مجله البيان (صفحة 2533)

المسلمون والعالم

الانتخابات الإيرانية وخطأ الحسابات

نظرات في خلفيات الانتخابات الإيرانية الأخيرة

بقلم: د. عبد الرحيم البلوشي

1- كتبت جريدة (كيهان) الإيرانية الناطقة بلسان المخابرات الإيرانية قبل

2يونيو: أن حصون القوى الصديقة الداخلية أخذت في الانهيار، وفي الثاني من

يونيو انهارت هذه الحصون فعلاً في يوم الاقتراع؛ لذا بدأ الآيات والقوى الحاكمة

يركزون على ناطق نوري رئيس البرلمان حيث سموا منافسه الخاتمي: (بني صدر

الثاني) وأصبحت النتيجة أن شعب إيران بأكمله تحرك ضد النظام، وكان رد الفعل

هو الخوف وارتكاب الحماقات، ففي اليوم الخامس من يونيو قام آمر الجيش

الشعبي برفقة (2000) من قواته بمظاهرة مقابل بيت (الخامنئي) وكانوا يهتفون:

(نحن لا نريد بني صدر، الموت لبني صدر، الموت لخاتمي) .

واعترفت جريدة (جمهوري إسلامي) الفارسية في 31 من مايو أنه مهما كانت

نتيجة الانتخابات فإن رجال الدين الروحانيين (أي الآيات: ويسمونهم في إيران

أيضاً: روحانيت) ، وكذلك النظام هما الخاسران الأكبران.

إن مناورة النظام على حكم (ولاية الفقيه) [1] وحكومة الشعب وخطر بني

صدر، كانت صفعات مهلكة على وجه النظام.

إن رضا جرندابي في أسبوعية نيمروزط (ص21: لندن) اعتبر نجاح

الخاتمي اتحاداً غير ديني للناس ضد ولاية الفقيه.

2- مع أن العلاقات الإيرانية الأوربية معلقة، إلا أن هناك فضيحتين تتكلمان

عن العلاقات الفاسدة بين آيات إيران وإسرائيل من جهة، وبين إيران وإنجلترا من

جهة ثانية، وهما: (لاري جيت) و (عنبر جيت) [2] .

أما جريدة كيهان [3] ، فقد اعتبرت أن أنصار الخاتمي اليوم هم أنفسهم

أنصار بني صدر سابقاً، وقالت: على فرض نجاح الخاتمي، فإننا سنسلك معه ما

سلكه الخميني مع بني صدر.

لكن الضربة المثلى هي ما أوردته مجلة النساء (زنان) الإيرانية، من أن

ناطق نوري قام بقراءة النياحة والتباكي [4] على قبر الخميني، فسألته المجلة:

هل ستنوح ثانية إذا ما فزت برئاسة البلاد؟ ! ولذا عقبت كيهان بأنهم يستهزئون

بالنياحة! قاصدة ناطق نوري عندما أعلن نفسه مرشحاً للنظام وليس مرشحاً من

جناح معين فإنه بعمله هذا نسف نظام ولاية الفقيه من أساسه.

مناورات الخامنئي:

