مجله البيان (صفحة 2402)

متابعات

و.. عبد الناصر تحت المجهر

بقلم: أحمد عبد الله المصري

دفعني ما نشرته البيان في العددين (106، 107) ، تحت عنوان: (أتاتورك حقيقته والدور الذي أداه) ، إلى الكتابة عن (جمال عبد الناصر) ، نظراً لوجود

تشابه بين الشخصيتين من عدة وجوه، مع تماثل الدور الذي قاما به.

ويمكن إجمال أوجه التماثل فيما بينهما فيما يأتي:

الميلاد والنشأة:

هناك كلام كثير حول يهودية (مصطفى كمال أتاتورك) وانتسابه إلى طائفة

الدونمة، وعلاقاته باليهود والمحافل الماسونية وصداقاته لشخصيات يهودية، كذلك

التحاقه بالجيش بعد حصوله على الثانوية العسكرية، وأنه كان على صلة بالإنجليز.

كذلك عبد الناصر: فقد ذكر بعض الكتاب وجود دلائل حول مدى نسبته

لليهود؛ إذ لما بلغ من العمر ثماني سنوات [1] أرسله والده إلى القاهرة لاستكمال

دراسته، فكان يقطن مع إحدى قريبات والدته في حي اليهود في منطقة الموسكي

(5 شارع خميس العدسي) .

وذكر الدكتور علي شلش [2] : أن سيدة يهودية تدعى مدام (يعقوب فرج

شمويل) كان عبد الناصر يدين لها بالفضل؛ لأنها هي التي رعته في طفولته بعد

وفاة أمه، وكانت تعامله كأحد أبنائها، وذكر (حسن التهامي) أن هذه السيدة قريبة

والدته.. فإذا كانت قريبة والدته يهودية فتكون والدته كذلك، ولا يخفى أن نسب

الشخص عند اليهود لأمه وليس لأبيه، ثم: لماذا اختار أبوه سيدة يهودية لرعايته

قريبة كانت أو بعيدة؟ ولماذا حارة اليهود شبه المغلقة على اليهود وقتها؟ ، وهل

ضاقت القاهرة كلها إلا من حارة اليهود؟ .. وقد استمر عبد الناصر في حارة اليهود

حتى رتبة (الملازم أول) وعمره (24) عاماً.

يقول اللواء (محمد نجيب) (أول رئيس لجمهورية مصر) للواء (عبد المنعم

عبد الرؤوف) عام 1979: (عبد الناصر أصله يهودي، من يهود الشرق الذين

جاءوا من اليمن) [3] .

ويقول (جلال كشك) : (أعترف أن مثل هذه النصوص التي يقدمها هيكل

تجعل التفسير القائل بيهودية عبد الناصر يلح إلحاحاً لا يمكن مقاومته..) [4] .

الصلات المشبوهة:

تذكر الكتب والمراجع صلة أتاتورك باليهود والإنجليز، وكذلك عبد الناصر:

كان على صلة مستمرة باليهود والأمريكان قبل الثورة وبعدها [5] ، ففي عام ... 1948م، أثناء حصار (الفالوجا) ، كان يقوم بالاتصال مع كل من (بروجام ... كوهين) ، و (إيجال آلون) ، وفي عام 1950م عاد إلى (تل أبيب) ليدلهم على جثث قتلاهم في حرب 1948م كطلب الحكومة الإسرائيلية! ، ومكث هناك أكثر من عشرة أيام اجتمع خلالها كثيراً مع (إيجال آلون) .

وذكر زملاء عبد الناصر في الكتيبة السادسة [6] احتمال نجاح إسرائيل في

تجنيد عبد الناصر لحسابها بواسطة (إيجال آلون) ، وأنه كان يحمل مشاعر الحب

لليهود منذ صباه، وارتبط بصداقات مع الفتيان اليهود بالحارة رفاق عمره.

وكان عبد الناصر عضواً بالتنظيم الشيوعي (حدتو) ، الذي يرأسه اليهودي

(هنري كورييل) ، وضمن أعضائه (ماري روزنيئال) و (مارسيل ليون) ، و (إيلي

شوارتز) صهر (موشيه ديان) (قائد جيش إسرائيل في حرب 1967م) .

