نموذج اتخاذ القرار
ف. فروم [1]
عرض وتحليل: طارق عبد الحليم
مقدمة:
يعتمد نجاح قيادة ما في أداء مهامها الموكولة إليها على عدة عناصر متداخلة،
تتفاعل لتحقق الهدف الذي ينشده القائمون على هذا العمل، من تلك العناصر:
1- كفاءة [2] القيادة وفعاليتها [3] في الأداء والمتابعة.
2 - كفاءة الأتباع وفعاليتهم في التلقي والأداء.
3 - درجة الثقة المتبادلة بين الطرفين.
4 - المناسبة (الزمانية والمكانية) للمهام المطلوبة في المواقف المختلفة.
5- الإمكانيات المتاحة اللازمة لأداء الحد الأدنى على أقل تقدير.
ويندرج تحت كل عنصر من تلك العناصر المذكورة عدد من العوامل الفرعية
التي تؤثر على الأداء الناجح الفعال لكل من القيادة من جهة، والمجموعة العاملة من
جهة أخرى، فعلى سبيل المثال، تتحدد كفاءة الأتباع حسب (المستوى العلمي -
درجة التخصص- الصفات الشخصية كدرجة الانضباط.. - درجة التآلف بيد
المجموعة - الخلفية النفسية والاجتماعية ... الخ) .
وحديثنا في هذا البحث يخص أحد مركبات العنصر الأول، أعني (كفاءة
القيادة) وبالتحديد عملية (اتخاذ القرار) ومدى الحاجة إلى المشاركة فيه بين القيادة
والأتباع في المواقف المختلفة من خلال نموذج (اتخاذ القرار) الذي قدمه للمرة
الأولى العالم الأمريكي فيكتور فروم في مجال علم المنظمات والإدارة في ربيع عام
1973، ثم طورها بعد ذلك بمعاونة آرثر ييتون.
والنموذج يصلح للتطبيق في مستويات الإدارة كافة بواسطة المسؤول سواء
كان القائد مع بقية أفراد مجلس الإدارة مثلاً، أو كان قائداً تنفيذياً مع أفراد مجموعته
العاملة.
النظرية:
تقوم تلك النظرية على فرضية أن مدى الحاجة إلى المشاركة بين القيادة ...
والأتباع في اتخاذ قرار ما تتحدد حسب الموقف ومتغيراته المختلفة، والتي تملى
بالتالي نمطاً قيادياً محدداً يؤدي إلى أفضل النتائج ويعتمد النموذج المقدم على ثلاث
قواعد يتم خلالها اختيار ذلك النمط به وهي:
أولاً: الأسس التي يتم عليها تحديد متغيرات الموقف.
ثانياً: الأنماط القيادية المختلفة.
ثالثاً: متغيرات الموقف.
وعلى أساس التفاعل بين تلك العوامل الثلاثة يمكن للقيادة تحديد النمط
المطلوب في هذا الموقف المحدد، وسنتناول باختصار ذكر تلك القواعد.
أولاً: أسس اختيار وتعيين متغيرات الموقف:
- نوعية المشكلة المراد البت فيها (كمية أم كيفية؟) .
- درجة اطلاع القائد وفهمه للمشكلة القائمة نظرياً وعملياً.
- درجة اطلاع الأتباع وفهمهم للمشكلة القائمة.
- درجة إمكانية الحصول على معلومات من خارج المجموعة (بشأن المشكلة) .
- تقبل الأفراد لقرارات القيادة وطاعتهم لها.
- درجة الإحساس بالولاء والانتماء للشركة أو المجموعة.
- درجة التعايش والتآلف بين الأتباع.
وتهدف هذه الأسس بجملتها إلى المحافظة على عدة مبادئ منها: (مبدأ
التآلف) ، (مبدأ التخصص) ، (مبدأ الحرص على الكيف) ، وعلى أساسها يتم اختيار
عدد من الأسئلة التي تمثل متغيرات الموقف الراهن.
