حوار
الشيخ عبد المجيد الريمي في حوار صريح
عن هموم الدعوة وواقعها في اليمن
التحرير
فضيلة الشيخ عبد المجيد الريمي علم بارز من أعلام العلم والدعوة في اليمن،
له جهود مشكورة في تأصيل العلم الشرعي ونشر منهج السلف الصالح، ويسرنا في
هذا العدد أن نجلس إليه، نستأنس بعلمه وفضله، وقد أراد الشيخ عبد المجيد
(حفظه الله) أن يبدأ هذا الحوار قائلاً:
أشكر الإخوة القائمين على مجلة البيان، وأسأل الله لهم التوفيق والنجاح في
رسالتهم المهمة، وهي: توعية الأمة، وإزالة الغثائية الفكرية والسطحية المعرفية،
وتأصيل المسائل، وتقرير الدلائل، والجواب على المشكلات الدعوية والعقبات
التي تواجه العاملين بأسلوب علمي هادئ، وأعترف هنا بأننا نستفيد كثيراً من
بحوث هذه المجلة العظيمة في مسائل دعوية وتربوية ووعظية وعلمية وتاريخية..
وغير ذلك، فجزى الله الكاتبين والعاملين فيها خير الجزاء.
الشيخ عبد المجيد الريمي من أبناء الدعوة السلفية في اليمن وأحد رموزها
البارزين، فما تقويمه لمسيرة هذه الدعوة؟ وما الطرح الذي يراه لمعالجة التشرذم
الواقع بين أبنائها؟ .
- لا شك أن الدعوة السلفية في اليمن قد حقق الله بها خيراً كثيراً في مجال
العقيدة والتعليم والدعوة والاتباع، حيث واجهت هذه الدعوة كثيراً من العقائد
الصوفية والشيعية بقوة الحجة والأدلة ووضوح المعتقد السلفي، فأحدثت تجديداً
ملحوظاً في عقائد الناس وتصوراتهم، وقللت نسبة الخرافة، وكثر المناصرون لها
من أهل التوحيد، وأصبحت هذه الدعوة في كل المدن والقرى في اليمن بفضل الله، وكذلك: كثرت المراكز العلمية التي تعنى بالعلم الشرعي وتفقيه الناس بدينهم،
وتجوب أنحاء اليمن قوافل من الخطباء والوعاظ والدعاة من مختلف هذه المراكز
العلمية المباركة، وظهر حرص كثير من الشباب على اتباع السنة قولاً وعملاً،
فلله الحمد.. وعلى كل حال: ففي حَمَلة هذه الدعوة ما في غيرهم من منافذ لتسلل
الخطأ إلى فرد أو مجموعة، لأن العصمة للمنهج السلفي وليست لأفرادٍ أو مجموعة
من حملة هذا المنهج، ولكن كما قال (تعالى) : [فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى
اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاًوِيلاً] [النساء
: 59] فبذلك يحاصر الخطأ ويبقى المنهج العام والخط الواضح هو اتباع الدليل من
قرآن وسنة، وأما معالجة التشرذم: فيكون بتحقيق أصول أهل السنة وجعلها مناط
الاجتماع والافتراق وفصلها [أي: هذه الأصول] عن مسائل الاجتهاد التي تختلف
فيها الأنظار والاجتهادات، فلا يشنع على المخالف فيها ويفارق من أجلها.
تموج اليمن دعويّاً بخليط من التوجهات المتباينة، فيجد المتأمل مثلاً:
إعراض فريق عن النص الصحيح تحت مبرر ما يسمى بالمصلحة، ويجد فريقاً
آخر ذا نزعة ظاهرية مفرطة في تعامله مع النصوص وأخذه لها بشكل يجعله بعيداً
عن اتباع منهج السلف في فهمها الذي يراعي القواعد الأصولية: من حمل للمطلق
على المقيد، والعام على الخاص، ورد المتشابه إلى المحكم.. ونحوها، فهل
ترون من خطورة حقيقية كبيرة على مسيرة الدعوة الإسلامية في اليمن من هذا
التباين، وما الطريق الأمثل من وجهة نظركم لمعالجته؟ .