واستمرت صلة عبد الناصر باليهود حتى وفاته، ولم تنقطع أبداً.

أما عن صلة عبد الناصر بالولايات المتحدة الأمريكية، والمماثلة لصلة

أتاتورك بإنجلترا، فقد بدأت عام 1949م مع السفير الأمريكي (كافري) كما تقول

بعض المصادر، أو مع الملحق العسكري الأمريكي (دافيد إيفان) من عام 1950م

إلى 1952م، واستمرت مع (كيرميس روزفيلت) مندوب المخابرات الأمريكية في

الشرق الأوسط، و (مايلز كوبلاند) مندوب المخابرات الأمريكية في القاهرة،

واستمرت علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية طوال حياته كذلك ولم تنقطع أبداً،

رغم الصلة والتغطية الظاهرة لعلاقته بروسيا [7] .

التلميع والدور البطولي:

ظهر أتاتورك بأنه دَحَر قوات الحلفاء في (جناق قلعة) ، وأن جيشه هاجم

مستودعات الأسلحة، والذخائر التابعة للحلفاء، وأنهم أرسلوا ما حصلوا عليه

باعتباره غنائم حرب.

وقام الحلفاء بتحريض اليونان على غزو (إستانبول) ، ثم توقف الهجوم

اليوناني وانسحب أمام قوات أتاتورك (تماماً كانسحاب قوات إنجلترا وفرنسا

وإسرائيل من مصر عام 1956م) .

وقامت الدعاية الغربية بتضخيم الحادثة؛ لتُظهر أتاتورك منقذاً للبلاد من

عدوها (والشيء نفسه حدث مع عبد الناصر) .

وهكذا يلمِّع الأجانب أذنابهم دائماً، ويصنعون منهم أبطالاً، لكن الحقائق قلّ

من يعرفها، والله المستعان.

فقد بالغت الدعاية الواسعة بإظهار أتاتورك بصورة البطل المغوار الذي هزم

الحلفاء، وخاصة الإنجليز واليونان، حتى تسابق الشعراء في الثناء عليه وعلى

انتصاراته، فأنشد أحمد شوقي مخاطباً أتاتورك قبل أن تتضح له حقيقته:

الله أكبر كم في الفتح من عجب ... يا خالد الترك جدّد خالد العرب

أما الدعاية الواسعة والدور البطولي المزعوم، فقد كان مع عبد الناصر أكبر

وأضخم بكثير، فقد ذُكر أن السفير الأمريكي (كافري) استدعى مسؤول الدعاية

السوداء في المخابرات الأمريكية [8] ، ليقوم بتخطيط إعلامي يهدف إلى تصعيد

نجومية عبد الناصر، وقد أجرى عبد الناصر بعض التعديلات عليها واحتفظ بنسخة

عنده، وسلمت نسخة لـ (عبد القادر حاتم) وزير الإعلام حينها ليقوم تنفيذ دوره.

ومن أساليب الدعاية وإضفاء البطولة على عبد الناصر: (حادث المنشية)

المنسق مع المندوب المذكور عام 1954م، وظهوره بصورة البطل الشجاع،

وتعاطف الشعب معه على إثر هذا الحادث.

ومن أساليب الدعاية معه كذلك: تنسيق واستغلال تأميم قناة السويس عام

1956م، وإظهاره بمظهر المتحدي للغرب، ثم هجوم الدول الثلاث وانسحابها بعد

أن تم تحقيق الدور البطولي له باستعادة القناة وانسحاب القوات المعتدية، وكان

للولايات المتحدة دور كبير في إتمام الانسحاب.

ومن مسرحيات التلميع له كذلك: طلب تمويل بناء السد العالي، ورفض

الولايات المتحدة الأمريكية، ثم اللجوء إلى روسيا، ومن ثم: بناء السد العالي،

واستغلال ذلك والظهور بمظهر المتحدي لأمريكا كذلك.

