مجله البيان (صفحة 2331)

دراسات شرعية

من أحكام اللباس

بقلم:عبد الله الإسماعيل

من قواعد الشريعة المقررة: أن الأصل في الألبسة الحل، ما لم يرد دليل

المنع [1] ، والأدلة على هذا الأصل كثيرة، منها قوله (تعالى) : [هُوَ الَّذِي خَلَقَ

لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً] [البقرة: 29] ، وقوله (تعالى) : [قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ

اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ] [الأعراف: 32] .

فيكون البحث إذن فيما نهى عنه الشرع فيجتنب، وما عداه فيبقى على أصل

الإباحة.

ما نهى عنه الشرع من الألبسة:

أولاً: ما فيه تصاوير ذوات الأرواح وتصاليب: ويكثر في ألبسة النساء

والأطفال، وهذه يحرم بيعها وشراؤها ولبسها، إلا بشرط الطمس أو الإزالة.

والأدلة على هذا كثيرة، ومنها:

1- عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: سمعت النبي -صلى الله

عليه وسلم- يقول: «إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون» [2] .

2- عن عائشة (رضي الله عنها) أنها اشترت نمرقة [3] فيها تصاوير، فقام

النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يدخل، فقلت: أتوب إلى الله، ماذا أذنبت؟ !

قال: ما هذه النّمْرقة؟ قلت: لتجلس عليها وتوسدها، قال: إن أصحاب هذه

الصّور يعذبون يوم القيامة، يُقال لهم: أحيوا ما خلقتم، وإن الملائكة لا تدخل بيتاً

فيه الصورة « [4] .

3- عن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن

يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه» [5] .

ثانياً: الإسبال:

طول الثوب للرجل له أربع حالات:

الحالة الأولى: أن يكون سنّة، وهو نصف الساق.

الحالة الثانية: أن يكون مباحاً، وهو ما دون نصف الساق إلى الكعبين

(الكعب: العظم النّاتئ عند ملتقى الساق والقدم) .

الحالة الثالثة: أن يكون حراماً، وهو ما أسفل من الكعبين.

الحالة الرابعة: أن يكون أشد حرمة، وهو أن يجرّه خيلاء.

ودليل هذا التفصيل: حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً: «إزْرَة المؤمن إلى

نصف الساق، ولا حرج فيما بينه وبين الكعبين، ما كان أسفل من الكعبين فهو في

النار، من جرّ إزاره بطراً لم ينظر الله إليه» [6] .

وفي هذا الحديث تفصيل للحالات الأربع السابقة، وفيه أيضاً: أن الإسبال

محرم وإن كان بدون خيلاء، بل عدّه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الخيلاء،

فقال لجابر بن سليم (رضي الله عنه) : «إياك والإسبال؛ فإنها من المخيلة، وإن

الله لا يحب المخيلة» [7] .

وبقيت حالة لم تذكر في الحالات الأربع؛ وهي وضع الإزار على الكعبين،

وهي صورة محرّمة؛ لقوله: «موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعَضَلَة، فإن

أبيت فمن وراء الساق، ولا حقّ للكعبين في الإزار» [8] .

وهذا الحكم خاص بالرجال كما تقدم، أما النساء: فالإسبال في حقهن مشروع؛ لحديث ابن عمر (رضي الله عنهما) ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه

وسلم-: «من جرّ ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه» ، قالت أم سلمة: يا رسول

الله، فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ ، قال: «ترخينه شبراً» ، قالت: إذن

تنكشف أقدامهنّ، قال: «ترخينه ذراعاً ولا تزدن عليه» [9] .

ثالثاً: ثياب الحرير على الرجال:

والأدلة عليه كثيرة، ومنها: حديث أنس (رضي الله عنه) أن النبي -صلى

الله عليه وسلم- قال: «من لبس الحرير في الدينا فلَنْ يلْبسه في الآخرة» [10] .

ويجوز عند الحاجة، كالأمراض الجلدية، فعن أنس (رضي الله عنه) قال:

«رخّص النبي للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة بهما» [11] .

ويجوز أيضاً إذا كان قليلاً: كرقعة في الثوب، أو تطريز، أو في أطراف

الثوب.. ونحو ذلك، بشرط ألا يزيد عرضه عن أربع أصابع، فعن سويد بن غَفَلة

أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية، فقال: نهى نبي الله عن لبس الحرير، إلا

موضع أصبعين، أو ثلاثٍ، أو أربع « [12] .

وعن أبي عثمان النهدي، قال:» أتانا كتاب عمر ونحن مع عتبة بن فرقد

بأذربيجان، أن رسول الله نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بأصبعيه اللتين تليان

الإبهام، قال فيما علمنا أنه يعني الأعلام « [13] .

رابعاً: كل ما فيه إسراف ومخيلة:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله -صلى الله عليه

وسلم-:» كلوا، واشربوا، وتصدقوا، والبسوا من غير إسراف ولا ... مخيلة « [14] .

ولعلّ من أبرز مظاهر الإسراف في اللباس: ما يحصل من كثير من النساء

في حفلات الأعراس، ونحوها.

خامساً: ما فيه تشبه بالكفار، أو تشبه بالفساق:

لقوله (عليه الصلاة والسلام) :» من تشبّه بقوم فهو منهم « [15] .

والأمثلة على التشبه كثيرة في واقعنا، ومنها:

المثال الأول: ما يسمى بالموضات، وهي تشبّه بالكفار إن كانت قادمة من

الغرب ونحوه أو تشبه بالفساق، سواء أكان في الثياب أو غيره، وكذا قصات

الشعر ... إلخ.

