البيان الأدبي
بقلم: إبراهيم بن محمد الحقيل
كان للعرب قبل الإسلام عاداتٌ يتفاخرون بها، فأقرّ الإسلامُ منها ما هو حسنٌ
كالوفاء والأمانة والصدق وغيرها، ونهى عمّا هو سيئٌ كشرب الخمر والسّلب
والنهب وغيرها. وكان مما أقره مما يتفاخرون به: الشِّعْرُ. ولكن الإسلام عندما
أقرّهُ وضع لذلك ضوابط تحكمهُ أنْ ينزلق بصاحبه إلى ما هو محرمٌ منه قال تعالى:
[وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ
يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ] [الشعراء: 224-226] .
قال ابن كثير في تفسيره: عن ابن عباس: يعني الكفار قصده الشعراء منهم
ويتبعهم ضُلاّلُ الناس والجن؛ وكذا قال مجاهد، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم
وغيرهما، ثم نقل عنه أيضاً: كان رجلان على عهد رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أحدهما من الأنصار والآخر من قومٍ آخرين وأنّهما تهاجيا، فكان مع كل
واحدٍ منهما غواة قومه، وهم السّفهاء. فقال تعالى ... ، وذكر الآيات السابقة.
وفي تفسير الخازن [1] : قال أهل التفسير: أراد شعراء الكفار الذين كانوا
يهجون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... واجتمع إليهم غواةُ قومهم يسمعون
أشعارهم، ويروون عنهم قولهم؛ فذلك قوله: [يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ] فهم الرواة. اهـ
ونقل النسفي [2] في تفسيره عن الزّجّاج: أنّ الغواةَ هم من يروون هذا
الشعر وينقلونه. اهـ وقال ابن حجر: قال المُفسّرون في هذه الآية: المرادُ
بالشعراءِ شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس، ومردة الشياطين، وعصاةُ الجن،
ويروون شعرهم؛ لأنّ الغاوي لا يتبعه إلاّ غاو مثله. اهـ
ويُذكر في هذا الباب قوله فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: (لئِنْ
يمتلئ جوفُ رجُلٍ قَيْحاً حتى يَرِيَهُ خيرٌ من أنْ يمتلئ شعراً) [3] .
ولكن العلماء بينوا أنّ هذا الحديث خاص لمن غلب عليه الشعر؛ ولذلك قال
عليه السلام: (يمتلئ) وهي كنايةٌ عن الغلبة، وأنه لا مجال لغيره في قلب الإنسان.
وصدّر البخاري ترجمته بقوله: باب ما يكره أن يكون الغالبُ على الإنسان
الشعر حتى يصُدّهُ عن ذكر الله والقرآن. اهـ
وقال أبو عُبيد [4] : ولكنّ وجهَهُ عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب
عليه فيشغَلَهُ عن القرآن وعن ذكر الله، فيكون الغالب عليه، فأمّا إن كان القرآنُ
والعلمُ الغالبين عليه فليس ممتلئاً من الشعر. اهـ وكذا قال القرطبي [5] . ...
وهما يرُدّان ما يروى عن عائشة [6] وما يقوله بعض العلماء أن المقصود
بذلك هو الشعر الذي هجي به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قوله: (أصدق كلمة تكلّمتْ بها العرب كلمة
لبيد: ألا كُلّ شيء ما خلا الله باطلُ) [7] .
وأنشد كعب بن زهير قصيدته المشهورة أمامه [8] . ورُوي أن الأسود بن
سريع قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إني حمدتُ ربي بمحامد مدحٍ
وإيّاك. فقال: أما إن ربك يُحب المدح؛ فهات ما امتدحت به ربك عز وجل
فأنشده) [9] .
وقد أمر حسان بن ثابت أن يجيب عنه لما هجاه المشركون فقال له [10] :
(يا حسان أجبْ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ اللهم أيّدهُ بروح القدس) اهـ ... وقال عليه السلام له: اهْجُهم أو قال هَاجِهِم وجبريل معك) اهـ
وكما سمع الرسول الشعر في مدحه فقد أثاب عليه؛ ومن ذلك ما أثاب به
كعب بن زهير، فقال الأحوص يخاطب عمر بن عبد العزيز [11] :
وقَبْلكَ ما أعطى هُنيدةَ جِلةً ... على الشعر كعباً من سَدِيسٍ وبازلِ
رسولُ الإله المُسْتضاءُ بنورِهِ ... عليه السلامُ بالضّحى والأصائلِ
وعلى هديه سار الصحابة والتابعون والسلف الصالح، فقد قال ابن عبد البر:
(ولا ينكِرُ الحَسَنَ من الشعر أحدٌ من أهل العلم ولا من أُولي النهى، وليس
أحدٌ من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا قد قال الشعر، أو تمثل به،
أو سمعه، فرضيه ما كان حكمه مباحاً ولم يكن فيه فحشٌ ولا خنا ولا لمسلمٍ
أذى) [12] . اهـ
وقد عرف عن عمر وعائشة وابن عباس ومعاوية رضوان الله عليهم وغيرهم
من الصحابة برواية الشعر وإنشاد الحسن منه، بل لعمر آراءٌ نقديةٌ تدور في كتب
النقد وعلى ألسنة النقاد.
