التي تنطلق من رؤيتها الخاصة لما يجب أن تقوم به

المؤسسات الدينية من تأثير يتشابه إلى حد كبير مع ما تقوم به نظيرتها في المجتمع

الغربي.

وفي الفصل الخامس: يتناول الباحث (العلاقة بين المسجد والقوى السياسية

الوسيطة، وبناء إطار فكري للتعامل بين الطرفين في الواقع المعاصر) في مبحثين:

المبحث الأول: (الفعل ورد الفعل المتبادل بين المسجد، والحركة الإسلامية،

والقوى الحزبية المعاصرة) ويستعرض من خلاله موضوعين:

الأول: بحث دلالات التنافر الحاصلة بين المسجد والقوى الحزبية، مع نقد

الإطار الوضعي للظاهرة الحزبية، وفيها يتم التطرق إلى أربع نقاط:

1- نقد الإطار الوضعي لقانون الأحزاب السياسية في الوطن العربي.

2- مقارنة بين أداء النظم الحزبية والفعل السياسي للمسجد.

3- السياسة الحزبية والوضعية المعاصرة تجاه المساجد.

4- الفعل السياسي لأهل المساجد تجاه الظاهرة الحزبية المعاصرة.

الثاني: بحث دلالات التعاضد الحاصلة بين المسجد والحركة الإسلامية،

وفيها يتم التطرق إلى ثلاث نقاط:

1- دلالات التعاضد المرتبطة بتطابق المقصد والتأسيس والمسار، وأهمية

المسجد في ولادة الحركة الإسلامية.

2- دلالات التعاضد المرتبطة بأهمية المساجد بالنسبة للحركة الإسلامية على

مستوى الوظيفة الاتصالية.

وفي المبحث الثاني: (مستويات التعامل الفكري مع الظاهرة الحزبية من

منطلق التعاضد بين المسجد والحركة الإسلامية) يستعرض الباحث ثلاثة

موضوعات:

الأول: بناء الإطار التنظيمي للمساجد وأثره في تقوية الوظيفة الاتصالية

للمسجد من خلال تناول خيارين: أحدهما لرفض الظاهرة الحزبية؛ والآخر لإعلان

الحياد تجاهها، وفيه يتم التطرق إلى نقطتين:

1- تحليل الإطار التنظيمي للمساجد على المستوى العام من خلال مقومات

البناء وشروط النجاح.

2- الإطار التنظيمي للمساجد على المستوى العام من خلال عرض الهيكل

التنظيمي المقترح للمساجد الذي يؤدي إلى تحقيق تماسكها على مستوى الدولة

الواحدة.

الثاني: الضوابط الشرعية للظاهرة الحزبية من خلال استعراض خيار القبول

المرتبط بتجريد الإطار الوضعي.

الثالث: المهام المشتركة وأساليب التعامل الحركي بين المسجد والحركة

الإسلامية في مواجهة الإصرار على استمرارية الإطار الوضعي للظاهرة الحزبية.

وفي الفصل السادس: يتناول الباحث نسق الوظيفة الاتصالية السياسية

للمسجد في مبحثين:

ففي المبحث الأول: (التعريف بالوظيفة الاتصالية للمسجد) يستعرض ست

نقاط هي: مفهوم الوظيفة الاتصالية للمسجد، الأبعاد الرئيسة للمفهوم، خصائص

علاقات الاتصال، مقومات العملية الاتصالية، معوقات أدائها، أهدافها.

وفي المبحث الثاني: (مكونات النسق وكيفية تطبيقه) تعرض الدراسة

المكونات الرئيسة الخمسة التي يشتمل عليها النسق وهي: الأجزاء، الضوابط،

المراحل، المداخل المنهاجية، المهام الاتصالية، وتعرض أيضا: كيفية تطبيقه

على الواقع العربي المعاصر من خلال بحث مستويات التطبيق وكيفيته.

