شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته
حول الانتفاضة
حوار مع وفد مسلمي بريطانيا
في الفترة الواقعة بين 12-18 آذار (مارس) قام وفد من المسلمين البريطانيين
[المكون من: إبراهيم هيوت، وسليمان إيتم، وموسى باترسون، وعيسى دربي،
ومحمد عطاء الله، وعبد الله باول، وعبد الرحيم غرين، وصاحب مستقيم بليهر،
برئاسة الأخ يوسف إسلام] بزيارة لتفقد أحوال المسلمين في فلسطين المحتلة،
وكانت فرصة طيبة لمجلة «البيان» أن تلتقي مع بعض أعضاء هذا الوفد: الأخ
يوسف إسلام والأخ إبراهيم هيوت لتنقل للقراء انطباعات هؤلاء الأخوة عما يعانيه
الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي، وما شاهدوه من أوضاعهم هناك.
وبعد الترحيب بهم وتهنئتهم بسلامة العودة كان هذا الحوار:
البيان: لاشك أن أحداثاً هامة جدت على الساحة الفلسطينية، هل كان ذلك
هو الدافع وراء زيارتكم لإخوانكم هناك؟
الأخ يوسف إسلام: لقد عزمنا على زيارة فلسطين إثر مشاهدتنا على شاشات
التلفزيون المعاملة الوحشية التي يعامل بها اليهود إخواننا وأخواتنا في الإسلام هناك، وخاصة بعد اقتحامهم المتكرر للمسجد الأقصى، لقد أثرت بنا تلك المناظر عميق
الأثر، حيث استحال بعد ذلك أن يقر لنا قرار، وأن نبقى عاجزين عن أي حركة،
لذلك صممنا على الذهاب إلى تلك البقاع، وزيارة إخواننا، وتقديم ما في طاقتنا من
مساعدة مادية أو معنوية.
أو على الأقل إحساسكم بضرورة إشعارهم بتعاطف ودعم إخوانهم خارج
فلسطين.
* نعم، مع أننا لم نكن نعلم في البداية أن الأخبار الخارجية تكاد تكون
معدومة، وقد تبين لنا فيما بعد أن اتصالهم بالعالم الخارجي ضئيل جداً، وأنهم
ليسوا على علم بما يجري خارج فلسطين، أو حتى في أماكن أخرى من فلسطين
نفسها، فالاتصالات الإذاعية والمنشورات الصحفية وغيرها معرضة لرقابة شديدة،
وكان علينا -كمسلمين بريطانيين نتمتع بما لا يتمتع به كثير من المسلمين وهو
حرية التنقل - أن نخترق هذا الطوق الحديدي، فنتصل بهم على أمل أن تطمئن
نفوسهم إلى أن لهم إخوة يشاطرونهم مشاعرهم.
أين أقمتم خلال هذه الزيارة؟
* لقد نزلنا في فندق بالقدس اسمه «مضافة الحجاج» وهو ملك لأحد
المسلمين، ثم انطلقنا من هناك في مختلف الاتجاهات.
هل يمكن أن تحدثونا عن جولاتكم هناك؟
* كان لنا برنامج عمل وضعناه، بمساعدة بعض الإخوة من الأوقاف (أوقاف
المسجد الأقصى) لقد قدموا لنا نصائح، ولأن الوقت قصير جداً فقد حرصنا على
استغلال كل دقيقة لزيارة أهم المناطق وتكوين فكرة عامة، فذهبنا إلى أمكنة كثيرة
في الضفة الغربية وغزة، ومسحنا مناطق: نابلس، رام الله، الخليل، أريحا،
الجليل.
لاشك أن الفلسطينيين يعانون كثيراً من الاحتلال الإسرائيلي فهل لمستم ورأيتم
شيئاً من هذه المعاناة؟
* لو نظرنا إلى الأمر نظرة عامة، فمنذ وصولنا تبين لنا بشكل واضح أن
اليهود يحاولون إحكام السيطرة على كل شبر، فلا يمكن لأحد أن يتحرك دون
ترخيص من اليهود، فالسيارات لها لوحات ملونة بألوان خاصة للتعرف ما إذا
كانت قادمة من الضفة الغربية أم لا، وليس باستطاعة أحد أن يتجول خارج الضفة
لأنه لو فعل ذلك لكان من السهل إيقافه، وهو معرض دائماً لمثل هذه الأسئلة: من
أنت؟ وإلى أين تقصد؟ وأين أوراقك الشخصية؟ ... الخ
وهم يسعون إلى إفساد برنامجك وخاصة إذا كنت مسلماً، عندما دخلنا وسط
الفلسطينيين رأينا تلك المنازل المتداعية الفقيرة، فسألنا عن أصحابها فعلمنا أنهم
مسلمون، فسألنا: لماذا لا يعاد بناؤها؟ فكان الجواب أنه ليس لهم الحق في إعادة
بنائها، ولو حاولوا الحصول على تصريح بإعادة البناء لما استطاعوا، حيث إنه
من رابع المستحيلات الحصول على هذا التصريح، فالعقبات الإدارية معقدة جداً،
وأخيراً وبعد ضياع وقت طويل يكون الجواب: لا، ليس لك الحق في البناء وقد
يحدث أن يحصل البعض على الموافقة، ولكن هذا صعب ونادر جداً.