ومن الموضات التي انتشرت قريباً: لبس البنطال للنساء، ولو سلمنا بأن

ليس فيه تشبه، فإن المحاذير التي توجب منعه إذا لبسته المرأة أمام النساء أو

محارمها من الرجال غير الزوج كثيرة ...

مع التذكير بأن شكل البنطال كان واسعاً فضفاضاً في بداية تقديمه إلى

المسلمين؛ حتى يتقبلوه ويكسروا حاجز التردد والحياء في لبسه، ثم لم نلبث إلا

وقد امتلأت الأسواق بأنواع كثيرة من البناطيل الضيقة، التي استساغ لبسها بعض

النساء مع الأسف الشديد، فحذار حذار أيتها المؤمنة وأيها الغيور أن نتورط في

شراك الشيطان، وحبائل أهل الشرّ.

المثال الثاني: لبس الدبلة عند الخِطبة أو عقد الزواج، فهو تشبه ظاهر

بالنصارى.

المثال الثالث: ثوب العروس الأبيض، ذو الطرحة البيضاء، وقد التزمه

عدد كبير من الناس، وهي من عوائد الغرب المستوردة.

سادساً: ما فيه تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال:

لحديث ابن عباس (رضي الله عنهما) مرفوعاً:» لعن الله المتشبهين من

الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال « [16] .

سابعاً: ثوب الشهرة:

وهو ما قصد به الترفع الخارج عن العادة، أو التواضع والتخفض الخارج

عن العادة [17] ، لقوله:» من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلّة

يوم القيامة، ثم ألهب فيه ناراً « [18] .

ثامناً: المشي بنعل واحدة:

لحديث أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

قال:» لا يمشِ أحدكم في نعل واحدة، ليُحفهما أو ليُنعلهما جميعاً « [19] .

ومن المناسب هنا ذكر بعض السنن المتعلقة بلبس النعل:

الأولى: ما جاء في حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي -صلى الله

عليه وسلم- قال:» إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين، وإذا انتزع فليبدأ بالشمال،

لتكن اليمنى أولهما تنعل، وآخرهما تنزع « [20] .

الثانية: الصلاة في النعال: سُئل أنس بن مالك:» أكان النبي يصلي في

نعليه؟ قال: نعم « [21] ، وثبت من حديث شداد بن أوس (رضي الله عنه) قال:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:» خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في

نعالهم ولا خفافهم « [22] ، ولم يكن من هديه (عليه الصلاة والسلام) المداومة على

لبس النعلين في الصلاة، لحديث عبد الله بن عمرو (رضي الله عنه) ، قال: ... » رأيت رسول الله يصلي حافياً ومنتعلاً « [23] ، ومن المناسب: تقييد هذه السنّة

بعدم الإيذاء، كما في المساجد المفروشة اليوم.

الثالثة: أن يحتفي أحياناً؛ فعن عبد الله بن بريدة (رضي الله عنه) عن رجل

من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:» كان النبي يأمرنا أن نحتفي

أحياناً « [24] .

تاسعاً: التختم بالذهب [25] والحديد للرجال:

عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:» أنه

نهى عن خاتم الذهب « [26] ، وعن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) أن

النبي نهى عن خاتم الذهب، وعن خاتم الحديد» [27] .

أما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اذهب فالتمس ولو خاتماً من ... حديد) [28] : فلا دليل فيه على جواز لبس الخاتم للرجال، لأنه لا يلزم من جواز الاتخاذ جواز اللبس [29] ، وإنما فيه جوازه للنساء.

أما خاتم الفضة: فجائز للرجال، ويسن عند الحاجة إليه كالقاضي الذي

يحتاج إلى خاتم، والدليل: حديث أنس (رضي الله عنه) : «أن النبي أراد أن

يكتب إلى رهط أو ناس من الأعاجم فقيل له: إنهم لايقبلون كتاباً إلا عليه خاتم،

فاتخذ النبي خاتماً من فضة، نقشه: محمد رسول الله» [30] .

والسنّة: أن يوضع في الخنصر من اليد اليمنى أو اليسرى، وقد نهى النبي

-صلى الله عليه وسلم- عن وضعه في الموحِّدة (السبابة) والوسطى، أما البنصر

فمسكوت عنه، فيبقى على أصل الإباحة، والأدلة على ذلك:

1- عن أنس (رضي الله عنه) قال: صنع النبي -صلى الله عليه وسلم-

خاتماً، قال: إنا اتخذنا خاتماً ونقشنا فيه نقشاً، فلا ينقشن عليه أحد، قال: فإني

لأرى بريقه في خنصره « [31] .

2- ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في عدد من الأحاديث أن النبي -

صلى الله عليه وسلم- وضع الخاتم في اليمنى، وفي أحاديث أخرى أنه وضعه في

اليسرى، وقد اختلف أهل العلم في طريق الجمع بينها، ولعل أقرب المسالك جواز

الأمرين [32] . ومن تلك النصوص:

أ- حديث أنس (رضي الله عنه) ، قال:» كان خاتم النبي في هذه، وأشار

إلى الخنصر من يده اليُسري « [33] .

ب- عن علي (رضي الله عنه) :» أن النبي كان يتختم في يمينه « [34] .

3- عن علي (رضي الله عنه) قال:» نهاني رسول الله أن أتختم في إصبعي

هذه أو هذه، قال: فأومأ إلى الوسطى والتي تليها « [35] ، وعن أبي داود

التصريح بذكر الوسطى والسبابة [36] . وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015