ثانياً: أنماط القيادة:
تتحدد الأنماط القيادية بثلاثة أنماط (1، 2، 3) ، يندرج تحتها خمسة أشكال
من التصرفات القيادية المختلفة (أ، ب، ج، د، هـ) .
1 - قيادة موجهة متحكمة (صلى الله عليه وسلمutocratic) :
أ- تتخذ القرار بنفسك وحسب معلوماتك الخاصة..
ب - تتخذ القرار بنفسك بعد جمع المعلومات اللازمة من أتباعك.
2 - قيادة مشاورة (Consultative) :
ج - تشاور أتباعك بطريقة فردية لمعرفة رأيهم ومعلوماتهم ثم تصدر قرارك
بنفسك.
د - تشاور أتباعك بشكل جماعي لاتخاذ القرار بنفسك بعد المشاورة.
3 - قيادة مشاركة (Participation) :
- تصدر القرار بشكل جماعي بعد المشاورة وأخذ الأصوات.
ثالثاً - متغيرات الموقف:
وفي عشرة أسئلة بنيت على الأسس التي قدمناها في القاعدة الأولى:
1 - في حالة تقبُّل الأفراد للقرار الفردي، هل تتأثر النتائج ذاتها بطريقة اتخاذ القرار؟
2 - هل لدى القائد العلم الكافي لاتخاذ قرار كفء؟
3 - هل تتوفر لدى الأتباع معلومات (زائدة على معلومات القيادة) تؤدي إلى تحسين الأداء؟
4 - هل يعرف القائد نوعية المعلومات المطلوبة، وممن يحصل عليها،
وكيفية جمعها؟
5 - هل من الضروري أن تتوفر معلومات إضافية لصالح القرار داخل حيز
المجموعة ككل؟
6 - هل من الممكن جمع معلومات إضافية من مصادر خارجية قبل اتخاذ
القرار؟
7 - هل تقبُّل القرار من الأتباع مهم وحاسم لضمان حسن التطبيق؟
8 - إذا كان من المحتم اتخاذ القرار بطريقة فردية (بنفسك) هل أنت متأكد
من تقبل الأتباع له؟
9 - هل يمكن الوثوق بقدرة الأتباع على اتخاذ قرارات مهمة تتلاءم وأهداف
العمل بشكل عام؟
10 - هل من المحتمل حدوث خلافات بين الأتباع على نوعية الحل؟
الطريقة:
يمكن اختيار النمط الأمثل للتصرف القيادي (وبالتالي تحديد الأنماط الممكنة
في حالة القرارات طويلة المدى) في موقف ما بأن يقوم القائد المسؤول بالإجابة عن
الأسئلة السابقة بادئاً بالسؤال الأول ... وحسب الإجابة بنعم أو لا ينتقل إلى السؤال
التالي حتى يصل - عن طريق الشكل المرفق على هيئة شجرة - ليحدد في النهاية
النمط المناسب لاتخاذ القرار.
فمثلاً: في حالة تقبل الأفراد للقرار.
- ولكن النتائج ذاتها تتأثر بطريقة اتخاذ القرار (الفردية أو الجماعية) السؤال
رقم (?) - " نعم " ينتقل المسؤول إلى السؤال رقم (?) .
- أما إذا كانت النتائج لا تتأثر بطريقة اتخاذ القرار السؤال - " لا " ينتقل
المسؤول إلى السؤال رقم (7) مباشرة.
وعند الانتقال إلى السؤال رقم (7) :
- هل تقبل الأفراد للقرار ورضاهم به مهم وحاسم لضمان حسن التطبيق؟
- فإن كانت الإجابة بنعم ... ينتقل المسؤول إلى السؤال رقم (8) .