إلى جانب ذلك ترى مدناً هائلة حديثة البناء ومجهزة بأحدث التجهيزات
والمرافق، وقد اختيرت لها الأماكن الاستراتيجية فبدت كالقلاع الحصينة فتسأل
عنها فيقال لك: إنها المستوطنات! كنا نظن أن المستوطنات عبارة عن مخيمات
مؤقتة متواضعة ولكن هذا الظن زال عندما رأيناها رأي العين، والأنكى من ذلك أن
هؤلاء الفلسطينيين الذين لا يسمح لهم بإعادة بناء بيوتهم المتهدمة هم الذين يبنون
تلك المدن المحصنة الحديثة (المستوطنات) ، إذاً ماذا يفعلون وقد سدت إسرائيل في
وجوههم كل طرق الرزق وألجأتهم إلى العمل في خدمتها؟ ! إن ما رأيناه من
مفارقات هناك غريب وخارق للعادة حقاً.
ومع كل هذا الوضع المأساوي ترى الجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح
يتبخترون بخيلاء وبطر ويضحكون من المسلمين وإذا رأوا أحداً فليس غريباً أن
يخاطبه أحدهم: هيه، أنت، خذ هذه الحجارة وارمها هناك، ونظف هذا المكان
وإذا خالفهم انهالوا عليه بالضرب وأنواع الإهانات!
لقد ذهبنا للصلاة في المسجد الأقصى، وعلى الرغم من فرحنا بذلك لكننا كنا
نشعر أننا محاصرون من كل جانب وخاصة يوم الجمعة، فعدسات التصوير
وكاميرات الفيديو منصوبة في كل جانب من جوانب المسجد الأقصى تراقب
المصلين والداخل والخارج، والجنود فوق السطوح وفي ساحة المسجد، والطائرات
العمودية تحوم حول وفوق منطقة الحرم، ومقابل المسجد تبدو الجامعة العبرية على
التل وقد نصبت فيها أجهزة التصوير وأجهزة التنصت، هكذا تحس طيلة وجودك
هناك أنك محاصر، وبعد الصلاة يبدأ الأطفال بالتكبير (الله أكبر) ثم الرجال ثم بعد
ذلك النساء، إنها مأساة إنسانية لا توصف وليس لها نظير في العالم تحدث كل يوم
جمعة، يلي ذلك هدير الطائرات العمودية وصوت آلات التصوير التي تلتقط صور
هذا المشهد.
ماذا عن السجون الإسرائيلية؟
* لقد ذهبنا إلى نابلس حيث وقعت اضطرابات كبيرة والتقينا مع بعض
الأخوة الذين كانوا في السجن فرووا لنا ما يجري في السجون وطبيعة المعاملة التي
لاقوها في السجن، لقد قضى بعضهم 16 عاماً وبعضهم 7 سنوات، وقد وصفوا لنا
سياسة التجويع التي تفرض عليهم في السحن، وكذلك حشر العدد الكبير في مكان
لا يتسع إلا لواحد فقط! لقد أغلقت المدارس وعطلت لتتحول إلى سجون، 8 آلاف
سجين باعتراف اليهود أنفسهم، هل تصدق؟ بالإضافة إلى الجنود الذين يعيثون
فساداً فيغيرون على المنازل ليلاً يكسرون النوافذ والأبواب ويحطمون الأثاث ثم
يذهبون ...
هل لاحظتم آثاراً للتوجه الإسلامي في الانتفاضة؟
* لاشك أن الإسلام يشكل محركاً أساسياً وقوياً لهذه الانتفاضة، فالشعب
الفلسطيني في غالبيته شعب مسلم ولابد له أن يستوحي عوامل الإصرار والصمود
في وجه العدو من عقيدته وثقافته، وقد كان المنطلق الأساسي لهذه الانتفاضة من
المساجد، وكذلك فإن ملاحظة شيوع الحجاب الإسلامي بين النساء هناك، في
الضفة وغزة تدل على أثر إسلامي واضح.
