متابعات
عبد العزيز بن عبد الله الزهراني
إلى علماء المسلمين وحكامهم في كل مكان. إلى كل الفعاليات الثقافية
الإسلامية. إلى كل مسلم غيور: أوجه هذا النداء، بعد أن قام كُتّابٌ من بعض
البلدان العربية والإسلامية بسب دين الإسلام ورسول الإسلام وصحابة الرسول
الكرام؛ حيث فاقوا دعاة التنصير والمنظمات الصهيونية المعادية للإسلام: إلى كل
أولئك أوجه هذا النداء عبر (مجلة البيان) .
بدأت أكتب في خاطرة بعنوان: (أصنام تعبد في داخل الإنسان) وقرأت عن
(كتاباتهم التي تهاجم الإسلام والرسول والصحابة) [1] . ومنهم المدعو (سيد القمني)
في كتابه: (رب الزمان) الذي يتحدث فيه عن وجود آلهة سماوية وآلهة أرضية.
ومنهم (خليل عبد الكريم) عضو أمانة حزب التجمع اليساري في كتابيه: (مجتمع
يثرب) و (شدو الربابة في أحوال الصحابة) قالوا في كتبهم: نحن علماء مجتهدون
ولا يحق لأحد أياً كان مراجعة فكرنا، وليس للدين ولا للمتدينين علينا وصاية.
ويقول أحدهم: إن القرآن يعطي الحق المطلق في حرية العقيدة والفكر، ويتهمون
الرسول أنه ما كان يهدف من النبوة والرسالة إلا ليقيم دولة عربية قرشية هاشمية
تحقيقاً لأمنية جده عبد المطلب إلى غير ذلك من الهراء.
مات فرعون وفكره ما زال يحيا:
وقال القمني: إننا اليوم قادرون على أن نفهم ديننا أفضل مما كان يفهمه
الصحابة. وقال: إنه لا يسمح بأن يسأله أحد عن عقيدته الدينية؛ لأن من يتصدى
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى توكيل من الله؛ والإسلام لا يعرف
التوكيلات، وأنا مواطن في دولة مدنية ولست فرداً في دولة الخلافة الإسلامية!
والمشائخ لا يدعون إلى مصادرة كتبي بل إلى قتلي واغتيالي، ولكن أفكاري ستبقى
مخلدة..! ! اهـ
أقول: إن التاريخ لا يرحم ولا يحابي ولا يجامل أحداً على حساب أحد. فما
يكتبه أصحاب الأفكار السليمة وحتى المنحرفة ستبقى مخلدة كما أبقى الله جل شأنه
فكر الأنبياء والصالحين وأبقى دعاوي الفراعنة والملحدين. فذلك فرعون وكفره،
وهامان وكبره، وأعداء الرسل وجبابرة الدنيا أخبرنا الله عنهم، فقال عن فرعون
ووزرائه حين جاءهم بالبينات: [فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ] (غافر: 24) . وفي مقام
الشورى من فرعون لملئه قال: [وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إنِّي
أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ] (غافر: 26) وفي آية أخرى
تقرر كفر فرعون: [قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ] (غافر: 29) ، ففي الآية الأولى يطلب من ملئه الموافقة على قتل موسى عليه
السلام لخوفه أن يغير موسى عبادة فرعون بعبادة الله الواحد الديان، ويفسد ملك
فرعون وألوهيته المزيفة؛ وهذا في عرف فرعون فساد، وفي شطر الآية الثانية
يبدو فرعون واعظاً ومذكراً ومحدثاً وداعياً ومرشداً لقوله: [وَمَا أَهْدِيكُمْ إلاَّ سَبِيلَ
الرَّشَادِ] ويقول في مقام آخر: [يَا أَيُّهَا المَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إلَهٍ غَيْرِي]
[القصص: 38] ، فذلك كفر فرعون ذُكِرَ في القرآن الكريم مع قبيح فعله وتخليده
في نار جهنم، وكذلك ما قاله وزيره قارون حينما زعم أن ما لديه من جاه ومال
جاءه من تلقاء نفسه ومن علمه: [إنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي] [القصص: 78] ،
وأورد القرآن الكريم عن قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وأصحاب مدين،
فخلد ذكرهم بأسوأ صورة. هكذا يريدون تخليد ذكرهم بإعلان الكفر وسب الإسلام
وشعائر الدين الحنيف، وكأنهم لم يجدوا طريقاً أسهل عندهم من الجهر بالإلحاد
والتشنيع على محمد ورسالته وأصحابه الغر الميامين.
