مجله البيان (صفحة 3045)

المسلمون والعالم

واقع العمل الدعوي في نيجيريا

مشكلات وحلول [*]

محمد بابنجيدا محمد

إن النظرة السريعة العابرة إلى واقع العمل الدعوي في نيجيريا قد توحي إلى

الناظر بأن الأمور تجري على أحسن ما يرجى، وأن الدعوة الإسلامية تسجل تقدماً

ونجاحاً فائقاً في كل المجالات على الإطلاق.

فهناك ارتفاع ملموس في مستوى الوعي العام نتيجة لكثرة النشاطات الدعوية. وتبهج أنظارنا كثرة المساجد المشيدة العالية المنارات، والمزخرفة بأنواع

الزخارف المنتشرة في المدن والقرى، وتمتلئ هذه المساجد بالمصلين والذاكرين الله

تعالى بكرة وعشياً. ففي مدينة (كانو (فقط يوجد ما يقرب من عشرين مسجداً جامعاً، يمتلئ كل مسجد بنحو ألف من المصلين في أيام الجمعة، وفيها أيضاً ما لا يقل

عن ألف مسجد للصلوات الخمس وأضعاف هذا العدد من المصليات.

ونشاهد كذلك زيادة تحمس الناس فيها على أداء الشعائر التعبدية مثل: الصلاة، والصوم، والحج، حتى إن عدد الحجاج من نيجيريا في بعض السنوات يبلغ مائة

ألف أو يزيدون. وتقام حلقات الدرس، وتعقد المحاضرات العامة والندوات

والمؤتمرات الإسلامية والدورات التدريبية وغير ذلك من الأنشطة الدعوية كلها

بشكل يدعو إلى الإعجاب والسرور. ويزيد إقبال الشباب على الدين برغبة قوية

في تحصيل علمه وتطبيق أحكامه وتعاليمه. وقد أبعدوا أنفسهم عن الحركة

التغريبية المدمرة للعقيدة والأخلاق، وتحملوا مشاق السير في طريق الدعوة

الإسلامية.

وتبنى المدارس الإسلامية في كثير من المدن والقرى، وتتجه إليها المرأة

المسلمة المحجبة والمعتزة بدينها لتتعلم دينها. ويُعتنى في هذه المدارس أيضاً بغرس

الآداب الإسلامية؛ ويهتم بتحفيظ القرآن للصغار حتى صارت لنيجيريا سمعة في

المسابقات العالمية التي تعقد سنوياً بمكة المكرمة لتلاوة القرآن وتجويده وتفسيره.

وتملأ الساحة كذلك عدة مؤسسات وجماعات إسلامية محلية وعالمية، كلها

تبذل جهدها في أداء واجبها الدعوي على حسب طاقتها ورؤيتها للأمور. وتصل

إلينا الأخبار بإسلام أعداد كبيرة من الوثنيين والنصرانيين وأحياناً من ذوي المكانة

الدينية والاجتماعية فيهم.

ولا شك أن كل هذه الظواهر التي ذكرناها تعتبر سمات لتقدم ونجاح العمل

الإسلامي في نيجيريا، ولكن النظرة الفاحصة الدقيقة تبين لنا أن الواقع لا يطابق

تماماً ما قد توحي به هذه الظواهر.

فالدعوة الإسلامية في نيجيريا تمر بأصعب مراحل سيرها؛ فهي تسير في

وسط بحر لجي، تلعب بها الرياح العاصفة، فتدفعها تارة هنا، وتارة هناك،

وتنهال عليها الطيور الجوارح بدون توقف أو إمهال.

ولقد أصبح العاملون في ساحة الدعوة كقطع الخشب المتناثرة، لا يكادون

يقوون على الصمود أمام أمواج المشاكل والعوائق التي تندفع نحوهم؛ فظلم الطغاة

وكيد الماكرين وإيحاءات المبطلين، ووساوس الشياطين وإيذاء الجاهلين، كلها

تحدق بالدعاة.

