المسلمون والعالم
حمى سنة 2000
الحلقة الثانية
عبد العزيز كامل
هذه الحلقات
تعالج مستجدات متوقعة أو مرتب لها، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنهاية هذا القرن
الميلادي الذي أوشك على الانتهاء. ولا يفصل بيننا وبين العام 2000 للميلاد سوى
شهور معدودة، ومن اللافت أن هناك العديد من الظواهر الدينية والسياسية التي
يربطها أصحابها بحلول ذلك العام؛ مما يرشح ويرجح حدوث أفعال وردود أفعال
قوية وعالمية على مسرح الأحداث حول عدد من القضايا؛ وذلك كلما اقترب الوقت
من عام 2000 وما بعده، وهي قضايا قد يحار الناس في فهمها أو تحليلها
لارتباطها بخلفيات دينية عند أهل الملل والنحل.
وهذه السلسلة محاولة للكشف عن خلفيات تلك الظواهر، وتحليل أسبابها،
ودوافعها، ورصد التوقعات المنتظرة بسببها، يتم نشرها إن شاء الله في حلقات
منفصلة.
... ... ... ... ... ... ... ... - البيان -
في ظل هذا الفراغ الذي تعيشه أمة الإسلام بعامة، والعرب منهم بخاصة؛
فإن الساحة تظل مهيأة لكل نشاطٍ معادٍ يتحرك في هذا الفراغ الرهيب!
اقترب العام (2000) وتقترب معه دورة الزمان في التاريخ اليهودي من
الانتهاء، لتبدأ دورة جديدة، دورة زمان (ملك السلام) الذي يعتقد اليهود أنه
سيقضي على كل أعداء (إسرائيل) ! وفي رأيهم أن لا بد من تهيئة عالم الشهادة
لقدومه من عالم الغيب.. لا بد من إقامة دولته، وتوحيد عاصمته، وتجهيز منبر
دعوته! وموضع قبلته.
أما الدولة فقد أقاموها.. (إسرائيل) ، وأما العاصمة فقد وحّدوها (القدس) ،
وأما منبر الدعوة وموضع القبلة (الهيكل) فهو مهمة الوقت، وضرورة العصر في
الفصل الأخير من الزمن السابق لعهد المخلّص المنتظر [1] كما يدّعون فهل هناك
متسع من الوقت لتجهيز الهيكل لملك السلام؟ !
اليهود المتدينون يسابقون الزمن لبنائه، واليهود العلمانيون يستعدون لخلع
رداء العلمانية بالمشاركة في إحيائه، ومع هؤلاء وهؤلاء، يراهن النصارى
بمشاركتهم في هذه المساعي على تنصير اليهود عندما يجيء هذا المخلّص
(فيفاجأون) أي اليهود بأنه هو المسيح عيسى بن مريم! ! ولعل هذا يفسر جانباً من
احتفائهم بهم، واحتضانهم لهم، منذ ابتداء هذا القرن، وتضاعُف ذلك كلما اقترب
زمان الألفية الثالثة، التي يعتقدون هم أيضاً أنها ألفية المسيح وزمان السلام!
تقول الكاتبة الأمريكية (لي أوبرين) : (إن المذاهب اللاهوتية لكثرة من
المسيحيين البروتستانت، تصف إنشاء دولة إسرائيل بأنه تحقيق لنبوءة توراتية،
وتعتقد أيضاً أن تجمع اليهود في فلسطين مجرد تمهيد لتنصيرهم قبل المجيء الثاني
للمسيح، ولهذا فإن أنصار السفارة المسيحية الدولية في القدس [2] يشجعون
محاولات تنصير أتباع أي ديانة باستثناء اليهود، إذ إنه من المحرم عليهم التبشير
بينهم؛ لأنهم سيؤمنون تلقائياً بالمسيح عندما ينزل) [3] ! ولكن أين سينزل المسيح
في اعتقاد النصارى؟ يقولون أيضاً: سينزل في القدس، وسيمارس دعوته من
الهيكل، ولهذا لا بد من مشاركة فعّالة في بناء الهيكل الذي سيكون رمزاً لتعانق
الديانتين: اليهودية والنصرانية معاً، أو بالأحرى اندماجهما معاً! واليهود يرقبون
هذه البلاهة بمكر، بل يستثمرونها بذكاء وصبر، وقد قال أحد حاخاماتهم لقسيس
نصراني: (إنكم تنتظرون مجيء المسيح للمرة الثانية، ونحن ننتظر مجيئه للمرة
الأولى، فلنبدأ أولاً ببناء الهيكل، وبعد مجيء المسيح ورؤيته؛ نسعى لحل القضايا
المتبقية سوياً) .