وكان من هذه التمثيليات: طلب السلاح من الغرب، ثم رفض هذا الطلب،

وعمل صفقة ضخمة مع (تشيكوسلوفاكيا) ، رغم أنف الولايات المتحدة كما يبدو،

الأمر الذي أظهره بمظهر البطل القومي الذي لم يرضخ لأكبر دولة في العالم.

وغير ذلك كثير، مثل: تأميم المصانع والشركات.. وغيرها.

وقد اشتركت أجهزة الإعلام المصرية، ودور التعليم [*] ، والإعلام العالمي

شرقاً وغرباً في تمجيد البطل، وإعلاء شأنه، حتى تضاءل أمامه أي زعيم، ودونه

أي بطل.

وقد تكرر ذلك في المناسبات المختلفة، وفي غير المناسبات، ولعل إخراج

فيلم سينمائي أخيراً في مصر اسمه (ناصر 56) وعرضه في (?) دار عرض في

وقت واحد يسير في هذا الطريق، أو لعله لإبراز وتلميع بقايا فلوله الذين لم يعد لهم

قبول شعبي، والعجيب: أن يتم ذلك بعد فضائح حكمه وهزائم جيشه خاصة عام

1967م، وفساد حاشيته.

لكن عندما تضعف ذاكرة أفراد الأمة يستطيع المتاجرون بالفن والقيم التلاعب

بعواطفها وقلب الحقائق، ليصنعوا من الأقزام عمالقة وأبطالاً.

الاستبداد والتجبر:

من سمات هؤلاء الحكام: قسوة القلب، وحب السلطة والظهور، وهكذا كان

أتاتورك جباراً وطاغية، يقول: (سوف أجعل كل إنسان ينفذ رغباتي ويطيع

أوامري، ولن أقبل نقداً أو نصيحة، سأسير في طريقي الخاص وسوف تنفذون أنتم

جميعاً ما أريده دون مناقشة) [9] .

ويقول عبد الناصر نظير هذا الكلام: (اسمع يا فريد ... أقول لك اللي في

نفسي واخلص.. أنا عندي فكرة مستوْليّة عليّ، ولا أعرف بأن كانت غلط ولا

صح! ! .. إنما أنا عايز في خلال سنتين.. ثلاثة، أَوْصَل إلى أني أضغط على

زر البلد تتحرك زي ما أنا عايز.. وأضغط على زر البلد تقف! !) [10] .. وقد

كان، وتم له ذلك فيما بعد.

واتسمت فترة حكمه كلها بالطغيان والاستبداد، واعتقال الآلاف، والمحاكمات

الصورية، والسجن والإعدامات، ولم تنجُ فئة من ذلك أبداً، وإن كان للإسلاميين

النصيب الأوفر: (فلقد استطاعت (الثورة) القضاء على كل معارضيها، حتى

هؤلاء الذين شاركوا في صنع الثورة، ولا اعتراض على أي قرار تتخذه الحكومة،

فالكل يصفق للقرار، ويصفق لإلغائه، طالما أنه من السلطة ... فلم يعد في مصر

صحافة ولا برلمان له رأي أو صوت، ولا مجلس وزاري له حق النقاش) [11] .

ولا يقف الكلام عن عبد الناصر عند حد معين، ولقد تكلم فيه كثيرون:

زملاؤه السابقون في الجيش، أو الثورة، أو الحكم.. أصدقاؤه.. معارفه [12] .

وعبر عن شخصيته في هذا المجال (مايلز كوبلاند) : فقد (سئل مرة، إذا خُيّر

عبد الناصر بين التنازل عن السلطة أو دمار مصر؟ ، فقلت: بلا تردد سيختار

البقاء في السلطة) [13] .

تقديم الخدمات لأعداء الإسلام:

قدم أتاتورك خدمات عظيمة لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى في مجالات

كثيرة، أهمها: إلغاء الخلافة، وفصل الدين عن الدولة، والاتجاه الحاد نحو

التمكين للعلمانيين.

