منتدى القراء
أسامة عبد الرؤوف الجامع
بينما كنت ماشياً بين أزقة المدينة وشوارعها رغبت في شرب الماء؛ فبحثت
هنا وهناك علِّي أجد ماء سبيل أرتوي منه، فأقبلت على أحدها فوجدت أنه قد
سبقني غلام بشرب الماء، فانتظرت دوري فما كان منه لما رآني إلا أن ملأ الكوب
ماءً وقدمه لي وقال: تفضل. حاولت أن أرده إلا أنه ألح بكل أدب فلما فرغت،
شرب هو الماء بدوره وقد سمّى بالله، ثم حمده، ثم انصرف، تأملت في تصرف
هذا الغلام وعجبت من أدبه وسمته، وقلت في نفسي: إن سلوكاً مثل هذا لا يمكن
أن يأتي إلامن بيئته الطيبة وتأديب أبويه له، كيف لا، وهو في سن تكثر فيه
الاهتمامات التافهة والتصرفات الطائشة. وكنت سألت ذات مرة بعض الشباب
المراهق عن اهتماماتهم فقال أحدهم: إني أتمنى أن أركب سيارة بورش السباقية،
وقال آخر: إني أتمنى أن أجمع أكبر قدر من الطوابع القديمة من مختلفة أنحاء
العالم، وكذلك صور الفراشات الملونة. ثم توجهت بالسؤال إلى نمط من الشباب
الصغار من ذوي التربية الناضجة فقال أحدهم: إني أتمنى أن أكمل حفظ القرآن
الكريم كاملاً لأرضي ربي، وقال آخر: إن مشكلتي هي أني لا أقوم لصلاة الفجر
فأتمنى من الله أن يعينني عليها، وآخر اهتماماته في القراءة، وآخر اهتماماته في
علوم الفلك، عجباً والله! أليس السن واحداً؟ أليس مشربهم واحداً ومأكلهم واحداً؟
بلى! ولكن تأديبهم وتوجيههم ليس بواحد، فرق بين أب يحكي لأبنائه قصص
السيرة النبوية وقصص السلف الصالح في جلسة عائلية رائعة، وبين أب يحكي
لأبنائه آخر أخبار الفن والفنانين والرياضة والرياضيين، ما أجمل أن يسير الأب
مع ابنه جنباً إلى جنب إلى المسجد وقد حان وقت الصلاة، فالأب ينصح ابنه،
والابن يوقظ أباه لصلاة الفجر! إنها صورة مشرقة تشترى بماء الذهب، لكنها لا
تأتي من فراغ. قالوا قديماً:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا ... على ما كان عوّده أبوه
فمتى يصحو بعض الآباء من غفلتهم، وإلى متى يتركون أبناءهم هملاً هكذا؟
بل لعلك تجد أباً يحرص على مستوى ابنه الدراسي حرصاً شديداً لكنه لا يعير أدنى
اهتمام لمستوى ابنه الإيماني والأخلاقي وكأن الدراسة أهم، أمّا الدين والخلق فهما
أمران جانبيان، وليصاحب الابن من شاء فالمهم ألا يتأثر دراسياً! منطق عجيب
يتحلى به بعض الآباء، ولن يصحو مثل هؤلاء إلا عندما يكبر أبناؤهم ويقطفون
ثمرة تربيتهم، وكيف لا يظهر العقوق؟ فمن ضعف دينه فليس للحياء والأدب مكان
في قلبه.