ولكن يظل أتباع اليهودية هم الجهة المعنية أولاً ببناء الهيكل فهو عندهم عقيدة.. عبادة ... تاريخ ووجدان، ولا أظن أن حماسهم سيفتر من أجل إخراجه إلى
عالم الوجود بعد أن ظن الناس أنهم أدرجوه في عالم النسيان.
الهيكل تسمية قديمة للمكان المختار للعبادة قبل الإسلام، والهيكل الذي كان
موجوداً في الأرض المقدسة يمثل مراحل المسجد الأقصى فيما قبل الرسالة المحمدية، وقد صح أنه ثاني مسجد وضع في الأرض، فقد بناه إبراهيم عليه السلام بعد أن
بنى الكعبة بأربعين سنة [4] ، وكان الهيكل في القدس قبلة لكل أنبياء بني إسرائيل
طيلة عهودهم، واستمر المسلمون يصلّون إلى بيت المقدس زماناً، حتى تحولت
قبلة المسلمين إلى الكعبة، ولكن حادثة الإسراء كانت إيذاناً بانتقال أرض القبلة
الأولى إلى إرث الأمة الإسلامية؛ لأنها أرض مقدسة لا يصلح أن تبقى تحت أيدي
أهل الملل الكفرية والعبادات الشركية، ولهذا كانت أرض بيت المقدس في مقدمة
الأراضي التي اتجهت إليها جهود الفتح، بدءاً من غزوة تبوك، وحتى تم فتحها في
عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وكما استمدت الأرض المقدسة قداستها من وجود الهيكل قبل الإسلام، فقد
استمرت تلك القداسة بعدما تحوّل الهيكل إلى مسجد عظيم في الإسلام له خصائصه
وفضائله المعروفة. واليوم وبعد نحو ألفي عام من هدم الهيكل الثاني ونحو 1344
سنة من بناء المسجد الأقصى في ظل الإسلام يريد اليهود هدم المسجد وإعادة الهيكل، ليكون هو الهيكل الثالث، بعد أن دُمر الأول في سنة 587 ق. م على يد ملك
بابل (بختنصّر) ، ودُمر الثاني سنة 70 للميلاد على يد (طيطس) .
إن اليهود كانوا يتبادلون طوال أزمنة الشتات تحية يقولون فيها: (غداً نلتقي
في أورشليم) ! وبعد أن وصلوا إلى أورشليم أو (القدس) واستولوا على حائط
(البراق) الذي يسمونه حائط (المبكى) ، ابتدع لهم حاخاماتهم دعاءً يرددونه في كل
صلاة أمام الحائط، وهو عبارة عن قَسَم وعهد على إعادة بناء الهيكل، ويدعون
على أنفسهم باكين بأن تلتصق ألسنتهم في حلوقهم إذا هم نسوه! وأول من ردد ذلك
الدعاء والتزم هذا التعهد هم القادة العسكريون عندما دخلوا القدس عام 1967م،
ووقتها لم يتقدم (موشيه دايان) وزير الدفاع لدخول المدينة المقدسة إلا وراء الحاخام
الأكبر للجيش الإسرائيلي (شلومو غورين) ! ، أما (إسحاق رابين) رئيس أركان
حرب الجيش الإسرائيلي آنذاك والذي تحول بعد إلى (ركن من أركان السلام) ، فقد
كتب في مذكراته يصف حرارة لحظات دخول القدس والاقتراب من مكان الهيكل.
يقول: (كان صبرنا قصيراً.. كان يجب أن لا نضيع الفرصة التاريخية، كنا كلما
اقتربنا من حائط المبكى ازداد الانفعال.. حائط المبكى الذي يميز إسرائيل، لقد
كنت أحلم دوماً بأن أكون شريكاً.. ليس فقط في تحقيق قيام إسرائيل، وإنما في
العودة للقدس، وإعادة أرض حائط المبكى إلى السيطرة اليهودية.. والآن عندما
تحقق هذا الحلم، تعجبت: كيف أصبح هذا ملك يدي! ؟ وشعرت بأنني لن أصل
إلى مثل هذا السمو طيلة حياتي) ! [5] هذا رئيس الأركان الذي أصبح بعد ذلك
رئيساً للوزراء في الحكومة العمالية (العلمانية) ! ! .
