مجله البيان (صفحة 288)

شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته

باكستان ... بعد ضياء الحق

صرح مصدر أمريكى مسؤول أن يولي فورونتسوف نائب وزير الخارجية

السوفياتي حذر السفير الأمريكي في موسكو من أن السوفيات سيلقنون الرئيس

الباكستاني درساً إذا لم يوقف دعمه للمجاهدين الأفغان.

وأضاف المسؤول الأمريكى أننا اعتقدنا أنهم -أي السوفيات- سيقومون

ببعض التفجيرات في أهداف في باكستان، وقد ذهبنا إلى السوفيات وحذرناهم من

تفجير أي أهداف باكستانية وأكدنا لهم اهتمامنا العميق بباكستان، وردوا بقولهم:

إنهم لن يفجروا شيئاً ولكنهم سيلقنون ضياء الحق درساً [1] . كان ذلك حوالي 7/8/

1988.

وفي 15/8/1988 أعلن المسؤولون في الكرملين أن دور باكستان لم يعد من

الممكن احتماله أو التسامح به، وأن الاتحاد السوفياتي يحتفظ لنفسه بحق اتخاذ ما

يرى من الإجراءات ضد هذا الدور [2] .

وفي 17/8/1988 - أي بعد تهديد موسكو بيومين - مات الرئيس الباكستاني

ضياء الحق عندما انفجرت في الجو الطائرة التي كانت تقله من مطار باوالبور إلى

مطار روالبندي، وعثرت فرق البحث التابعة للقوات الجوية الباكستانية على جثث

الرئيس الباكستاني ورئيس أركانه، والسفير الأمريكى وآخرين من كبار الضباط

والمستشارين متناثرة فوق سهل رملي قريب من حدود باكستان مع الهند - أي في

إقليم البنجاب - ونقل ما تبقى من هذه الجثث بعد أن بذلوا جهوداً مضنية للوصول

إلى جثة الرئيس وتمييزها عن غيرها من الجثث، هكذا قالوا، ولربما وضعوا يد

هذا مع صدر أو رأس ذاك!

هكذا ينتهي مصير الإنسان في لحظات بينما هو يخطط لعشرات السنين،

وربما كان الرئيس مشغولاً قبل الموت بثوانٍ بالانتخابات والمعارضة وما يفعل بهذا

وما يدبر لذاك.

قال - تعالى -: [إنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ مَا فِي

الأَرْحَامِ ومَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ومَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ

عَلِيمٌ خَبِيرٌ] [لقمان: 34] .

هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله - جل وعلا - بعلمها، ضياء الحق ما كان

يدري أنه سيموت في إقليم البنجاب، الأرض التي ولد ونشأ وترعرع فيها، ورحل

منها مع والديه وأهله عام 1947 أي بعد إنشاء باكستان.

ما كان يدري السفير الأمريكي الداهية المتمرس بشؤون العالم الإسلامي أن

طموحه سيقوده إلى هذه النهاية التعيسة، فلربما كان يخطط ليكون رئيساً للولايات

المتحدة الأمريكية ومؤهلاته تسمح له بمثل هذه الطموحات.

لقد ذهل الناس في باكستان لأن الرحلة كانت سرية ولم يعلن عنها، ومبلغ

علمهم أن رئيسهم في إسلام آباد، وها هو يموت في إقليم البنجاب، رئيسهم الذي

لمع نجمه، وعظم شأنه، وأثبت جدارة في الحكم ودهاءً وحنكة في السياسة.

كم نتمنى أن تنقل إلينا بصدق أحاسيس الطغاة [3] البغاة ومشاعرهم عندما

سمعوا هذا النبأ، لكأننا بهم يخشون من جدران منازلهم ومكاتبهم، وترتعد فرائصهم

من حرسهم وخدمهم، وتتضاعف دقات قلوبهم عندما يركبون حافلة أو طائرة، ألا

ما أتعس حياة الذين يعيشون في قلق واضطراب! ، وما أذل الذين يستبدون

وينكلون بالأبرياء الأحرار ليتلذذوا بالحكم وينعموا بالجاه والمال، ويتناسوا يوماً

يرجعون فيه إلى الله [ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ] [آل عمران:

161] .

أما المؤمنون القانتون المتصدقون فقد أعدوا للموت عدته، وتزودوا بالتقوى

والعمل الصالح، ويعلمون حق العلم أنهم قد يموتون في كل يوم، وفي كل سفر،

ويتشوقون إلى تلك الحياة الأبدية السرمدية التي ليس فيها ظلم ولا قهر ولا طغيان،

ويرجون أن ينعم الله عليهم بجنان الخلد وملك لا يفنى.

ننتقل خطوة أخرى في هذا الموضوع الحساس، وقبل تحليلنا لأبعاد ضياء

الحق، وتحديد هوية القاتلين نريد تسجيل هذه الملحوظات المهمة:

أولاً: مسكين من يقرأ الصحف العربية وحدها ومنها يريد معرفة أوضاع

المسلمين في باكستان بعد مقتل ضياء الحق.

