مجله البيان (صفحة 2470)

أعبدة للشيطان فى مصر؟ ...

متابعات

أعبدة للشيطان في مصر؟ !

مظاهر الخلل وأسبابه وعلاجه

بقلم: صفوت وصفي

في الوقت الذي كان المسلمون متوجهين فيه إلى الله بالصيام والقيام وأداء

الصلوات في شهر رمضان المنصرم لعام 1417هـ قضّ مضاجع المسلمين بعامة

ومسلمي مصر بخاصة ما أعلن عن اكتشاف شبكة من الشباب التافهين الذين يتبنون

ما يسمى بـ (عبادة الشيطان) ، وهو وإن كان نهجاً وثنيّاً قديماً إلا إن بعض

الاتجاهات الإلحادية المعاصرة أعادته من جديد بوسائل جديدة.

وقد أثارت هذه القضية الرأي العام بمصر، لا سيما وأن جل المضبوطين من

أبناء الذوات! ، أو ما يعرف بالطبقة (الأرستقراطية) من بعض أبناء المسؤولين

والفنانين.. وغيرهم، وقد استطاع الأمن تسجيل حفلاتهم ورصد حركاتهم وما

يقومون به من طقوس.. وأثبتت اعترافاتهم أثناء التحقيق معهم أن ما دفعهم إلى

ذلك عاملان: (المخدرات) ، و (الجنس) .. وهما كافيان لتداعي الشباب الفارغ من

العمل والمفرغ عقله من القيم والأخلاق للانضواء تحت لواء هذا التوجه.

ومما يؤسف له أنه رغم الزخم الإعلامي الذي سلط على هذه الفئة على مدى

الأشهر الماضية، وتأكيد ضلوع أولئك الشباب في الوقوع في هذه الطقوس

المنحرفة واعترافهم بها [1] إلا إن النيابة أخلت سبيل جميع المتهمين بعد المطالبة

بإعدامهم، وذلك بحجة أن القانون المصري لا يعاقب على فكر مهما كان! ، مع أن

القانون المصري نفسه يعاقب على مثل ذلك كما في قانون العقوبات المادة (98)

وكذلك المادة (160) .

كيف بدأت هذه الشبكة؟ : تنتشر عبادة الشيطان لدى اليهود، وتعرف

بجماعة (إخوة الشياطين) ، ومقرها (تل أبيب) و (إيلات) ، وتتخذ (النجمة السداسية

والصليب المقلوب) شعاراً لها، ولها وجود في ألمانيا، وفرنسا، واليابان، وجنوب

إفريقيا.. وقد أقام مواطن أمريكي يدعى (انوان ساندرو لافي) ويظهر من اسمه أنه

يهودي كنيسة ومحفلاً شيطانيّاً بأمريكا عام 1966م، ليمارس فيه هو وأتباعه

طقوس عبادة الشيطان، وكانوا يتناولون عقاقير الهلوسة، ويعمدون الأعضاء بالدم، وينبشون القبور، ويعملون على تحطيم دور العبادة وإحراقها.

المذهب يتسلل إلى مصر: وترجع بدايات ظهور هذا التوجه المنحرف والفكر

الشاذ في مصر عند بداية السبعينيات الميلادية من خلال (الروك) لاجتذاب الشباب،

ثم أخذت الأحداث تتابع على النحو التالي:

في شهري أكتوبر ونوفمبر عام 1993م نظمت أول حفلة لهم، وأقيمت في

ملعب التنس باستاد القاهرة، ووصفت بأنها كانت مرتعاً للجنس والمخدرات، ثم

تعددت الحفلات في مناطق المعادي، والزمالك، والإسكندرية.. وعادة ما يصيب

عبدة الشيطان حالات هيستيرية عبر استخدامهم موسيقى (الروك) .

وبعد التحقيق مع أعضاء الشبكة أكدوا أن مجموعة من اليهود وراء زرع هذه

الأفكار الغريبة في مصر خلال العامين الماضيين، عن طريق الجنس والمخدرات

داخل المناطق المنعزلة، أو في الصحراء، أو على شواطئ البحار ليلاً.. وأنهم

عادة ما يستخدمون القطط والكلاب قرابين للشيطان.

أن إحدى الدول الأجنبية قدمت للجماعة العديد من المساعدات التي تشجع

على قيامهم بطقوسهم الغريبة في بعض الأماكن المعينة.

تم إلقاء القبض على صاحب شركة تسجيلات فنية يحمل الجنسيتين المصرية

والكندية يروج الأشرطة الغنائية التي تتضمن أفكار هذه الشبكة المشبوهة، والتي

يعتبر المغني المشهور (ألفيس بريسلي) الأب الروحي لها.