أما الرئيس الإسرائيلي نفسه (زلمان شازار) فقد تقدم هو الآخر نحو الحائط
في ذلك اليوم بخطىً وئيدة وخلفه جموع يهودية صاخبة، ويصف المعلق الصحفي
الفرنسي (جان نويل) هذا المشهد فيقول: (دخل (زلمان شازار) رئيس إسرائيل
المدينة التي فُتحت، ووقف أمام حائط المبكى، ولأول مرة منذ عشرين قرناً يقف
رئيس دولة عبرية مستقلة أمام معبد سليمان الكبير ... إن الإسرائيليين الملحدين
أنفسهم تأثروا أيضاً بهذه المشاعر الدينية.. إن اليهود لن يُنتزعوا من القدس دون
أن تدمى قلوبهم) [6] .
ولكن.. هل اليهود وحدهم، أو النصارى معهم فقط المعنيون بإعادة بناء
الهيكل؟ ! .. لا، إن هناك جماهير غفيرة من المغفلين أولي الديانات والثقافات
المختلفة، ينجح اليهود في استدراجهم للعمل لحسابهم تحت مظلة الأندية الماسونية
العالمية، تلك الماسونية التي عرّفها المستشرق الهولندي (دوزي) بأنها: (جمهور
كبير من مذاهب مختلفة، يعملون لغاية واحدة هي: إعاة بناء الهيكل الذي هو رمز
إسرائيل) [7] .
ويستوي في ذلك ماسون الغرب وماسون العرب، فقد جاء في النشرة
الماسونية الصادرة في نيويورك عام 1901م: (إن الماسونية الأوروبية ستشيد بناءً
حيث يعبد إله إسرائيل إلى الأبد) [8] ويقول إدريس راغب وهو من أبرز
الماسونيين العرب (إن الاعتقاد بوجوب إقامة الهيكل يقوّي إيماننا بالوعود المذكورة
في الكتاب) [9] .
إن هذا الاعتقاد الذي يؤمن به اليهود ويؤمن به النصارى، ويسعى إليه
الماسونيون، قد تعدى الآن مرحلة التنظير والتأطير المستمدة من الأساطير إلى
مرحلة البدء في العمل والتنفيذ انتقالاً إلى عالم الواقع.
الأحجار أولاً:
كل بناء لا بد له من لَبِنات وأحجار تناسبه؛ ولكن إذا كان البناء (أسطورة)
يُراد صنع واقع منها، فلا بد وأن تكون أحجار هذا البناء الأسطوري أحجاراً
أسطورية أيضاً. هذا ما فهمه اليهود، وهذا ما يعملون عليه الآن. وبدأت قصة
الحجارة من الناحية العملية في أواخر الثمانينيات، عندما وقع اختيار إحدى
الجماعات الدينية على حجر كبير (مقدس) ! ! يزن 3. 5 طن، فقاموا في
16/10 /1989م بوضعه حجر أساس للهيكل الثالث بالقرب من مدخل المسجد الأقصى، وقال وقتها (جرشون سلمون) زعيم جماعة (أمناء الهيكل) : (إن وضع حجر أساس الهيكل يمثل بداية حقبة تاريخية جديدة.. نريد أن نبدأ عهداً جديداً من الخلاص للشعب اليهودي) [10] .
ولم تكن تلك الحادثة مجرد احتفال بمراسم وضع حجر الأساس، بل كانت
تدشيناً لمرحلة لها ما بعدها، ويدل على ذلك أن جمع الأحجار (المقدسة) أصبح
عملاً تعبدياً للكثير من المعنيين بالتعجيل ببناء الهيكل، وقد أذاعت وكالة الأنباء
الفرنسية تقريراً في أوائل أغسطس من عام 1997م جاء فيه: إن المتطرفين اليهود
في القدس أعدوا كل شيء وفق طقوسهم لبناء الهيكل، وجاؤوا بأحجار تم قطعها من
صحراء النقب وغيرها، ليتم صقلها في القدس، لاستخدامها في بناء الهيكل،
وسيحتاج المشروع وفق التقرير إلى ستة ملايين حجر، ونبه التقرير إلى أنه لم يعد
سراً أن الهيكل تم تصميمه الهندسي في الولايات المتحدة الأمريكية، على يد
مستشارين هندسيين من يهود أمريكا، وذكر التقرير أيضاً أن هذا التصميم وضع
تحت تصرف الحكومة الإسرائيلية الآن، وتم إعداد فريق متكامل من عمال البناء
سيظلون رهن الإشارة للعمل عندما يحين الوقت.
