منتدى القراء
بقلم: عبد الله بن فهد آل محمد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.
قال الله (تعالى) عن شعيب (عليه الصلاة والسلام) : [وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ] (هود: 88) ، فالتوفيق منزلة عظيمة يهبها الله لمن أحب
من عباده، فإذا علم الله من عبده الصدق والإنابة إليه وفّقه الله وهداه، قال (تعالى) : [قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أَنَابَ] [الرعد: 27] ، وإذا وفق الله
العبد اجتباه ويسر له أسباب العمل فيما يرضيه، وشرح صدره للطاعة، وحببه
إليها، فيقبل العبد على أبواب الخير يضرب بسهم في كل باب تواقاً منهوماً
مستسهلاً للصعاب مطارحاً للعقبات.
عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله: (لن يشبع
مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة) [1] ، وقال (عز وجل) : [أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ
صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ] [الزمر: 22] .
فالموفق هو ذاك المخلص الذي أخلصه الله إليه فصدق مع ربه يريد مرضاته
مكتفياً باطلاع الله عليه، فلا يلتفت إلى المخلوقين ليُعرِّض بنفسه أو بكلامه أو
لحظات طرفه أمامهم ليمدحوه أو ينال إعجابهم، فهو يحذر من الرياء والسمعة
والعجب والإدلال بالعمل وغيرها من مفسدات الأعمال وموهنات القلوب.
والمخلص هو الذي حفظه ربه (تعالى) فسلّمه من شر الالتفات إلى الناس والشكاية
إليهم، والطمع فيما عندهم، والخوف منهم ومداهنتهم، والتملق لهم، وطلب
رضاهم على حساب الحق؛ فالإخلاص هو سر التوفيق وهو بوابة حيازة الخيرات
والقربات وقبولها من الله الذي يحب المخلصين الذين باعوا أنفسهم وأوقاتهم وكل ما
يملكون لربهم قال (تعالى) : [قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ]
[الزمر: 11] ، وإذا أردت أن تعرف ميزانك عند الله فانظر في همك وشغلك هل هو لله أم لا؟ وقد قيل: (إذا أردت أن تعرف قدرك عند السلطان فانظر في أي الأعمال يوليك) .
وأهل الإخلاص هم الذين يقيهم الله من الفتن والشبهات والشهوات، ويكون
معهم يحفظهم وينصرهم، وينزل السكينة على قلوبهم، ويثبت أقدامهم حين اشتداد
الكربات ونزول الضوائق والأزمات.
والموفق هو الذي تحزنه آلام الأمة ويدمي قلبه ضياعُها وكثرة أعدائها
المتربصين، وهو المحزون حينما يرى أهل الفسق يسقطون في الرذيلة وهم
صادّون عن ربهم معرضون عن سنة نبيهم؛ لأنه يسوؤه أن يُعصى الله وتنتهك
حرماته.
والموفق هو من صرف الله قلبه عن التعلق بالدنيا والطمع في جمعها والظفر
بزينتها وشهواتها، وأنزل الله بقلبه همّ الآخرة، يعد أيامه وأنفاسه يريد ألا ينفقها إلا
فيما يرضي الله والهاتف دائماً في قلبه: الرحيل.. الرحيل، قال الله (تعالى) :
[بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى] [الأعلى: 16، 17] ، وهذا
بخلاف المغبون الذي صرفته دنياه عن آخرته.
والموفق هو من قام على نفسه يحاسبها على الدوام؛ لأن النفس جموحة
طموحة منوعة تريد الرفعة والعلو والمديح والتقدم والتعالي على الآخرين، فهو
معها في جهاد يكبح جماحها؛ فإن عمل طاعة فهو متلهف مشغوف يحسن الظن بربه
أن يقبل تلك الطاعة، وإن أذنب ثم تاب فهو خائف قلق يخشى أن لا يقبل الله توبته.
والموفق هو الذي نجاه ربه وسلمه من شر كبائر القلوب الخفية كالغل والحسد
وسوء الظن بالآخرين واتهام نياتهم والوقوع في أعراضهم والوشاية بهم والسقوط
في الغيبة والنميمة والكذب المُبطّن؛ فما أسوأ حال من كانت هذه صنعته وما أبعده
عن التوفيق؛ لأنه من شرار الناس، فعن (عبد الرحمن بن غنم) يبلغ به النبي:
(خيار عباد الله: الذين إذا رُؤُوا ذُكِرَ الله، وشرار عباد الله المشّاؤون بالنميمة،
المفرقون بين الأحبة، الباغون للبُرآء العنت) [2] .
والموفق هو ذلكم المحسن للآخرين العطوف عليهم الذي يقلقه شجون
المصابين وأنات المساكين والمشردين والمحرومين والمظلومين، فهو يسعى بكل
سبيل ليكفكف عبراتهم، ويضمد جراحهم، ويمسح على رؤوسهم ليرد إليهم
اعتبارهم وينفي كربهم ويدخل السرور عليهم يوم نسيهم المسلمون وانشغلوا بأنفسهم
وشهواتهم وكماليات حياتهم.
والموفق من ألهمه الله ذكره فأصبح ذاكراً لربه بقلبه ولسانه فقضى العمر بهذه
العبادة العظيمة التي رتب الله عليها أعظم الأجور؛ فإنها المنّة الكافية والمنحة
الشافية أن يستديم العبد ذكر ربه ويتلذذ بمناجاته ذلك الذكر الذي هو أسهل العبادات
وأيسرها، قال (تعالى) : [فَاذْكُرُونِي أََذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ]
[البقرة: 152] .
والموفق من فتح الله على قلبه في الدعوة إليه والجهاد في سبيله فتحرك قلب
الداعية وهزه الشوق والحنين ليسوق العباد إلى ما يرضي رب العباد، فهو أحسن
الناس وأعظمهم أجراً وأشرفهم مهنة وكفى بها فخراً أنها مهنة المرسلين. فهنيئاً لك
أيها الداعية الصادق فقد قال رسول الله: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) [3] .