وسنحاول إن شاء الله استعراض أبرز المشكلات والعوائق التي تواجه العمل

الإسلامي في نيجيريا ثم نُتبع ذلك بما يتسنى لنا ذكره من حلول.

ومن أبرز المشكلات والعوائق:

1- عجز أكثر العلماء وتقاعسهم عن العمل الدعوي:

إن الدعوة الإسلامية أساساً لم تنتشر إلا على أيدي العلماء العاملين، ولكن

ومع الأسف الشديد في الظروف القاسية التي تعايشها الدعوة الإسلامية حالياً،

تقاعس جل علمائنا في نيجيريا عن أداء واجبات الدعوة: من إظهار الحق،

وإبطال الباطل، والدفاع عن بيضة الإسلام، وأدت المادية وحظوظ النفس ببعضهم

إلى مداهنة الحكام والسير في ركبهم، وإصدار الفتاوى المؤيدة لهم.

واختار بعض المتصوفة العزلة، واكتفوا بترديد الأذكار وإنشاد الأشعار في

مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- وادعاء الفناء عند التأثر بالدفوف والغناء.

واكتفى كثير من العلماء الذين درسوا على الطريقة التقليدية القديمة بالعكوف على

كتب المذهب المالكي، لا يخرجون عنها قيد شبر. وقد تجد من هؤلاء من يردد

ترجمة بعض كتب المذهب باللغة المحلية بشكل آلي لا يكاد يفهمه القائل فضلاً عن

السامع، ولكن نقول: إن بجانب هؤلاء في البلد بحمد الله علماء أجلاء؛ لهم دورهم

في نشر العلم والفقه، وفيهم من لا يخلو من نزعات صوفية، ولكن بعضهم على

درجة من العلم لا تستهان، وكان من أبرز علماء البلد: الشيخ أبو بكر جومي

رحمه الله الذي قد فاق الأقران في علمه وتواضعه، وفي زهده وفي شجاعته وثباته

على الحق، وفي تأثيره على أوسع نطاق وفي نفعه العام للمسلمين في نيجيريا.

كان سلفياً، متمسكاً بالسنة وداعياً إليها، وحارب البدع والخرافات.

2- التصدي للدعوة ممن لا يصلح لذلك:

لما تقاعس جل العلماء عن واجبات الدعوة تصدى لها كل من هبّ ودبّ، فقام

كل من ظن في نفسه أهلية الدعوة؛ فوعظ وأفتى، وحلل وحرم، وبدّع وفسّق؛ بل

وأدخل الجنة من شاء، ورمى في النار من شاء. وتجد أحدهم جاهلاً في أمور دينه؛ ولكنه يتصدر للوعظ محتجاً بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بلّغوا

عني ولو آية) [1] فيستطرد في تبليغ معنى الآية؛ وهو لم يدركها، ويتدخل في

مجالات أخرى لا علم له بها، فيهلك ويُهلك. وأكثر ما يوجد هذا الصنف في

أوساط الشباب.

وهذا أمر منتشر الآن في نيجيريا؛ حيث تجد رجلاً لا يكاد يميز بين الفاعل

والمفعول، والجار والمجرور فضلاً عن معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه وغير ذلك

من علوم القرآن وهو مع ذلك يتفيهق بمعرفة غوامض القرآن وأسراره. والله

المستعان. ولقد رأينا صنفاً من الناس ولا يزالون في المجتمع يحملون الناس على

غريب القصص المأخوذة من كتاب يدّعون أنه الزبور، وغيره من كتب

الإسرائيليات، وما همهم في ذلك كله إلا جمع الناس حولهم؛ لينالوا منهم حظوظ

الدنيا الفانية.

وهناك صنف من المتمشيخين يدّعون الصلاح ومعرفة الغيب، وقوة جلب

النفع ودفع الضر، ويدعون الاختصاص ببعض الأسرار. وإنما أولئك كهان

وسحرة، وما هم بمسلمين؛ وإن صاموا وصلوا ... فهم كالفئران يقرضون أساس

بنيان الإسلام.

3- فقدان الحكمة والأسلوب الحسن لدى بعض الدعاة:

الحكمة والأسلوب الحسن من أهم الأدوات التي يصل بها الداعي إلى مراده.