أخذ خامنئي يناور بادئ ذي بدء حينما منع ترشيح المهندس حسين الموسوي

رئيس الوزراء السابق ولما نجح في ذلك: ظن الجناح اليميني أن الجناح المنافس

لا يوجد لديه مرشح آخر، ولكن بعد أخذ ورد وتردد تم ترشيح آية الله الخاتمي،

وقَبِلَهُ الخامنئي بعد وساطة (خروبي) و (خوئي) (وكلاهما من الآيات) . ولكن

خامنئي لوّح بترشيح ناطق نوري، وفي 31 من مايو، قال آية الله مهدوي كني

وهو من أركان نظام ولاية الفقيه قال في جريدة (رسالت) : (إن القائد يميل إلى

ترشيح ناطق نوري) . وفي اليوم نفسه وجه خامنئي أوامره إلى وزير الخارجية

ولايتي بعقد مؤتمر صحفي يقول فيه: إن ناطق نوري هو الأصلح من غيره في

الوقت الذي منع خاتمي من إلقاء كلمته في ملعب أمام 100 ألف مستمع. وفي

(يونيو) ، أعلن مكتب القائد تشكيكه بما أعلنه الكروبي وخوئيني عن موافقة خامنئي

على ترشيح الخاتمي، مع منع خطبة الخاتمي وإغلاق مكاتبه الانتخابية وتوقيف

الحملات الإعلامية في الإذاعة والتلفاز وهما تحت أمر القائد مباشرة، هكذا

وبسرعة أعلن الخامنئي موقفه العدائي المباشر والصريح من خاتمي، وهنا توهم

الناس أن القائد يدافع عن ناطق نوري، ولذا: فهو ينتخبه كرئيس، وأعلن 190

نائباً من مجلس الآيات أنهم يعتبرون ناطق نوري هو الأصلح كما فعل ذلك (شورى

حراس الدستور) وبناءً على هذا جعل النظام بقائده ورؤساء القوى المتنفذة، (ناطق

نوري) مرشحهم الانتخابي، الذي يؤيد نظام ولاية الفقيه.

ردود الأفعال العالمية على فوز خاتمي:

لما فاز الخاتمي، أعلنت جريدة الجمهورية الإسلامية والصحف العالمية بحق

أن هزيمة ناطق نوري كانت هزيمة النظام بأكمله؛ لأن 90% من الشعب الإيراني

اقترعوا ضد ولاية الفقيه أمام (150) من صحفيي العالم الذين كانوا بمثابة مراقبين

للانتخابات. وتقول جريدة (الانقلاب الإسلامي) [5] : إن عدد المشاركين في

الاقتراع كان متفاوتاً إلى درجة كبيرة، وأعلن أنه كان ما بين 30% إلى 90%،

أما وزارة الداخلية الإيرانية فقد أعلنت أن المقترعين 89% حيث صوّت 70%

لصالح الخاتمي، و7% لناطق نوري و 5، 2% لكل من زواره أي رئيس

السجلات حجة الإسلام، وري شهري رئيس المخابرات الأسبق.

أما وكالتا رويتر وفرانس فقد أعلنتا نقلاً عن مراسليهما أن 60% من الناس

كان لهم حق المشاركة. أما جريدة الانقلاب الإسلامي فقالت: إن الإحصائيات

الواصلة إليها من داخل إيران تفاوتت نسبها من 60% إلى 33%، والآخرون قالوا

إن النسبة 50%.

أما في خارج إيران فقد شارك 60 ألفاً فقط أي 2 % من المقيمين في الخارج.

وبناء على البيانات الواردة من وزارة الداخلية الإيرانية، فإن المشاركين كانوا

أقل قليلاً من 30% أي 11 مليوناً، ونسبة المقترعين مهما بلغت فإنها دليل واضح

قاطع على استبداد الآيات ورفض الشعب لهم وعدم شعبيتهم في إيران.

محاولة السلطة إلغاء الانتخابات:

بعد يوم واحد من الاقتراع ذهب أسد الله بادامّيان السكرتير التنفيذي للهيئة

المؤتلفة مع عدد من مديري الدوائر الانتخابية لناطق نوري عن (شورى حراس

الدستور) وطلبوا منهم إلغاء الانتخابات أو على الأقل إلغاء نتائج مراكز الاقتراع

المهمة، حيث أعلن (?) ملايين صوت لخاتمي لتؤجل الانتخابات إلى الدور الثاني، لكن نظراً إلى الجو المكهرب في الداخل والموقف الذي فرضه حضور (150)

صحفياً من العالم، فإن إلغاء الانتخابات سيؤدي إلى ردود أفعال عنيفة، ولذلك

كشفت الانتخابات عن ضعف النظام المفرط؛ إذ لم يكن أحد يتصوره بهذا الوهن،

فقد كانوا فيما مضى يختلقون الأصوات ويوجهونها تبعاً لإرادة القائد.