- الواقع الدعوي في اليمن كما ذكرت فيه من الدعاة من يغلب جانب الواقع
المفروض، فيرى ضرورة التفهم للمتغيرات التي حدثت وتحدث، بحيث تتطور
الدعوة بتطور المتغيرات، وربما يحتج بالمصلحة إذا واجَهْتَه بالدليل، وليس النزاع
في تقرير كون المصلحة مطلباً شرعيّاً ودليلاً علميّاً؛ لأن هذا أمر مسلم به؛ لأن
الشريعة مبناها على المصالح والمفاسد: فَتُقَدِّم خير الخيرين بتفويت أدناهما،
وتُفَوِّت شر الشرين بارتكاب أدناهما، ولهذا الأمر أدلته الكلية والجزئية المبثوثة في
الكتاب والسنة، وإنما النزاع في: هل ما يرتكب من مخالفات فيما نراه ينطبق عليه
هذا الأصل، بمعنى: هل المصلحة الشرعية المعتبرة شرعاً متحققة بحيث قد
ترجحت لديه المصلحة، أم إن المستدل بهذا الأصل ربما غفل عن جوانب متعددة
من المفاسد؟ ، وبعض هذه المفاسد لا ينطبق عليها هذا الأصل المتقدم، أي: إن
المصلحة الشرعية إنما هي في اجتناب تلك المخالفات باسم المصلحة لا ارتكابها
باسم المصلحة، وذلك مثل الاعتراف بالمبدأ الديمقراطي وتحكيم الأكثرية في مسائل
عقدية في التحليل والتحريم والولاء والبراء، ومثل الاعتراف بالأحزاب العلمانية
وحقها في الوجود وممارسة سياسة الأمة وحكمها بمبادئها العلمانية المعروفة، ومن
المعلوم شرعاً أن مسائل العقيدة لا تخضع للإلغاء والتسامح مع المخالفين بحجة
المصلحة، وخاصة أن المطلوب التنازل عنه يصبح مبدأً ومنهجاً بالتدريج، فأول
ما يستدل به المتنازلون هو أن الوقت حرج، والضرورة مفروضة، ثم مع مرور
الأيام يرتفع هذا الأسلوب ويصبح التعبير عنه: بأنه الحل الأسلم، والخيار الأفضل، وأنه خير من العنف، ثم يصبح هو الحل الواجب والوحيد، وقد ذكرنا سابقاً أن
المصلحة في مسائل العقيدة تكون في التزامها والتمسك بها والبراءة مما يخالفها [ ... فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ]
[يونس: 41] [قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا
وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ] [الأعراف: 89] ، وقال: (ثلاث من
كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن
يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في
النار) (متفق عليه) ، فأنت ترى أن المصلحة هنا هي أن يقذف في النار، وليس
بالتنازل من أجل مصلحة البقاء على حياته، وفي الحديث المذكور في كتاب
التوحيد (دخل رجل النار في ذباب ودخل رجل الجنة في ذباب) (على ما قيل في
سند الحديث) .. فالتنازل بذباب أوجب دخول النار، والثبات والتمسك بالعقيدة
والامتناع عن التنازل ولو بذباب يتقرب به إلى الطاغوت أوجب دخول الجنة، وقد
قال (تعالى) : [إنَّ الَذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى الشَّيْطَانُ
سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي
بَعْضِ الأَمْرِ] [محمد: 25، 26] ، ومن المعلوم أن العلمانيين يكرهون ما نزّل الله
قطعاً، ولم يأتوا بهذه الحلول المستوردة إلا للتخلص من هيمنة الشريعة عقيدة
وحكماً، فطاعتهم وموافقتهم على هذه الحلول تحقق لهم هذا الغرض الخبيث، ولم
يبق إلا أن يقول الدعاة السالكون هذا المسلك: نحن لا نعترف بمفهوم الديمقراطية
الغربية، فيقال لهم: لكن خصومكم من العلمانيين يريدونها بهذا المفهوم، وهم أقوى
وأنتم أضعف، فكلما رجعتم إلى الضوابط الشرعية قالوا أنتم غير مؤمنين ولا
معترفين بالديمقراطية في الحقيقة، فيلزمونكم بالجدية بالالتزام بها، فيبدأ النزاع في
صفوف العاملين في هذا المسلك بين المحافظ والمتساهل؛ فيؤدي ذلك إلى انشقاقات
وتكتلات تضعف الدعوة والدعاة، ويتسلل الخصم إلى الشخصيات الأقرب إلى
التفاهم معه، فيحدث من سوء الظن والكيد وعدم الثقة ما هو معروف، ثم إن
المصلحة المرجوة قد تبددت بوضع العراقيل وعدم التمكين وعدم القدرة على ... الحركة؛ سبب القيود المفروضة والقوانين واللوائح التي لا يجوز الخروج عنها؛ لأنها ثوابت، وظهرت مفاسد عظيمة، منها: دعوى عدم قدرة الدعاة على الإصلاح، ومنها: فصل الشعب عن الحركة الإسلامية وتحجيمها في حزب، ومنها: إحراق الشعبية؛ لعدم تحقق الوعود.. وعندما يصل الأمر إلى منتهاه تقع الضربة القاصمة (لا سمح الله) وقد وصل الخصم إلى بغيته، من تضييق إطار الحركة الإسلامية وفصلها عن الشعب، ليضربها وهو آمن من غضب الشعب، وقد شوه أهدافها بأنها لا تختلف عن الأهداف التي يحملها الآخرون، وهي حطام الدنيا.