من يدافع عن هؤلاء في مصر: في الوقت الذي صدم فيه الشعب المصري

بهذا التوجه المنحرف وتساءلوا عن دور الأسرة والمدرسة والإعلام والتوعية

والأزهر، وهل يعقل أن يعبد الشيطان في مصر أرض الإيمان والعلم؟ ..

في هذه الظروف نجد إحدى الدور الاستعمارية التي تشغل مسمى (الجامعة

الأمريكية) بالقاهرة، وعلى صفحات جريدتها (القافلة) ، تنشر معلقة على الموضوع

وردود الأفعال الرافضة له على صفحات كثير من الصحف والمجلات المصرية،

نجدها تقول بكل بجاحة: (إن ما تنشره الصحف المصرية عن هذا الموضوع هو

نوع من الاعتداء على حرية الرأي وتوجيه الاتهام بالكفر إلى شباب لا يهمه شيئاً

سوى سماع الموسيقى الأجنبية المختلفة..) هكذا! .

دوافع انضمام الشباب لهم:

من واقع تتبعي لهذه المشكلة يتبين لي أن دافع المنضوين لها ما يلي:

هناك كثير من الشبان في مصر يهتمون بسماع موسيقى (الروك آند رول)

وتعلم الرقص الغربي معها بأساليب تتميز بالصراخ والضجيج والحركات السريعة

التي أشبه ما تكون بحركات التشنج والاضطراب العقلي.

تعبر هذه الفئة عن نفسها من خلال الرقصات الموسيقية، ويعملون على وشم

أجسادهم عن طريق السفر إلى إحدى قرى سيناء السياحية، حيث يوجد محترفون

لعمليات الوشم وبعضهم لجأ إلى رسم كلمات غريبة على ملابسهم السوداء وتدوين

شعارات ملفتة للأنظار تصل إلى حد السباب والشتم.

ينظمون حفلات موسيقية من نوع خاص في أماكن وفنادق متفرقة، مع

توزيع إعلانات هذه الحفلات في مناطق تجمع الشباب في الجامعات والأندية

والمراكز الأجنبية.

ومن خلال استطلاع نشرته مجلة (الوسط) اللندنية مع بعض أعضاء هذه

الجماعة يتبين من أفكارهم ما يلي:

تقول (أ. أ) مغنية فرقة (فابير) وطالبة بكلية التجارة: (من خلال الحفلات

تعرفت على شباب ليس أمامه أي شيء يفعله، وفي كثير من الأحيان يدمن

المخدرات ولا يعرف ما يقوم به، ويهزون رؤوسهم على طريقة المغنيين الغربيين

للفت الأنظار لهم، ولو كان هذا عن طريق الزعم بأنهم يعبدون الشيطان!) .

ويقول (م. ع) مضيف جوي: هناك محاولات للتقليد الأعمى لكل ما يجري

في الغرب من دون تمييز أو اهتمام بمعنى ذلك التقليد.

ويقول طالب في كلية التجارة: إننا نعرف أن ما نفعله شيء غريب، لكنها

التسلية! ! .

ردود الفعل في المجتمع المصري:

بعد اكتشاف هذه الشبكة والجماعة المنحرفة واعتقال أعضائها تبين بالفعل أنها

فئة ضالة، تأثرت بهذا الفكر والسلوك عن طريق الوسائل التي سبقت الإشارة إلى

بعضها؛ مما أصاب الرأي العام بصدمة عنيفة، وتساءلوا: أحقّاً يُعبد الشيطان في

مصر، مصر بلد الأزهر وبلد العلماء؟ .

وكانت ردود الأفعال على المستوى الرسمي والفكري على النحو التالي:

1- استنكر! مجلس الشورى المصري في جلسة برئاسة د/ مصطفى كمال

حلمي، ظاهرة الانحراف الديني المتمثلة في هذه الجماعة المنحرفة، وطالب

بتطبيق الشريعة الإسلامية على هؤلاء الخارجين عن الدين! ! .

2- وقال الشيخ (نصر فريد واصل) مفتي مصر: إنهم سقطوا ضحية

الشيطان؛ لضعف إيمانهم وانحراف أفكارهم؛ لأن الشيطان لا يقترب ممن آمن

بربه، ولكنه يسيطر على الإنسان نتيجة ضعف! إيمانه، وقال: إنهم مرتدون عن

الدين.

3- وقال د. (سعد ظلام) الأستاذ بجامعة الأزهر: إننا أهملنا شبابنا حينما

انطلقنا نجلب لهم الإشباع المادي، وتركناهم بلا رقيب ولا هداية، ولم نربهم بالدين

والقيم.