- سيجد فيها صحفيين ينعتون الرئيس الباكستاني الراحل بأقبح النعوت؛ لأنه

حاكم عسكري مستبد، مع أنهم يسبحون بحمد حكام عسكريين يحصون أنفاس

مواطنيهم، ولا يتورعون عن قتل كل من يقول لهم (لا) ، وضياء الحق سمح

بوجود معارضة، وكانت تشتمه وتتآمر ضده، كما سمح لهم بإصدار نشرات

وصحف ومراكز، وأكثر أحزاب المعارضة كانت تتحالف وتتكتل ضده، وما أباد

منطقة ولا مدينة ولا قرية، وإنما كان يواجههم بحنكته السياسية، فما بال هؤلاء

يرون القذى في عيون الناس ولا يرون الجذوع والأغصان في عيونهم؟ !

- سيجد فيها - أي في هذه الصحف - تجاهلاً مؤسفاً لأوضاع المسلمين في

باكستان بعد مقتل ضياء الحق، مع أن باكستان - وكما ذكرنا في مقالات سابقة -

من أكثر دول العالم اهتماماً وحماسة للقضايا العربية، بل ولا تستطيع أية حكومة

من الحكومات المتعاقبة فيها أن تتخذ موقفاً معادياً لمصالح العرب في فلسطين

المحتلة أو في غيرها، وهذه الصحف نفسها استنفرت أشد الاستنفار عند مقتل ... (أنديرا غاندي) رئيسة وزراء الهند السابقة، ووصفتها بأحسن الصفات وأرفعها، مع

أن العلاقات بين الهند وإسرائيل لم تعد سراً من الأسرار، لا نجد سبباً لمعظم

هذه الصحف إلا كرهها للشعوب الإسلامية، وحبها للشعوب العلمانية، ففي صحيفة

عربية يومية دولية تقرأ في عدد من أعدادها الحلقة رقم 20 عن تطورات معركة

الرئاسة اللبنانية، وموضوعات أخرى عن لبنان وطوائف لبنان، وقُطاع طرقها في

حين نشرت هذه الصحيفة خبراً لا يتجاوز بضعة أسطر عن مقتل الرئيس

الباكستاني، وأعقبته في اليوم الثاني بتحليل قصير نقلت فيه سموم وكالات الأنباء

وانتهى الأمر عند هذا الحد، وكأنها تتحدث عن الأرجنتين أو عن السويد [4] ، أفلا

تكون باكستان عندهم مثل لبنان التي لا نقلل من أهمية المؤامرات التي تدبر ضده؟

ثانياً: من المصادر التي اعتمدنا عليها الصحف الغربية وذلك لسببين:

السبب الأول: لأن ساسة الغرب في واشنطن ولندن وغيرهما على صلة وثيقة برئيس باكستان الراحل ومن سبقه ومن يأتي بعده. يعرفون أسرارهم ومخططاتهم بل ولهم دور مهم في رسم المخططات، والبلدان الغربية ديمقراطية، وبدهي أن تسرب هذه الأسرار - أو ما يسمى بأسرار - إلى كبريات الصحف الغربية لأنها تعمل مع أجهزة مخابرات هذه الدول. والحقيقة أن كبار السياسيين الغربيين يتعمدون نشرهذه الأخبار لإحراج من يسمونهم أصدقاء في دول العالم الثالث وللضغط عليهم.

نعم، إن زعماء الدول الغربية بل رجال المخابرات فيها يعلمون خفايا

ومخططات زعماء إسلام آباد وغير إسلام آباد، في حين لا يعلم كبار العلماء

والدعاة شيئاً ذا بال عن أمور هؤلاء الزعماء، وإذا سئلوا كانت الردود متناقضة،

يكذب آخرها أولها، ومن هؤلاء العلماء من تغلب عليه السطحية، ويصدق كل ما

يقال له.

والسبب الثانى: أن أهم ما تنشره الصحف العربية تقوم بترجمته عن

الصحف الغربية، وهذه - والله - هي البلية بعينها أن يحدثنا الغربيون من

النصارى واليهود عن خفايا أمورنا وأسرارنا، وبعد كل حدث يحدث في بلادنا تتجه

أنظارنا إلى صحفهم وأجهزة إعلامهم لنجد فيها الوثائق والأسرار. وإذا كان الأمر

كذلك فنرجو أن نوفق في غربلة ما ينشرون فنرد أكاذيبهم وما أكثرها، وننقل عنهم

ما يثبت عندنا بعد التمحيص والتثبت.

ثالثاً: تتحكم العواطف في عقول كثير من الإسلاميين في مثل هذه الظروف،

ولا يقبلون شيئاً يصدم عواطفهم وينكأ جراحهم، ولو كان حقاً ومدعوماً بالشواهد

والأدلة. ونحن لا ننكر أن لنا عواطف كما أن لهم عواطف، ونشعر بعظم المصيبة

التي وقعت في بلد نحبه ونحب أهله، ونعرف حجم الضرر الذي لحق بإخواننا

المجاهدين الأبطال من رجال الأفغان، ونعلم أن ضياء الحق أعطاهم عهداً بعد

التوقيع على معاهدة جنيف بأنه لن يتخلى عنهم.. نعرف هذا وغيره لكننا سنقول

في هذا التحليل ما نعتقد أنه حق، ولو كان يصدم عواطف كثير من الناس، والذي

نرجوه من الذين يخالفوننا أن ينظروا في الأدلة التي اعتمدنا عليها، وإن أصروا

بعد هذا على موقفهم فعليهم أن يتذكروا أن هذه المسألة من المسائل التي يجوز فيها

الاجتهاد واختلاف وجهات النظر.

وبعد ذكر هذه الملحوظات ننتقل إلى خطوة أخرى ينتظرها القارئ بفارغ

الصبر، وطبيعة الموضوع تفرض علينا تقسيمه إلى الفقرات التالية:

أولاً - نبذة عن حياة ضياء الحق.