ثم قال القمني: فضّ الله فاه محذراً من مغبة تقديس الصحابة! ! : (لا ينبغي
أن نفرط أو نسرف في تقديس الصحابة؛ فهم رجال ونحن رجال، وهم يخطئون
كما نخطئ، والإسراف في تقديسهم أحد أسباب الكارثة التي نعيش فيها حتى صرنا
نضع أمامنا محرمات من صنع أنفسنا تمنعنا من حرية التفكير وقدّسنا أشخاصاً غير
مقدسين) .
كما اتهم الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان غير صالح
للخلافة وغير سوي ليكون خليفة، وأنه مجتهد كما اجتهد عثمان.
والحقيقة أن المسلمين الصادقين يقدرون أصحاب رسول الله كما أثنى الله
عليهم، وكما قدرهم رسوله؛ وحسبُهم أنهم خير القرون.
كفر صريح وردة مكشوفة:
ثم اتهموا الصحابة الكرام بأنهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا من عاداتهم الجاهلية! سبحان الله وأن الإسلام ومحمداً -صلى الله عليه وسلم- أخفقا في التسامي بهم إلى
مكارم الأخلاق؛ مما جعل محمداً يتبرأ منهم. وينكر (خليل عبد الكريم) أعمى
البصر والبصيرة أن الإسلام دين إلهي قائلاً: الإسلام تجربة فجرها محمد، وأسهم
الصحابة معه في تجسيدها لإقامة الدولة القرشية. ويقول: (سيد القمني) : إن جد
الرسول (عبد المطلب) كان يسعى للزعامة؛ وهذا ما دفع أولاده إلى مساندة الإسلام
ليحققوا من خلاله حلم الدولة، وفسر ذلك قائلاً: هذا واضح طبيعي لكي تبدو
الرسالة النبوية طبيعية ومتوافقة مع ظروف الأوضاع العامة لمن نزلت فيهم.
الطعن في الصحابة:
ولا يتورع هؤلاء السفلة المارقون عن رمي سيف الله خالد بن الوليد رضي
الله عنه بالزنا بامرأة خالد بن نويرة، وأن الخليفة الأول أبا بكر لم يُقِمْ عليه الحد
الشرعي، إلى غير ذلك.
واتهموا الصحابة الأخيار بالتشوّف إلى النساء في موسم الحج وغيره، وأن
الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما نهى الصحابة عن دخولهم المدينة ليلاً بعذر حتى
تمتشط الشعثاء، وتستعد المغيبة إلا خوفاً من أن يلقى الرجل زوجته في وضع
يكرهه من الناحية الأخلاقية، وهذه الصيحات الجوفاء وتلك الأقلام المأجورة تحاول
أن تلصق قذارتها ضد أطهر مجتمع عرفه التاريخ منذ فجر الخليقة إلى أن يرث الله
الأرض ومن عليها، ثم قال: وقيل إن بعض الصحابة خالف هذه الأوامر وطرق
أهله ليلاً، ففوجئ بزوجته في أحضان رجل، وكان من المحتم اللازم أن يتوقع
ذلك أليس هو ابن مجتمع يثرب وربيبه؟ ! !
ثم يبالغ في إساءته لرسول الله المعصوم -صلى الله عليه وسلم- قائلاً: ومن
الواضح أن محمداً ما نهى صحبه عن دخول بيوتهم ليلاً إلا ليجنبهم المرور بتجربة
قاسية تحطم معنوياتهم وتمنعهم من الانخراط مرة أخرى في غزواته وبعوثه! !