(الشرق القطرية، 19/8/1997 م)
إن ستة ملايين حجر.. (توراتي) مهمة غير هينة، ولكن كل شيء يهون عند
يهود اليوم وهم يرون أنهم الجيل المختار من (الشعب المختار) ، لإنجاز العمل
الكبير الذي لم يعودوا يصبرون على تأجيله، وقد نشرت الصحف الإسرائيلية أن
عائلة (ليفي) اليهودية الثرية التي تملك كسارات ضخمة في جنوب الأرض المحتلة، أعدت بالفعل كميات ضخمة من الحجارة التي (لم تلمسها يد إنسان أو إزميل
عامل) حسب وصف التوراة [11] ، لكي تُنقل عندما تحين الفرصة إلى القدس لبناء
الهيكل.
(نقلاً عن الخليج 6/11/1997م)
وهناك جماعة يهودية أخرى، تخصصت في شراء أحجار معينة، يتم
تقطيعها وصقلها في صحراء النقب بأموال يحصلون عليها من التبرعات، ويؤكد
أحد زعماء هذه الجماعة ويُدعى (يالوز) أن توفير ستة ملايين حجر من تلك
الحجارة الخاصة ليس بالأمر اليسير، ولكنه يؤكد على أنه وجماعته يشعرون بأنهم
يقومون بمهمة مقدسة ولا بد من إتمامها، ويقول: (عندما ألمس هذه الحجارة
وأحملها، أشعر بأن شيئاً من الجنة يتحرك فيها) . (الخليج 9/8/1997م) .
إن هذا الهَوَس الحجري العنصري، والأجواء الأسطورية التي تعيشها
الجماعات الدينية اليهودية، تجعلها تُقْدِم على أمور تبدو للوهلة الأولى أنها أفعال
مجانين! ! ولكنها للأسف جنون موجّه تحميه القوانين، وتؤازره السلطة؛ مما حدا
ببعض الجماعات إلى قلع الحجارة التي تحفّ ببعض الأرصفة في القدس عندما
اشتمّوا فيها مسحة توراتية، بل شاركت السلطات نفسها فيما لا تستطيعه الجماعات
من ذلك؛ ففي شهر يونيه (حزيران) من عام 1997م قررت البلدية الإسرائيلية
لمدينة القدس بالتعاون مع وزارة السياحة البدء في مشروع اقتلاع الأرصفة بأحد
الشوارع الكبرى في القدس، وقد تم تحصيل مبلغ مليون شيكل (قرابة 350 ألف
دولار) لنزع تلك الحجارة التوراتية العتيقة (الخليج 14/6/1997م) ! !
وماذا بعد الحجارة؟
كان المتوقع أن يتم تأجيل كل عمل يتعلق بالبناء حتى يتم الهدم الذي يتعجلون
يومه، ولكن الواقع غير ذلك، فالواقع أن اليهود بدافع من ذلك الهوس (الهستيري)
يستبقون الأحداث، وقد أذاعت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير لها في شهر
أغسطس من عام 1997م. أن الاستعدادات تجري لتجديد وإحياء التقاليد والطقوس
التي ستمارس في الهيكل، بما فيها من مذابح للحيوانات التي ستقدم ضمن الشعائر
اليهودية، وذكرت أن الحاخامات ينشطون الآن في تخريج أجيال تقوم على رعاية
تلك الطقوس في (معهد الهيكل) بالقدس.
وأشارت إلى أن هؤلاء ينطلقون من رؤية مفادها أن الهيكل ينبغي أن يكون
جاهزاً بشكل تام وليس مجرد بناية فقط قبل الأحداث الكبرى التي ستسبق نزول
المسيح.
وتعرض في إسرائيل الآن كما نُشر في السياسة الكويتية 30/10/1997م
عشرات من أنواع الأدوات الدينية التي سيحتاج إليها رواد الهيكل عندما يُبنى، مثل
المعدات التي ستستخدم في معالجة الرماد بعد التضحية بالقرابين، والآنية والنبيذ
(المقدس) ومفروشات العبادة.. كل ذلك أصبح جاهزاً!
وماذا عن الشمعدان!!
