مجله البيان (صفحة 2465)

هموم ثقافية

المسلمون على مشارف القرن الواحد والعشرين

(1من2)

بقلم: د. محمد طاهر حكيم

كيف يستقبل المسلمون القرن الجديد؟ ! .. موضوع يكثر الحديث عنه منذ

عدة سنوات ويشغل بال كثيرين من مفكري الأمة.

إن الأيام والشهور والسنين والقرون شهود على الإنسان أو شهود له، وهي

شهود على الأمم والشعوب والحضارات أو شهود لها.

وشهادة القرن العشرين للأمة الإسلامية كُتب منها كثير وبقي منها قليل، ليس

أمام هذا القرن إلا بضع سنوات.. نسأل الله أن تكون سنين خير ورخاء واستقرار

على الأمة الإسلامية.

فكيف هو واقع المسلمين الذين يزيد تعدادهم على ألف مليون نسمة،

وينتشرون على ربع مساحة اليابسة من (جاكرتا) شرقاً إلى (طنجة) غرباً، كيف

واقعهم اليوم في مجالات العلم والمعرفة والبحث العلمي والتقني والاقتصاد

والاجتماع والعلاقات المحلية والدولية؟ ، وما المخاطر والمشكلات التي تواجههم

على عتبة القرن الواحد والعشرين؟ ، ثم: ما آفاق المستقبل للأمة الإسلامية؟ .

هذا ما سأحاول الإجابة عنه في هذا المقال إن شاء الله (تعالى) :

أولاً: واقع الأمة في مجال العلم والمعرفة والبحث العلمي والتقني: إن نسبة الأمية بين المسلمين تبلغ ما بين 50% إلى 80%، بينما تقل نسبة

الأمية عن 2% في دول الشمال، وأي مصيبة أكبر من أن تكون أمة [اقْراً] لا

تقرأ، جاء في دراسة أعدها (منتدى الفكر العربي) عن مستقبل الأمية بالوطن

العربي ما يلي: (يبلغ إجمالي الأميين في الوطن العربي نحو 33 مليوناً في عام

1994م) .

إن مشكلة الأمية بكل أبعادها ليست مشكلة تعليمية أو تربوية فحسب، بل هي

في الأساس مشكلة حضارية، لذا: فإن القضاء عليها ليس فقط استثماراً له مردوده

الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، بل يُشكّل وهذا هو الأهم شرطاً أساساً ولازماً

للتطور واللحاق بالركب الحضاري، وإنه لمن نافلة القول أن أؤكد أنه من المستحيل

قيام تقدم علمي وتقني في ظل الواقع الحالي، لهذا كان من الطبيعي أن تتعثر جميعُ

خطط محاولات اللحاق بركب التطور العلمي والتقني؛ لأن الحدود الدنيا من

المقومات العلمية والبشرية اللازمة لا تتوفر للدول الإسلامية، بل لا تمكن منها من

قبل الغرب.

والواقع: أن فجوة التخلف بيننا وبين العالم المتقدم في مجال العلم والتقنية

فجوة هائلة، تزداد اتساعاً بمرور الأيام، ومع أن الإحصائيات عن هذه الفجوة غير

متوفرة بشكل جيد، إلا إن الدراسة التي قُدمت لمنظمة المؤتمر الإسلامي في

اجتماعها الذي انعقد في (إسلام آباد) في الفترة من 10 13 مايو 1983م، تذكر بأن

هناك حوالي 45 ألفاً من العلماء والمهندسين في حَقْلي البحث والتطوير العلمي

والتقني في العالم الإسلامي بأكمله، وهذا العدد لا يقارن بعدد العلماء والمهندسين

العاملين في (اليابان) وحدها، وهو حوالي نصف مليون باحث، وفي (الاتحاد

السوفييتي) سابقاً يبلغ أكثر من مليون ونصف المليون.

وأما في حقل (الفيزياء والذرّة) : فقد نشرت اللجنة المركزية للمخابرات

الأمريكية تقريراً قبل بضع سنوات فيما يتعلق ببعض دول العالم الثالث، جاء فيه:

(أن هناك مئتي ألف عالم نووي يعملون في الهند، وخمسين ألفاً في إسرائيل،

وخمسة آلاف في باكستان) .