رابعاً: نتائج الدراسة:

وفي الخاتمة تذكر الدراسة النتائج الآتية:

1- ثبت أن المسجد قام بفعله السياسي على أكمل وجه في الخبرة الإسلامية

على وجه العموم؛ إذ يرجع إليه الفضل في إنشاء مقومات الحضارة الإسلامية عن

طريق تخريج أجيال تحولت بكافة فئاتها رجالاً ونساءً وشباباً وأطفالاً وشيوخاً إلى

قطاعات فعالة متحفزة للعمل والجهاد. أما على مستوى الواقع المعاصر فقد تبين أن

المسجد قام بفعل سياسي ضعيف مقارنة بالخبرة، ويرجع السبب الأول في ذلك إلى

زيادة تأثير الأفعال المضادة التي تعرض لها من قِبَل البيئة الخارجية، فلم يستطع

المسجد القيام بفعله في تنشئة الأجيال التي ينبغي أن يقوم على عاتقها التحرر من

التخلف والتبعية، ولم يستطع أيضاً تخريج القيادات السياسية والفكرية والعسكرية

المؤهلة لتحقيق طموحات الأمة وأهدافها التي ترتكز على إيقاف متواليات الوهن

وبناء القوة من جديد.

2- ثبت أيضاً أن اعتياد المساجد وممارسة نشاطاتها كان عاملاً جوهرياً

لظهور القيادات والأجيال الواعية التي استطاعت بناء الحضارة وإدارة دفة الدولة

الإسلامية؛ إذ تمثل قوة أولى في النظام الدولي كما حدث في الخبرة الإسلامية،

وثبت أن التخلف عن اعتيادها أدى إلى وقوع أفراد الأمة فريسة سهلة للتخلف

والتبعية مثلما حدث في الواقع المعاصر مع انتشار مؤسسات الضرار.

3- ثبت أيضاً أن استخدام السلطة لمسالك التعامل المواتية لأهل المساجد بما

فيها منح الحقوق والحريات السياسية أدى إلى تحقيق وحدة الأمة وتعاضدها وتعميق

التعاون بين السلطة والرعية كما حدث في الخبرة الإسلامية. وثبت أن استخدام

مسالك التعامل المعاكسة لأهل المساجد من قمع وإكراه وتشويه وتضليل وتلفيق

وتعتيم وكبت للحريات وفرض للقيود القانونية والمالية والإدارية، إنما يؤدي إلى

عدم الاستقرار السياسي وزيادة أزمة الشرعية وتعميق عدم التقبل بين السلطة وأهل

المساجد كما يحدث في الواقع المعاصر.

4- ثبت أيضاً أن التعامل الرئيس الذي يمكن أن يساعد في بناء قوة المساجد

في مواجهة الأنظمة الحاكمة، بما في ذلك إعادة هيبة العلماء وزيادة مساندة الرعية

لهم هو تحقيق الاستقرار المالي ثم الإداري لعلماء المساجد، بالإضافة إلى اهتمامهم

بخلق الوعي لا سيما الوعي بالشرع لدى الرعية غير الواعية.

5- ومن النتائج الهامة التي تم استنتاجها: ضرورة الاهتمام بأثر المسجد في

التنشئة السياسية لما له من فعل سياسي بارز على مستوى زيادة قوة الفعل السياسي

للمسجد على وجه العموم.

6- تعد الوظيفة التوحيدية بمثابة الغلاف العام الذي يحيط بالفعل السياسي

للمسجد الذي يتحرك من خلاله كافة الأفعال الرئيسة والفرعية الأخرى.

7- تعد الوظيفة الاتصالية السياسية كما ذكرنا من قبل جوهر الفعل السياسي

للمسجد نظراً لأهميتها في تشكيل محور اهتمام علم السياسة الذي يبحث في موضوع

السلطة وموضوع العلاقة بين الحاكم والمحكوم وسبل تحقيق توازنها؛ فالوظيفة

الاتصالية للمسجد تسعى إلى ضبط هذه العلاقة على أساس المصلحة الشرعية

ومصلحة الأمة؛ بحيث لا يترك المجال لسيطرة السلطة بصورة استبدادية تقوم على

هضم الحقوق والحريات.

وتكمن دلالة النتائج الخاصة بهذا البحث الاستكشافي بالنسبة للدراسات التي قد

يقوم بها باحثون آخرون في المستقبل في أنها تفتح المجال لإجراء الدراسات

التطبيقية على مسجد ما أو مجموعة مساجد، على أن يستخدم أحد الأنساق المقترحة

أداةً للتحليل، ولعل (نسق الوظيفة الاتصالية للمسجد) ونسق العلاقة بين المسجد

والسلطة الحاكمة) يفتحان على سبيل المثال حقلاً خصباً في هذا المضمار، كما أن

تطوير دراسات نظرية أكثر عمقاً ودقة هو أمر مطروح أيضا يمكن أن يساهم به

باحثون آخرون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015