وفي المقابل يأتي الفريق الآخر من الدعاة فيطرح نفسه بأنه البديل، فإذا هو
يطرح أطروحات ويأتي بحلول يُعلم سلفاً أنها لن تؤدي إلى تحقيق أهداف الدعوة
الإسلامية، مثل: حصر الإسلام ودعوته في طلب العلم ويقصد بالعلم علماً معيناً،
والمنع من التكتل والاجتماع على الأهداف والوسائل التي يرجى بها تحقيق غايات
الدعوة الإسلامية، ومعاداة تلك التكتلات، والتحذير منها، والسعي لتفكيك اجتماعها، وتبديد جهودها، والتشكيك في أهدافها، بل وينصح المسلمين بألا يتعاونوا معها،
ويرفع شعار الولاء للأنظمة الفاسدة، وتأصيل ذلك بأن ذلك هو معتقد السلف..
وليس الخلاف حول صحة هذا الأصل وهو الطاعة للحاكم المسلم في طاعة الله،
وإنما الخلاف حول تحقيق مناط تطبيق هذا الأصل، ثم يأتي بحلول نظرية غير
واقعية، إذ لا يملك منهجاً واضحاً شاملاً للتغيير وتطبيق شرع الله، فلا هو تبنى
الدعوة بشمولها وخاطب الأمة وحركها بمنهج يستوعب جميع طاقاتها، ولا هو
أفسح المجال لمن يسعى إلى ذلك وتعاون على البر والتقوى، وياليت الاختلاف
منشؤه في اعتبار المرحلية، لهان الأمر، ولكن الأسس المهمة في عملية التغيير
الشامل، وأهمها: قيام جماعة الدعوة بنظامها الذي يحقق معنى الجماعة يعتبر بدعة
عند هذا الفريق، فمتى ستصبح البدعة سنة! ... فيجمد على مسائل فرعية يتبناها
ويرتب عليها الولاء والبراء والسنة والبدعة، ويشن حرباً لا هوادة فيها على
مخالفيه في هذه الفروع، ويجعل ذلك أولى أولويات دعوته، ويُحَوِّل المعركة إليهم، وكان ينبغي أن تتوحد الجهود على أصول أهل السنة والجماعة لمواجهات طرق
الكفر والبدع المشهورة التي هي ظاهرة للعيان، وليس مواجهتها محل خلاف،
والذي ينبغي على هذا الفريق هو فقه الأولويات، ومواجهة الأفسد فالفاسد فما دونه، ومراعاة فقه المصالح وأحكام الضرورات، وتبني الأصول العقدية والاجتماع
عليها، والسعي لجمع شتات الأمة على منهج واضح، والسير بها نحو تغيير الواقع، لا تخذيلها وتثبيطها، وعدم الاستغناء عن العاملين للإسلام أو محاولة إلغائهم
وتجاوز جهودهم وأعمالهم، وفتح باب التشاور والمدارسة العلمية لما تحتاجه الدعوة
بين جميع الفصائل المنطوية تحت شعار أهل السنة والجماعة، وتربية النشء
تربية صحيحة متكاملة، ومن أهمها: أن يفقه الهدف والغاية من التعليم والدعوة،
وهو: إقامة شرع الله في جميع مجالات الحياة، وإعطاؤه تصوراً واضحاً لكيفية
التغيير في جميع المجالات السياسية والتعليمية والاقتصادية والإعلامية.. وغير
ذلك، وتحديد موقف واضح من مقالة (ما لقيصر لقيصر وما لله لله) أو من مبدأ
(ليس في الإمكان أحسن مما كان) .
