مجله البيان (صفحة 2357)

بأقلامهن

بارك الله لكِ

بقلم:نجوى الدمياطي

ابنتي الحبيبة.. هذه الكلمات هي هديتي لكِ في يوم من أجمل أيام العمر الذي

تحلم به كل فتاة، إذ هو سنة الحياة، وحكمة الله (تعالى) في بقاء النوع الإنساني وبناء الرابطة الزوجية على المحبة والمودة.. إنه يوم بنائك (بيت الدعوة) .. وهي هدية أرجو الله (عز وجل) أن يكون قبولك لها قبول استجابة وعمل، يحقق لكِ به الحياة الطيبة والسعادة الدائمة، ويرزقك الله بها السكينة والمودة والرحمة التي أرادها الله لعباده من الزواج.. فليس هناك حياة أسعد وأقر من حياة تُبْنى على الإسلام، وتضبط علاقاتها شريعة السماء..

ابنتي الحبيبة..

إن غايتك في الحياة هي رضا الله، ووسيلتك إلى هذه الغاية هي (توحيد

المشرّع ومتابعة رسوله المبلغ) ، وهذا يعني: أن تقبلي شرع الله وترفضي كل

شرع سواه، وتكون كل خطوات حياتك تبعاً لرسول الله..

ولقد رغّب الله في الزواج، وأخبر أنه من آياته (سبحانه) : [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ

خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً] [الروم: 21] ، وقال (سبحانه) في وصف رسله: [وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ

أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً] [الرعد: 38] ، بل مدح الله أولياءه بسؤال ذلك في دعائهم: ... [وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ] [الفرقان: 74] .

كما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رغّب في الزواج، وجعله من

سننه، فقال: (النكاح سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني ... ) [1] ، وقال:

(من رغب عن سنتي فليس مني) [2] .

ومن هنا ابنتي الحبيبة: فإن زواجك قبول لشرع الله، ومتابعة لرسول الله -

صلى الله عليه وسلم-، وممارسة لعبادة الله في الزواج، وعبادته في الإنسال،

وعبادته في إقامة الحياة وفق شريعته ودينه.

ابنتي الحبيبة:

إذا كان واجب العبودية لله هو أول واجباتك، فإن أهم واجباتك بعده: أن

تكوني سنداً لزوجك وسكنا له، كما أمر ربك: [هُوَ الَذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ

وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا] [الأعراف: 189] .

فكوني ابنتي سنداً لزوجك: بعونه على أداء رسالته التي حُمِّلها في الحياة،

واجعلي سكنه إليك دافعاً لانطلاقته القوية فيها، واعلمي ابنتي الغالية أن المرأة إذا

تزوجت كان زوجها أَمْلَك لها من أبويها، وكانت طاعة زوجها أوجب.. وهذه

عائشة (رضي الله عنها) حين يخبرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقول لها:

(إني ذاكر لك أمراً، فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك) ، فتقول (رضي

الله عنها) :.. ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار ... الآخرة) [3] .

فاجعلي يا ابنتي الحبيبة عائشة (رضي الله عنها) قدوتك، واعلمي أن طاعتك

لزوجك هي طاعة لله وقربة إليه، تعتزين بها وتحرصين عليها؛ لأن مما تحرص

عليه المرأة الصالحة: ما أخبر به رسول الله: (إذا صلت المرأة خَمسها،

وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من

أي أبواب الجنة شئتِ) [4] .

ابنتي الحبيبة:

اعلمي أنه كما أن من صفات الزوجة الصالحة: أنها إن (أمرها زوجها

أطاعته) ، فإن من صفاتها أيضاً: أنها (إن نظر إليها سرّته) .. فاحرصي أن

تكوني لزوجك (تحقيق السرور) ، واعملي على أن يراك (شريك الحياة)

جميلة دائماً، وتزيني الزينة المباحة، فلك لبس الحرير والذهب، قال: (حُرّم

لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم) رواه الترمذي [5] ، ولكِ

لبس الفضة وأنواع الجواهر.. كما أن من الزينة المباحة: وضع الطيب والكحل

واستعمال الحناء..

ومما يحرم من ذلك: ما يمنع نفوذ الماء إلى مواضع الوضوء، من الأصباغ

وطلاء الأظافر.. فاحذريها يا ابنتي، واحذري كل زينة محرمة، مثل: وصل

الشعر، وما يسمى (الباروكة) ، أو الوشم، أو النمص، أو تفليج الأسنان..

فكل ذلك محرّم، توعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاعلته بسوء العقاب،

فقال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة) [6] ، كما لعن

رسول الله: (المتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله) [7] ..

فكل ذلك حرام، سواء أصُنع بإذن الزوج أو بغير إذنه، ذلك أن الزوج لا يحل

حراماً.

ابنتي الغالية..