4- ويقول د. (فكري عبد العزيز) (استشاري الطب النفسي) : إن التحليل

النفسي لهؤلاء الشباب يظهر أنهم فئة (سيكوباتية) فاقدة الأهلية، تحقق ملذاتها،

وتنظر إلى إرضاء الجسد والذات، وقد وصلت إلى كل هذا نتيجة الحرمان الأسري، وعدم وجود الأب أو بديله في هذه المرحلة، مع عدم الاستقرار النفسي

والاجتماعي، وعدم وجود المثل الذي يحتذى.

أسباب هذه الظاهرة:

ولا شك أن هذا الاتجاه ظاهرة شر ومظهر انحراف في سير المجتمعات، فما

أسباب وجود هذه الظاهرة؟ .

سبقت الإشارة إلى دوافع هذا التوجه الشاذ لدى هذه الفئة من الشباب، لكن

المتابع والباحث المدقق والمتأمل لما وراء السطور يلمس أن هناك أسباباً ساعدت

في نشوء هذا النهج المنحرف، يمكن إجمالها فيما يلي:

1- سياسة تجفيف المنابع التي ازداد أوارها بعد عملية السلام مع العدو

الصهيوني، حيث انبثق عنها ما يعرف بعمليات تطبيع العلاقات مع اليهود، والتي

استتبعت غربلة المناهج الدراسية، وإجراء كثير من التعديلات والحذف لصالح هذا

التوجه، فضلاً عما هو موجود أساساً من تحجيم لمواد التربية الإسلامية وعدم

اعتبارها في سلم الدرجات للطلاب والطالبات في جل البلدان الإسلامية، مما لا يقيم

لها الاعتبار المفروض لدى الطلاب، فأنّى لهذه المواد أن تربي الأجيال تربية

إسلامية تجعل منهم مبغضين للانحرافات الفكرية بكل جسارة وشمم.

2- دور الإعلام المتواصل عن طريق وسائله المنوعة من مقروءة ومسموعة

ومرئية في إثارة نزوات الشباب من الجنسين وإشغالهم بالفكر الهابط الرديء

والأغاني الماجنة، والأفلام الخليعة.

3- سوء استغلال شبكات الاتصالات الحديثة (الإنترنت) ، التي تحوي برامج

تروج لمثل هذا الفكر المنحرف، وتوصل مستجداته وطقوسه ومبادئه لمتابعيه

بأحدث ما يتوصل إليه مَن يتابعون هذه النزعات الشيطانية، وقد تلقى هؤلاء

الشباب معلوماتهم عن عبادة الشيطان عن طريق هذا الجهاز، وقد أثبتت التحقيقات

أن 90% من المعلومات التي حصلوا عليها من هذا التوجه المنحرف كان عن

طريق هذه الشبكة.

4- تحجيم التوعية الإسلامية من برامج ومحاضرات وندوات عن طريق

العلماء والدعاة، ولا سيما في الجامعات والنوادي والمراكز التربوية، بدعوى أن

لمن يلقونها أهدافاً غير مرضي عنها، ولا ندري أي أهداف للداعين إلى الله

والعلماء والمفكرين المسلمين سوى توعية الأجيال بالإسلام الحق والفكر الرشيد

والبيان للمخططات العلمانية التي تهدف إلى تدمير الشخصية المسلمة والمجتمعات

المؤمنة؟ ! ، إلا إن كان هذا غير مرغوب فيه، فذاك شيء آخر، ولا ندري

لمصلحة من يتم ذلك.

5- الحياة المترفة والمتفلتة التي تعيشها أسر هؤلاء الشباب بكل ما تعنيه

الكلمة من معنى، من شيوع التبرج والسفور، والاختلاط بين الجنسين، وترك

مسؤولية تربية الأبناء للخدم أو للمدارس الداخلية، والتي عادة ما تكون أجنبية

الولاء.

6- مثل هذه الجماعات تكون مدعومة كما سبقت الإشارة إليه من جهات

أجنبية ذات أهداف مشبوهة وذات خطط مرسومة، ودعمهم لمثل تلك النزعات

بالأموال يساعد في استمرارهم في طقوسهم الشيطانية، ومثل تلك الجهات الأجنبية

معروفة في دعمها للاتجاهات المنحرفة، كما هو شأنهم في دعم جمعيات تحرر

المرأة من قيمها وأخلاقها، وكما يدعمون سياسات تحديد النسل، وتشجيع الأبحاث

التي تتبنى إحياء الفكر الباطني والعنصري ...

7- المدارس المختلطة بين الجنسين في كثير من الدول العربية، وبخاصة

في الجامعات، ووضع المناهج المختلطة، ووصول الأمر إلى تدريب هؤلاء

الشباب من الجنسين في دورات ومعسكرات مختلطة.. لا شك أنها وسيلة لإشاعة

الفاحشة بينهم، يتهدم معها الوازع الخلقي في نفوسهم.

