مجله البيان (صفحة 2478)

تأملات دعوية

العلم والدعوة والصراع المفتعل

بقلم: عبد لله المسلم

تعد دعوى التعارض بين طلب العلم والدعوة إلى الله (عز وجل) من أكثر

القضايا الساخنة في أدبيات الصحوة الإسلامية اليوم، ويأخذ نقاش هذه القضية مكاناً

رحباً في الكتابات الدعوية، وفي المناقشات والمداولات، وفي التساؤلات التي

تطرح على المهتمين.

ومنشأ الصراع والجدل حول هذه القضية يتمثل في أن فئة من الناس ترى أن

ارتباط العلم بالدعوة ارتباط وثيق؛ فالدعوة بلا علم دعوة بلا رصيد، بل حقيقة

الدعوة هي تبليغ ما يعلمه المرء من الدين الصحيح للناس، ومن ثم: فلا يسوغ

لدى هؤلاء المشاركة في الدعوة لمن لم يتأهل التأهل العلمي الكافي.

وتنظر فئة أخرى إلى أن مشكلات المسلمين اليوم عديدة، وأنها تحتاج لحشد

الطاقات وجمع الجهود، ويرون أن التفرغ للتحصيل العلمي يعطل كثيراً من هذه

الطاقات التي يحتاج إليها الصف الدعوي، ويضيف هؤلاء: أن طلب العلم لا

ينتهي بصاحبه إلا حين يغادر الدنيا، ثم إن كثيراً من مشكلات المسلمين في نظرهم

لا تحتاج إلى كبير علم في معالجتها ومواجهتها.

ومهما حاول أي كاتب البحث المستفيض في القضية والسعي لوضع النقاط

على الحروف فيها.. فستبقى مجالاً للنقاش والأخذ والعطاء؛ فحجم هذه القضية

أكبر من أن يحيط به كاتب غير مبرأ من الهوى والمقررات السابقة، وهذه محاولة

لوضع إضاءات على الطريق، علها أن تقرب المسافة بين فئات ممن يعيشون جدلاً

حول هذا القضية:

1- إن على جيل الصحوة أن يضع التحصيل العلمي ضمن أولوياته، ويجب

على المؤسسات والجمعيات الإسلامية أن تضع رفع المستوى العلمي ضمن برامجها

الدعوية.

2- إن على الدعاة تبني برامج لتعليم الناس، وأن تستفيد هذه البرامج من

معطيات التقدم المادي ونتاج التقنية المعاصرة في ذلك.

3- لا ينبغي التهوين من شأن العلم وقيمته، أو احتقار من يعنى بطلبه وجمع

مسائله.

4- الإخلال بذلك يحول الدعوة إلى ميدان من التخبط والاضطراب، ويفتح

مجالاً واسعاً للآراء الشخصية والاجتهادات الفردية، ويؤدي إلى الانحراف والزيغ.

5- دعوة عامة المسلمين لترك المنكرات الظاهرة، وفعل الواجبات المعلومة

من دين الله بالضرورة.. أمر يجب على جميع المسلمين.

6- دعوة المرء لأمر محدد يعلمه، ونشره للعلم في حدود ما يعلم.. أمر ربى

النبي-صلى الله عليه وسلم- عليه أصحابه، فقال: (بلغوا عني ولو آية) [1] ،

وقال صلى الله عليه وسلم: (نضر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه؛

فرُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه) [2] .

7- هناك مشاركات دعوية مهمة يمكن أن يقوم بها كل فرد مسلم مهما قل

نصيبه من العلم ما دام قادراً عليها، ومن ذلك: الأعمال الإغاثية، والإدارة الدعوية، والأعمال المساندة للدعاة وأهل العلم، كالرصد والأرشفة والتوثيق.

8- هناك أعمال دعوية ضرورية تشتد الحاجة فيها إلى أصحاب التخصصات، ... كالترجمة، والكتابة الأدبية، والنقد، والأعمال المالية، والتطوير الإداري ...

وغيرها، وكل هذه الأعمال تعتبر اليوم من ضرورات العمل الدعوي.

9- حين لا يوجد لدى أحد من الشباب الحماس للعلم الشرعي (أعني: القدر

الزائد عن الحد المفروض) فينبغي ألا تبدد طاقته في حمله على ذلك، بل يجب

صرف جهده إلى ما يفيد، وإلى ذلك يشير ابن القيم (رحمه الله) بقوله: (ومما

ينبغي أن يتعمد: حال الصبي، وما هو مستعدّ له من الأعمال، ومهيأ له منها،

فيعلم أنه مخلوقٌ له، فلا يحمله على غيره، ما كان مأذوناً فيه شرعاً، فإنه إن

حمله على غير ما هو مستعدّ له لم يفلح، وفاته ما هو مهيأ له) [3] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015