وقد أرشد الله تعالى نبيه إلى الاعتماد على الحكمة عند دعوة الناس إلى الحق؛ فقال

تعالى: [ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ] [النحل: 125] . وقال

في آية أخرى: [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي]

[يوسف: 108] . فلا يكون الداعي متّبعاً لمنهج النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا

افتقد البصيرة والحكمة في دعوته.

ولقد تغافل كثير من دعاتنا عن هذه القاعدة المهمة، ورأوا أن الانفعالات

والصياح ورفع الأصوات والتفيهق بالألفاظ وإصدار الأحكام الحاسمة على الناس،

كلها من لوازم الدعوة الجادة، فأثاروا بأسلوبهم هذا الضجيج حولهم، ونفروا الناس

من حولهم. فأين هؤلاء من الأسوة النبوية؟ ! ألم يوصف رسول الله -صلى الله

عليه وسلم- بأنه: [عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ]

[التوبة: 128] ألم يكن هذا سر اجتماع الناس من حوله -صلى الله عليه وسلم-

وقبولهم لدعوته؟ [وَلَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ]

[آل عمران: 159] . ثم ها هو بنفسه يصدر هذا التوجيه ببلاغته العظيمة فيقول: (يسِّرا ولا تعسِّرا وبشِّرا ولا تنفِّرا) [2] .

ولكن بعض الدعاة هنا في نيجيريا سوّل لهم الشيطان أن الرفق والعطف

واللين بالناس من علامات الضعف والخوف والخور، فأخذوا بالشدة والقسوة،

ومنهم من لا يراعي فقه إنكار المنكر، فيرون أن المنكر لا بد من إزالته مهما كان

الأمر، بصرف النظر عن المصلحة أو المفسدة المترتبة على ذلك. والحق أن

الأمر والنهي له ضوابط لا بد من مراعاتها [3] .

وكم من فرص كبيرة للدعوة ضيعت بسبب سوء أساليب بعض الدعاة! وكم

من بدع ومنكرات كانت قليلة الانتشار، ثم عظمت إثر الأسلوب الخاطئ للإنكار.

ومثال ذلك: ما لاحظنا من زيادة أنواع مخصوصة من بدع المتصوفة في السنوات

العشر الماضية، ومن ذلك: الجهر بالأذكار في الطرقات بشكل مزعج، وإقامة

الموالد البدعية للشيوخ الأحياء منهم والأموات وغير ذلك من البدع المنكرة.

4- الفرقة والاختلافات:

إن الفرقة والاختلاف قد تسربا إلى جسد الأمة الإسلامية في هذا البلد، حتى

أصبحا من سمات المسلمين. تكثر المنازعات والمشاجرات بين الفئات والجماعات

المنتسبة إلى الإسلام؛ فكل من دعا بدعوة وروّجها بين الناس صار له أتباع

وجماعة. فصار حالنا كما قال الشاعر وكأنه نيجيري:

وما شكواي أو شكواك إلا ... لفوضى في المجامع وانقسام

ترى كلاً له أمل وسعي ... وما لاثنين حولك من وئام

لكل جماعة فينا إمام ... ولكنّ الجميع بلا إمام

أدت هذه الحال إلى ظهور جماعات إسلامية، لا تُعد ولا تُحصى بعضها لا

طائل تحته، همها فقط الدفاع عن أشخاص، أو الهجوم على آخرين. وقامت

قيادات فردية لا ترى لأحد غيرها صلاحية في العمل الإسلامي، واتخذ بعضهم

العمل الإسلامي حكراً لهم، ولا يعترفون بغيرهم، ولا يستشيرون غيرهم من الدعاة، ولا يتعاونون معهم وإن اتفقوا في العقيدة والهدف والأسلوب.

