الورقة الأخيرة
بقلم: سالم فرج سعد
إن التفرق الذي تشهده الساحة الإسلامية في صفوفها مردّه إلى أسباب، منها:
ما يعتور العقل الإسلامي أحياناً من عقم، وغياب التربية الإسلامية المتكاملة
لدى الكثيرين.. وهي آفات تعوق حركة المنهج الإسلامي، وتشتت صفه وكلمته؛
لأن من سمات هذا المنهج الرباني الشمول والتوازن [دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفاً] [الأنعام: 161] ، ومن المتفق عليه بين العاملين في الساحة: أن ضعف
التحصيل العلمي، والخلل العقلي في الفهم الشمولي للإسلام، هما سببان رئيسان
أيضاً فيما يشهده العمل الإسلامي من تفرق.. لكن تظل أزمة الإبداع في العقل
المسلم عائقاً كبيراً دون العلم والعمل؛ لأن هذه الأزمة المشكلة اعتراها قصور
وتقصير وغلو وتفريط، وذلك عندما واكبت الحضارة المعاصرة دونما ضوابط
شرعية وقواعد علمية، وعندما جمدت على النص وعطلت الفهم الصحيح له،
فصارت بين طرفي نقيض.
إن الفقه الإسلامي تراث زاخر بالجدية والحيوية، لكن عندما تعتريه آفات
المقلدين، وتشنِّج المتعصبين: يذهب بهاؤه، وتُشل حركته.. إذ إن عظمة الهدف
وضخامته تفرض جدية الوسيلة، وتفوق المنهج.
فإذا سُخّرت أبحاث الفقه مثلاً لإحياء روح العمل والجهاد لنتج عن ذلك الهدف
المرجو، ولتلاشت بذلك أزمات كثيرة في حاضرنا الإسلامي.
والفقه هو مثال واحد من أمثلة كثيرة في تراثنا الإسلامي الزاهر بالإبداع
والهدى والنور، وإبداع العقل المسلم يأتي وفق تلك الإيحاءات الفقهية، والضوابط
الشرعية بإخلاص واتباع؛ لأن الدعوة إلى الله عبادة مبناها على التوقيف والنص،
وباعتبار استخدام الوسائل المشروعة التي تؤدي الغرض تكون عُرضة للاجتهاد
والإبداع، لأن طبيعة الوسائل: التجديد والتطوير.
وعندها يأتي معنى القاعدة الفقهية (الوسائل لها أحكام المقاصد) .
يقول الشيخ (السعدي) (رحمه الله) : (وهذه القاعدة من أنفع القواعد وأعظمها
وأكثرها فوائد، ولعلها يدخل فيها ربع الدين) [1] .
ولكن يكون الاجتهاد فيها بشروطه ومؤهلاته، والشأنُ كل الشأن في ألا يكون
ثمة أمر محظور يُبطل الوسيلة أو يمنع الانتفاع بها.