ومن أبلغ المؤشرات على عمق هذه الفجوة واتساعها: تدني إنفاق الدول

الإسلامية على الاهتمام بالبحث العلمي وتوظيفه من أجل التنمية، فقد ذكر الدكتور

(زغلول النجار) أن الدول المتقدمة تنفق ما بين 3% و 4% من دخلها العام على

البحث العلمي والتقني، في حين نجد أن إنفاق الدول الإسلامية والعربية لا يتعدى

2,.%، فكل من (إندونيسيا) ، و (إيران) ، و (باكستان) على سبيل المثال أنفقت

2. ,%، بينما أنفقت كل من (بنجلاديش) ، و (السودان) 3,.%، و (مصر)

7,.% في السبعينيات، وإذا ترجمنا هذه النسبة إلى ما يقابلها من الدولارات فإنها

تعادل ما يقرب من (550) دولاراً عن كل فرد في (أمريكا) ، و (10) دولارات في

الدول الإسلامية.

وتبلغ نسبة العلماء والتقنيين إلى مجموع تعداد السكان في الدول الإسلامية

رقماً لا يذكر إذا قورن بنسبتهم في دول التقدم العلمي، إذ تتراوح بين عشرين في

المليون في دولة (بنجلاديش) ، و190 في المليون في (مصر) ، بينما تتراوح بين

4300 في المليون في أوروبا وأمريكا، و8200 في المليون في (الصين)

و (الاتحاد السوفييتي) سابقاً [1] .

ولكن الأمرّ من هذا كله: أنه في الوقت الذي تدفع فيه الشعوب الإسلامية ثمن

تعليم وتطوير هذه العقول، يجني الغرب الثمرة، حيث إن أعداداً كبيرة من هذه

العقول تهاجر إلى الغرب وتصبح النتيجة مزيداً من التخلف التقني في المجتمعات

الإسلامية وزيادة مُطّردة في التقنية الحديثة التي نستوردها من الغرب والتي تشارك

في تطويرها عقولنا الإسلامية المهاجرة.

فقد ذكرت هيئات عالمية مثل (منظمة اليونسكو) ، و (منظمة التجارة العالمية)

و (لجان الجمعية العامة للأمم المتحدة) الحقائق الآتية:

أ - أن ما يقرب من مليون من الكفاءات العالية والتقنيات الفنية المؤهّلة علميّاً

هاجروا من دول العالم النامي إلى أمريكا وأوروبا خلال الفترة 1972م 1990م.

ب - أن 70% من الأطباء و 65% من المهندسين من البلاد الإسلامية

هاجروا إلى الخارج، وأن من بين كل مئة يبعثون للخارج على نفقة الدول العربية

لنيل درجات الماجستير والدكتوراة يبقى منهم 40% في الخارج ويهاجرون هجرة

نهائية، و 20% يهاجرون هجرة مؤقتة.

ج - بلغت هجرة الأطباء والمهندسين والعلماء العرب إلى الغرب حتى سنة

1976م ما نسبته: 50% من الأطباء، و 23% من المهندسين، و15% من

علماء الطبيعة.

د - أن ما بين 50% 70% من خريجي كليات الطب في (باكستان) يهاجرون

سنويّاً إلى الغرب خلال العقد الأخير، وفي المتوسط: يهاجر مئة عالم وفني وتقني

يوميّاً إلى الغرب.

هـ قدّر مكتب خدمات (الكونجرس) في أمريكا أنه في عامي 1971م 1972م

فقدت الدول الإسلامية نتيجة هجرة كفاءاتها العلمية استثمارات تقدر بـ (464)

مليون دولار، وتبدو خسارة الكفاءات أكثر مأساوية بالنسبة إلى بعض الدول النامية، حيث فقدت (بنجلاديش) 17% من المهندسين، وفي الثمانينيات: انتقل ثلث

الكفاءات العلمية من إفريقيا إلى أوروبا، وخسرت (غانا) وحدها 60% من أطبائها.