حتى الشمعدان السّباعي (المقدس) ! تجري الآن بشأنه أشياء وأشياء، فهو
أعظم رمز ديني عند اليهود، وهو يرمز لأيام الخليقة السبعة في التوراة، التي
يعتقد اليهود أنهم سيتوّجون اليوم السابع منها؛ ولهذا اتّخِذ رمزاً رسمياً للدولة
الإسرائيلية، فنراه منقوشاً على العملات، ومطبوعاً على الأوراق، ومُبْرزاً على
واجهات المنابر ومنصات المحافل، هذا الشمعدان والذي يوشك على الانتهاء الآن
يرى اليهود أن قداسة (قدس الأقداس) داخل الهيكل لا تكتمل إلا بإيقاده داخله،
والآن يريدون تحويل ذلك الرمز الديني التاريخي.. والسياسي أيضاً، إلى حقيقة
واقعة!
والشمعدان السّباعي، ليس واحداً فقط على ما يبدو، ولهذا جرت ولا تزال
تجري المساعي، للعثور على القديم، وإنجاز مجموعة أخرى من الشمعدانات
الجديدة!
فقد أدلى (باروخ بن يوسف) زعيم منظمة (بناة الهيكل) بتصريح لوكالة الأنباء
الفرنسية في أغسطس 1997م قال فيه: (إن جماعته انتهت من صنع شمعدان
ذهبي ضخم تم صنعه في أمريكا، ونقل بالفعل إلى إسرائيل، وقال إن جماعته
بدأت مع جماعات أخرى في إعداد حاخامات متمرسين في هذا الشأن لإقامة الشعائر
الدينية التي ستقام في الهيكل)
(الخليج 9/8/97م)
وهناك مليونير يهودي مصري يدعى (موسى فرج) بدأ عام 1990م بمباركة
شخصية من صديقه الشخصي (بنيامين نتنياهو) قبل أن يصبح رئيساً للوزراء في
العمل لإنجاز شمعدان ذهبي آخر في الولايات المتحدة التي استقر بها ذلك المليونير
مشتغلاً بتجارة الماس. وقد انتهى من إنجازه كما أكد ذلك (إيهود ألمرت) عمدة بلدية
القدس، وانتهى كذلك من إنجاز عمل آخر هو (خيمة الاجتماع) أو (خيمة العهد)
التي يعتقد اليهود بضرورة وضعها في الهيكل؛ لأنها ترمز إلى الخيمة التي اجتمع
فيها موسى مع الملائكة حسب معتقد اليهود فوعدته بمجد بني إسرائيل! وهذه
الخيمة الجديدة التي انتهى من إعدادها المليونير اليهودي، تم صنعها كما ذكرت
الأنباء من خيوط الذهب الخالص، وقد أهداها بعد إتمامها إلى رئيس الوزراء
بنيامين نتنياهو! وذلك إضافة إلى الشمعدان الذهبي الذي خصص له المليونير مبلغ
15 مليون دولار أمريكي. (روز اليوسف 97/8/1918م) أما الشمعدان الأكبر
القديم، فيذكر المؤرخون اليهود، أنه نجا من الاحتراق عندما دمّر (نبوخذ نصر)
الهيكل عام 586 قبل الميلاد، ولكنه أي الشمعدان فُقد، وظل اليهود يحلمون عبر
قرون طويلة بالعثور عليه، ويحدوهم الأمل باسترجاعه تحقيقاً لبعض النبوءات،
غير أن ذلك الحلم لم يتحقق، ولكن في هذا العصر عصر تحقق الأساطير اليهودية
بدأ اليهود في إعادة البحث عن الشمعدان، حتى إن المخابرات الإسرائيلية نفسها
تورطت في الستينيات من هذا القرن في حادث اختراق وتسلل إلى مخازن الفاتيكان
بناءً على معلومة كاذبة تقول: إن الشمعدان يوجد في أحد دهاليز مخازن الفاتيكان!
ومرت الحادثة.. ومضت، ولكن اليهود لم ينسوا الشمعدان المفقود؛ ففي شهر
سبتمبر (أيلول) من عام 1997م، اجتمع وزير الأديان الإسرائيلي (شيمون
شيريت) مع (البابا) يوحنا بولس الثاني، وطلب منه المساعدة في العثور على
الشمعدان المقدس القديم الذي يزن (60 كيلو جراماً) من الذهب (السياسة الكويتية
30/7/1997م) . ويدعي اليهود أن ذلك الشمعدان أُحضر إلى روما في عهد
الامبراطور (طيطس) الذي هدم الهيكل عام 70 للميلاد!