وعلى الفريق الأول صدق الالتزام بأصول أهل السنة، فإن واقعه يتنافى مع
تلك الأصول أو بعضها، والسعي لنشر تلك الأصول وتعليمها، وتربية الشباب
على ضوئها، وتحديد الموقف من المخالف فيها ومن أهل البدع المشهورة، والسعي
لتوحيد العمل الإسلامي انطلاقاً من تلك الأصول، وعدم التعجل في قطف الثمار
قبل أوانها؛ فمن تعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه.
تَصَدّر الأحداثُ للدعوة والفتوى، وعدم ترتيب الأولويات، وعدم التربية على
العمل بالعلم والتحلي بآدابه، وعدم مراعاة منهج السلف في النقد للآخرين والتعامل
معهم، وضعف فقه إنكار المنكر، وعدم إنزال الناس منازلهم.. ونحو ذلك:
مخاطر حقيقة داخلية تواجه مع عدم قولنا بالتعميم التيار السلفي في اليمن، فما
تعليقكم؟ وهل من كلمة موجزة توجهونها لأبناء التيار السلفي عامة في هذا الصدد؟
- ما ذكرته في سؤالك من تصدر الأحداث للدعوة والفتوى، وكذلك للجرح
والتعديل.. إلخ: هذه مصيبة عظيمة، وخطورة كبيرة، وتقع المسؤولية في ذلك
على العلماء المتصدرين للتعليم والفتوى والتربية، فكل عالم عليه مسؤولية توجيه
طلبته التوجيه السليم، وإلا فإثمهم عليه؛ لأنه لم يمنعهم من الوقوع في الأخطاء،
لأنهم غير مؤهلين، بل (ترك لهم الحبل على الغارب) ، وعلى أبناء الدعوة السلفية
الإقبال على إصلاح أنفسهم، وتكميل تربيتهم على الحق والعدل والرحمة، والتأسي
بمنهج الرسول في اللين والحكمة والعلم والعدل والإنصاف واحترام أهل العلم؛ قال
(عليه الصلاة والسلام) ما معناه: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا
ويعرف لعالمنا حقه) (?) وكذلك: من الخطأ أن يتصدى للدعوة من لا يفقه مراتب
المصالح والمفاسد، ولا يعرف كيف يتعامل مع المصالح والمفاسد عند التزاحم،
فربما أنكر منكراً بطريقة تؤدي إلى منكر أكبر، وربما والى وعادى على مسألة
فترتب على ذلك فساد أعظم، وربما تشدد في مسألة وتساهل فيما هو أعظم..
وأمثال ذلك من الأمور التي يفتقد كثير من هؤلاء حيالها ميزان العلم والعدل والتقوى
وفقه خير الخيرين وشر الشرين، والمسؤولية تقع اليوم على المربين والعلماء
لتدارك مثل هذا الانحراف، وإلا فالمخاطر عظيمة، والله أعلم.
ما المخاطر التي تواجه الدعوة الإسلامية في اليمن من خارج أبنائها؟ نأمل
ذكرها مرتبة حسب الأهمية من وجهة نظركم.