واشتهر من سلفنا كثيرٌ ممن قالوا الشعر المباح الحسن في جميع أغراضه منهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وشريح القاضي، والشافعي، وعبد الله
بن المبارك، وابن حزم، وابن القيم، وغيرهم كثير.
كما صنف بعض السلف من الثقات في أخبار الشعراء وأشعارهم كالزبير بن
بكار، وابن قتيبة، وأبي عمرو الشيباني، كما كان منهم رواة للشعر: كأبي عمرو
بن العلاء، والأصمعي، والمفضل الضبّي، وغيرهم.
وقد يقول قائل: لو كان في الشعر خيرٌ لكان رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- شاعراً. اهـ وقد أجاب ابن رشيق على ذلك فقال [13] : لو أَنّ كون
النبي -صلى الله عليه وسلم- غير شاعر غضّ من الشعر لكانت أُمِّيّتُهُ غضّاً من
الكتابة؛ وهذا أظهر مِنْ أنْ يخفى على أحدٍ.
ونقل عن سعيد بن المسيب أنه قيل له [14] : إن قوماً بالعراق يكرهون
الشعر. فقال: لقد نسكوا نُسُكاً أعجمياً.
فالشعر الحلال مجاله واسع ورحيب، وكذلك المحرم، وسنعرض الآن لهذين
النوعين.
أولاً: الشعر الحلال: فمنه المندوب: وقد نقول إنه الواجب لقوله لحسان بن
ثابت: (أجب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وهو الرد على من هجا
المسلمين وأعلامهم؛ لذلك دأب شعراء المسلمين المخلصون على الرد على هؤلاء
الكفرة والزنادقة؛ فقد ناضل حسان، وعبد الله، وكعب عن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-، كما رد عبد الله بن المبارك [15] على عمران بن حطان في مدحه
ابن ملجم قاتل علي، ومثله فعل بكر بن حماد [16] ، كما رد ابن حزم [17] على
قصيدة أرسلها ملك الروم في ثلب الإسلام ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام.
وهذه أمثلة؛ والاستقصاء عن ذلك طويل.
ومن الشعر المندوب: مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبيان
فضائله وخصائصه التي اختُصّ بها وأخلاقه الحميدة، وذكر صبره وجهاده في
سبيل الدعوة. وقد صنف ابن سيد الناس كتاباً سماه: (منح المدح) أو: شعراء
الصحابة ممن مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو رثاه. والكتاب مطبوع
متداول، ولا يكون مدحه عليه السلام كما مدحه البوصيري وأضرابه حينما جعلوا
لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- صفات هي لله سبحانه وتعالى فما كان الرسول
ليرضى بهذا المدح.
ومن الشعر المندوب: شعر الزهد الذي يحض على التقوى وطاعة الله وحسن
الإسلام، ويزهِّد في متاع الدنيا الفاني، ويذكِّر الإنسان بالتوبة والإنابة إلى الله،
ويعظهُ بمآله إليه تعالى ويذكره بالحساب والجزاء. وقد قال أكثر الشعراء في هذا
الباب؛ فمنهم من كان جُلّ شعره في ذلك الباب مثل سابق البَرْبَريّ، وأبي العتاهية، وعبد الأعلى الشامي، وغيرهم، ومنهم من تجد الزهد في شعره عرضاً في لحظة
توبة وندم ولكنها لا تدوم؛ فنحن نجده في أشعار أبي نواس، ومسلم بن الوليد،
والفرزدق، وغيرهم كثير.
ومن الشعر المندوب: شعر الحكمة الذي يحث على الخلق الحسن والفعل
الجميل. فهي في الشعر أقرب فهماً وأكثر تأثيراً؛ وقد قال عليه السلام: (إنّ من
الشعر حكمة) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية [18] : فإنّ الأمثال المنظومة إذا كانت
حقاً مطابقاً فهي من الشعر الذي هو حكمة، وإن كان فيها تشبيهات وتخييلات
عظيمة أفادت تأليفاً وتنفيراً. اهـ
ومن الشعر الحلال المقبول: الغزل العفيف البريء الذي لا يحرك الشهوات،
ولا يدعو إلى الفواحش، ولا يخاطب الغرائز؛ فقد كان لحسان رضي الله عنه
غزلٌ أنشده في الإسلام. كما مدح كعب بن زهير رضي الله عنه رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- بقصيدته البردة وفيها غزلٌ. قال أبو بكر ابن العربي [19] : وقد
أنشد كعب بن زهير النبي -صلى الله عليه وسلم- ... فجاء في هذه القصيدة بكل
بديع، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يسمع، ولا ينكر في تشبيههِ ريقها بالراح. اهـ
كما نُقلتْ أشعارٌ لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة تغزل فيها بزوجة طلقها، فندم
على طلاقها وهي (عَثْمة) وكذلك شريح القاضي، كما أورد ابن حزم في كتابه:
(طوق الحمامة) نماذج من غزله، وكذلك فعل ابن القيم في روضة المحبين.