ثانياً - المتهمون بقتل ضياء الحق.

ثالثاً - الدور الأمريكي في باكستان.

رابعاً - باكستان بعد ضياء الحق.

أولاً - نبذة عن حياة ضياء الحق:

ولد ضياء الحق في 12/8/ 1924 في مدينة (جولاندار) في مقاطعة

البنجاب، وتلقى تعليمه في كلية (سانت ستيفنز) في دلهي والتحق بعدئذ بالجيش

البريطاني في الهند، وأصبح ضابطاً فيه سنة 1945 - سلاح الفرسان - وفي عام

1948 رحل مع أسرته إلى كراتشي في دولة باكستان الجديدة وأصبح ضابطاً في

جيشها، وكان يعرف عنه أنه ضابط هادئ منضبط، وليس له طموحات سياسية،

وكان يحب العسكرية كما كان محبوباً بين زملائه ومرؤوسيه.

وفي باكستان واصل علومه العسكرية، وتخرج من كلية الأركان عام 1955

ثم عاد ليعمل مدرساً في الكلية المذكورة.

وفي 1965 عام شارك في الحرب التي نشبت بين باكستان والهند، وفي عام

1969 سافر للأردن وعمل مستشاراً عسكرياً، ومن الجدير بالذكر أن علاقات

الأردن مع باكستان متميزة، وشهد في الأردن معارك أيلول، وفي عام 1971

شارك في الحرب الهندية الباكستانية التي انتهت بانفصال الجزء الشرقي من

باكستان عن الجزء الغربي، وسميت هذه الدولة (بنغلاديش) .

وفي عام 1977م اتخذ الرئيس الباكستاني السابق قراراً بترقية ضياء الحق

إلى رتبة جنرال، وعينه قائداً للجيش، وتجاوز - بوتو - جنرالات آخرين كانوا

هم أقدم من ضياء الحق، وذلك بسبب ثقة بوتو به واطمئنانه إليه.

وفي عام 1977م راح بوتو ينكل بخصومه وقاوم تطبيق أحكام الشريعة

الإسلامية، وعمل على نشر الأفكار العلمانية، وثقافة الغرب وأخلاقياته ومفاسده،

فعارضته الجماعات الإسلامية، وأدت هذه المعارضة إلى وقوع قلاقل ... واضطرابات، انتهت باستيلاء الجيش على زمام الأمور في البلاد، وكان ضياء الحق قائد الانقلاب العسكري الذي أطاح بنظام بوتو وقدمه إلى محاكمة، وحكمت عليه المحكمة بالإعدام، وتم إعدامه فعلاً؛ لأنه دبر جريمة قتل أحد معارضيه.

وشكل ضياء الحق حكومة شاركت فيها الجماعات الإسلامية مهمتها تطبيق

أحكام الشريعة الإسلامية غير أنه تراجع فيما بعد أمام معارضة أمريكا والدول

الغربية، وشركائه العسكريين.

وفي عام 1979م وقف ضياء الحق إلى جانب المجاهدين الأفغان في حربهم

ضد الغزاة البلاشفة السوفيات، ومهما كان هدفه من تأييد المسلمين الأفغان -

والنيات لا يعلمها إلا علاَّم الغيوب - فقد اكتسب شهرة عالمية، وتعززت علاقاته

مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتدفق المال والسلاح على باكستان بعد فتور في

العلاقات بسبب المفاعل النووي وغيره.

وفي عام 1981 لعب دوراً مهماً في اللجنة التي شكلها مؤتمر القمة الإسلامي

لتسوية النزاع بين العراق وإيران، وفشلت اللجنة في مهمتها أمام تعنت إيران

وإصرارها على استمرار الحرب، واعتبرت العراق ضياء الحق طرفاً في النزاع

وليس وسيطاً، واتهمته بالانحياز إلى جانب إيران.

توفي في 17/8/1988 بعد سقوط طائرته وترك وراءه أرملة وولدين وثلاث

بنات.

ثانياً - المتهمون بقتل ضياء الحق:

من حق القراء علينا أن نطلعهم على أهم ما نشرته الصحف ووكالات الأنباء

عن مقتل الرئيس الباكستاني، وبعد هذا العرض سنقول رأينا ونبين موقفنا والقرائن

التي اعتمدنا عليها.

وخلاصة ما نُشر - فيما اطلعنا عليه - ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

1- السوفيات والهنود.

2 - أتباع إيران.

3 - الجيش الباكستاني.

أولاً: السوفيات والهنود:

قالت صحيفة (أوبزرفر) - في عددها الصادر بتاريخ 28/8/1988 -:

أصبحت السلطات الباكستانية الآن مقتنعة بمسؤولية جهاز المخابرات الهندية عن

تحطم طائرة ضياء الحق. وفشل فريق الخبراء الأمريكي الذي تولى مهام فحص

حطام الطائرة في الوصول إلى معرفة سبب الحادث. غير أن راجيف غاندي

رئيس وزراء الهند أعلن - في أعقاب مقتل الرئيس ضياء الحق - أن حكومته غير

مسؤولة عن الحادث، كما أعلن الحداد لمدة ثلاثة أيام في جميع أنحاء الهند، إلا أن

مسؤولين باكستانيين على مستوى رفيع لاحظوا باهتمام وصول 300 من رجال

جناح الأبحاث والتحليل الهندي - أي جهاز المخابرات المسؤول عن القضايا

الخارجية - إلى كابول قبل حادث الطائرة. وتعتقد باكستان بأن هناك تحالفاً بين

المخابرات الهندية وجهاز المخابرات الأفغاني (خاد) ، وجهاز المخابرات السوفياتي

(كيه. جي. بي.) ، ويقال إن جنرالاً سوفياتياً مسؤولاً عن التنسيق بين هذه

الأجهزة الثلاثة.