- المخاطر التي تواجه الدعوة الإسلامية في اليمن من خارج الصف الإسلامي
كثيرة وخطيرة، من أهمها في نظري:
1- الأحزاب العلمانية بكافة أشكالها من اشتراكيين وقوميين بعثيين وناصريين وغيرهم، وكذلك: دعاة وأنصار الديمقراطية الغربية بمفاهيمها السياسية
والفكرية والأدبية.. وغيرها، وخاصة أنهم استطاعوا أن يجرّوا فصيلاً كبيراً من
الدعاة إلى الله إلى المعارك التي يكون المهاجم فيها هو الفريق العلماني، حيث يثير
الشبهات ويشكك في قدرة الإسلاميين على فهم واقعهم والقبول بمتغيراته، فيدافع
ذلك الفصيل من مواقع الانهزام، وأنه لا معارضة بين الإسلام وكذا وكذا، وأن
الإسلام يقبل كذا وكذا، وكل يوم يزداد الضغط فيزداد الضعف والانصهار في بوتقة
الحلول المستوردة، فينتج عن ذلك مخاطر، منها: عدم إيصالنا إلى الأحزاب
العلمانية مفهومنا الإسلامي الواضح للمسائل والمفاهيم السياسية ومقارعتهم بالدلائل
القرآنية والأحاديث النبوية، ومنها: أن العلمانيين يشعرون بالتفوق عندما يحسون
منا موافقة على حلولهم المستوردة وانبهارنا بما استوردوه، تماماً مثل انبهارنا
بالتقنية الصناعية الوافدة إلينا، ومنها: حصول انشقاقات في الصف الإسلامي بين
موافق ومخالف ومتهم بالتشدد وعدم الواقعية ومتهم بالتميع والمؤامرة، بل وربما
(بيع الآجل بالعاجل) وغير ذلك من المخاطر.
2- الحكومات والأنظمة المشبوهة التي تعمل على تفكيك الصف الإسلامي
وإثارة نزاعاته وخلافاته القديمة والحديثة وتأجيج نيران العدوان والشقاق، نظراً
لعدم الوعي السياسي لدى كثير من أبناء الصف الإسلامي، وعدم تفطنهم للاستخدام
المباشر وغير المباشر لهم من قِبلَ تلك الأنظمة في ضرب إخوانهم، وفي ضرب
بعضهم بعضاً، بحجة: هذا متساهل، وهذا متميع، مما يؤدي إلى القضاء على
الجميع.
3- الأحزاب البدعية، مثل: الباطنية والرافضة وغلاة الصوفية، فإنها خطر
محقق؛ نظراً لمواقفهم التاريخية دائماً مع أعداء الإسلام والتآمر على الإسلام
الصحيح وحملته، وبثهم مفاهيمهم المنحرفة باسم الإسلام، وفي ثياب الإسلام
وشعاراته ومواقعه.
4- العقلانيون التجديديون واليسار الإسلامي كما يسمونه وغيره من دعاة
النزعة العقلية ومعارضة الشرع بالعقل، أو تسليط العقل على الشرع ليمسخه
بمفاهيمه التي تخالف ما استقر من المفاهيم التي مضى عليها سلفنا الصالح.
تلك في نظري أبرز وأهم المخاطر، والله أعلم.
ما أبرز احتياجات اليمن دعويّاً؟ وما واجب العلماء والدعاة أفراد ومؤسسات
تجاه ذلك؟ .
- أبرز احتياجات اليمن دعويّاً هي المؤسسات التعليمية والتربوية القائمة على
أصول ومنهج أهل السنة وعلى الفهم الشامل للإسلام فهماً صحيحاً ومتوازناً في
الاهتمام بالقضايا التي تهم الأمة، ويأتي بعد ذلك الشعور بالمسؤولية والانطلاقة
الدعوية بجد واجتهاد لشرح قضايا الإسلام للأمة، وإعلامهم بواجبهم أمام دينهم
وأمتهم، ويأتي بعد ذلك: الاهتمام بهموم الناس ومشاكلهم والمشاركة في حلها
بحسب الطاقة.. ويقوم على ذلك كله علماء مربون وفاهمون لما تحتاجه الأمة،
ومدركون للمخاطر التي تواجه الدعوة، وعلى المؤسسات الدعوية والعلماء السعي
لتحقيق ذلك بكل أمر ممكن شرعاً.
الأحزاب العلمانية، التشيع المنحرف، التصوف الضال، الفرقة الإسماعيلية، الفكر الاعتزالي، الفكر الخارجي: انحرافات عقدية لها وجود ملحوظ في اليمن،
فما الطرق المثلى من وجهة نظركم لوقاية الشارع اليمني وتحصينه من مخاطرها؟
- الطريق المثلى من وجهة نظري هي: نشر العلم النافع، ونشر عقيدة أهل
السنة والجماعة، وتحذير الأمة من المفاهيم الدخيلة على الإسلام، والسعي الجاد
لاحتواء شباب الأمة في الأطر الدعوية التي تحمي شباب الأمة من الوقوع في شباك
هذه الفرق الضالة.