ومن الشعر المباح المقبول: المدح والرثاء؛ ما لم يجاوز الغاية؛ فقد عرف
عن الشعراء التهافت على المدح طلباً للنوال مما جعلهم يغرقون في لجة الكذب
والاختلاق والغلو الذي حدا ببعضهم أن يصل إلى الكفر كقول ابن هانئ [20] :
لا شئْتَ لا ما شاءَتِ الأقدارُ ... فاحكمْ فأنت الواحدُ القهّارُ
ولا عجب أن ذلك الممدوح راقه هذا المدح فهو المعز العُبيدي الباطنيّ. وقد
غضب هارون الرشيد على أبي نواس حين قال يمدح الخصيب والي مصر:
فإنْ يكُ باقي سحرِ فرعونَ فيكُمُ ... فإنّ عصا موسى بكفّ خصِيبِ
فقال: أنت المستخفّ بعصا موسى نبي الله! وطرده، ومات الرشيد؛
وأبو نواس ما يزال في السجن عند إبراهيم بن نُهَيْك [21] .
أما الرثاء: فما ينطبق على المدح ينطبق عليه، ولكنا نلاحظ أن الشاعر
يكون أقوى شعراً عندما يرثي قريباً له كالأبناء والزوجات والوالديْن والأصدقاء؛
لصدق العاطفة، وكذلك عندما يرثي من أصابه الخيرُ على يديه كمرثية الحسن بن
مطير، ومرثية مروان بن أبي حفصة في معن بن زائدة أحد القواد الكرماء. ونجده
ضعيفاً عندما يكون كذباً كرثاء الفرزدق [22] لمحمد بن الحجاج بن يوسف وأخي
الحجاج محمد. وغير ذلك كثير.
ومن الشعر المباح المقبول: (الوصف) ما لم يصف ما حرم الله، بل إن
بعضه قد يدخل في قوله تعالى: [أَفَلا يَنظُرُونَ إلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ] ...
[الغاشية: 17] ، عندما يحض الناس وينبههم على حسن صنع الله وإتقانه، وما سخر لبني آدم في الطبيعة؛ وخَسِئ الملحد عندما يقول: (صنعتْ الطبيعة، وكونتْ الطبيعة، أو يد الطبيعة) .
ثانياً: الشعر المُحَرّم: ومن هذا النوع: الغزل الفاحش الذي يخاطب الغرائز، ويثير الشهوات. قال شيخ الإسلام [23] : ومن أقوى ما يُهيّج الفاحشة إنشاد
أشعار الذين في قلوبهم مرضٌ من العشق ومحبّة الفواحش. اهـ وقال أيضاً [24] : ولهذا أنكر الإمام أحمد وغيرهُ أشكال الشعر الغزلي الرقيق؛ لئلا تتحرك
النفوس إلى الفواحش. اهـ فوصف الأجساد وما خفي منها له فعل السحر في
النفوس: يحرك الشهوات، ويهوِّن اقتراف المحرمات؛ لذلك ضجّ أهل البصرة يوم
كان الخير كثيراً وأهله كُثُراً إلى المهدي في بشار، وقال بعض علمائهم [25] : ما
شيءٌ أَدعى لأهل هذه المدينة إلى الفسق من أشعار هذا الأعمى. اهـ
فاستجاب المهدي، وقُتِلَ بشار تحت السِياط؛ فلما علم أهل البصرة بذلك هنأ
بعضهم بعضاً [26] .
ومن الشعر المحرم: (الهجاءُ) فهو قائم على السبِّ والشتم، ويجب أن نفرق
بينه وبين هجاء المشركين والمارقين وكذلك الفساق الظاهر فسقهم، والظالمين
المسرفين. وعرف الهجاء منذ نشأة الشعر، واستعمله المشركون سلاحاً، فراحوا
يهجون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأهدر دماء بعضهم وكالجاريتين اللتين
كانتا تغنيان بما يُهجا [27] به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأهدر دم كعب
بن زهير [28] لما هجاه.
