مجله البيان (صفحة 242)

هزيمة جديدة لأثيوبيا

حققت جبهة تحرير أريتريا نصراً كبيراً على صعيد القتال الطويل ضد

الجيش الأثيوبي وذلك حينما تمكن مقاتلوها من دحر الأثيوبيين عن مدينة (أفابيت)

البالغة الأهمية في هجوم مباغت شنوه في 17/3/1988 موقعين في صفوفهم أبلغ

الإصابات وأجسمها على الإطلاق منذ اشتعال نار الحرب هناك منذ ما يربو على

ربع قرن.

وقد أكد صحافيون غربيون - زاروا المعركة - ما أعلنه المقاتلون من

تحريرهم للمدينة المذكورة، ورووا ما شاهدوه من مناظر مروعة على سفوح التلال

المحيطة بالمدينة تدل على فداحة الهزيمة التي لحقت بالأثيوبيين في هذه المعركة

لوحدها.

ويرى السالك للطرق المؤدية إلى (أفابيت) سيلاً من سيارات الشحن العسكرية

الأثيوبية- التي غنمها المقاتلون - المدججة بالذخيرة إلى جانب مئات المدافع

ومنصات إطلاق الصواريخ والدبابات التي بلغ عددها (60) دبابة حسب مصادر

الجبهة.

فقد ولى الأثيوبيون مدبرين دون أن تتوفر لديهم الفرصة حتى لاصطحاب

أسلحتهم معهم. كما تمكن الأرتيريون من أسر أعداد كبيرة جداً من الجنود

الأثيوبيين بلغت (18 - 20) ألف. كما وقع في قبضتهم ثلاثة من المستشارين

العسكريين الروس أحدهم برتبة عقيد. وفي تطور آخر تمكن الأرتيريون من إزاحة

القوات الأثيوبية عن منطقة شمال بحري في 22/4/1988 مكبدين إياهم (1085)

إصابة بينها (530) قتيل، كما قصفت مدفعيتهم ضواحي مدينتي كون وأسمرا

عاصمة أريتريا، كما أنهم أعلنوا استعادتهم لمدينة أجاردات الواقعة في غرب الإقليم. وتبدو حكومة أديس أبابا -بعد الهزائم التي منيت بها- في حاجة أكثر من أي وقت

مضى إلى تحقيق نصر مهم على صعيد القتال وذلك أملاً في استعادة ما فقدته من

مواقع بالغة الأهمية، إلى جانب النهوض بمعنويات جيشها المنهارة.

وقد أقدمت حكومة أديس أبابا على اتخاذ خطوات في اتجاه الإعداد لهجوم

معاكس كبير، من بينها إعادتها للعلاقات الدبلوماسية مع الصومال الأمر الذي أتاح

لها فرصة سحب ألوف من قواتها المرابطة على الحدود هناك وزجها في الجبهة

الشمالية. أما على الصعيد الإعلامي فقد امتلأت الصحف الأثيوبية بالنداءات التي

تحث الشباب على الانخراط في صفوف الجيش استعداداً لسحق المتمردين على حد

زعمهم. وتقول مصادر دبلوماسية غربية أن (منغستو هيلا ماريام) رئيس النظام

الأثيوبي ربما يكون قد تمكن من حشد ما بين (100-150) ألف مقاتل معظمهم في

مقتبل العمر. ومن جهة أخرى وكخلق شيوعي مألوف، لجأ ماريام إلى استخدام

سياسة التجويع في المناطق الدائر فيها القتال وتمثل ذلك بطرده للعديد من هيئات

ومنظمات الإغاثة الدولية العاملة هناك، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى مضاعفة

كوارث المجاعة التي تعاني منها المنطقة أصلاً.

إلا أنه على الرغم من كل تلك الاستعدادات، فإن دبلوماسيين غربيين لا

يرون في الجيش الأثيوبي المقدرة على تحقيق تقدم عسكري يذكر ضد الأريتريين،

بل على العكس من ذلك فإن مستقبل ماريام السياسي -حسب تقديراتهم - سيكون

متوقفاً على نتيجة ذلك الهجوم المزعوم

ومما تجدر معرفته أن الجيش الأثيوبي يعد ثاني أكبر جيش في القارة

الأفريقية من حيث العدد كما أنه يأتي بالمرتبة الثانية من حيث العدة بعد جيش

جنوب أفريقيا، فقد أغدقت عليه أمريكا منذ منتصف هذا القرن ما قيمته بلايين

الدولارات من المساعدات العسكرية ومثلها فعلت روسيا في أعقاب قيام الثورة

الشيوعية عام 1974 حينما تنكرت للأريتريين وانقلبت ضدهم طمعاً فيما حصلت

عليه فيما بعد من تسهيلات عسكرية في أرخبيل دهلك، ومن تغلغل في القارة

الأفريقية.

لمحة موجزة عن تاريخ أرتيريا الحديث:

تشغل أرتيريا مسافات طويلة من الساحل الغربي للبحر الأحمر، ويعتبر

ميناءا «مصوع» و «عصب» فيها من أهم الموانئ عليه، كما يعتبران المنفذ

البحري الوحيد لدولة أثيوبيا على البحر المذكور.