عظمت الفرقة حتى صارت العداوة والبغضاء بين بعض فئات المسلمين إلى

حد جعل بعضهم يتقربون إلى النصارى للتغلب على الفئة المسلمة الأخرى. وقد

حدث مثل هذا في بعض حوادث الانتخابات السابقة؛ حيث ترشّح مسلم ونصراني

للانتخاب في بعض مقاطعات محلية، فصوّت بعض المسلمين للنصراني؛ لأن

المسلم ينتمي إلى جماعة مسلمة لا يحبونها. فلما ترأس النصراني كرسي الحكومة

المحلية؛ أخذ يدبر للقضاء على الإسلام، ويمد يد العون للهيئات التنصيرية.

فيالغَفلة المسلمين!

5- عدم تحديد الأهداف والتخطيط الجيد:

تفتقد كثير من جماعاتنا الإسلامية تحديد أهدافها وتخطيط سيرها في العمل

الإسلامي، وقد تفاجأ بالسطحية في التفكير عند بعضهم. وأدى هذا إلى الفوضوية

في العمل الإسلامي؛ فإنك تلقى عدداً من الدعاة يتبنى كل ما يتصور في ذهنه من

عمل أو تصرف، ويستوقف جهده على ذلك العمل، ويعتبره العمل الإسلامي

الوحيد، ويهمل ما هو أهم منه وأوجب.

ونتيجة لعدم التخطيط تجد الجماعات الإسلامية تكرر جهودها في حدود أعمال

معينة بشكل معدم للفائدة ومهدر للطاقات. ولهذا؛ فإن هناك حاجة ماسة إلى دراسة

عميقة لاحتياجات الدعوة في نيجيريا، والتخطيط لها تخطيطاً جادّاً؛ فهل دعاتنا

مستعدون لذلك؟ !

6- النفوذ النصراني:

استطاع النصارى بسبب خططهم الماكرة وجهودهم الجبارة أن يتغلبوا على

المسلمين في كثير من أمور الدولة؛ فنفوذهم قوي في أجهزة الدولة ولا يتهاونون في

استغلال ذلك لأهدافهم. وما زال المسلمون يتغنون بكثرة العدد وتاريخ الآباء

والأمجاد.

ومستقبل المسلمين في هذا البلد رهين بقدرتهم على رفع مستوى نفوذهم في

الدولة، وإيجاد القوة اللازمة سياسياً وعلمياً واقتصادياً وعسكرياً.

ثم إن هناك حملة تنصيرية مركّزة على مسلمي نيجيريا، وعلى الأقلية الوثنية

التي تجاور المسلمين في شمال البلاد وهم الذين يسمون بـ (الماغوزاوا)

Maguzawa أي الفارون عن الإسلام.

وقد نشرت المؤسسة الإسلامية بلندن وثيقة سرية منذ عدة سنوات عن مشروع

تنصير الفلاتة Fulata evanjelism.

وليس من المبالغة إن قلنا: إن الثمرات لو أتت على قدر الجهود التي يبذلها

النصارى، أو على قدر الأموال التي ينفقونها لما بقي على أرض نيجيريا مسلم.

ولكن الله سلّم، وصدق الله سبحانه وعده إذ يقول: [إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ

أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ]

[الأنفال: 36] . ولكن لا ينبغي للمسلمين أن يتواكلوا؛ فقد أُمروا بإعداد القوة بكل أنواعها، ولا يزال الخطر النصراني يهدد حصون الإسلام في نيجيريا، ومن ثمّ كل غرب إفريقيا.

إن المجمع الكنسي العالمي، والهيئات التنصيرية العالمية كلها قد اتخذت

نيجيريا قاعدة لعملها التنصيري، وهي بجانب ذلك تدعم الهيئات المحلية دعماً مادياً

ومعنوياً. وهناك مئات من الأوربيين بمختلف جنسياتهم أوقفوا حياتهم كلها للعمل

التنصيري في نيجيريا؛ فبعض من وصلنا خبره من الأوربيين مكث في قرية أكثر

سكانها وثنيون لمدة ثلاثين سنة (30 سنة) حتى استطاع بعد جهد مرير وطويل أن

يغرس للنصرانية غرساً راسخاً. وقد تعلم اللغة المحلية حتى صار يجيدها، ويعيش

في وسط أهل القرية، ويوثق علاقته معهم بكل وسيلة تتاح له. كان يقدم مساعداته

لأهل القرية بدون أجر ولا مقابل، حتى ملك قلوبهم؛ فساقهم إلى الهلاك. وهذا من

أهم أساليب النصارى في التنصير؛ إذ يقومون بتوزيع الأدوية واللباس وغير ذلك

من الضروريات مجاناً؛ حتى يستميلوا قلوب الناس.