ولكن مع كل هذا فإن جماعة (أنصار حزب الله) [6] كتبت تحت صور

الخاتمي: إن مصير بني صدر بانتظار الخاتمي.

أما التلفاز الإيطالي: فقد جعل رأي الشعب في الانتخابات الإيرانية مكملاً

لرأي محكمة ميكرونوس؛ لأن رأي المحكمة سلب المشروعية من النظام وتصويت

الشعب أيد هذا الرأي؛ إذ إن الشعب الإيراني فوض خاتمي لإصلاح جذور الآيات. ويقول مراسل نوفكوتيدين [7] : إن هذا الاقتراع كان زلزلة واقعية، واعتُبِرَ

الخاتمي غورباتشوف إيران.

والصحف الألمانية: جعلت هزيمة الثاني من يونيو هزيمة للنظام، وثورة

صغرى، تقول هامبورغر إنبدبلات [8] : إن خاتمي يضع قدميه على أرض ملغمة؛ لأنه يواجه من جهةٍ المجلسَ الذي يخالف سياساته، ومن جهة أخرى فإن الناس

الذين انتخبوه ينتظرون منه الكثير.

أما الصحف الفرنسية: فإن ليبراسيون تقول: إن النظام انهزم بشدة في هذا

الاقتراع إلا أن مخالفيه الذين حرموا الاقتراع كمجاهدي خلق وأنصار الشاه وغيرهم

انهزموا أيضاً.

يقول مراسل جورنال دودبانش: إن الشعب الإيراني قال للآيات.. لا.

أما أبزورفر [9] فإنها اعتبرت الانتخابات ضربة قاضية للمتشددين في النظام.

أما واشنطن بوست [10] فقالت عن نتيجة الانتخابات بأنها هزيمة لنظام

الآيات الحاكمين. ويطلق مراسل الجريدة جان لانكستر على الخاتمي: (آية الله

غورباتشوف) .

أما نيويورك تايمز، فتنصح الخاتمي أن لا يتعجل في تطبيق سياساته مثل

بني صدر [11] .

والصحف الإسرائيلية [12] اعتبرت الانتخابات ثورة ثانية.

أما الصحف العربية: فإنها قارنت انتخاب الخاتمي بانتخاب بني صدر؛

حيث إن كلاهما قد انتخب انتخاباً رغماً عن الآيات، وعدت ذلك ضربة قاضية

لأسس النظام، وقارنت بني صدر الثاني ببني صدر الأول.

وكتبت النهار [13] : إن الانتخابات في إيران دلت على اختيار الشعب

للتعددية والحرية والأخلاق، وقالت: إن على الخاتمي تغيير إيران الجذري، وإنه

يريد التغيير في السياسة الخارجية إلا أن العائق الوحيد هو الخامنئي.

كتبت الشرق الأوسط [14] : مع نجاح الخاتمي بدأ عهد (بروستوريكا) إشارة

إلى عهد غورباتشوف والتغييرات التي حدثت في العهد الشيوعي على يديه قبل

انهيار النظام بالكامل.

وكتبت الأهرام [15] : لقد قارن زعماء النظام في الأسابيع الأخيرة بين

خاتمي وبني صدر وبما أن الناس قد اختاروا الخاتمي فهم إذن يريدون العودة إلى

عهد بداية الثورة. ويبدو من الصحف العالمية المذكورة حيال الانتخابات الأخيرة

في إيران: أنها ثورة جديدة. أما (الخامنئي) : فقد قال قبل الاقتراع في جمع من

الحرس الثوري: (انتبهوا لا يخدعنّكم لون العمامة) إشارة إلى لون عمامة الخاتمي

السوداء، أي لا يغرنكم كونه من (السادة) ولذا رسمت مجلة غل آتا الكاريكاتورية

على صندوق الاقتراع: نُدخل في الصندوق الخاتمي ويخرج منه نوري، وتم

إيقاف المجلة بعد ذلك.