ومن المؤكد أن معظم جهود وعمليات جهاز المخابرات الهندي موجهة مباشرة

ضد باكستان، ويعترف المسؤولون في إسلام آباد باختراق جهاز المخابرات الهندي

لقواتها المسلحة على مستويات منخفضة، ويستفيد جهاز المخابرات السوفياتي

ونظيره الأفغاني من هذا الاختراق في عملياتهم المشتركة ضد باكستان.

وجدير بالذكر أنه في صبيحة اليوم الذي تحطمت فيه طائرة الرئيس ضياء

الحق - أطلق (14) صاروخاً على المجمع النفطي الكبير في ميناء كراتشي

المعروف باسم كماري ولكن هذه الصواريخ التي يتهم الباكستانيون الهند بإطلاقها -

لم تصب أهدافها، ولو أصابت أهدافها لاشتعل نصف مدينة كراتشي. وتؤكد

تقارير الصحف الباكستانية أن طائرتين عموديتين تابعتين للجيش الأفغاني هبطتا

عن طريق الخطأ في قضاء خرّم الواقع في شمال غرب باكستان كانتا تقلان ضباطاً

سوفيات وهنوداً، ويعتبر وجود الضابط الهندي تأكيداً آخر على التعاون بين دلهي

وكابل وموسكو.

وفي إقليم السند الجنوبي من باكستان - الذي يشهد حالة من الاضطرابات -

تشير أصابع الاتهام إلى عملاء جهاز المخابرات الهندي بتمويل المجموعة المحلية

المنشقة. ويقال إن المساعدات الهندية لهذه المجموعات الانشقاقية هي رد على

الدعم الباكستاني المزعوم للمتطرفين السيخ الذين يطالبون بالاستقلال في إقليم

البنجاب في الهند، ورغم أن دلهى هي كما هو متوقع الطرف الذي تلقي عليه إسلام

آباد مسؤولية معظم المشاكل التي تواجهها إلا أنه مما لا شك فيه أن الهند ونظام

كابول - المدعوم من جانب السوفيات - يعملان معاً ضد المجاهدين الأفغان.

فثمة مصلحة مشتركة تجمع الهند وأفغانستان في الحيلولة دون وصول

المجاهدين الأفغان الذين كانوا يحظون بدعم ومساندة الرئيس ضياء الحق إلى

السلطة في أفغانستان بعد إكمال الانسحاب السوفياتي. وكانت نية الرئيس ضياء

الحق المعلنة أن يحتفل بالانتصار الأخير للمجاهدين، وذلك بأداء الصلاة في

المسجد المركزي في العاصمة كابول. وكانت الهند قلقة من أن انتصار المجاهدين

سوف يرجح ميزان القوى ضد مصلحتها في المنطقة.

- ونقلنا في طليعة هذا التحليل ما نشرته (صنداي تايمز) - في عددها

الصادر بتاريخ 28/8/1988 - عن تهديدات المسؤولين السوفيات في موسكو

العلنية لضياء الحق ونظامه، وأضافت الصحيفة:

(وكانت موسكو قد تعرضت لنكسة كبيرة في 13/8/1988 عندما دمر

صاروخان أطلقهما المجاهدون أكداساً هائلة من العتاد خارج مدينة كابول، وقالت

مصادر رسمية أمريكية أن 500 من الروس سقطوا قتلى فيما جرح أكثر من 1000

آخرين، كما دمرت كميات من الأسلحة التابعة للحكومة كانت كافية لمدة سنة.

وصدرت عدة تصريحات لمسؤولين حكوميين - منهم رئيس الوزراء وغيره

- تشير إلى أن أجهزة الأمن الباكستانية كانت لديها معلومات تفيد أن أعداء ضياء

الحق من. السوفيات وعملائهم في كابول وحلفائهم في دلهي يخططون لقتل ضياء

الحق وأن الأخير أجاب عندما أخبروه: (الموت والحياة بيد الله) .

ثانياً - دور أتباع إيران:

هناك من يقول: إن أتباع إيران وراء تنفيذ هذه الجريمة، ويذكرون شواهد

على ذلك نوجزها فيما يلي:

1- صباح 5/8/1988 تم قتل المدعو عارف حسين الحسيني رئيس حركة

تطبيق الفقه الجعفري في باكستان، ونفذ القاتل عمله بواسطة مسدس كاتم للصوت،

وألقى المسدس فوق الجثة وفر بعيداً ولم يعثر له على أي أثر، واتهم أنصاره

الحكومة بالقتل في بيان نشرته صحيفة نواي وقت بالأردو بتاريخ 7/8/1988

وتعهدوا بالثأر له، رغم اهتمام ضياء الحق الشديد بمقتل زعيم الشيعة، وكان أحد

الذين صلوا على الجنازة. كان ذلك قبل مقتل ضياء الحق بعشرة أيام.