وهناك ظاهرةُ كثرةِ الكنائس حتى في المناطق الإسلامية. ومن غريب مكر

النصارى أنهم إن استجاب لهم ولو بيت واحد في أي قرية بنوا فيها كنيسة فاخرة

إظهاراً لوجودهم وكسراً لقلوب المسلمين وأملاً للمستقبل.

وقد ترجموا الإنجيل إلى أكثر اللغات المحلية، ويوزعون بين المسلمين

نشرات باللغة العربية، توهم بأنها كتب إسلامية من باب الخديعة والمكر. والذي

ذكرناه هنا عن نشاطات النصارى في نيجيريا قليل جداً حتى لكأننا لم نذكر شيئاً؛

والخطر عظيم وجسيم، وليت المسلمين ينتبهون فيقوموا بالرباط في هذا الحصن

العظيم من حصون الإسلام.

7- فتنة التشيع:

إن التشيع لم يكن معروفاً في هذه البلاد قبل ثورة الخميني. وقد وقع بعض

الشباب المتحمسين في ورطة التشيع جهلاً منهم بحقيقة الثورة الإيرانية ودين الشيعة.

وأخذت دولة إيران تستميلهم وتجذبهم إليها رويداً رويداً بأنواع من الحيل:

ترسل تذاكر سفر إلى طلاب فقراء ليشاهدوا بعض المناسبات مثل: عيد الثورة،

ويستقبلونهم استقبال كبار الزوار وهم طلاب فقراء ويمدونهم بأموال طائلة مذهلة

تغلق عقولهم، وتذللهم لأهداف الشيعة، وتفتح أبواب مدارسها ومعاهدها للطلاب

النيجيريين، وتسخر لهم منحاً دراسية، ويوجد الآن عدد كبير من الطلاب

النيجيريين يدرسون في إيران مختلف التخصصات.

وهناك مدارس شيعية داخل نيجيريا في كانو وباوشي وزاريا ولاجوس

وأوكيني وغيرها. فمدرسة أهل البيت في كانو تجذب عدداً من الشباب، وتروّج

فيهم فكرة نكاح المتعة. ويقوم الشيعة اللبنانيون المقيمون في نيجيريا بدعم هذه

المدارس وتحمّل رواتب دعاة الشيعة؛ وترسل المطبوعات من إيران باللغات

الإنجليزية والهوسوية والعربية؛ حيث تطبع في إيران مجلة بلغة هاوسا باسم:

(Sakon Musulumci) أي: الرسالة الإسلامية، وجريدة الميزان Mizan

والمطبوعة أيضاً بلغة هاوسا في نيجيريا، تدعم كلياً من إيران؛ فهي لسان الشيعة

في نيجيريا، ولقد أظهر هؤلاء الشيعة سب الصحابة ولعنهم، وتحاملوا على السنة

النبوية ورواتها، وأحدثوا اضطرابات وفتناً أدت إلى سفك الدماء في زاريا وكادونا

وسوكوتو وكانو وفي عدة مدن وقرى.

8- فِرَقٌ ضالة أخرى:

هناك فرق ظهرت في نيجيريا، تعمل سراً وعلانية في تشويه صورة الإسلام، وطمس معالمه. منها ما له جذور أجنبية مثل: القاديانية والبهائية. فالقاديانية

دخلت مع الاستعمار الإنجليزي؛ ولعل هذا هو سبب تمركزهم في الولايات

الجنوبية مثل لاجوس وأويو. ولهم نشاطات مذهبية قوية منذ فترة طويلة؛ فقد

فتحوا مدارس ومراكز صحية ومستشفيات وغيرها. ولقد قام بعض العلماء بالإنكار

عليهم، فدحضوا حججهم، وبينوا كفرهم البواح؛ ومع ذلك يظل كثير من الناس

في جهل عن حقيقتهم. والحكومة تعترف بهم فرقةً إسلامية.