وإذا أخذنا في الاعتبار أن هذه المناطق تعاني أصلاً من نقص الكفاءات وسوء

الخدمات الصحية يَظهر بوضوح حجمُ مأساتها، فنصف سكان إفريقيا لا يحصلون

على خدمات صحية، وثلث سكانها لا يعرفون القراءة والكتابة، وحوالي ثلثي سكان

(بنجلاديش) من الأميين، في حين لا يوجد إلا ما نسبته طبيب واحد لكل 15 ألف

نسمة في (غانا) ، بينما يوجد في الدول المتقدمة طبيب لكل 460 نسمة [2] .

أنا لا أبحث هنا في أسباب الطرد من هنا والجذب من هناك، والاستبعاد من

هنا والاستقطاب من هناك، ولكن الاستنتاج الوحيد الذي يمكن الخروج به هو أن

السياسة التنموية المحبِطة التي تنتجها الدول الإسلامية هي الدافع الرئيس لهجرة

الكفاءات العلمية.

والأمرّ بعد هذا كله: أن كثيراً من أصحاب القرار في العالم الإسلامي

يفضلون حُثالات الغرب والشرق من غير المسلمين على الكفاءات الإسلامية

المتميزة، انطلاقاً من مركبات النقص العديدة تجاه أصحاب العيون الزرق بصفة

عامة، على الرّغم من أن الممارسة قد أثبتت أن هؤلاء لا يخرج كثير منهم عن

كونهم عملاء للاستخبارات الأجنبية أو للحملات التنصيرية، وكما أثبتت الأيام أن

أي مشروع نفذ بأيدٍ غير إسلامية هو فُرصة ضُيعت على أبناء الإسلام وإلى الأبد،

وكان من الأصلح أن يُنفّذ بأيدي أبنائها [3] .

هذا هو واقع الأمة العلمي والتقني على مشارف القرن الواحد والعشرين، فهل

إلى سبيل لإصلاح الواقع؟ .

فما واقعها الاقتصادي؟ :

إن الغالبية العظمى من سكان الدول الإسلامية اليوم (باستثناء الدول النفطية)

تعيش تحت الحد الأدنى للكفاف اللازم لصون كرامة الإنسان، وقد ذكرت في

مؤتمر الأمم المتحدة العالمي الذي انعقد في (كوبنهاجن) الأمور الآتية:

أ - عدد الفقراء في الدول النامية يبلغ 1. 3 مليار نسمة، أي: خمس سكان

الأرض تقريباً، 61% منهم في إفريقيا، و 31% من آسيا.

ب - أغنى عشر دول في العالم هي: (سويسرا) ودخل الفرد فيها 36.

410 دولار، ثم (لوكسمبرج) ، ثم (اليابان) ، ثم (الدنمارك) ، ف (النرويج) ،

ف (السويد) ، ف (أمريكا) ، ف (أيسلندا) ، ف (ألمانيا) ، وأخيراً: (الكويت) ،

ويبلغ دخل الفرد فيها 350، 23 دولاراً للفرد، والأخيرة هي المسلمة فقط.

ج - أفقر عشر دول في العالم هي: (موزمبيق) ، ودخل الفرد فيها 80

دولاراً فقط، ثم (تنزانيا) ، ف (إثيوبيا) ، ف (سيراليون) ، (نيبال) ، (فيتنام) ،

(بوروندي) ، (أوغندا) ، (رواندا) ، وأخيراً: (تشاد) ، ويبلغ دخل الفرد فيها:

200 دولار للفرد، وواضح أن ثلاثاً منها مسلمة، وهي: (تشاد) و (أوغندا)

و (تنزانيا) .

د - فيما يتعلق بالعالم العربي: فقد ذكر المصدر أن ثلث سكان العالم العربي

فقراء [4] .

ويمكن تقسيم العالم الإسلامي اليوم من حيث نصيب الفرد من الدخل إلى أربع شرائح:

1- دول ذات دخول منخفضة: لا تتعدى أربعمئة دولار للفرد في السنة، من

هذه الدول: (إريتريا) ، (أفغانستان) ، (بنجلاديش) ، (تنزانيا) ، (غينيا) ، ...

(موريتانيا) ، (الصومال) ، ... وغيرها.

2- دول ذات دخول متوسطة: تتراوح بين أربعمئة وثمانمئة دولار، أو يزيد

قليلاً، منها: (الجزائر) ، (تركيا) ، (مصر) ، (العراق) ، (المغرب) ، (تونس) ...