ويضيف المؤلف قائلاً: إن محمداً الحصيف كان يعرف أن الليل هو الوقت المفضل
لتلاقي الأخدان، خاصة في ذلك الزمان؛ إذ لم تكن إنارة الشوارع والطرقات قد
عرفت؛ الأمر الذي يمكن الدخول والخروج بأمان، لهذا نهى محمد أتباعه عن
الدخول على الزوجات في ظلمة الليل حتى لا يفاجأوا بما لا يسر ويفزعهم ويدفعهم
إلى الإحجام عن الخروج للجهاد. اهـ. باختصار.
أقول: فلتقر عيون المنظمات الماسونية ومنظمات التنصير والروافض بهذا
الهراء الذي قدمه ويقدمه أبناء جلدتنا ومن يتكلمون بألسنتنا ويندسون في صفوفنا
ويدمرون عقيدتنا! إنهم معاول هدم وأدوات تخريب استحوذ عليهم الشيطان وكشفوا
عن وجوههم الكالحة في صفاقة ووقاحة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، وقد أُعلِنَتْ تلك
المفتريات في بلد عربي إسلامي كان ولا زال ينتج العلماء والمصلحين، وقد أمنوا
العقاب بدعواهم أنهم ليسوا في دولة الخلافة الإسلامية لاسيما في ظل القوانين
المستوردة التي تحمي هؤلاء الزنادقة بدعوى أنهم أصحاب رأي وهم أدعياء وأذناب؛ فيا لله للإسلام، ويا لله للمسلمين.
أي حرية رأي يزعمون؟
ثم إن هذا الكذب الصريح على الإسلام ورسول الإسلام وصحابته الكرام
بحجة حرية الرأي يدعونا إلى أن نسألهم: كيف لا تنحصر هذه الحرية إلا ضد
القرآن وخاتم الأنبياء والمعتقدات الإسلامية؟ ولماذا تختفي حرية الرأي وتجبن عن
ذكر مساوئ المخلوق غير المعصوم بذكره بما فيه من جور وظلم وتعسف؟ ولا
يتورع أدعياء حرية الرأي عن الإساءة إلى أطهر خلق الله: الهادي البشير،
بأكاذيب وافتراءات ملفقة باعثها النفاق والحقد والعمالة لأعداء الإسلام بعد أن قبض
أصحابها الأجر من سادتهم؛ ولكونهم من العرب فقد صار تأثيرهم أشد من تأثير
سادتهم وأساتذتهم ممن زعموا أن عزيراً ابن الله والمسيح ابن الله تعالى الله وتقدس
عما يقولون علواً كبيراً.
ثم: على من يُوجّه هذا الهجوم السافر؟ وعلى من تقذف هذه المفتريات
المخرجة من الملة إلى الكفر الصريح؟ إنها مفتريات وقحة على من عصمه الله
وحفظه واصطفاه وجعله نبراس هداية، ووصفه الله مع صحابته الأخيار بقوله وهو
أصدق القائلين: [مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ
السُّجُودِ] [الفتح: 29] . وتستمر الحملة المسعورة تحركها عواصف الحقد الغربي
لسب الدين ورسول رب العالمين في صلف مكشوف جبان؛ وقد أنزل الله في
أمثالهم: [إنَّ الَذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ
لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ] [محمد: 25] . ثم قال بعد ذلك: [أَمْ حَسِبَ الَذِينَ فِي قُلُوبِهِم
مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ
فِي لَحْنِ القَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ] [محمد: 29-30] .
ثم يوجه بعد ذلك الخطاب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولصحابته الكرام أنه
سيمتحنهم بالمنافقين والمرتدين، بقوله: [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُمْ
وَالصَّابِرِينَ وَنََبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ] [محمد: 31] . نعم وكأن القرآن الكريم قد وقف لهم
بالمرصاد ليفضح نواياهم ويكشف مخططاتهم ويحذر حزبه المتقين وأولياءه
الصالحين من غدرهم وعمالتهم المستمرة لأعداء الملة الإسلامية في طول الزمان
وعرضه.