2 - ضياء الحق كان متهماً من قِبَل العراق بانحيازه لإيران، وثبت أنه قدم

لهم مساعدات كثيرة، وغض الطرف عن نشاطهم في باكستان، ومع ذلك

فمؤامرات إيران ضده لم تنقطع، وكانوا يقاومون مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية

بمختلف وسائلهم وطرقهم المعروفة، ولا يتورعون عن التعاون مع أعداء الإسلام

داخل باكستان وخارجها، ولهذا فمن يراقب تحركاتهم خلال السنتين الماضيتين يعلم

أن صِلاتهم مع الهند من جهة ومع الاتحاد السوفياتي من جهة أخرى كانت قوية جداً، وكانوا يتعاونون مع هاتين الدولتين ضد المسلمين السنة في باكستان. وأفغانستان.

3 - قالت صحيفة (صنداي تايمز) - في عددها الصادر بتاريخ 21/8/

1988:

( ... والشيعة في طليعة الذين يتشوقون لسماع نبأ موت ضياء الحق،

ويكنُّون له كل كراهية لعلاقاته مع أمريكا [5] ، ولتطبيقه أحكام الشريعة الإسلامية

السنية، ويعتقدون أن ضياء الحق كان وراء اغتيال عارف الحسيني - زعيم

طائفتهم - في منطقة قرب بيشاور، وأقسم أتباعه على الأخذ بالثأر، كما أنهم

احتفلوا حين سماعهم نبأ مقتل ضياء الحق) .

وقالت صحيفه " جارديان " - في عددها الصادر بتاريخ 19/8/1988 -:

(وأقام الشيعة احتفالات احتفاءً بمقتل ضياء الحق في مختلف المناطق التي

يكثرون فيها، ومنها براشنار على الحدود الباكستانية الأفغانية وقد اعتقلت الشرطة

الباكستانية مائة منهم لإطلاقهم الأعيرة النارية في الهواء تعبيراً عن فرحتهم، وفي

مدينة مجاورة خرجت جموع السنة في موكب ثأري) .

وذكرت " فايننشيال تايمز " - في عددها الصادر بتاريخ 19/8/1988 -:

أن المتشددين الشيعة هم المتهمون بمقتل ضياء الحق.

4 - ذكرنا في المقال السابق - (باكستان وتحكيم الشريعة الإسلامية) - أن

لأتباع إيران ثقلاً في الجيش - رغم أن نسبتهم من عدد السكان لا تتجاوز 5% وهم

يزعمون أنها أضعاف هذه النسبة - وأشارت " جارديان " - الصادرة بتاريخ 24/8

/1988م إلى نفوذ الشيعة في سلاح الجو فقالت:

(يجري التحقيق مع أفراد من الأقلية الشيعية يعملون في سلاح الجو

الباكستاني، متهمين بحادث إسقاط الطائرة، ويقول دبلوماسى رفيع المستوى: إن

فريق الخبراء الأمريكي الباكستاني المشترك قد أخبر أن عضواً في طاقم القيادة في

الطائرة الرئاسية كان شيعياً متحمساً وناقماً بسبب اغتيال زعيم الطائفة الشيعية الذي

تم في 7/8/1988 ويبحث الفريق الآن في احتمال قيام ذلك الضابط - عضو طاقم

القيادة - بوضع قنبلة على متن الطائرة، أو قيام أحد غيره بإحداث أمر ما أدى إلى

خروج الطائرة عن نطاق السيطرة، وحسبما يقوله مصدر دبلوماسى آخر فإن فريق

التحقيق مازال يحقق في النظرية القائلة: إن عمال الشيعة على أرض مطار

باوالبور قاموا بتهريب مواد متفجرة إلى الطائرة، ويصر السياسيون الباكستانيون

أن سقوط الطائرة جاء نتيجة لعمل تخريبي، وأنهم لا يستطيعون الإفصاح عن

هوية الفاعل) .

وإذن فقائد الطائرة - أو عضو في طاقم قيادة الطائرة الرئاسية من الشيعة

المتحمسين لإيران - ووزير دفاع آخر حكومة باكستانية أمر بتشكيلها ضياء الحق -

محمود هارون - من شيعة إيران، فماذا بقي من أسرار أجهزة أمن ضياء الحق؟ ... ومن قبل مر ذكر كثافة وجودهم في سلاح الجو هذا الذي عرفنا - على الرغم من

اطّلاعنا المتواضع - وما لم نعرفه أكثر، والأمر لله من قبل ومن بعد.

ثالثاً - الجيش الباكستاني:

قالت صحيفة (جارديان) - في عددها الصادر بتاريخ 19/8/1988 م - ما يلي:

(عندما كان المحققون يفحصون حطام الطائرة سي: 135 التي تحطمت يوم 7 /8/1988 والتي كانت تقل ضياء الحق، كانت أصابع الاتهام تتجه إلى الجيش

الباكستاني، وفي خضم عدد من النظريات التي تحاول تفسير لغز الحادث برده إلى

قوى خارجية غير مسماة، وإلى سياسيين متعصبين، يرى المحللون أن البحث عن

القتلة يجب أن يبدأ بين أوساط الجيش ما لم تتم الإجابة عن الأسئلة الحاسمة التي

تبين الظروف التي قتل بها ضياء الحق. وضياء الحق كان لا يسافر في العادة إلا

في وسط احتياطات أمن صارمة، وكان يعتمد في ذلك بشدة على الجيش، كما أنه

كان يصطحب معه على طائرته - طبعاً ليس حباً في الصحبة - فريق من التقنيين

الذين يقومون بخدمة وصيانة الطائرات التي يسافر بها، ويشرف على هذه

الترتيبات المخابرات العسكرية المعروفة باليقظة والحذر لاسيما بعد محاولة الاغتيال

التي جرت في عام، وهناك أجهزة أمنية أخرى تشارك المخابرات العسكرية دورها. وكان ضياء الحق ينتقل - يوم 17/8/1988- من قاعدة شديدة الحراسة قرب