وهناك فِرَق محلية ضالة أيضاً مثل الميتثينية Maitatsine - والقالقاتونية -

Kala Kato وهم أشبه بالقرآنيين الموجودين في بعض البلاد الإسلامية؛ يدّعون

الاعتماد على القرآن فقط، ويرفضون أي كتاب آخر، ولا يؤمنون بحجية السنة؛

فهم يؤدون الشعائر التعبدية على ما سولت لهم شياطينهم، ويعتمدون على الشعوذة

والدجل وضروب من السحر. وتكونت هذه الفرقة في أوساط المعتنين بحفظ القرآن

على الطريقة القديمة المتعارف عليها في بلاد السودان. وهم الذين عرفوا

بـ (غرداوا Gardawa) حملوا السلاح على جمهور المسلمين في مدينة كانو في سنة 1981م واعتبروهم كفاراً. وتتابعت الفتنة في مدن مايدوجوري وجومبي وفونتوا.

وأخذت أجهزة الإعلام بعد ذلك تصوّر كل تجمع إسلامي على أنه ميتاثيني حتى

تثير الحكومة ضد كل الجماعات الإسلامية.

9- المشاكل الاقتصادية:

يعاني المسلمون في نيجيريا من المشاكل الاقتصادية؛ حتى انعكست آثارها

السيئة على الدعوة الإسلامية. فكثير من الجماعات الإسلامية تعتمد على ميزانية

ضئيلة، وبعضها قد تسيء التصرف بما لديها من الأموال.

ولكن هناك فئة من الأغنياء أهل الدثور، ذهبوا فعلاً بالأجور؛ يقومون بدعم

العمل الإسلامي بما أعطاهم الله من أموال، ثم إن هناك هيئات إسلامية عالمية

كذلك تقوم بدور فعّال في تقديم المساعدات المختلفة؛ غير أن كثيراً من هذه

المساعدات مبنية على أساس شخصي بحت، وتعتمد على الاجتهاد الشخصي

والاتصالات المباشرة التي يقوم بها رجال الجمعيات الإسلامية؛ ولذلك نجد أن

بعض الجمعيات الإسلامية رغم فعاليتها وجديتها في العمل الإسلامي لا تحصل على

هذه المساعدات الخارجية. وهذا ما ذكره الأستاذ محمد جلال عباس وكان مديراً

للمركز الثقافي العربي المصري عن تجربته [4] . ومثل هذه المساعدات الشخصية

للجماعات قد لا تحقق الثمرات المرجوة للعمل الإسلامي فتضيع الثروات في غير ما

أريد لها.

وعلى الجماعات الإسلامية المحلية الجادة المخلصة أن تسعى لكسب ثقة أهل

الخير داخل البلد وخارجه؛ حتى تأخذ موضعها الحقيقي، وتؤدي دورها الكامل في

ساحة العمل الإسلامي، وأن تفكر كذلك في إيجاد موارد للحصول على مبالغ مالية

عن طريق الاستثمار لكي تحصل على الاستقلالية اقتصادياً، وتتمكن بذلك من أداء

رسالتها على الوجه الأكمل.

10- المشاكل الاجتماعية:

لعل نيجيريا لا تختلف كثيراً عن بقية الدول الإسلامية التي تأثرت بالاستعمار

الغربي؛ فالمنكرات والفواحش مثل: شرب الخمر، والزنا، واللواط، والتبرج،

وتفكك الأسر، والانحرافات السلوكية، وغيرها من الأمور التي لا يرضى بها الله

قد انتشرت بشكل مخيف جداً. ويزيدها قوة وانتشاراً أن الحكومة علمانية، لا تقيم

لتعاليم الإسلام وزناً، ولا تعترف بمبدأ المحافظة على القيم والأخلاق؛ فيجد الداعية

نفسه في غربة ومشقة وتعب وَهَمّ مستمر؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.