وقد تعامل الخلفاء الراشدون مع الهجّائين بحزم؛ فقد سجن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه الحطيئةَ [29] ولم يطلقه حتى تعهد بترك الهجاء؛ كذلك سجن
عثمان بن عفان رضي الله عنه الحارثَ بن ضابئ [30] حينما هجا قوماً ورمى
أمهم بكلبٍ، فاستُشهِدَ عثمان رضي الله عنه والحارث ما يزال في السجن. كذلك
سجن معاوية بن أبي سفيان يزيد بن مفرغ الحميريّ [31] حين أسرف في هجاء
عبيد الله بن زياد وإخوانه.
ومن الشعر المحرم: التفاخر بالمعاصي وفعلها: كمدح الخمر وفعلها في
العقول مما يدعو إلى احتسائها ظنّاً بصدق قول الشاعر، وغفلةً عن قول الله تعالى
وقول رسوله. وكان ذلك قليلاً في عصر صدر الإسلام وعصر بني أُمية؛ والأبرز
في ذلك الأخطل؛ ولكنه كان نصرانياً. وشاع ذلك وعرف في عصر بني عباس،
فظهر بشار، وابن هَرْمة، ومسلم بن الوليد، وأبو نواس، وغيرهم. وسار كثير
على منوالهم؛ وإن كان بعضهم لم يشربها، ولكنه قال ذلك مجاراةً لمن قبله؛ فبئس
المجاراة وكذلك التفاخر بالعُهْر والزِّنى، وكان القائدَ في ذلك امرؤ القيس في
الجاهلية، وبعده الأعشى، ثم تبعهم الفرزدق حتى كاد أن يَحدّهُ سليمان بن عبد
الملك لولا أن قوله تعالى: [وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ] درأ عنه الحد [32] ثم
كثر ذلك في عصر بني العباس. وهو شعر ساقط يصور الزنا بطولةً وشجاعة
وهيهات ذلك! وهو كثير في عصرنا هذا، وما قصيدة انتشرت في قطر عربي
كبير سمتها شاعرتها: (ليلة الدخلة) بغائبة عن أذهان كثيرٍ من الشبان والشابات
وكذلك أشعار نزار قباني وغيره ممن كان ذلك نهجه.
ومن الشعر المحرم: (المدح) إذا تجاوز الحد؛ فالشعراء أسرفوا في ذلك حتى
جعلوا الجبان شجاعاً، والبخيل سخيّاً، والعاهر شريفاً، إلى غير ذلك من الكذب
والاختلاق الذي هو شهادة زور.
ومن الشعر المحرم: بعض (الاقتباس) عندما يعمد بعض الجهال من الشعراء
إلى آية كريمة أو حديث شريف، فيضعونها في موضع الغزل أو الهجو، أو العبث
والهزل. قال ابن حجة الحموي [33] : والاقتباس على ثلاثة أقسام: مقبول،
ومباح، ومردود. فالأول: ما كان في الخطب، والمواعظ، والعهود، ومدح النبي- صلى الله عليه وسلم- ونحو ذلك. والثاني: ما كان في الغزل، والرسائل،
والقصص. والثالث: على ضربين: أحدهما: ما نسبَهُ الله تعالى إلى نفسه،
ونعوذ بالله ممن ينقله إلى نفسه. والآخر: آية كريمة في معنى هزل نعوذ بالله.
ومن ذلك قول القائل:
أَوْحى إلى عشاقِ طرفهِ ... هَيْهات هيهات لما توعدونْ
وردفه ينطق من خلفه ... لمثل ذا فليعمل العاملونْ
وفي رأيي أن القسم الثاني عند الحموي لا يليق أن يكون من القرآن ولو
اقتباساً ممتزجاً بالغزل وينبغي إسقاطه. أما الرسائل والقصص الجادة فلعلها كما قال. ونقرأ لهذا الشاعر الظالم لنفسه وهو محمد بن علي البغدادي [34] :
في جيوش أَمامهُنّ أبو ... أحمد نعم المولى ونعم النصيرْ
وقد جمع أرطأة بن سُهَيّة أبواب الشعر الحرام فقال وقد سأله عبد الملك بن
مروان: هل تقول الشعر؟ فقال: ما أشرب، ولا أطرب، ولا أغضب [35] .اهـ لا يشرب ليفاخر ويهجو، ولا يطرب ليتغزل، ولا يغضب ليهجو.
أما الشعر الذي أطلّ علينا برأسه وسموه بأسماء مختلفة [36] فما ينطبقُ على
الشعر القديم ينطبق عليه، حاشا الشعر الرمزي الذي أَصْبحَ طلاسم تحمل إيهاماً
يحتمل كثيراً من التفاسير والتأويلات، وقد أصبح مطية لأهل المذاهب الهدامة
والأفكار المنحرفة؛ لسهولة الهرب من إقراراته التي ينشرها الشاعر في ثناياه؛
لأنه يحتمل كثيراً من التفسير والتأويل. ولعل أحد المختصين بهذا النوع من الشعر
يتحفنا ويفيدنا.