المسلمون والعالم
جماعة الأحباش..
حقيقتهم وآراؤهم
بقلم: عبد الرحمن بن عبد الله الحجاج
لا شك أن الابتداع في الدين قد ذمته نصوص السنة صراحة ونصوص الكتاب
ضمناً، والبدعة مذمومة ذم الكفر إذا كانت مكفرة، وذم الفسوق والعصيان إذا كانت
أدنى من ذلك، ومن عموم النصح للمسلمين: تعرية الفرق والجماعات والمذاهب
المبتدعة، وكشف عقائدهم الباطلة.. ومن تلك الجماعات: جماعة الأحباش، التي
سوف نستعرض في هذه المقالة واقعها وما هي عليه من الضلال والانحراف.
أولاً: تاريخ ونشأة الأحباش:
ينتسب الأحباش إلى شيخهم عبد الله الهرري الحبشي، والهرري نسبة إلى
بلاد (هرر) في الحبشة، وينسب نفسه إلى بني عبد الدار، وقد جاء إلى بلاد الشام
سنة 1370هـ (1950م) [1] تقريباً.
وقد بدأ في نشر عقيدته الفاسدة في سوريا، حيث وجد بعض القبول عند
بعض مشايخ الطرق الصوفية، وقد تصدى للحبشي وأفكاره المنحرفة الشيخ (محمد
ناصر الدين الألباني) ، فإن له عدة ردود عليه ومقالات في نقده، أهمها: كتاب
(تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره) ، وكتاب (الرد على التعقيب الحثيث) ،
حيث رد فيهما على الحبشي، وبيّن قلة علمه في الحديث.
ولما لم يجد الحبشي في سوريا أرضاً خصبة لترويج عقيدته الفاسدة وأفكاره
المنحرفة، انتقل إلى لبنان واستغل ظروف اضطراب البلاد في حربها الأهلية
الأخيرة بعد عام 1975م، واتخذ من بيروت مستقراً له في منطقة (برج أبي حيدر) ، ثم أخذ يتردد على طرابلس، ويجالس الناس في المقاهي، ويجمعهم حوله،
ويؤول لهم الرؤى والأحلام، ويروي لهم القصص، فاجتذبهم من هذا الباب؛ حيث
إن عوام الناس بطبعهم يحبون القصص والقصاصين والخرافة وتفسير الأحلام.
وبهذا الأسلوب تزايد أتباعه، وخاصة أن في مذهب الأحباش ما تشتهيه
الأنفس المريضة من اللهو واللعب، بل إن كل مريد يجد مراده في هذا المذهب،
فمريد التصوف والخرافات يجد مراده، ومريد الانحراف الخلقي يجد بغيته بما
ستراه من تأويلات باطلة، وكل صاحب هوى يجد شهوته.
ويزعم الأحباش أنهم أهل السنة والجماعة! وهم أبعد الناس عنها، بل هم
أعداء السنة الذين يكيدون لها، وقد حذر منهم كثير من أهل العلم، منهم: الشيخ
الألباني، كما ذكرنا سابقاً، والشيخ عبد العزيز بن باز، حيث يقول: (إن هذه
الطائفة معروفة لدينا، فهي طائفة ضالة، ورئيسهم المدعو عبد الله الحبشي معروف
بانحرافه وضلاله، فالواجب مقاطعتهم وإنكار عقيدتهم الباطلة، وتحذير الناس منهم، ومن الاستماع لهم، أو قبول ما يقولون) [2] .
وقد صدرت بعض الكتب للرد على هذه الطائفة الضالة، منها:
(الرد على الشيخ الحبشي) ، عثمان الصافي.
(استواء الله على العرش) ، أسامة القصاص.
(الاستواء بين التنزيه والتشويه) ، عوض منصور.
(إطلاق الأعنة في الكشف عن مخالفات الحبشي للكتاب والسنة) ، للهاشمي.
(الرد على عبد الله الحبشي) ، عبد الله محمد الشامي.
(بين أهل السنة وأهل الفتنة) ، عبد الله الشامي.
(شبهات أهل الفتنة وأجوبة أهل السنة) ، عبد الرحمن دمشقية.
(موسوعة أهل السنة في نقد أصول وشبهات أهل البدعة) ، وهو كتاب ضخم، يقع في حوالي خمسمئة صفحة، لم يصدر حتى الآن، لعبد الرحمن دمشقية.