توصيف عجيب لهؤلاء الأدعياء:
إنهم ليسوا: (عرباً، ولا عجماً ولا روساً ولا أمريكان) ! ! ! إنهم مسخ
غريب الأطوار، منحرف الفكر، بليت به هذه البلاد إثر ما صنعه الاستعمار بها
وترك بذره في مشاعرها وأفكارها.. فهم كما جاء في الحديث: (من جلدتنا
ويتكلمون بألستنا) بيد أنهم عدو لنا ولتاريخنا وحضارتنا، وعبء على كفاحنا
ونهضتنا، وعون للحاقدين على ديننا والضانين بحق الحياة له ولمن اعتنقه.
إن هؤلاء الناس الذين برزوا فجأة، وملأت ضجتهم الأودية كما تملأ الضفادع
بنقيقها أكناف الليل، يجب أن يُمزّق النقاب عن سريرتهم، وأن تعرفهم هذه الأمة
على حقيقتهم حتى لا يروج لهم خداع ولا ينطلي لهم زور.
إن هؤلاء الناس ينبغي أن يماط اللثام عن وجوههم الكالحة، وأن تلقى
الأضواء على وظيفتهم التي يسّرها الاستعمار لهم ووقف بعيداً يترقب نتائجها المرة.
وما نتائجها إلا الدمار المنشود لرسالة القرآن وصاحبها العظيم محمد بن
عبد الله.
لقد قرأنا ما يكتبون وسمعنا ما يقولون ... ولم يعوزنا الذكاء لاستبانة غايتهم
فهم ملحدون مجاهرون بالكفر. يقولون في صراحة: إن الإسلام ليس إلا نهضة
عربية فار بها هذا الجنس العظيم في القرون الوسطى، واستطاع في فورته العارمة
أن يجتاح العالم بقيادة رجل عبقري هو الزعيم الكبير محمد صلى الله عليه وسلم..!!
أي أن هذا الدين الجليل نبت من الأرض ولم ينزل من السماء! ! وأنه
انطلاقة شعب طامح فاتح، وليس هداية مثالية فدائية جاءت من عند الله لتنقذ
العرب من جاهلية مظلمة كانوا بها في مؤخرة البشر، إلى حنيفية سمحة رفعت
خسيستهم ثم انتشر شعاعها بعد في أنحاء الأرض كما تنتشر الأضواء في عرض
الأفق لدى الشروق [*] .
الله أكبر ما أشبه الليلة بالبارحة! إن نهج الملاحدة واحد وإن تباعدت أوطانهم
وتعاقبت أزمانهم قال تعالى: [كَذَلِكَ مَا أَتَى الَذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إلاَّ قَالُوا
سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ] [الذاريات: 52-53] . ومما
يؤسف له أن هذا الإلحاد يُنشر على نطاق واسع في بلد يحوي مَعْلَماً حضارياً
إسلامياً وتاريخياً لا زال إلى يومنا هذا يناضل ويكافح افتراءات الملاحدة.
وهكذا يثير هذان الدعيان شبهاتهما بعد أن تشبعا بأباطيل الغزو الثقافي الغربي، ... وتشبعا بأفكاره إبان الاحتلال وبما تغذت به أفكارهم من مدرسة التغريب
والشعوبية من خلال سماسرة المستشرقين الذين لا زالوا يرددون الشعارات نفسها
في أن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ما أراد بدعوته إلى الإسلام إلا من أجل
تحقيق أمنية جده عبد المطلب حيث كان يطمع في إقامة دولة هاشمية قرشية، وإنما
اتخذ دعوى الرسالة والنبوة وسيلة ليحقق بها حلم جده، وليست وحياً من عند الله
العلي العظيم.
وبعد: فإن هذه نفثات قلم يحترق غيرةً على ما يذيعه أولئك المجرمون،
ولعلها تجد مزيداً من النقد وكشف خفايا أولئك الزنادقة ومنطلقاتهم ليعرفهم الخاصة
والعامة. وما ذلك على الله بعزيز.