وهكذا.. نرى أن اليهود سيلغمون الأشهر والأعوام القليلة القادمة بقنابل عديدة
وموقوته، ولهذا نتوقع أن (يتحفونا) كل حين بمفاجأة من مفاجآتهم (الأسطورية)
التي يبدو أنها ستصطف واحدة تلو الأخرى لكي تخرج تتهادى إلى عالم الوجود
تباعاً، ومن الآن فصاعداً؛ وذلك لكي يقنعوا العالم بأنهم لا يتحدثون عن خرافات
بل عن وقائع!
... والتابوت..!
أسطورة أخرى تتعلق بالهيكل، يدور حولها الآن جدل ومناقشة، إنها أسطورة
التابوت! ونقول أسطورة؛ باعتبار ما يردده اليهود عنها اليوم، وإلا فإن التابوت
الذي كان موروثاً من زمان موسى عليه السلام والذي حملته الملائكة في زمن النبي
(شمويل) لتثبت لبني إسرائيل أحقية (طالوت) بالملك، هذا التابوت المذكور في
سورة البقرة حق نؤمن به؛ لأنه مذكور في القرآن [12] ، ولكن ما ليس حقاً، أن
اليهود يزعمون أنهم سيحصلون عليه مرة أخرى، وسيكون معهم في معاركهم
الفاصلة مع أعدائهم، فيكون النصر حليفهم! ! من يصدق أن اليهود الآن يتطلعون
إلى إخراج هذا التابوت مرة أخرى إلى العالم؟ ! إن البحث عن التابوت اليوم يمثل
عَرَضاً آخر من أعراض حُمّى سنة 2000.
والتابوت حسب التراث اليهودي كان موجوداً في الهيكل الأصلي داخل ما
يُعرف بـ (قدس الأقداس) وكان يضم قطعاً من ألواح التوراة وبقايا مما ترك آل
موسى وآل هارون. والقرآن يصدّق هذا في قوله تعالى: [إنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَاًتِيَكُمُ
التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ المَلائِكَةُ]
[البقرة: 248] .
ولكن هذا من الأمور التي انتهت بانتهاء أفضلية بني إسرائيل، ولو بقي في
التابوت أو الشمعدان أو خيمة العهد أو نحوها فضل على فرض بقائها لانتقلت إلى
إرث الأمة المفضلة الأخيرة، أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، كما انتقل إلى
إرثها المسجد الأقصى والأرض المباركة حوله. ولكن اليهود لا يعترفون بهذا، ولا
يقرون لمحمد -صلى الله عليه وسلم- برسالة أصلاً. ولهذا فإن كل ما كان مقدساً
في كتبهم وديانتهم المنسوخة، لا يزال على صفته عندهم.
وعلى هذا فالهيكل لا بد أن يحتوي في نظر اليهود على تابوت العهد حتى
تكتمل صفته الدينية، ولكن أين التابوت الآن؟ !
أسطورة أخرى يتحرك شبحها في الأفق البعيد محاولاً المجيء من عالم الغيب
السحيق؛ فقد أكدت صحيفة معاريف الإسرائيلية في عددها الصادر في فبراير
1997م، أن تابوت العهد موجود الآن في إثيوبيا! ونقلت عن أحد علماء الآثار
والتاريخ اليهودي قوله: إن منليك ابن النبي سليمان عليه السلام من بلقيس ملكة سبأ، نقله إلى الحبشة بعد وفاة أبيه، ونسب الباحث تلك الوقائع إلى التوراة وأضاف:
(إن الهيكل لا يعني أي شيء بدون التابوت، والتابوت ليس موجوداً تحت المسجد
الأقصى كما تظن بعض الجماعات اليهودية وكل محاولات التنقيب والحفريات التي
تُجرى لن تصل إلى شيء يتعلق بهذا التابوت) !
وبعد أن نقلت الصحيفة عن الباحث الإسرائيلي هذه التصريحات، عقّبت
بقولها: (إن تابوت العهد موجود بالفعل في مكان سري في شمال إثيوبيا قرب مدينة
(أقسوم) العاصمة القديمة للحبشة أيام حكم بلقيس وسليمان، والتي حكمها منليك بعد
أمه مدة خمسة وعشرين عاماً. ثم أردفت الصحيفة قائلة: (لا أحد يعرف مكان
التابوت إلا أفراد قلائل من كبار المسؤولين) ! !