ثانياً: عقيدة الأحباش:
عقيدة الأحباش عقيدة فاسدة مباينة لعقيدة أهل السنة والجماعة، وهي خليط
من عقائد الفرق الضالة، وهي عقيدة متناقضة، وتتضح معالم الانحراف والضلال
لديهم فيما يلي:
1- صفات الله (عز وجل) :
ينفي الأحباش جميع الصفات التي وصف الله (جل وعلا) بها نفسه، ولا
يثبتون إلا ما تتخيله عقولهم القاصرة، زاعمين أنهم بِرَدِّ هذه الصفات الواردة في
الكتاب والسنة ينزهون الله، وهم يُكَفِّرُون كل من يثبت هذه الصفات لله، ويتهمونه
بأنه مشبه ومجسم.
وللأحباش طريقة عجيبة في نفي صفات الله (جل وعلا) أو كما يقولون:
لتنزيهه، وذلك بمقارنته بالمخلوق، فيقولون: المخلوق له يد، فالله منزه عن اليد،
والمخلوق له قدم، فالله منزه عن القدم، والمخلوق له عينان، فالله منزه عن العينين، ويتجاهلون أن الله ليس كمثله شيء، وأن صفاته ليست كصفات المخلوقين،
فإثبات هذه الصفات كما يليق بجلاله لا يستلزم تمثيله بمخلوقاته.
وقد وصل الأمر بالأحباش إلى كلام عن اللسان والحنجرة والأسنان، بل إلى
الإليتين! ! ، فقالوا: (إذا قلنا: إن الله مستو على العرش، فمعنى ذلك أن له
إليتين) [3] ، انظر إلى هذه الجرأة في حق الله (جل وعلا) وإلى هذا الجهل ... المطبق.. [سبحانه وتعالى عما يقولون علوَْا كبيرْا] .
ويقوم الأحباش بنفي بعض الصفات عن الله (تعالى) تفصيليّاً بطريقة بدعية،
ويقارنون ذات الله بذوات المخلوقين، فيقولون: الله ليس كالرجل الضخم، الله
ليس كذا وكذا، مما يطبع في ذهن السامع صوراً وأشكالاً وتفكراً في ذات الله
(سبحانه وتعالى) ، وقد ورد عن ابن عباس (رضي الله عنه) موقوفاً، وروي
مرفوعاً إلى النبي: (تفكروا في خلق الله، ولا تفكروا في الله) [4] .
والمعلوم أن طريقة القرآن في الغالب هي أن نفي النقائص عن الله يكون
مجملاً، وإثبات الكمال لله يكون مفصلاً، بخلاف طريقة أهل البدع التي تقوم على
النفي المفصل والإثبات المجمل، وأيضاً: إن هذا النفي المفصل والذي يسميه
الأحباش تنزيهاً يعتبر ذمّاً وليس مدحاً؛ فلو قلت لرجل: أنت لست سارقاً ولا زانياً
ولا كلباً ولا قذراً.. إلخ.. ألا يغضب هذا الرجل، ويعتبر هذا التنزيه عن هذه
النقائص ذمّاً؟ ، فكيف بمقام رب العالمين، (سبحانه وتعالى عما يقولون علوّاً
كبيراً) .
وقد أورد الله (تعالى) في كتابه العظيم هذا النفي مجملاً، فقال: [هَلْ تَعْلَمُ لَهُ
سَمِياً] [مريم: 65] ، وقال: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ] [الشورى: 11] ، وقال: ... [لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (?) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ] [الإخلاص: 3، 4] .
ولكن أنّى لهم أن يفقهوا العقيدة الصحيحة في الله (تعالى) ، وفاقد الشيء ... لا يعطيه.
2- توحيد الله (جل وعلا) :
التوحيد عند الأحباش هو توحيد الربوبية فقط، وهو توحيد الله بأفعاله،
كالاعتقاد بأن الله هو الخالق الرازق.. وقد تأثروا في ذلك بالفلاسفة والمتكلمين،
وهذا التوحيد آمن به حتى مشركو قريش، يقول (تعالى) : [وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ] [العنكبوت: 61] ويقول:
[وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ]
[العنكبوت: 63] ، ولكن هذا التوحيد لم يكتمل لديهم، ولو اكتمل لم ينفعهم؛ لأنه
يلزم معه توحيد الألوهية، وهو توحيد الله بأفعال العباد، كالدعاء، والاستغاثة،
والاستعانة، والاستعاذة..
