الورقة الأخيرة
بقلم: محمد المغيري
السلوك ترجمة للفكر، وكلما كان الفكر أصيلاً، خالصاً من الشوائب، نقياً
من العوالق، واضحاً في الرؤية، متجذراً في المنهج كلما أنتج ذلك سلوكاً رشيداً،
وأثمر تعاملاً سديداً.
وصاحب الفكرة، ومعتنق المبدأ لا يرضى أن يلحق بفكرته أذى، أو أن
يشوب مبدأه عالقة من نقص أو خلل. وهذا ما ينبغي أن يكون، وهو ما كان ولا
يزال عند أصحاب العقول الرشيدة، والمبادئ الناصعة المستنيرة، والقيم المضيئة
عند أتباع الحق وأنصار السنة المستمسكين بها في سرّائهم وضرّائهم.
وعندما تنخرم هذه القيمة قيمة توافق الفكر والسلوك وتظهر أعراض التصادم
بينهما، وتبرز نتوء التناقض المريب، ويغدو الفكر سلعة في المزاد، ولباساً يُلبس
ويُخلع تبعاً للحاجة إليه فإن حامله داخل في زمرة المصابين بمرض (الأنوثة
الفكرية) .
والمصابون بهذا المرض تعرفهم أحياناً بسيماهم، وتعرفهم كثيراً في لحن
القول: [مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إلَى هَؤُلاءِ وَلا إلَى هَؤُلاءِ] [النساء: 143] هم فئام
كثيرة في مجتمعاتنا الإسلامية، مشكلتهم الكبرى أنهم محسوبون على المتدينين؟ ! ، ومصيبتهم أنهم طوعاً أو كُرها ينسبون إلى الصالحين؟ ! إما بماضيهم، أو
بهيئاتهم، أو بألسنتهم، أو بمسمى وظائفهم، أو ببعض ذلك، أو جميعه.
وهم ليسوا سواء؛ بل هم مراتب ومنازل، أدناهم من: [فَإذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ
جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ] [العنكبوت: 10] وأقصاهم وأشدهم وطأة من إذا:
[لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ] [البقرة: 14] .
فكم يجني هؤلاء بعلم أو بجهل أو بمماحكة على الدعوة وأهلها؟ !
رضي الله عنك يا عمر.. يستحلف حذيفة رضي الله عنه: هل عَدّهُ رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- من المنافقين..؟ وهو عمر!
لو تدبر مرضى الأنوثة الفكرية هذا الموقف.. وتأملوا ما فيه من الخشية
والرهبة والمحاسبة لهانت عليهم الدنيا بمناصبها.. ودراهمها.. وكل حطامها.
ولكن أكثر الناس لا يعقلون.
اللهم اجعلنا أغنى خلقك بك.. وأفقرهم إليك.. ولا تجعل بيننا وبينك في
رزقنا أحداً سواك.