وبما أن كثيراً من الناس لم يكونوا يريدون المشاركة في الانتخابات إلا أنهم

شاركوا فيها لمواجهة الخامنئي والإعلان عن مخالفتهم له، ولذا لم يستطع القائد

المصاب إخفاء غضبه فصرح بعد انتخاب الخاتمي بأنه: لن يكون مثل رفسنجاني.

المستفاد من الانتخابات:

والدرس الذي يجب استخلاصه من الانتخابات أن عداء هذا النظام للحرية

على حد قول جريدة (الانقلاب الإسلامي) قطعي وأنه لا يمكن الجمع بين منح

الحريات وبقاء النظام، ويقول آية الله (مهدوي كني) صراحة: إن الذين يتكلمون

عن الحرية هم عملاء أمريكا، ويريدون تكرار تجربة ثورة الحركة الدستورية في

إيران. وأما الذين تربطهم بأمريكا وإنجلترا وإسرائيل وألمانية وفرنسا على حد قول

بني صدر سلسلة من الفضائح مثل: (إيران غيت) و (ولاري غيت) ومنبر غيت)

والذين هم شركاء في شبكة الفساد العالمي، فلم تكتشف فضيحة فساد إلا وكانوا

شركاء فيها، والذين يرتبط وجودهم بها بسبب ما ارتكبوا من الجرائم المتتابعة

بالمصالح القومية للدول الغربية خلافاً لما يعلنون ويدعون وهم مع ذلك يستمرون في

حياتهم الدنسة والتمسك بسياساتهم النجسة وهم يعلمون جيداً أن أمريكا لو أرادت

لإيران أن تكون حرة لما حدث الاتفاق الخفي في (أكتوبر سوربرايز) ولما أوصلت

الخونة المفسدين إلى الحكم في إيران وما زال هؤلاء يصرخون أنهم أعداء لأمريكا

ولكنهم يعلمون جيداً أن هذه السفاهات لا تخدع أحداً.

وأهم العِبَر المستفادة من هذه القضية أنه لا يمكن إيجاد حل أبداً من داخل

النظام نفسه ولو كان بدعم من الدول الأجنبية.

وبعد ما قام آمر الجيش الشعبي مع قواته بالتظاهر بإشارة من الخامنئي

باعتباره رئيس القوات المسلحة محاولاً التكشير عن أنيابه للخاتمي، هدد الأخير

بإفشاء الأسرار، ثم هدد مجلس الشورى حراس الدستور بالاستقاله، كما هددت

رابطة مدرسي قم بالاستقالة أيضاً. يقول الآيتان: راستي وكاشاني: إن الكفر بدأ

يحكم إيران. ويقول الطبسي [16] نائب خامنئي في مشهد وهو متولي قبر الإمام

الرضا وسادنه: قال الإمام الرضا: إذا فاز الخاتمي فسيظهر الإمام الغائب! !

على كل حال فقد كثرت الاستقالات والتنبؤات والتهديدات، وهناك علامات

استفهام كبيرة حول المسؤولين، فإن بعضهم يعمدون إلى إخفاء المستندات وإتلافها

فقد أقرضوا أنفسهم من بيت مال الدولة الذي تحت أيديهم.

وأصر الخاتمي على إبقاء نوري في رئاسة المجلس، وإن كان فوز خاتمي لا

يدل على أنه الزعيم الأنسب والأحب لدى الشعب، ولكن ذلك يعتبر بمثابة توجيه

صفعة لنظام الآيات. ولا ندري ماذا سيصنع الرئيس الجديد في بحر التماسيح

الحانقة؛ وإن كان هناك خطوط حمراء لا يتجاوزها الجميع! !

طور بواسطة نورين ميديا © 2015