المسلمون والعالم
بقلم: د. محمد منظور عالم
الهند دولة علمانية ديمقراطية وهي فيدرالية في طبيعتها، وهي متعددة الأديان، متعددة اللغات، متعددة الثقافات.
مر المسلمون في الهند بعد الاستقلال والتقسيم بمراحل مختلفة.
ففي العقدين الأولين أي الخمسينيات والستينيات كانوا يعانون من:
1- أزمة الزعامة نتيجة للهجرة إلى باكستان.
2- الحالة النفسية المتصفة بالخوف الشديد نتيجة للمذابح التي تعرض لها
المسلمون.
أما السبعينيات فيمكن أن نسميها حقبة إدراك الضعف.
كما يمكن أن نسمي الثمانينيات حقبة تأكيد الذات.
وتمثل التسعينيات فترة توسع في تأكيد الذات من خلال حركة الوحدة بين
الأمة الإسلامية.
وكان الأثر الكبير للعقدين الأولين متمثلاً في روح البطء والتكاسل السارية في
جسد الأمة الإسلامية، وكان المبرر الذي يتم اللجوء إليه هو (القَدَر) ! ومن ثم:
الابتعاد عن المشاركة في التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتعليمية.
لقد كان المسلمون في حالة قلق وضيق بشأن هويتهم، وهو الأمر الذي
أجبرهم على أن تكون لديهم مدارس دينية عديدة دون أن يكون لديهم تعليم عصري.
خلال الفترة نفسها كان عامل الخوف الذي عانى منه المسلمون في تزايد، مما
جعل منهم (بنكاً للأصوات) تحت تصرف زعماء حزب المؤتمر الهندي، فقد قدم
هؤلاء وعوداً لم تنفذ قط، وسمي ذلك فيما بعد: النفاق، وذلك من قبل الحزب
الهندوسي المتطرف، لذلك: فإن المسلمين وقعوا في فخ الوعود الزائفة.
في الفترة نفسها استُخدمت منظمة هندوسية متطرفة، هي (R. S.S) ، لنشر دعاية مسمومة ضد المسلمين واصفة إياهم بالخونة، بدعوى أن ولاءهم ليس للهند ولكن لباكستان، ونتيجة لذلك: فإن المسلمين تم إبعادهم من المجالات العسكرية وعن المناصب الاستراتيجية، ولم يكن حصولهم على الوظائف يتناسب مع عددهم إلى مجموع السكان في الهند.
وقد أدى تأكيد المسلمين لوجودهم في السبعينيات في حقل التعليم والاقتصاد
إلى إثارة حالة استنفار بين المتطرفين والسياسيين الهندوس، فبدؤوا بالتحريض
على إثارة الاضطرابات الطائفية في مناطق مختارة تزدهر فيها أحوال المسلمين،
وقد تم استخدام سياسة الترهيب والترغيب من قبل المنظمات الهندوسية المتطرفة
والسياسيين الهندوس، لكن مثيري الطائفية من الهندوس لم يوفقوا والحمد لله في
جعل المسلمين يتخلون عن تأكيدهم بوجودهم، وقد أدى ذلك إلى تصعيد الحركة
الطائفية الهندوسية إلى ذروتها، الأمر الذي أدى إلى هدم بعض المساجد، ومن
أشهرها المسجد البابري.
لقد كان هدم ذلك المسجد أكثر النقاط السوداء قتامة في وجه الهند العلماني
الديمقراطي! ! لكن الطائفية كانت من تفريخ وتنفيذ الحكومات المركزية
وحكومات الولايات، وكان ذلك يمثل تأكيداً بأن ديمقراطيتهم زائفة، وقد بادر
المثقفون المسلمون والعلماء والباحثون والنشيطون في المجال الاجتماعي إلى وضع
خطط مختلفة وبرامج متنوعة لتحقيق الارتقاء الاجتماعي والتعليمي والسياسي
والاقتصادي للمسلمين.
وعن طريق التخطيط المحسوب بشكل جيد فإن المسلمين نجحوا الآن في
القيام بدور محدود في السياسة والتعليم والاقتصاد وإن كان لا يتناسب مع عددهم.
