خواطر في الدعوة
محمد العبدة
إذا كان واقع المسلمين في هذه الأيام يضطرهم للمطالبة بالحد الأدنى من
التعاون والتنسيق، خوفاً من البديل وهو التشهير والتمزيق، وإذا تحقق هذا التعاون
اعتبر من المكاسب التي يجب المحافظة عليها والتمسك بها، ويقولون. هذا هو
الواقع، ويجب أن نعترف به، ولا نكون مكابرين خياليين نسرح بالأحلام.
إذا كان هذا هو الواقع فنحن نوافقهم ولكن بشرط أن يكون هذا الشعار مؤقتاً؛
لأن أوضاع المسلمين فعلاً تحتاج إلى بداية مثل هذه، ولكن الذي نخشاه ونتخوفه
هو أن يرضوا بهذا الواقع، ويستمر هذا الشعار فترة طويلة فتموت الهمم،
وتسترخي العزائم، ويستمرئ المسلمون هذه الحالة فلا يقومون بالأعمال العظيمة
المطلوبة منهم في هذا العصر بالذات، فنحن نمر بفترات حرجة لا نحتاج إلى
التعاون والتنسيق بل إلى الانصهار في عمل كبير يعيد للمسلم عزته وكرامته،
ويشعره بالثقة المفقودة، يعيد إليه الأمل والرجاء، إننا نحتاج إلى إنكار للذات
بالدرجة الأولى، فهو العقبة الكؤود كما يظهر لي، وتأتي الخطوة التالية بالعمل
الدؤوب الذي لا يعرف الراحة، وإعمال الفكر في مستقبل المسلمين والإسلام،
والطرق الصحيحة التي توحد ولا تفرق.
إن الساعات الحاسمة في التاريخ هي الساعات التي تتحول فيها الأمة كلها إلى
(ورشة عمل) ، كلٌّ له مكانه وكل له مكانته، يشعر كل فرد أنه يشارك في البناء بل
إنه ضروري لهذا البناء، هكذا قام المجتمع الإسلامي الأول عندما شارك المسلمون
كلهم في بناء المسجد بمن فيهم قائد هذا المجتمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعندما استقبل الأنصار إخوانهم المهاجرين وتنازلوا عن شطر أموالهم، ونفذوا
هذا عملياً ولم يكتفوا بالأدبيات والكلام عن الأخوة الإسلامية أو (يجب علينا أن نبني
مسجداً!) .
وإذا كنا نتكلم عن الحد الأدنى فإن الغربيين قد انتهوا من بحث أمورهم الكبيرة، أمورهم الاستراتيجية وفي اجتماعاتهم الآن يناقشون المشاكل الصغيرة التي لا تزال عالقة مثل مشكلة (الزبدة) كيف تصدر وتستورد، وكيف يصرفون الفائض منها.
وإحياء الأمة ودعوتها إلى استئناف دورها الخيري لا يتأتى إلا بأعمال كبيرة، وإن الحد الأدنى إذا استمر لا ينتج إلا الضعف، الذي يستطيع العيش طويلاً،
ولكنه يبقى ضعفاً، وأخشى أن يسري هذا الداء حتى إلى عباداتنا وأعمالنا فلا نقوم
إلا بالحد الأدنى من المطلوب، وتمر السنون دون أن نحقق عملاً كبيراً يرضي الله
ويغيظ أعداء الإسلام ويشفي صدور قوم مؤمنين.
لا شك أن الخطوة الأولى هي التعاون الصادق، ولكن كم نتمنى أن يتلو هذه
الخطوة خطوات.