وهناك رأي آخر في تحديد مكان التابوت، وهو سائد أيضاً بين العديد من
الجماعات اليهودية، وهو أنه في مكان مّا في الطبقات العميقة تحت (قدس الأقداس) ، يعني تحت الأرض المقام عليها الآن المسجد الأقصى، وهذا هو الرأي التقليدي
الشائع، والذي بموجبه بدأت الحفريات تحت المسجد الأقصى، والذي من أجله
صدرت الفتاوى الحاخامية بحظر دخول اليهود إلى داخل أروقة المسجد خوفاً من أن
تطأه الأقدام! ! وعلى كلا الرأيين، فلا بد في نظر كلٍ من الفريقين أن يتم العثور
على التابوت بما فيه من الألواح والأشياء المقدسة!
لعل هذه التفاعلات المَرَضِية وتداعياتها؛ تقرب القارئ إلى تصور الحد الذي
وصلت إليه الأمور اليوم في ذلك الصراع الديني، الذي يُدار دينياً من طرف واحد، ولعل القارئ يدرك بهذا إلى أي حدٍ ارتفعت درجة حرارة الحمى بمرضى الهوس
الألفي الذي تتحدث عنه الصحف الرسمية اليهودية، وتتناثر التصريحات حوله من
المسؤولين اليهود داخل (إسرائيل) وخارجها.. والسؤال هنا: أين مثقفونا
وسياسيونا (الواقعيون جداً) من هذا الواقع الجديد والتفاعلات المتصاعدة داخل الدولة
العبرية؟ هل يعلمون بذلك وهم يَصخّون الأسماع بالحديث عن السلام الحتمي
والتطبيع المصيري؟ ! أغلب الظن أنهم يطلعون على مثل هذا وأكثر، ولكن لماذا
هذا الصمت المريب على كل تلك الصرعات الدينية: اليهودية والنصرانية التي
يراد أن يدار بها الصراع في المرحلة القادمة في ظل غيبوبة مفروضة على الأمة؟
لماذا يُسكت عن (الأيديولوجيات) المسيّسة المولعة بالعودة إلى الوراء آلافاً من
السنين، في حين يستمر الضجيج المقذع للتخويف من العودة للإسلام وحده؟ !
ولمصلحة مَنْ يُطلب من الإسلام وحده أن يكف يده، في حين تمتد كل الأيادي
والسواعد (الدينية) للعمل النشط ويُصمت عنها؟ ! الذي يظهر لي في علة هذا
الصمت المصنوع عن الانتعاش الديني لدى اليهود والنصارى؛ هو الخوف من
إثارة الغيرة الإيمانية ومشاعر الحنين إلى الدين عند المسلمين، والإعلام العلماني لم
يفهم بعدُ أن هذه الغيرة وتلك المشاعر هي روح الأمة التي لو فارقتها لفارقتها الحياة. نعم هناك ما يشبه التهامس بهذه الأمور ولكن سياجاً من التعتيم والتعمية يقام حولها
حتى لا تتنبه الأمة وجماهيرها اللاهية إلى ما يراد لها، أو قد تعرض بعض هذه
القضايا في شكل جزئي مهمش، او عرض اختزالي مغبش.
وتظل مهمة استخلاص الحقائق من بين براثن الإشارات الصحفية
الشحيحة [13] عن هذه الأمور مهمة صعبة.
إن الإعلام العربي (العلماني) يمارس للأسف الشديد، مهمة الاتجار في
المخدرات الفكرية، ويعمل على ترويجها حتى تصاب الأمة كلها بحالة من إدمان
الترف المعرفي التائه، أو التجاهل أو التشاغل الذاهل.
قارِنْ مثلاً بين مساحة الاهتمام بقضية اليهودية العاهرة (لوينسكي) أو قصة
النصرانية العاشقة (ديانا) أو هذا الفنان أو تلك الغانية أو ذاك الرياضي قارن بين
ذلك وبين كثير من القضايا الكبار التي تواجه الأمة مصيرياً، فبتلك المقارنة تدرك
بُعد الشّقّة. ومع هذا فإن إجراء عملية (ترشيح) للقليل المنشور في مثل هذه القضايا
المهمة المهملة، يوصل إلى مؤشرات ترسم معالم الحقيقة في الموضوع المراد.