والأحباش هم أعظم الناس نقضاً لتوحيد الألوهية؛ حيث أباحوا الشرك الأكبر، كدعاء الأولياء، والأموات، والاستغاثة بهم.. وفي هذا يقول شيخهم: (الاستغاثة
بغير الله والاستعانة لا تعتبر شركاً، كما زعم بعض الناس، فلو قال قائل: يا
رسول الله.. المدد! ، فهو صار كافراً عندهم) [5] ويقول: (إني لأعجب من
هؤلاء الذين يكفرون المسلمين لمجرد التمسح بقبر وليّ أو قولهم: يا رسول الله
المدد) [6] ، وقال شيخهم عن حكم من يستغيث بالأموات ويدعوهم، كأن يقول: يا
سيد يا بدوي أغثني، يا سيدي دسوقي المدد.. فقال: (يجوز ذلك، فإنه يجوز
أغثني يا بدوي، ساعدني يا بدوي) فقيل له: إن الأرواح تكون في برزخ معين،
فكيف يستغاث بهم وهم بعيدون؟ فأجاب بقوله: (الله (تعالى) يكرمهم بأن يسمعهم
كلاماً بعيداً وهم في قبورهم، فيدعون لهذا الإنسان وينقذه، وأحياناً: يخرجون من
قبورهم فيقضون حوائج المستغيثين بهم، ثم يعودون إلى قبورهم) [7] .
وهذا والله من أعظم الشرك والعياذ بالله، وكأنهم لا يقرؤون قول الله (تعالى) : [وَأَنَّ المَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً] [الجن: 18] ، وقوله (تعالى) : ... [إن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ القِيَامَةِ يَكْفُرُونَ
بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ] [فاطر: 14] ، وقوله عن رسول الله: [إنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتَى] [النمل: 80] ، وقوله (تعالى) على لسان رسوله: [قُلْ إنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَراً وَلا رَشَداً] [الجن: 21] ، [قُل لاَّ أََمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَراً إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إنْ أَنَا إلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ] [الأعراف: 188] .
ثم: ألا يعلم هؤلاء أنهم بهذا الدعاء يعبدون موتاهم؟ ! ، كما أخبر (عليه
الصلاة والسلام) بقوله: (الدعاء هو العبادة) [8] ، وقوله: (إذا سألت فاسأل الله،
وإذا استعنت فاستعن بالله) [9] .
3- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسنته:
عقيدة الأحباش في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقيدة غريبة عجيبة،
فهم غلاة في مواطن، وجفاة في مواطن أخرى؛ حيث يستغيثون به، ويطلبون منه
المدد والعون، ويجعلون ذلك من القربات ومن دواعي محبته، بل من لوازمها
أحياناً، فهم مخالفون معاندون لأمره وهديه -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال:
(لا تطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله
ورسوله) [10] ، وعندما قال أحد أصحابه: ما شاء الله وشئت، قال: (جعلتني لله
عدلاً، ما شاء الله وحده) [11] .
ومن جهة أخرى: فالأحباش مجحفون في حقه -صلى الله عليه وسلم- بعدم
اتباعهم هديه، ثم بقولهم وإعلانهم أنه يكفي أن يصلي المسلم على النبي -صلى الله
عليه وسلم- مرة واحدة في عمره كله.. وأهل السنة والجماعة الذين يدعي هؤلاء
أنهم منهم يقولون بمشروعية وتأكيد الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- في مواطن
كثيرة، وأن تاركها آثم، وخاصة عند ذكره -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال:
(رَغِمَ أنف رجل ذُكرت عنده فلم يصلِّ عليّ) [12] ، وقال أيضاً: (البخيل من
ذكرت عنده فلم يصلِّ عليّ) [13] ، والأحباش مخالفون لسنته -صلى الله عليه
وسلم- أشد الخلاف، ولهم شغف بالبدع، كبدعة الاستغاثة به -صلى الله عليه
وسلم-، وبدعة الاحتفال بالمولد النبوي، وهذه من ضروريات مذهبهم، وهم
يحتفلون بها على أكبر نطاق، ويقيمون لذلك صالات الاحتفالات الكبيرة،
ويحتفلون بالمناسبات البدعية التي ما أنزل الله بها من سلطان، ويملؤون الشوارع
بإعلاناتهم لذلك، بل إنه في بعض البلاد ينقل التلفزيون هذه الاحتفالات باسم
الإسلام.
ولا يكتفي الأحباش بهذه البدع، بل تعدى ذلك إلى خرافات المتصوفة
وانحرافاتهم، فهم أي الأحباش يعظّمون أئمة يعظّمون أئمة التصوف الزنادقة،
ويترضون عنهم، ويطعنون فيمن يتكلم فيهم بسوء، ويتهمونه بأنه يكفّر علماء
المسلمين [14] .