بهاوالبور إلى أخرى في روالبندي، والأهم من ذلك أن رحلته غير معلن عنها

وغاية في السرية، وكان من بين ما شملته مشاهدة عرض سري لدبابة (M1)

الأمريكية، ويقول المحللون طالما أنه من الصعب الاعتقاد أنه بمقدور المخابرات

الأفغانية (خاد) أو غيرها جمع معلومات كافية عن تنقلات ضياء الحق بحيث تمكنهم

من وضع قنبلة أو منصة إطلاق صواريخ في طريق الطائرة، فإنه من المرجح أن

يكون ضباط غير موالين للنظام من المخابرات العسكرية قد حصلوا على معلومات

عن رحلات ضياء الحق وتحركاته. والجيش الباكستاني حافل سجله بمثل هذه

المؤامرات. ونظراً لقسوة ضياء الحق مع خصومه، فقد يكون الضباط الكبار الذين

يمكن الاعتماد عليهم أصبحوا أقل من قليل. وفي المرتبة التي تلي ضياء الحق

ورجاله الكبار نجد ضباطاً منقسمين على أنفسهم، وبعضهم يتعاطف مع (بي نظير

بوتو) ، كما أن كثيراً منهم ذوو ثقافة غربية ولهذا يعارضون توجهات ضياء

الحق الإسلامية، وعلى مختلف اتجاهات الضباط فمعظمهم يعارضون تورط

باكستان في أفغانستان) .

وقالت مصادر رسمية باكستانية: (إن إمكانية الوصول إلى الطائرة كانت

مقصورة على شخصيات عسكرية رفيعة المستوى. ويستبعد الخبراء العسكريون أن

يكون سقوط الطائرة بسبب عطل تقني؛ لأن الطائرة سي 130 من أكثر طائرات

النقل استقراراً في العالم ويمكن أن تحلق بمحرك واحد وأن تهبط في أي مكان يتسع

لها، وهناك متسع في مكان الحادث، ولو كان الأمر ناتجاً عن عطل تقني لكان

الطيار قد اتصل بالراديو ثم حاول الهبوط ولكنه لم يفعل) .

وكالات الأنباء 18/8

وذكرت وكالات الأنباء م عن مصادر رسمية أن السلطات الباكستانية حققت

مع 500 شخص بعد أن ألقت القبض عليهم، وذلك في مدينتي باوالبور ومولتان

الشرقيتين، وفي قاعدة (تشاكالا) الجوية القريبة من إسلام آباد، وفي مدينة لاهور

الوسطى، كما ألقت القبض على مسؤولي الأمن وعدد من عمال الأمتعة في مطار

روالبندي الذي أقلعت منه الطائرة. وذكرت وكالة رويتر - في عددها الصادر

بتاريخ 24/8 نقلاً عن ضابط متقاعد من الجيش -قال: إن المحققين يستجوبون

55 جندياً من سرية المدفعية الثانية والعشرين كانوا يتولون حراسة الطائرة،

وعاملين في سلاح الجو لم يحدد عددهم بخدمة الطائرة وصيانتها خلال وجودها في

باوالبور وطلب الضابط المتقاعد وهو برتبة ميجور كان يخدم سابقاً في السرية

المذكور عدم الكشف عن اسمه.

ونقلت وكالات الأنباء الصادرة بتاريخ 21/8/1988 عن الرئيس الباكستاني

بالوكالة قوله:

(إن العدو اخترق الدفاع للبلاد مضيفاً أن لبلاده أعداءً في الداخل والخارج

يمكنهم تنسيق عملهم) .

ومن يتصفح أسماء الذين قتلوا مع ضياء الحق يتعجب من قوة اطلاع الذين

نفذوها. لقد قتل في هذه المجزرة رئيس أركان الجيش الجنرال أخطر عبد الرحمن الذي كان الساعد الأيمن لضياء الحق، وكان يتولى مسؤولية الاتصال مع المجاهدين

الأفغان، ويدربهم على الأسلحة التي تقدمها لهم الولايات المتحدة الأمريكية، وقتل

معه تسعة من كبار الضباط المعروفين بولائهم لضياء الحق، وكانوا أصحاب القرار

في الجيش، وكأن الذين اخترقوا الجيش الباكستاني هم الذين خططوا لهذه الرحلة

ليتخلصوا من جميع الذين يزعجونهم ويقلقونهم، ولينفردوا بعدهم بشؤون الحكم.

وقالت صحيفة (هانغ) - الناطقة بالأردو - إن بعض الأشخاص في المطار

دسوا مادة قابلة للاحتراق في الطائرة، وإذا ما صح هذا الافتراض فأجهزة ... الأمن تريد معرفة أسباب إخفاق معدات الكشف في المطار في معرفة هذه ... المادة.