عدم مراعاة منهج أهل السنة والجماعة مع المخالفين من أبرز سمات تيار
عريض من أبناء الدعوة السلفية في اليمن، فما أبرز مقومات ذلك المنهج لدى سلفنا
الصالح من وجهة نظركم؟
- أبرز مقومات ذلك المنهج السلفي العظيم في التعامل مع المخالف:
1- الرسوخ في العلم، فأنصاف المتعلمين يفسدون أكثر مما يصلحون.
2- تحرير محل النزاع والابتعاد عن الإجمال والإبهام والتهويش على
المخالف.
3- العدل في الحكم على المخالف، ولو جار عليك وظلمك، قال (تعالى) : ... [وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ] [الشورى: 15] هذا مع أهل الملل، فما بالك مع الفصائل
الإسلامية الدعوية.
4- حسن الظن بالداعية المسلم وحمل كلامه على ما أراد، لا على ما تريد
أنت من التشنيع عليه وتحميل كلامه ما لايحتمل، نظراً لما نعلمه من مقصده
الحسن وسابقته في الإسلام والدعوة.
5- الحرص على أن يكون القصد من الحوار جمع كلمة المسلمين وتوحيد
صفوفهم، لا أن يكون تشقيق العمل الإسلامي وتقسيمه هدفاً مقصوداً من الحوار
والردود.
6- المحافظة على بقاء الولاء والمناصرة، وألا تجعل الردود على المخالف
وسيلة للقضاء على هذا الأصل العظيم: [إلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ
كَبِيرٌ] [الأنفال: 73] .
7- الشهادة والاعتراف بما أحسن فيه المخالف وأجاد ووافق فيه الحق، لقوله
(تعالى) : [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاس] [البقرة: 143] ، ولا نتعامل مع بعضنا بالمبدأ اليهودي والنصراني الذي حكاه القرآن الكريم: ... [وَقَالَتِ اليَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ اليَهُودُ عَلَى شَيء ٍ
وَهُمْ يَتْلُونَ الكِتَابَ] [البقرة: 113] .
هذا ما استحضره في أصول المنهج السلفي في الرد على المخالف.
يشاع بأن فئة عريضة داخل التيار السلفي في اليمن تتبنى مفاهيم خاطئة
وتصورات مغلوطة نتج عنها بلبلة داخل التيار السلفي ... نأمل إيضاح حقيقة الأمر، وذكر أبرز تلك المفاهيم إن وجدت.
- هناك بعض المفاهيم الغريبة لبعض المنتسبين للمنهج السلفي في اليمن لا بد
من تحذير شباب الدعوة السلفية منها، وبيان أنها دخيلة على منهج السلف، منها:
1- زعمهم أن الإنصاف مع المخالف والموازنة بين حسناته وسيئاته ليس
مشروعاً، ويكفي في الرد على هؤلاء مراجعة أي كتاب من كتب الرجال، ومواقف
السلف من مختلف الاتجاهات التي حملت الحديث ونقلتْهُ، وكيف تعامل أئمة
الحديث معهم.. ثم إنهم متناقضون؛ فهم يطبقون مبدأ الموازنة إلى حد الميوعة
المفرطة بل والتغافل التام عن مساوئ الأنظمة الحاكمة بأمرها، ويفتشون عن
عيوب حملة الدعوة ويشيعونه، بل ويلفقون التهم، ويمنعون الحديث عن عيوب
تلك الأنظمة ويطوونه ولايروونه، بل يجعلون من تحدث عنه من أهل البدع! .
2- من المفاهيم الغريبة جدّاً: زعم بعضهم أن التشريع والتقنين الذي يُحلل
فيه الحرام ويُحرم فيه الحلال ليس كفراً أكبر، وإنما هو كفر عملي أصغر،
وبعضهم يقول: حتى يعتقد، ولا يعرف اعتقاده حتى يصرح ويستحل باللفظ! أما
الكتابة عندهم فليست تصريحاً، مع أنه من الناحية الشرعية: الحكم المترتب على
التلفظ لا يختلف عن الحكم المترتب على الكتابة.