11- القبلية المنتنة:

إن العصبية القبلية مشكلة تكاد تقضي على وجود نيجيريا ووحدتها، ولم يمنع

بعض القبائل عن اعتناق الإسلام إلا ظنهم الخاطئ بأن الإسلام دين قبائل معينة،

حتى إنّ بعض القبائل التي دخلت في الإسلام ظلت متمسكة بأواصرها وروابطها

القبلية، وفضلتها على أواصر وروابط الدين. وإن كانت هذه المشكلة ناتجة عن

عدم الإدراك الحقيقي لروح الإسلام وتعاليمه لدى العوام من الناس؛ إلا أن بعض

الدعاة أيضاً وقع في الحفرة نفسها التي نسأل الله أن يعيننا على القضاء عليها؛ ولا

أحد أوْلى من الدعاة بتذليل الطريق إلى ذلك.

12- مشاكل المسلمين الجدد:

بفضل الجهود المتواضعة التي يقوم بها بعض الدعاة بعد فضل الله ورحمته

الإلهية التي نزلت في القلوب يتوجه الآن أعداد كثيرة من الناس إلى الإسلام

فيرضون به ديناً.

ولكن كثيراً من المشاكل تواجه المسلمين الجدد، وأحياناً هم أنفسهم يصبحون

مشكلة أخرى، فقد يواجهون مشكلة رفض الأهل والقبيلة؛ ومن ثم مشكلة المعيشة

في بيئة معادية لهم ولدينهم، كما يقابل أولادهم بالضغط والاستهزاء في المدرسة؛

حيث لا توجد مدرسة إسلامية، ويواجهون مشكلة عدم وجود من يعلمهم الإسلام

باستمرار؛ إذ لا يتوفر الدعاة في المدن والقرى. ومن ناحية أخرى أصبح بعض

المسلمين الجدد ممن لم يستوعبوا الإسلام يطوفون في المساجد والأسواق ومجالس

الناس يسألون المساعدات المالية ويخدعون الناس مستغلين بذلك عاطفة المسلمين في

إعانة المسلمين الجدد على أساس (المؤلفة قلوبهم) . وكثرت الشكاوى من مثل هذه

الوقائع، فأصبحت مشكلة فريدة تشغل الدعاة؛ حتى إن بعض من لم يسلم حقيقةً

كان يطوف على المساجد ويدعي أنه أسلم حديثاً وأنه في حاجة إلى مساعدة، ويسرد

وقائع غير صحيحة في قصة إسلامه، حتى إذا بُحِثَ في أمره تبين أنه لم يسلم

أصلاً، أو أنه أسلم ولكن لجمع الأموال. والله أعلم.

حلول مقترحة:

1- السعي لتوحيد الصف بين الدعاة:

وتكون الخطوة الأولى إيجاد فرص للّقاء بين الدعاة؛ ليتبادلوا الآراء والأفكار، ويناقشوا المشاكل التي تواجه المسلمين، ويتفقوا على حلول موحدة.

2- تدريب الدعاة:

ويتم ذلك عن طريق إقامة دورات تدريبية للدعاة؛ ليتسنى لهم الوقوف على

أساليب وطرق مختلفة للدعوة. ويكون التدريب مصحوباً بالممارسة الفعلية لا

النظرية فقط.

3- تزويد الدعاة بالكتب والمقالات التي تعالج الأمور المهمة التي يحتاج إلى

معرفتها الدعاة أنفسهم، وخاصة كتب العقيدة والحديث والفقه. ويكون ذلك عن

طريق فتح المكتبات الإسلامية، وإقامة دور النشر والطباعة. وإن إيجاد مطبعة

إسلامية في نيجيريا سيحقق آمال كثير من الدعاة وطلاب العلم؛ لا في نيجيريا فقط

بل في غرب إفريقيا كلها.

4- تأسيس مركز للبحوث الدعوية:

وقد يتم هذا بالتعاون مع إحدى الجامعات النيجيرية مثل جامعة عثمان بن

فودي، وجامعة بايرو، وجامعة مايدوجوري، وجامعة إيلورن.