إن بيتك هو المكان الذي تجدين فيه حقيقة نفسك، وتدركين فيه عظمة دورك.. فليس هناك سكن إلا أن توجِده امرأة بإذن الله، ولا يكون له عطر إلا أن تطلقه

زوجة، ولا يشع فيه حنان إلا أن تتولاه أم، ولذلك كان أمر الله: [وَقَرْنَ فِي

بُيُوتِكُنَّ] [الأحزاب: 33] ، وهو أمر لا يعني ملازمة البيوت وعدم الخروج منها

مطلقاً، وإنما يعني أن يكون البيت هو الأصل، والخروج هو الاستثناء الطارئ.

فاجعلي ابنتي بيتك هو أصل حياتك، ولا تغادريه إلا لحاجة، فإذا خرجتِ فلا

يكون ذلك إلا بإذن زوجك، فإذا إذن لك الزوج بالخروج، فليكن لباسك (الحجاب

الشرعي) الذي يستوعب جميع بدنك، ولا يصف جسمك، ولا يشف عنه،

واحذري أن يكون به طيب أو يكون ثوب شهرة، أو أن يحتوي على صور لما فيه

روح أو صور صلبان، واحرصي ألا يشبه لباس الكافرات أو لباس الرجال.. فإذا

خرجت إلى الشارع فلا تستعطري؛ فإنه محرّم، وليكن مشيْك مهذباً يحفظ عليك

وقارك ودينك..

ابنتي الحبيبة..

إن الإنسان مدنيّ بالطبع، يحب أن يعيش مع الناس وفي قلب مجتمع،

فاحذري ابنتي الوقوع في شبكة العلاقات الاجتماعية المزيفة التي لا تكترث

بالمعاصي ولا تصغي إلا للشيطان، واجعلي علاقاتك الاجتماعية على أساس من

الإسلام وفي دائرة الاهتمامات الإسلامية..

واجعلي لك صحبة طاهرة من صواحب القلوب المؤمنة والنفوس المجاهدة،

كما أوصانا ربنا (عز وجل) : [وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ

وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ

أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً] [الكهف: 28] .

وحاولي ابنتي أن يكون لك دور في توعية صاحباتك، واجعلي لهن جلسة

تحاولين فيها معاً التواصي بالحق والتواصي بالصبر، والارتقاء فكريّاً وأخلاقيّاً عبر

التعلم والتحاور.. واعلمي ابنتي أن جماع الخير في الحوار قد ذكره النبي -صلى

الله عليه وسلم- في أربعة أحاديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل

خيراً أو ليصمت) [8] ، وقوله: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) [9]

وقوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) [10] ، وقوله:

(لا تغضب) [11] .

واعلمي ابنتي أن المرأة والرجل أمام مسؤولية الدعوة إلى الله سواء، قال

(عز وجل) : [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ

وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ] [التوبة: 71] .. فأنت ابنتي الحبيبة الشق الآخر لزوجك،

تقفين على ثغر من ثغور الإسلام يناسبك ويحقق هدف الدعوة.. بل إن قيامك

بالدعوة إلى الله يجعلك لوناً منسجماً مع صبغة حياتك، مع زوجك، ويفجر ينبوعاً

للحب لا يجف بينك وبينه..

ابنتي الحبيبة..

إن للمرأة دور الأم الذي يربطها بالبيت، ولها دور الزوجة الذي يعطي لبيتها

الشأن الأكبر في حياتها.. ولكن لها دوراً أيضاً في مجتمعها الذي تعيش فيه صاحبة

فكرة وحاملة رسالة، تعمل من أجل تغيير الواقع الفاسد، ليكون واقعاً إسلاميّاً

صالحاً..

فكوني ابنتي زهرة المجتمع الذي تعيشين فيه، فلا يسمع منك إلا أطيب الكلام، ولا يرى منك إلا أحسن الفعال..

فإذا شعرت بغربتك بين نساء عصرك: فاقتدي بالصحابيات الجليلات خديجة، وعائشة، وأسماء ...

واذكري كيف كانت خديجة صورة للزوجة المجاهدة بالنفس والمال..

وتأملي كيف كانت أسماء صورة أخرى للزوجة المؤمنة المجاهدة مع بطلها

الزبير، وقولي كما قالت: (إن جنتي في إيماني، وإن إيماني في قلبي، وإن

قلبي ليس لأحد عليه سلطان إلا الله) .

ابنتي الحبيبة..

لقد نشأ بيتك ببذرة الحب التي وضعها الله في قلبك وقلب زوجك، ونسمة

المودة والرحمة التي جعلها (سبحانه) بينكما.. فحافظي على هذا البيت، واجعلي

الحب والصفاء في القلب والنفس هتما أساسه الذي يقوم عليه، وكوني لزوجك سكناً

وسنداً: تعيشين همه وتحفظين سره، تهتمين بما يحمل بين جنبيه من نفس، وليس

بما يحمل بين يديه من نفيس.. تساهمين معه في الدعوة إلى الله، وتعملين معه

على إزالة غربة الإسلام، وقد أوصى بذلك قدوتنا، فقال: (إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء. قيل: من هم يا رسول الله؟ ، قال:

الذين يصلحون إذا فسد الناس) [12] .

أسأل الله لكِ التوفيق والبركة.. و.. بارك الله لكِ،،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015