- وإذا كانت الإجابة لا؛ يكون النمط المناسب هو (اتخذ القرار بنفسك
وبمعلوماتك) في حالة القرار ذي التأثير قصير المدى ... أو الأنماط ب، ج، د،هـ
على التوالي إذا كان القرار ذا تأثير طويل المدى وهكذا.
ومما تجدر الإشارة إليه أن القرارات ذات التأثير المحدد (قصير المدى) تتحدد
بالنمط المذكور أولاً في النموذج ... ولكن حسب درجة نضوج الأتباع ومع مرور
الزمن فإنه من المناسب العدول إلى الأنماط المجاورة على التوالي (بين القوسين)
خاصة فيما يخص القرارات ذات التأثير المستمر (طويل المدى) .
مثال:
وحتى يسهل الأمر على القارئ، نعتبر مثالاً يعرض طريقة استخدام النموذج
للوصول إلى السلوك القيادي الأمثل.
1- لنفترض أن مديراً لإحدى الإدارات بشركة ما، يعمل تحت إمرته عشرة
من العاملين من ذوي الخبرة المناسبة.
2 - يتمتع العاملون العشرة بثقة المدير بكفاءتهم وحسمن أدائهم للعمل بشكل
متكافئ.
3 - أرسلت الإدارة العامة للشركة تطلب ترشيح ثلاثة أفراد من تلك الإدارة
لأداء مهمة بالخارج لفترة من الزمان.
4 - يعتبر العاملون ذلك السفر أمراً غير مرغوب فيه، كما يعلم المدير ذلك
حيث يحتاج السفر لتغييرات جذرية في أوضاع الحياة الخاصة للمرشح.
أ - أيتخذ القرار بمفرده ويحدد من يقوم بالمهمة؟ .
ب - أم يشاور العاملين معه فيمن يود الذهاب؟ .
ج - أم يجمع العاملين ويتركهم يقلبون الأمر على وجوهه فيما بينهم لتحديد
الأسماء المرشحة؟ .
وللوصول إلى القرار المناسب، نرجع إلى الشكل المرفق لشجرة القرار،
والأسئلة العشرة.
- السؤال الأول: هل تتوقف النتائج (أداء العمل بالخارج) على طريقة اتخاذ
القرار؟ .
والجواب: لا، حيث إن العاملين العشرة متساوون في الكفاءة، والخبرة،
ويتمتعون بثقة الإدارة بقدرتهم على حسن الأداء.
- انتقل إلى السؤال رقم (7) .
- السؤال السابع: هل تقبل العاملين المرشحين للقرار مهم وحاسم في حسن
التطبيق للعمل والقرار؟ .
والجواب: نعم، حيث إن العامل حين يؤدي أمراً لا يرغب فيه - حتى مع
كفاءته وقدرته وخبرته - لا يكون على المستوى المطلوب من العمل.
- انتقل إلى السؤال رقم (8) .
- السؤال الثامن: في حالة اتخاذ القرار بشكل فردي، هل الإدارة متأكدة من
تقبل العاملين لذلك القرار دون معارضة؟ .
والجواب: لا، حيث إن القرار بالسفر سيكون له أثر في الحياة الشخصية
للمرشح، والاحتمال الأكبر أن يلقى الترشيح معارضة، ما لم تكن الموافقة مسبقة
عليه.
وبناءً على ذلك التحليل نصل إلى النمط (هـ) والذي يعني: (أن يعقد المدير
اجتماعاً حيث يعرض المسألة على العاملين معه، ويطرح الترشيح للمناقشة حتى
يصل إلى اتفاق على الأسماء الثلاثة.
التعليق:
تعتبر هذه المحاولة التي قدمها (فروم) لبناء القرار على طريقة أكثر عقلية
وتحديداً ودقة من باب النماذج (Model) التي يمكن احتذاؤها.
ولا يزعم المؤلف - كما لا نزعم نحن - أنها أنضج ما يمكن تقديمه في هذا
المجال، بل ولا أنها تغطي المواقف والاحتمالات كافة التي يمكن أن تواجهها قيادة
ما.