وكذلك فعل عبد الناصر، أو هكذا نَفّذ ما طُلب منه بعناية فائقة سواء ما

يختص بمصر فقط، أو المنطقة العربية، أو ما يتعلق بالقضية الفسلطينية،

ونخص بالذكر الخدمات والمكاسب التي حققها لليهود، وبإيجاز:

1-مقتل البطل أحمد عبد العزيز:

وهو قائد الفدائيين في حرب فلسطين، وكان أعد خطة للاستيلاء على القدس

التي حاصرها بعشرين ألف فدائي، وفي اليوم السابق للهجوم، ذهب إليه (صلاح

سالم) زميل عبد الناصر في الثورة، وعند معسكر عبد الناصر، أطلق عليه

الرصاص من جهة (صلاح سالم) ، ولم تتم له إسعافات طبية حتى فارق الحياة،

وفشل بالتالي الهجوم (?) .

2- حرب 1956م، 1967م:

حيث الهزيمة والخسائر الفادحة في الأموال والعتاد والأرواح بدور عبد

الناصر الرئيس في ذلك [15] .

3- حرب اليمن عام 1964م:

حيث أُنفقت الأموال الطائلة، وقتل أكثر من 100.000 من الجيش

المصري، هذا إلى جانب خسائر العتاد والأسلحة، وإلى جانب الخسائر في الجانب

اليمني، وإشعال فتنة الانقسامات والحروب بين الأمة.

4-الوحدة الفاشلة مع سوريا:

والتي كانت مثالاً على استبداد عبد الناصر وسفهه وسوء تدبيره في الإنفاق

والسياسة هو وزمرته، وتم أثناءها استصلاح وردم بحيرة الحولة، بعد أن منع عبد

الناصر القوات المسلحة من التعرض للقوات الإسرائيلية، كما كان يحدث قبل هذه

الوحدة.

ولا نريد أن نستطرد أكثر من هذا؛ فغيرها كثير، وقد ذكرنا بعض الأمثلة

فقط للدلالة على ما نقول.

آثار الحكم:

لم يتوقف التغيير والإفساد على فترة حكم أتاتورك، بل أمتدت إلى ما بعد

موته حتى الآن، بل كثيراً منها يُحمى ويُفرض بقوة القانون.

أما عبد الناصر فالتغيير الذي تم في عهده امتد وزاد وانتشر بشكل عجيب،

وشمل معظم المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والزراعية.. وغيرها،

وأهم التغييرات: التغيير الاجتماعي والنفسي في تركيبة الإنسان المصري، ولولا

ضيق المكان لأفسحنا لذلك كلاماً مستقلاً، ويمكن الرجوع بشأنه إلى الكتب

المختصة [16] ، وبنظرة تأمل واحدة إلى الواقع؛ فسنرى فرقاً هائلاً بينه وبين ما

قبل عبد الناصر

وللبيان كلمة:

حقيقة نشكر الكاتب على تجشمه عناء المتابعة والربط بين شخصيتين من

أخطر ما مر بتاريخ الإسلام المعاصر، حيث كان لهما من الآثار السلبية والجهود

الكبرى والمحاولات المتتابعة لوأد الإسلام وتغريب مجتمعاته، إلا أن الله أبطل

كيدهم وجعل عاقبة المحنة التي مرت بالإسلام ودعاته في عهديهما خيراً..

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت ... أتاح لها لسان حسود

والحقيقة: إن اتهام (عبد الناصر) أو غيره بأنه يهودي أو من أصل يهودي

ينبغي ألا يعوّل عليه كثيراً؛ فإنه ينبغي أن يُنظر إلى الأعمال ذاتها بغض النظر

عن أصل صاحبها ونسبه، كما أن ما حصل من كيد ومكر ضد الإسلام ودعاته

سواء أكان من رجل مسلم أو من متظاهر بالإسلام له دلالته على إبطال كيد الكائدين، إذ لا يمكن أن تكون العاقبة النهائية: فلاح تلك الجهود في أداء أدوارها؛ لأن الله

ناصر دينه ومعلي كلمته، ومن يكيد للإسلام سيفضحه الله جزاءً وفاقاً، سواء في

دنياه أو في أخراه، ولكن.. هل يتعظ أعداء الدين والمتربصون به وبدعاته ... السوء؟ ، هل يعقلون ذلك أم إنهم لا يعقلون؟ .. [وَلَقَدْ ذَرَاًنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ] [الأعراف: 179] .

- البيان -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015