ومن معالم الحقيقة في موضوع مقالنا؛ أن القضية وصلت إلى أعلى مستويات
المعرفة والمواجهة بين المسؤولين العرب والمسؤولين اليهود، فقد ذكرت بعض
الصحف أن ياسر عرفات زعيم السلطة الفلسطينية، عرض صوراً مما درجت
الحكومة الإسرائيلية مؤخراً على نشرها للهيكل في تصميمه الأخير المعتمد؛ حيث
تظهر مبانيه وهي تحتل مكان المسجد، وممن عرض عليهم ذلك أعضاء مجلس
الجامعة العربية، وأعضاء (لجنة القدس) ، وذكرت مجلة (روز اليوسف) في عددها
الصادر في 5/5/1997م، أنه أي عرفات عرض ذلك أيضاً على الرئيس حسني
مبارك، وقال الصحفي المصري، عادل حمودة: إن ياسر عرفات التقى أيضاً في
إحدى زياراته للقاهرة بعدد من الصحفيين، وشرح لهم تفاصيل المخطط الإسرائيلي
لهدم الأقصى، وقال للصحفيين: إن يهود العالم تبرعوا في السنوات الأخيرة بما
يقرب من مليار دولار من أجل مشروع واحد، وهو بناء الهيكل الثالث!
وذكرت صحيفة الحياة في (7/3/1997م) أن الرئيس حسني مبارك واجه
بنيامين نتنياهو عندما زار القاهرة في (5/3/1997م) برسوم وتصميمات هندسية
تسربها إسرائيل عن الهيكل الثالث، وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادر مصرية
مطلعة: (إن نتنياهو لم ينفِ أمام الرئيس مبارك مخططات حكومته إحياء هيكل
سليمان في موقع مسجدي الأقصى والصخرة في القدس الشريف عندما واجهه
بالتصميمات الهندسية للهيكل) !
وكان نتنياهو قد أهدى مجسّماً يمثل الهيكل الثالث لأسقف الروم الأرثوذكس
(ماكسيموس شالوم) بمناسبة عيد الميلاد عام 1997م، وكان المجسم موضوعاً على
خريطة فضية بدت فيها معالم المدينة المقدسة خالية من المسجدين.
ولما اعترض الفلسطينيون، قال ناطق باسمه لوكالة (رويتر) : (نعتذر عن
هذا الخطأ، إننا لم نلاحظ أن المسجد الأقصى لم يظهر في النموذج المجسم) ! !
(الحياة 13/1/1997هـ)
وهكذا تمضي الأحداث، مسجلة كل يوم خطوات إلى الأمام على درب
المخططات اليهودية، بينما لا تزال تتعثر خطواتنا في مجرد استيعاب أخبار
مخططاتهم!
يبقى أن أشير إلى نقطة أخيرة فيما يتعلق بالمشروع المؤامرة، وهي: أن ما
يطلق عليه اليهود (قدس الأقداس) أو المذبح، والذي يُعد في الحقيقة موضع القبلة
الحقيقية لدى اليهود داخل أروقة الهيكل، هذا المذبح قد أنجز بالفعل، فقد انتهت
منظمة (حركة إعادة الهيكل) من بناء هذا المذبح في منطقة قريبة من البحر الميت،
وقد أعد بطريقة تسمح بنقله في الوقت المناسب ليمثل مكانه في قلب مباني الهيكل،
وقد نشرت جريدة الخليج في (16/11/1997) أن الشركة الإسرائيلية للصناعات
المعدنية في الأرض المحتلة شاركت في المشروع، وتولت إعداد التجهيزات
المعدنية بداخله بطول ثلاثين متراً على نفس الهيئة التي كان عليها المذبح القديم،
وذكرت الصحيفة نقلاً عن وكالات الأنباء أن المذبح الموجود الآن في منطقة قريبة
من البحر الميت كان قد تقرر عرضه في صالة واسعة تابعة لمعهد دراسات الهيكل
في القدس، إلا أن مخاوف أمنية، جعلت الإسرائيليين يرجئون فكرة عرضه، وتم
التحفظ عليه في مكان أمين بمحاذاة الحدود مع الأردن!
أقول: لماذا المذبح الآن؟ ولماذا عُجّل به قبل بقية البناء؟ وماذا سيذبح فيه؟ !
إن الجواب المعلوم إجمالاً لكل متابع، أن اليهود يُعِدّون المذبح لكي يكون
مسرحاً لرواية أسطورية أخرى، من كبريات أساطير سنة 2000، وهي أسطورة
(البقرة الحمراء ... العاشرة) !
فما هي البقرة العاشرة؟ وما قصتها القديمة، وآخر حلقاتها الحديثة؟ متى
وجدوها؟ ومتى يذبحونها؟ وكيف سيتحول الشعب اليهودي كله بعد ذبحها إلى
شعب (أصولي) شديد التمسك باليهودية؟
هذا ما سنعرفه في حلقة قادمة إن شاء الله.