والذي نراه: أن جيش ضياء الحق هو الذي قتل ضياء الحق، فلو قبلنا

الرواية التي تقول: إن السوفيات وعملاءهم في كابول هم الذين دبروا هذا الحادث

- لكان من مستلزمات قبولنا لها القول: إنهم - أي السوفيات - استخدموا عملاء

لهم في المخابرات أو في سلاح الجو الباكستاني في تنفيذ هذه المهمة، وقُلْ مثل ذلك

عن الهنود والإيرانيين، وهذا الذي حذرنا منه في مقالنا السابق، وهذه هي سيرة

قادة جيوشنا المعاصرة.

وكنا نعلم أن الجهات المسؤولة في إسلام آباد وواشنطن لن تعلن عن هوية

المسؤولين عن هذه الجريمة؛ فالولايات المتحدة الأمريكية لا تريد مواجهة عسكرية

مع السوفيات أو مع الهند أو حتى مع إيران، ولو خسرت رجلاً من أبرز سفرائها

في الخارج، وهذا القول يفسر لنا الخبر التالي:

- (صرح مسؤولون باكستانيون في الأسبوع الأول - الذي أعقب تحطم

الطائرة أي من 22 إلى 27/8 - أن الولايات المتحدة حريصة على عدم كشف

حقيقة تورط الروس في الحادث) . ونضيف: (وكذلك فإنها حريصة على عدم

كشف تورط الهند وإيران) .

- وذكرت وكالات الأنباء في 20/8 أن السلطات الباكستانية منعت

الصحافيين - وحتى بعض المسؤولين الحكوميين - من الوصول إلى المنطقة التي

تحطمت فيها الطائرة. وهذا المنع يدل على أنهم لا يريدون الإعلان عن نتائج

التحقيق منذ البداية.

- ونشرت صحيفة (صنداي تايمز) - في عددها الصادر بتاريخ 11/9/

1988 - الخبر التالي: بات المحققون الباكستانيون مقتنعين أن طائرة ضياء

الحق تحطمت بسبب انفجار قنبلة فيها، وتقول المصادر الرسمية في إسلام آباد أن

ست فرق تحقيق باكستانية وأمريكية توصلت إلى شبه إجماع على أن انفجار قنبلة

كان السبب في سقوط الطائرة وتحطمها.

ويخشى المسؤولون أن يكون الإفصاح عن تورط تخريبي داخلي سبباً في

تقويض الاستقرار السياسي الهش في باكستان؛ ونتيجة لذلك يتوقع المسؤولون

احتمال بقاء نتائج التحقيق سراً دائماً من أسرار الدولة.

وقال مسؤولون باكستانيون: إن مما توصل إليه فريق التحقيق التابع لشركة

لوكهيد - المصنِّعة للطائرة - هو أن الطائرة لم تسقط بسبب عطل ميكانيكى، أما

المحققون العسكريون فهم مقتنعون بأن الأدلة القوية تشير إلى أن الطيار كان قد فقد

السيطرة بعد وقوع انفجار منخفض القوة بالقرب من غرفة قيادة الطائرة. وبشكل

استثنائي فقد اقتصرت التحقيقات على شخصيات عسكرية، وتقول هذه المصادر إن

نتائج التحقيقات تقدم مباشرة إلى الجنرال ميرزا إسلام بيك المسؤول عن عمليات

التحقيق.

وجملة القول فإنهم يخشون من إعلان نتائج التحقيق، ولو كان المتورطون

حزباً أو جماعة من جماعات المعارضة، وكان أصحاب القرار من العسكريين

والمدنيين المسؤولين من أصحاب ضياء الحق ومحبيه لأعلنوا النتائج وكانت هذه

هي فرصتهم للبطش بالمعارضة أو بركن من أركان المعارضة وتعريتها أمام الشعب.

ولو كان المتورطون هم السوفيات والهنود، وكان أصحاب القرار في باكستان

صادقين في قولهم بأنهم لن يغيروا أو يبدلوا من سياسة باكستان الداخلية أو الخارجية

لوجب عليهم الإعلان عن نتائج التحقيق ليحرجوا هاتين الدولتين، ويكسبوا عطف

وتأييد المناهضين للإجرام وسفك الدماء.

فلم يبقَ أمامنا إلا احتمال واحد: أن يكون أتباع إيران هم المدبرين لهذه

الجريمة، وفي هذه الحالة يصعب أن يعلن المسؤولون نتائج التحقيق؛ لأنهم في

هذه الحالة يخشون حربا طائفية في البلاد، وهم لا يمتلكون الجرأة، ولا يريدون أن

يكون مصيرهم كمصير ضياء الحق، والأدلة التي ذكرناها - فيما مضى - على

ترجيح هذا الاحتمال ليست ضعيفة، أما أن الجيش هو الذي قتل ضياء الحق فهذا

مما نجزم به.

عودة إلى تصريحات رئيس الدولة بالوكالة:

نقلت صحيفة (أوبزرفر) في عددها الصادر 28/8 - عن مسؤولين

باكستانيين في إسلام آباد - اعترافهم باختراق العدو لقواتهم المسلحة.

ونقلت وكالات الأنباء 21/8 - عن الرئيس بالوكالة - قوله: (إن العدو

اخترق الدفاع الداخلي للبلاد أن لبلاده أعداءً في الداخل والخارج يمكنهم تنسيق

عملهم) .

وهذا التصريح لابد أن يُفهم ضمن الأُطُر التالية:

1- جاء في ظروف بالغة الحساسية، لا يستطيع المرء فيها أن يكبت

عواطفه أو يكبح مشاعره، جاء بعد مقتل ضياء الحق بأربعة أيام.