ما مظاهر التمييز التي يقوم بها اليهود ضد المسلمين؟
* هناك مؤسسة إسلامية في غزة تدير مأوى للعجزة وكبار السن وكان من
شأنها أن أمر الحاكم العسكري حظر جمع التبرعات لهذه المؤسسة، وأمر بإغلاق
المأوى وهكذا هام هؤلاء العجزة على وجوههم بدون مأوى ولا حماية، بينما رأينا
على مسافة أمتار قليلة من المأوى المغلق مؤسسة مسيحية لها كل صلاحيات التوسع
والتسهيلات، بل هناك منظمة شيوعية! أما إذا كان الأمر يتعلق بمنظمة إسلامية
فإن أشد القرارات وأكثرها إجحافاً تتخذ ضدها.
هل شعرتم أن موقفكم تبدل بعد اطلاعكم المباشر على الأحداث هناك؟
* نعم، تصورنا الأساسي لحقيقة اليهود تغير جذرياً، فقد كنت أظن - كمسلم
بريطاني - أن اليهود ليسوا بهذه الصورة من الفظاعة، ولكن بعد أن رأيتهم بأم
عيني فيمكن أن أعتبرهم أقسى الناس قلوباً وأشدهم وحشية، وإلا فما جريمة العرب
المسلمين في فلسطين تجاه اليهود، هل نكلوا بهم كما فعل فيهم في دول أوربا؟
وهل كانت فلسطين في أيديهم فجاء الفلسطينيون فانتزعوها منهم؟ ! أم أن جريمة
أهل فلسطين أنهم من حملة رسالة آخر الأنبياء محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى
البشرية.
إنهم يقدمون أنفسهم إلى الغرب على أنهم هم الدولة الديموقراطية الوحيدة في
الشرق الأوسط في حين أن كل الدول المحيطة بها دول دكتاتورية!
* إن الدعاية السياسية الرهيبة والتي يتحكمون بها هي التي تجعل الغربيين
يتقبلون هذا التزوير، وإن أفضل طريقة لمقارعة اليهود هي الإسلام، لا السياسة
ولا الدعاية، ولا المال، الإسلام فقط، فهو أكبر خطر يتهددهم ويرعبهم.
هل الدوافع التي تجعل مسيحي الغرب يقدمون المساعدات الكبيرة لليهود هي
اشتراكهم في ثقافة واحدة أم هو التعصب ضد المسلمين والتأثر بدعايات اليهود؟
* إننا نعتقد أن هذا التآمر من قبل اليهود والذين يدعمونهم ليس إلا استمراراً
للحروب الصليبية والحملات الاستعمارية ضد المسلمين، وهي شكل جديد يعتمد
على تجزئة العالم الإسلامي وتفتيته، وهي حلقة من المخطط العام، وهم بزرعهم
إسرائيل في فلسطين تمكنوا من طعن العالم الإسلامي في الصميم، وجعلها عامل
عدم استقرار دائم يستنفذ الطاقات وينشر الفتن، وإن مشكلة فلسطين تبقى المشكلة
المركزية للعالم الإسلامي، ولا تقارن أي مشكلة إسلامية أخرى بها أبداً.
بالنسبة لك كمواطن بريطاني تمكن من زيارة فلسطين ما هي رؤيتك لدورك،
أنت وبقية المسلمين هنا في بريطانيا؟
* أولاً: إطلاع الناس على مشاهداتنا، والتعبير عن مشاعرنا، وذكرياتنا مع
إخواننا الواقعين تحت الهيمنة الإسرائيلية والمحاصرين من كل جانب، وسنحاول
مساعدتهم على قدر طاقتنا عن طريق جمعيتة الإغاثة الإسلامية، وعن طريق إلقاء
المحاضرات والتصريحات.
هل كانت لكم مناقشات مع بعض الإخوة، وهل قدموا لكم بعض الآراء؟
* لقد حدثونا عن تجاربهم المريرة تحت نير الاحتلال وما يتعرضون له من
محن. فالحياة اليومية عندهم صراع دائم من فقد أبنائهم ومن إتلاف متاعهم، ومن
سوء المعاملة التي يلقونها من العدو، وكأن لسان حالهم يطلب أن ننقل هذه الصور
السوداء عن معاناتهم إلى ما وراء حدود فلسطين، إلى جميع بلدان؟ ! العالم، فهم
مدركون لأثر النشاط الإعلامي، وهاهم اليهود يستغلون كل الأكاذيب وكل أساليب
الدعاية من أجل أن يلفتوا نظر العالم إليهم.
نتقدم بالشكر لأعضاء وفدكم الكريم، ونحيي فيكم هذا الاهتمام بأوضاع
المسلمين في فلسطين المحتلة، ونرجوا من الله سبحانه وتعالى أن نلتقي دائماً على
ما فيه مصلحة المسلمين وعزتهم. وأن تكون أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.