وغيرها.

3- دول ذات دخول فوق المتوسط: تصل إلى 3000 دولار، مثل (ماليزيا) .

4- دول ذات دخول مرتفعة: وتشمل دول الخليج النفطية، و (بروناي) .

ويرجع السبب الرئيس لهذا التباين الكبير في متوسط دخول هذه الشرائح إلى

عامل التجزئة، والكيانات المصطنعة التي رسمتْ حدودَها الراهنة القوى

الاستعمارية العالمية؛ لتبقى الأمة الإسلامية على هذه الصورة من التفتت الذي لا

يُمكّن أيّاً من دولها من القيام بذاته أو من تشكيل وحدة اجتماعية أو اقتصادية متكاملة

أو حتى شبه متكاملة.

وإمعاناً في هذا التفتيت: وظفت القوى الاستعمارية ولا تزال مبررات الفُرفة

بين هذه الكيانات من خلافات حدودية، وسياسية، وقبلية، وعرقية، وطائفية،

وفكرية.. وغيرها في الإبقاء على فرقتها، واشتعال الحروب الباردة والساخنة بينها

والعداوات الشخصية بين زعاماتها [5] .

وتأتي بعد هذا مشكلة الديون، وتفصيلها كالآتي:

إجمالي الديون المستحقة على الدول النامية المدينة (123 دولة) بلغت أكثر

من 1812 مليار دولار عام 1993م، منها 194 مليار دولار على الدول العربية،

وتقدر خدمة هذه الديون (الربا) بحوالي 18 مليار دولار سنويّاً، وهذه الديون تمثل

75% من إجمالي الناتج المحلي العربي.

وتبلغ ديون الدول الإسلامية عموماً بنحو 500 مليار دولار عام 1993م.

وعلى العموم: فإن مارد الربا يحصد ما تزرعه الدول النامية في صورة فوائد

للديون، فإذا ذهب 45% من الناتج القومي للمسلمين إلى الديون وفوائدها، وذهب

مثله تقريباً على السلاح والدفاع، فماذا بقي للتعليم والبحث العلمي والصحة والتنمية

الاجتماعية؟ .

على سبيل المثال: تبلغ ديون (باكستان) نحو 24 مليار دولار، ويذهب ثلث

الناتج القومي في مقابل الديون وفوائدها، ونحو 45% للدفاع والجيش، فماذا بقي

للتعليم والصحة والتنمية الاجتماعية؟ ، وهكذا حال بقية الدول الإسلامية التي تزيد

ديون بعضها على ديون باكستان، فمثلاً ديون تركيا تزيد على 51 مليار دولار،

وديون مصر تزيد على 40 مليار دولار، وديون الجزائر تزيد على 26 مليار

دولار.. وهكذا [6] .

مخاطر أخرى للديون:

وهذه الديون التي ندفع عليها فوائد عالية وتسبب الهم والغم للشعوب، هذه

الديون لا تزيدنا إلا فقراً وضعفاً، لأنها:

أولاً: تكون مشروطة بشروط مجحفة ظالمة تضر بهذه الشعوب واقتصادياتها.

ثانياً: أن 40% من عمليات الدعم المالي الغربي تذهب لصالح الخبراء

الأجانب في الدول الإسلامية مقابل بعض الدراسات التي لا جدوى لها، والتي تأتي

غالباً غير ملائمة لظروف واحتياجات الدول الإسلامية، وهو ما يعني أن الغرب

يأخذ بالشمال ما يعطيه باليمين تحت مسمى (مساعدات) ، من دون فائدة حقيقية.

ثالثاً: أن 85% من استثمارات ومساعدات البلدان الغربية للعالم الإسلامي في

مشروعات غير إنتاجية (استهلاكية خدمية) لا تخدم الاقتصاد المحلي، وليس لها

علاقة بتطوير الإمكانات الذاتية للإنتاج، من أمثلة ذلك: مشاريع الفنادق الضخمة،

والملاعب الرياضية الشاسعة، والملاهي ودور الأوبرا الفخمة، والبارات الكبيرة.. وغيرها من صور الترف والإفساد التي لا تحتاجها الدول الفقيرة في المراحل

الأولى من نموها على الأقل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015