2 - طبيعة الرئيس الجديد متحفظ، يحب أن يسمع ولا يحب أن يتكلم -

سنذكر في موضع آخر أهم صفاته - ويعزف عن إصدار التصريحات والبيانات.

3 - صدر هذا التصريح عن رئيس باكستان بالوكالة وهذا يعني أنه يعكس

أكداساً من التقارير الأمنية، ويعبر عن وجهة نظر لجنة التحقيق الباكستانية، ويعبر

أيضاً عن موقف كبار القادة من العسكريين والمدنيين، وبسبب أهمية هذا التصريح

وخطورته نريد أن يعرف كل مسلم في أي مكان من المعمورة ما يلي:

- أن اختراق الأعداء في الداخل والخارج لم يبدأ في 17/8 يوم سقطت

الطائرة وقتل من كان على متنها، ولا قبل هذا التاريخ بعام أو عامين، ولم يكن

قاصراً هذا الاختراق على حرب عام التي انتهت بانفصال باكستان الشرقية عن

الغربية.

- لقد بدأ هذا الاختراق عندما تولى الإنكليز أمر تأسيس هذا الجيش عام

1947، وتولوا تدريب ضباطه وتعليمهم وتثقيفهم، ولم يكن هذا التدريب - في

العواصم الغربية - على السلاح بقدر ما كان على الأفكار والمجون والخلاعة

والفجور.

واستمر هذا الاختراق عندما أُسند إلى الأمريكان أمر الإشراف على هذا

الجيش، فكانوا أقل ذكاءً ودهاءً وشجاعة من الإنكليز، ولم يرضِهم ما كان يرضى

به الإنكليز، وأصبح خبراؤهم ومستشاروهم القادة الفعليين لهذا الجيش.

- وبدأ هذا الاختراق عندما خالف القائمون عليه من الباكستانيين تعاليم دينهم

الحنيف ألا نستعين على مشرك بمشرك، وفتحوا الباب على مصراعيه أمام

الباطنيين والقاديانيين والشيوعيين وغيرهم وغيرهم من الملاحدة الفاسقين، وأصبح

هؤلاء قادة في البر والبحر والجو.

ومن يتصفح تاريخنا الإسلامي يعلم أن هؤلاء لم ولن يكونوا مخلصين

لباكستان وغير باكستان من بلدان العالم الإسلامي، ولن يكفوا عن الكيد والاختراق

والتآمر، ولن يتورعوا عن التعاون مع الشيطان وحزب الشيطان ضد المسلمين

الذين يلتزمون منهج الصحابة - رضوان الله عليهم - وقاعدتهم المعروفة مَن ليس

معنا فهو ضدنا. وسوف يستمر هذا الاختراق والتآمر مادام لهؤلاء وجود في

جيوشنا.

- ومهما كانت الظروف التي دعت الرئيس الجديد بالوكالة إلى الإدلاء بهذا

التصريح فقد كان صريحاً وجريئاً، وغيره لا يعترف بهذه الحقيقة، ولا يسمح لأحد

أن ينطق بها، أو يحذر من عواقبها على الرغم من وجود هذه الاختراقات وتكرار

الهزائم بسببها، ففي أعقاب هزيمة 1967 لم يقل قائد من قادة دول المواجهة مع

إسرائيل: لقد استطاع العدو اختراق جيشنا، مع أن عجائز هذا البلد تتحدث عن

هذه الاختراقات، ونشرت وثائق عجيبة في العالم عن هذه الاختراقات، وبعض

هذه الوثائق نشرها الرفاق الذين كانوا يشاركون في صنع القرار أيام الهزيمة.

نشروها بعد أن انقلب الود إلى ضده. ووثائق أخرى نشرها كوهين وباروخ نادل

وغيرهما من جواسيس " إسرائيل " الذين زرعتهم في بلادنا.

أما الذين كانوا أسرع من الغزلان في الهزيمة، ولم يطلقوا رصاصة واحدة

ضد العدو، فلقد امتلأت صدورهم وظهورهم وسواعدهم أوسمة وحازوا - فيما بعد

- أعلى المناصب.

ليسأل كل مسلم نفسه:

هل يقبل الاتحاد السوفياتي مسلمين ملتزمين بالإسلام كضباط، بل كجنود في

جيشه ومخابراته؟ !

وهل يقبل اليهود في فلسطين المحتلة مسلماً في جيشه. هذه فلسطين المحتلة

فاسألوا أهلها؟ ! . وقل مثل ذلك عن الهندوس وغيرهم وغيرهم. بل أخبرونا بالله

عليكم عن مسلم سني - ولو كان فاسداً منافقاً - تولى قيادة لواء من ألوية جيش

الخميني أو تولى وزارة من الوزارات في حكوماته المتعاقبة؟ !

فإلى متى يقبل المسلمون أن يكون النصارى والباطنيون والشيوعيون

والملاحدة ضباطاً وقادة في جيوشنا؟ !

وإلى متى نعيش غرباء في أوطاننا؟ !

تنويه

تتمة هذا الموضوع - " باكستان بعد ضياء الحق " - لن تُنشر في أعداد قادمة من " البيان "، وستنشر - مع غيرها من الموضوعات المهمة التي سبق نشرها في

" البيان " - في كتاب مستقل وسيكون بين أيدي القراء في وقت قريب جداً إن شاء

الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015