3- ومن ذلك: التبديع والتفسيق للمخالف في مسائل اجتهادية، وإخراج من
يخالفهم من إطار أهل السنة، فمثلاً: نسمع كثيراً من الأسئلة في المحاضرات
والدروس: هل الإخوان المسلمون من أهل السنة والجماعة؟ هل جمعية الحكمة
والقائمون عليها من أهل السنة والجماعة؟ فهذا يقول هم من أهل السنة في بعض
الأمور، وذاك يتوقف، وكأن الحكم بأن هذا سني وهذا بدعي راجع إلى اجتهادهم،
وليست المسألة محسومة بأصول أهل السنة المعروفة وأن من التزم بها فهو سني
شئنا أم أبينا، فالدين دين الله، والجنة بيد الله، وليس عندنا صكوك غفران ولا
صكوك حرمان من رحمة الله.
4- ومن ذلك: رمي المخالف بالألفاظ المجملة وبأسماء لا تعتبر في منهج
أهل السنة والجماعة من ألفاظ المدح والذم بالإطلاق، مثلاً: يقولون: فلان حزبي، وفلان ليس بحزبي، فإذا قلت لهم: ماذا تعنون بالحزبي؟ أهو الرجل المتعصب
لجماعته أو لشيخه أو لقبيلته بالباطل؟ فهذا مذموم، ولكن هذا المرض يوجد فيكم
بكثرة يجعل نقدكم لهذا المعنى لا معنى له.. أم تريدون التحزب والتجمع على الحق
والتعاون على الدعوة تحزباً مذموماً؟ فإن أردتم ذلك فهذا ليس عيباً شرعيّاً.. إن
هي إلا أسماء سميتموها، ما أنزل الله بها من سلطان.
5- ومن ذلك: تصوير الجماعات الإسلامية وكأنها العدو الأول والخطر
الأكبر، وجعل محاربتها أولى الأولويات، بل عندنا شيخ كبير يُرجع إليه بالفتوى
يجعل الجماعات الإسلامية دسيسة من دسائس اليهود والنصارى! ! وأنها كما يقول
أنشئت لتحطيم الدين.. نعوذ بالله من هذا الحكم العجيب والفهم الغريب! ! .
6 - ومن ذلك: هجر المخالف في مسائل الاجتهاد، ومقاطعته، والتقليل من
مكانته، وهضمه حقه، ونبزه بالألقاب، واعتباره أنه ليس بعالم، وأن العالم فلان.
7- ومن ذلك: قبولهم في الجرح والتعديل والتفسير والتبديع لمجرد أن الشيخ
الفلاني قال فلان مبتدع والجماعة الفلانية مبتدعة، وبعبارة أخرى: وقعوا في
التقليد في الأصول مع زعمهم أنهم من المحاربين للتقليد في الفروع.
8- ومن ذلك وهو أخطر هذه المفاهيم: كلها أنهم لا يحملون منهجاً تغييريّاً
واقعيّاً متحركاً، فالجماعات بدعة، والعمل الجماعي المنظم بدعة، فإذا قلت لهم:
سلّمنا أن الجماعات كلها بدعة، وأنكم أهل الحق، فما هو منهجكم في التغيير؛
حيث إن هناك أنظمة علمانية، تحكم بالعلمانية والاشتراكية والديمقراطية، وتقر
الأحزاب العلمانية، وتسمح لها بالدعوة إلى الردة، وتبيح المحرمات.. كيف
ستواجهون هذه الأمور؟ فيقولون: نُعَلِّم، فيقال: ثم ماذا إذا عَلّمْتُم؟ ! ، وهل
بالتعليم وحده يزول كل هذا الفساد؟ ، وبعبارة أخرى: اشرحوا لنا كيفية المنازعة
التي أشار إليها الرسول عند ظهور الكفر البواح، فلا نجد جواباً، وقد صرح
بعضهم من حملة هذا الفكر في خارج اليمن والعياذ بالله بأن مقولة (دع ما لقيصر
لقيصر وما لله لله) كلمة حكيمة تصلح لواقعنا اليوم! .. نعوذ بالله من الخذلان.