الورقة الأخيرة
بقلم: أحمد بن عبد الرحمن الصويان
يتقطع قلب المسلم أسًى وحسرة على هذا الواقع المحزن لبعض المسلمين..!
يذوب قلب المسلم حزناً حينما يرى هؤلاء الجهلة والسذج وقد عبثت فيهم
البدع والشركيات..!
تتلى الأوراد البدعية، وتنشد المدائح الشركية، وتدور الرؤوس طرباً وهياماً
بدفوف ليالي الموالد المزعومة.
جماعات في إثر جماعات، وأفواج في إثر أفواج، يتقاطرون كالسيل المنهمر، يستنجدون بذلك المقبور، ويستغيثون به، يعفرون وجوههم بالتراب، ويتمرغون
على أعتابه، ويتعلقون بأستاره، وتسمع الصراخ والعويل الذي لا ينقطع من
الرجال والنساء: يا فلان أغثني.. يا فلان ارزقني..! !
يرحل أحدهم الليالي ذوات العدد، ويتكبد من المشاق الشيء الكثير، حاملاً
نذره ليذبحه بين يدي ذلك القبر، يلتمس القربى والبركة، ويطلب العون والمدد..!
سبحان الله.. هكذا يكون الإسلام عند هؤلاء الضلال؟ ، لقد سيطرت
الدروشة بصورها العبثية المختلفة وألوانها الشركية المتعددة، على عقول كثير من
المنتسبين إلى الإسلام.. كم هو محزن ومؤلم للنفس أن تطل علينا من جديد
الجاهلية بصورتها الأولى!
كيف يلذ لنا طعام، أو نهنأ بشراب، ونحن نرى هذه الخرافة التي تعبث
بعقول السذج وقلوبهم؟ !
هل يطيب لنا عيش ونحن نرى هذا الضلال ينخر في قلوب العباد، ويجعلها
ألعوبة بأيدي الدراويش والمخرفين ودهاقنة الفساد؟ !
إن هذه الجموع أمانة في أعناقنا، فأين العلماء.. وأين الدعاة والمصلحون في
مشارق الأرض ومغاربها..؟ !
ماذا قدمنا لتوضيح حقيقة هذا الدين، وشرح أصول التوحيد، وقواعد ... الشهادة..؟ !
لقد كان همّ التوحيد هو الهم الأكبر الذي يحمله الأنبياء (عليهم الصلاة
والسلام) ، قال الله (تعالى) : [وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إلاَّ نُوحِي إلَيْهِ أَنَّهُ لا
إلَهَ إلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ] [الأنبياء: 25] ؛ ولهذا كانت وصية النبي لمعاذ لما بعثه إلى
اليمن: البدء بالأهم فالمهم: (إنك ستأتي قوماً من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم
إلى أن يشهدوا أنّ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك
فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ... ) الحديث [1] .
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحمل هذا الهم حتى وهو في النزع
الأخير، ويحذر أمته من الشرك، ويقول: (لعنة الله على اليهود والنصارى؛
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا [2] .
فما أحوجنا إلى هذه الوصية والعض عليها بالنواجذ، فالتوحيد بشموله وكماله
هو المنطلق الأساس للدعوة، وهو أولى الواجبات الدعوية التي يلزم الاعتناء بها.
وكم يحزن المرء حينما يرى بعض الدعاة يجعلون همهم الأكبر هو الاشتغال
بالفروع دون الأصول، أو حينما يتخبطون في متاهات جدلية وكلامية تشغلهم عن
هم التوحيد.