منتدى القراء
طارق محمد العمودي
ذكر الحافظ المزِّي في تهذيبه [1] عن شيخ أهل الحديث في عصره الإمام
محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي أنه قال: (من أراد العلم والفقه بغير أدب، فقد
اقتحم على أنْ يكذِبَ على الله ورسوله) .
لقد استوقفتني كثيراً عبارة هذا الإمام الحافظ الثقة ذي الرحلة الواسعة في
طلب العلم.
فهو يفصح رحمه الله بأنّ طلب العلم إنْ كان غير مقرونٍ بالآداب السامية،
والأخلاق الفاضلة، فهو وبال على صاحبه.
فكيف يؤخذ العلم ويكون له تأثيره على طالبه ممن ليس هو في مصاف أهل
القدوة؛ فكم من امرئ أصبح له قدْرٌ لدى عامة الناس من خلال سمته وأسلوب
معاملته الحسنة مع الناس.
وهل العلم أصلاً إلا قناة من قنوات غرس الأخلاق الحسنة لدى من يطلبه
وينمّيه له؟
ويدخل في عبارة هذا الإمام أدب طالب العلم مع شيخه وأقرانه في الطلب.
وأذكر في هذا الصدد ما حكاه الإمام ابن الجوزي [2] يصف بعض شيوخه
ممن طلبوا العلم بالأدب فتأثر بهم فقال: (ولقيت عبد الوهاب الأنماطي فكان على
قانون السلف لم يسمع في مجلسه غيبة، ولا كان يطلب أجراً على سماع الحديث،
وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق بكى واتصل بكاؤه، فكنت وأنا صغير السن
حينئذ يعمل بكاؤه في قلبي، ويبني قواعد [3] . وكان على سمت المشايخ الذين
سمعنا أوصافهم في النقل ... ) .
وانظر إلى طلبة اليوم، فقسم منهم يأتي لا للاستفادة والعلم وطلب المزيد،
وإنما للمناقشة العقيمة مع شيخ المادة، أو لتصيد عيوب الشيخ العلمية، وقسم آخر
ما أن ينتهي وقت المحاضرة، إلا وقد هرول مسرعاً خارج القاعة كأنه يهرب من
قفص أسد، سابقاً شيخه في الخروج، رافعاً صوته باللغو.
فأيّ أدب هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فأين نحن من قول الحسن البصري (كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى
ذلك في تخشعه وهديه ولسانه وبصره ويده) [4] .
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا أدباً مقروناً بالعلم النافع إنه مجيب الدعاء.