8- السياسة الأمنية المتطرفة حيال الاتجاهات الإسلامية في بعض الدول

العربية، والتي لا تفرق بين صالح وطالح، ولا بين معتدل وغالٍ (منحرف) ،

وهذا تصور ليس مرده إلى الجهل وحده بتلك الاتجاهات المختلفة، وإنما هدفه

ضرب الاتجاهات الإسلامية عموماً بدعاوى ساذجة لم تعد تنطلي على أحد.

ولا شك أن هذه السياسة فاشلة، وقد أحدثت ردود فعل معاكسة للعنف المضاد، ذهب ضحيته المئات من القتلى، ولا ندري لمصلحة من؟ .

ولا شك أن السياسات القمعية فاشلة، وما كان لهذه السياسة أن تتم لولا ما

تشيعه أقلام العلمانيين وأذنابهم من الهجوم على التوجهات الإسلامية واتهامها ليل

نهار بادعاء أنها تهدف إلى قلب المجتمعات وتغيير أنظمة الحكم، وهي حرب

مسمومة، بل هي مكر الليل والنهار لتهميش الإسلام في المجتمعات [يُرِيدُونَ أَن

يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَاًبَى اللَّهُ إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ]

[التوبة: 32] .

علاج هذه الظاهرة:

ولا شك أن أي ظاهرة انحراف لها أسبابها ولها علاجها، أما العلاج فهو

القضاء على كل مبررات نشوئها وإيقافها بكل قوة وحزم، ويمكن اتخاذ إجراءات

معينة في نظري تتمثل فيما يلي:

1- تجريم أولياء أمور هؤلاء الشباب ولو أدبيّاً وتحميلهم جزءاً كبيراً من

مسؤولية انحراف أبنائهم، حيث تركوا الحبل لأبنائهم على الغارب بتساهلهم في

مسؤولية تربية هؤلاء الشباب؛ مما أدى بهم إلى الوقوع في هذه التوجهات الفكرية

الشاذة والمنحرفة.

2- أهمية وضع النظم التي تجرم مثل هذه الاتجاهات الشاذة، إذ إن الدساتير

الحالية لا تجازي فاعليها إلا بأقل القليل، وأهمية تطبيق (حد الردة) بعد استيفاء

أركانه، ولا شك أن تطبيقه مع أحد المجرمين سيردع كل من تسول له نفسه الوقوع

في مثل تلك الانحرافات.

3- ضرورة إيجاد المحاضن التربوية الصالحة التي يجد فيها الشباب ما يشبع

ميولهم وينمي هواياتهم، وإدامة هذه المحاضن على مدار العام، وضرورة ترشيد

عمل الأندية الرياضية وتطعيمها بالتوعية الدينية والفكرية.

4- أهمية أداء وسائل الإعلام وبخاصة المرئية منها دورها الريادي في

التوعية والتوجيه، وألا تجاري القنوات الفضائية التي كثيراً ما تعمل على إشاعة

الخلاعة والمجون، حتى أصبح ذلك رسالة لها في كثير من محطاتها.

5- تجريم بعض الكتاب الذين دأبهم تضليل الأمة بإشاعة الاتجاهات العلمانية، وتضليل الشباب، ومهاجمة التيارات الإسلامية بدون وجه حق، إلى درجة أن

أصبح السمت الإسلامي عندهم علامة على التطرف والإرهاب، وهذا افتراء وإفك

وقذف للإسلام والملتزمين به بدعاوى باطلة أصجت سامجة وممجوجة، فمثل تلك

الأقلام هي التي توجد ردود الأفعال المعاكسة التي ربما أدت إلى النزوع للغلو

المرفوض شرعاً.

من الخطورة بمكان اعتبار هذا التوجه كأن لم يكن، وتناسيه، سواء

بضغوط معينة أو بتسامح، ما لم يعالج هؤلاء الشباب بتوبتهم أولاً، ثم بالعلاج

المتوالي بإصلاح الفكر بدورات تثقيفية متخصصة، أما دعوى أنه لا توجد حقيقة

لهذه الجماعة كما نُشر فهذا دفن للرؤوس في الرمال.

والله أسأل أن يوفق الجميع لما فيه خير الإسلام والمسلمين.

مراجع تم الاستفادة منها:

1- إبليس، لعباس محمود العقاد.

2- عبدة الشيطان، لـ (محمد فوزي) ، نشرته (الأنباء) الكويتية في 17

حلقة بدءاً من العدد (7446) في 5/1/1997م.

3- مجلة الوسط، العدد 262، الصادر في 3/2/1997م.

4 - صحيفة الرياض، العدد 10451، الصادر في 25/9/1417هـ.

5 - جريدة الحياة اللندنية، العدد الصادر في 7/10/1417هـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015