إن الحكومات الحالية حكومة فيدرالية بدعم من 13 -14 حزب سياسي، وتريد
الحكومة أن تجعل الهند بمثابة (الولايات المتحدة الهندية) ، وذلك من خلال نقل
السلطات إلى الحكومات الإقليمية هي ونصيبها في الإيرادات، وذلك من خلال تنفيذ
تقارير لجنة (ساركاريا) ، هذه العملية سوف تؤمن القدر الأفضل من السلطة
لحكومات الولايات.
تغير تاريخي ودلالته:
يعتبر تولي (ديفي جودا) (أحد أبناء الطوائف المتخلفة المطحونة) الزعامة
حدثاً تاريخيّاً، فقد أصبح رئيساً لوزراء الهند مؤخراً، وهذا المنصب كان محجوزاً
على الدوام للبراهمة، وحتى في مجموع الوزارات لم يحصل البراهمة إلا على ... 10 % من المناصب، في حين كان نصيبهم في كافة الحكومات السابقة لا يقل عن 60 %.
هذا التغير سوف يكون له حسب رؤيتي الأثر العميق في سير الأمور مستقبلاً، وذلك للآتي:
أولاً: وقبل كل شيء سوف يؤدي ذلك إلى زيادة نطاق الصراع بين الطوائف
الدنيا والطوائف العليا الهندوسية؛ من أجل السيطرة على الحكم وأخذ نصيبها في
كل أنواع الموارد.
ثانياً: أنه قد يتم تطوير علاقة وتفاهم أفضل بين الطوائف الدنيا والمسلمين،
نتيجة للتنسيق السياسي والخروج من نطاق مؤامرة البراهمة.
ثالثاً: أن الطوائف الدنيا التي كانت تعاني من اضطهاد البراهمة عبر قرون
عن طريق الاستغلال الديني وإبعادهم عن التعليم سوف تخرج على حظيرة
الهندوسية، وسوف تعاني هذه الطائفة من مشكلات الهوية أو من أزمات أخرى في
السنوات العشرين القادمة، مما سوف يعزز في الحقيقة نطاق الدعوة؛ فهذه
الطوائف المتدنية تمثل غالبية السكان في الحقيقة، فنسبتها تبلغ 57% من إجمالي
عدد السكان.
هذه الأزمات التي ستجابههم والتي تتعلق بالهوية سوف يكون لها تأثير عميق
على التكوين السكاني الذي سوف يغير من كيميائية السياسة في الهند.
وحينها فالعدالة الاجتماعية سوف تجد مكانها المناسب، كما إن تقاسم السلطة
القائم على التمثيل النسبي سوف يكون بمثابة النظام السياسي.
إن النقاط التي ورد ذكرها سابقاً تجعل من الواضح تماماً أن السياسة الهندية
سوف يكون لها آليات فيدرالية تتصف بالاختلاف والصراع والنضال، وهي أمور
يتعين أن يلعب كل عنصر من عناصر تكوينها دوره فيها، فأي طائفة تخفق في أخذ
نصيبها الذي تستحقه بما يناسب طلبها سوف تخسر خسارة عظيمة.
تكمن القوة لأخذ النصيب المستحق في السلطة في:
1- التعليم. ... ... ... ... ... 2- الاقتصاد.
3- الوعي الاجتماعي. ... ... 4- الوعي السياسي.
هذه العناصر الأربعة تعتمد إلى حد كبير على نوعية المناخ السياسي
والاقتصادي السائد في البلاد وماهية المنافذ المتاحة داخل وخارج البلاد.
ويعاني المسلمون للأسف من الضعف والتخلف والتعرض للمخاطر، فالتحيز
والتمييز يوجدان مناخاً غير مواتٍ للاستفادة من التعبئة العامة المنفذة في مجال
التوظيف، والاستثمار، والاقتصاد، والأعمال، والتجارة، وذلك يجعلهم في وضع
هامشي.
المسلمون في الواقع في حاجة إلى دفعة شد وجذب كبيرة، تتطلب الحكمة في
تأمين فرصة نشر التعليم، مع الإيمان من الأساس، ومن أولى المراحل بالتعليم
الفني والتعليم في مجال الإدارة، وذلك لاغتنام المستقبل في ضوء ما يسمى بالنظام
العالمي الجديد.