ولكن الجديد الذي تقدمه النظرية هو تلك الوسيلة العملية التي يمكن بواسطتها
أن يضع المسؤول المتغيرات كافة التي يواجهها على الورق ليكون اختياره أكثر
تحديداً ودقة، دون أن يهمل عاملاً ما، أو أن يبني قراره على مجرد النتائج التي
يهتدي إليها بعقله بعد تقليب الأمر بينه وبين نفسه مما قد لا يستغرق منه سوى
لحظات قليلة، فتارة يشاور من معه، في حين أن المشاورة قد لا تكون في صالح
القرار أو الجماعة ككل، وتارات يتخطى الجميع ليتخذ قراره بنفسه، في حين هو
أقل علماً بالمشكلة من بعض أتباعه الذين تتوفر لديهم المعلومات الكافية والتخصص
الدقيق.
ومما لا يخفى أنه ليس من المعقول المشاورة في كل أمر صغير أو كبير، كما
أنه ليس من المشروع الاستقلال بالرأي والاستبداد بالقرار على طول الطريق، ولنا
في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة في ذلك الأمر وحدوده حين أخذ
بمشورة سعد بن معاذ في بناء العريش في غزوة بدر من حيث هو أهل أعلم وثقة
بهذه الأمور، كما استشار -صلى الله عليه وسلم- الصحابة والأنصار على وجه
التحديد قبل الإقدام على الحرب في بدر، حيث إن موافقتهم كان لها وزن خاص في
النتائج المرتقبة، بينما قرر -صلى الله عليه وسلم- بنفسه في حادثة نعيم بن مسعود
وإرساله ليخذل عن المسلمين إبان غزوة الخندق.
وما يعنينا في هذا الموضع أن نشير إلى أن الأسس التي يقوم عليها تحديد
متغيرات الموقف - والتي قدمناها في القاعدة الأولى - ومتغيرات الموقف نفسها
(والتي قدمناها في الأسئلة العشرة السابقة) تخضع للتغيير والتبديل حسب نوعية
العمل وحسب البيئة التي يراد تطبيق النموذج عليها، بحيث تشمل في كل حالة ما
يناسبها، وما يغطي احتياجات القيادة، وقدرات الأتباع والمواقف المختلفة المحتملة.
ولا يفوتنا أن نوجه نقداً حاسماً لذلك النموذج من حيث إهماله - بشكل يكاد
يكون تاماً - الحالة النفسية والدوافع الداخلية التي قد يصدر عنها القائد والأتباع على
حد سواء في اتخاذ القرارات. وهو - وإن وضع بين الأسس التي يحدد عن
طريقها متغيرات الموقف مبدأ " التآلف والتجانس " بين القيادة والأتباع من جهة،
وبين الأتباع بعضهم البعض من جهة أخرى، إلا أن ذلك لا يعفي من ضرورة
اعتبار الدوافع الذاتية الشخصية التي توجه الأفراد حين اتخاذ قرار ما، والذي قد
يتخلى في أثره الجانب العقلي الميكانيكي الذي عالجه المؤلف في نظريته، بل ويكاد
يتحكم لحد كبير في عملية اتخاذ القرارات داخل المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية.
فمثلاً: قد تقرر قيادة ما الاستغناء عن خدمات أحد أفرادها، نظراً لعداء
شخصي أو حالة نفسية محددة دون الدخول في تفاصيل الأسباب والدوافع ولكن قد
يقرر فرد ما الاستقالة من عمله والانفصال عنه لدوافع خاصة قد لا يصرح بها في
غالب الأحوال. وهو الوضع الذي لم يعالجه " فروم " في نموذجه ولم يحسب له
حساباً في أسسه وقواعده وأسئلته على الرغم من أهميته القصوى والحاسمة.