احتل الإيطاليون أريتريا عام 1890 م وأطلقوا عليها اسمها الذي تعرف به

اليوم، ومكثوا فيها حتى أخرجهم الإنكليز منها بعد انتصارهم عليهم في الحرب

العالمية الثانية عام 1941 م، ولقيت دولتا الاحتلال (إيطاليا وبريطانيا) من أهالي

أريتريا مقاومة شديدة منذ اليوم الأول الذي وطأت فيه أقدامهم أرضها ولم يتمكنا

طيلة فترة تواجدهما هناك من إحكام السيطرة عليها.

وإبان فترة الاحتلال تلك نشأت بين الأريتريين عدة فئات سعت إلى إجلاء

القوات الغازية عن بلادهم وكان من بين تلك الفئات فئة أطلق عليها في حينها

الرابطة الإسلامية اتخذت من عرب أريتريا قاعدة انطلاق لها، ومما تجدر معرفته

أن هذه الفئة أو الجماعة كانت الوحيدة على الساحة التي انفردت دون غيرها عن

الفئات بمطلب استقلال أريتريا المطلق ولم تكن لها أية صلات مع سلطات الاحتلال

أو مع أثيوبيا على خلاف البقية.

وفي نهاية الأربعينيات شهدت أريتريا أحداثاً ساخنة فقد كانت مسألة مستقبلها

السياسي موضوع الساحة لدى الدول القوية الأربعة (فر نسا، بريطانيا، روسيا،

أمريكا) الذين منهم تشكلت لجنة لتسوية قضيتها. وبعد خلاف وجدل طويلين وافقت

الأمم المتحدة-تحت ضغوط اللجنة-على تبني حلى وسط يأخذ بالاعتبار مصالح

أثيوبيا الإقليمية والاقتصادية في المنطقة وينص على دخول أريتريا في اتحاد

كونفدرالي مع أثيوبيا على أن يكفل ذلك الاتحاد حقوق أريتريا كاملة بما في ذلك حق

إنشاء حكومة محلية تتولى الإشراف على إدارة كافة شؤون البلاد باستثناء شؤون

الدفاع التي نص القرار على إبقائها بيد حكومة أديس أبابا. إلا أنه ما أن دخل عام

1955 م حتى كان الدستور الأثيوبي قد شهد تغيرات جذرية لم تدع معها إلا جزءاً

ضئيلاً جداً من الحقوق التي نص عليها قرار الأمم المتحدة المذكور، فلم تعد

الحكومة الأريترية قادرة على اتخاذ أبسط القرارات المحلية إلا بإذن مسبق من

حكومة أديس أبابا. وفي شهر أيار من عام 1960 م صوت مجلس الشعب

الأريتيري وبالإجماع! ! على إعادة تسمية الحكومة الأريترية باسم الإدارة

الأريترية، ويعلم الأريتيريون جيداً أن قرارا كهذا ما كان ليتخذ لولا الضغوط

الشديدة التي مارستها الحكومة الأثيوبية. وجاء عام 1962 م ليشهد قطف ثمار تلك

الضغوط وذلك بضم أريتريا رسمياً إلى أثيوبيا وإعلانها الإقليم الرابع عشر فيها.

ولا تخلو ألاعيب سياسية واستهتار بحقوق الشعوب كهذا من دور بريطاني في

العادة، فقد كان المندوب السامي البريطاني في أريتريا - وكان يهودياً - في الفترة

التي سبقت قيام إسرائيل وراء إقناع هيلا سيلاسي إمبراطور الحبشة آنئذ بضم

أريتريا إلى ملكه وجعلها منفذاً مستقبلياً وحيداً للدولة اليهودية - التي كانت تهم

بريطانيا بإقامتها في فلسطين -على قارة أفريقيا، ومن هنا تتضح حوافز بريطانيا

في الأمم المتحدة وراء ضم أريتريا.

وفي مطلع الستينيات وفي ظروف كهذه التي شهدت نقضاً للعهود وسلباً

للحقوق انبثقت جبهة التحرير الأرتيرية وكان أبناء أريتريا المسلمون شعلتها الأولى، فعلى أكتافهم قامت وبأيديهم سطرت الملاحم الأولى، فقد أدركوا ومن الوهلة

الأولى أن هيمنة الفئة الصليبية الحاكمة في أديس أبابا [1] سيعنى في المستقبل

القريب اجتثاثهم من دينهم ولغتهم وتقاليدهم، ولم يخطئ المسلمون الأريتريون الظن

بأعدائهم، فمنذ ذلك الحين ومجازر الأثيوبيين في حق العزل منهم والاعتداء على

حرائرهم لا تعرف لها حدود.

لقد سلب المسلمون هناك من كل حقوقهم حتى لغتهم لم يعد لها وزن يذكر في

كثير من جوانب الحياة بما في ذلك التعليم، هذا على الرغم من أن الأريتريين

يشكلون نسبة لا يستهان بها من مجموع السكان البالغ حوالي 30 مليون. إلا أن

الحكومة تحاول إظهارهم أمام العالم بمظهر الأقليات الصغيرة زاعمة أنهم لا يشكلون

سوى نسبة بسيطة من المجموع العام للسكان، علماً أنه لم يعرف عن الحكومة

الأثيوبية قيامها في يوم ما بإجراء عملية إحصاء للسكان يتبين من خلالها نسب

الطوائف المختلفة في البلاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015