5- التقرب إلى العلماء ممن يتوسم فيهم الخير من الذين تخرجوا من المدارس

التقليدية: ويكون ذلك أحياناً عن طريق تلقي العلم عنهم، ثم بعد كسب ثقتهم يمكن

للدعاة تزويدهم بالمعلومات اللازمة عن واقع المجتمع الذي يحيط بهم وبيان الأفكار

والمذاهب المعاصرة لكي يسهل لهم فهم واقع المجتمع، ويؤدوا واجبهم على السبيل

الأكمل.

6- وضع خطط مدروسة لمواجهة الأعمال التنصيرية بين المسلمين وبين

الوثنيين: وهذا يحتاج إلى دراسة جادة وعميقة لأحوال المدن والقبائل التي يراد

توجيه الدعوة الإسلامية إليها. ولا بد كذلك من وضع خطة لإيجاد فرص العمل

للمسلمين في جميع أجهزة الدولة، وفي كل الأماكن التي تهم المسلمين، ولا بد من

إعداد دعاة متخصصين بدراسة مقارنة الأديان.

7- إيجاد طرق الاستثمار والتنمية، ودعمها لرفع المستوى الاقتصادي

للمسلمين ولتقوية العمل الإسلامي الجاد. ومن المجالات المفيدة للاستثمار في

نيجيريا: الزراعة والبناء والاستيراد والتجارة بأنواعها الكثيرة.

وعلى الجماعات الإسلامية أن تعتني بإيجاد وتوفير طرق الكسب للشباب

المسلم؛ ومن ذلك تعليمهم الأعمال المهنية من الخياطة والتجارة وإصلاح السيارات

وغير ذلك. وهذا يدعو إلى ضرورة إنشاء مدارس مهنية.

8- إيجاد مراكز خاصة للمسلمين الجدد؛ حيث يعتنى بتعليمهم الدين والمهن،

ثم يرسلون إلى مناطقهم ليقوموا بالدعوة بدعم من هذه المراكز أو من جماعة

إسلامية. ولعل هذا يخفف المشاكل التي ذكرناها سابقاً.

9- ضرورة وضع خطط لمشاريع ذات أهداف بعيدة المدى لا تعتمد على

رد فعل لحوادث فردية:

ويتم هذا عن طريق اختيار ذوي الخبرة والقدرة التعليمية ليقوموا بدراسة

واعية يصلون بها إلى وضع خطة شاملة للعمل الدعوي في نيجيريا وغرب إفريقيا

عموماً.

10- الاهتمام بالشباب، وخاصة طلاب المدارس الثانوية والجامعات؛ إذ هم

المادة الخام للدعوة.

11- العناية الخاصة بالجمعيات النسائية والعمل لتوجيه أعمالهن حتى لا يخلو

ميدانهن لدعاة التغريب.

12- تحسين المناهج الدراسية في المدارس الإسلامية التقليدية في نيجيريا

لرفع مستوى فاعليتها في المجتمع.

13- وأخيراً يمكن تشجيع إخواننا الدعاة، وخاصة من الدول العربية على

الممارسة الميدانية للدعوة في نيجيريا بأن يتطوع أخ أو مجموعة من الإخوة للدعوة

في بعض قرى نيجيريا مثلاً لمدة سنة أو أكثر، وتيسر لهم إحدى المؤسسات

الإسلامية الأدوات اللازمة مثل: السيارة لسهولة التنقل في القرى والأدوية،

والملابس ليوزعوها على المسلمين القدامى والجدد لتأليف القلوب، والقيام بكل

أعمال الخدمة الاجتماعية من الإغاثة، وحفر الآبار، وغير ذلك.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما فيه خير الإسلام والمسلمين. وعسى أن تقع هذه

الاقتراحات على قلوب رجال غيورين للدعوة الإسلامية؛ فينطلقوا بكل ما آتاهم الله

من علم وصحة وفراغ ومال وغير ذلك؛ ليلبوا هذه الصيحة! اللهم استجب،

والسلام عليكم ورحمة الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015